آية ،، وهداية

{ مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآَتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } ـ

العنكبوت 5 ـ
هي بشارة لأهل الرجاء مع أن لقاء الله كناية عن الموت الذي
يقشعر له أهل الخوف .. بين الخوف و الرجاء يعبر القلب
إلى حيث يسمع السميع خفقاته و يعلم العليم خفاياه
.. نحن هنا نتمرن على الألفة مع الموت لاستشعار الشوق إلى المحبوب
فكيف نحبه و لا نرجو لقاءه ؟!

{ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو

دُعَاءٍ عَرِيضٍ } ـ فصلت 51 ــ
بين العطاء و بين البلاء تماوج أحوال من إعراض في الرفاهية عن

الحق و بمنأى عن الجهة الأصفى
إلى إقبال طفولي باستغاثة الجزع ... عجباً لهذا الإنسان بقدر ما يبدو

فولاذي الأعصاب حال النعمة بقدر
ما يتضرع بمسكنة حال النقمة من غير اعتدال .. الإعراض مخزي

والدعاء مخجل .

{ مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا } ـ
النساء 147 ـ
لا يكون عذاب الله تشفياً لأنه لا يكره خلقه و لا يكون لمنفعة لأنه غير
مفتقر إليه
فإنما يتشفى بالعذاب مريض النفس و إنما ينتفع بالقمع الجائر الضعيف
فلا يصح تصوير الله بصورة الطغاة ، و إنما عذابه للمجرمين على أساس
الاستحقاق
كما يشكر الشاكرين باستحقاقهم .. يا من هو غني عن عذاب خلقه ارفع عنّا
هذا العذاب ..

{ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا } ـ

النساء 148 ـ
الترقي في مدرج الكمال يعني التنزه عن قول السوء مطلقاً ، و حتى المظلوم

لا يقول السوء و إنما يجهر بمورد الإساءة
و يتحدث عن ظلامته و هذا ليس قول سوء ، فليس له أن يشتم و لا يذكر سوء

ظالمه إلا في نقطة التظلم
بل العفو عن السوء أرقى ، و هو الملائم للجمال الرباني و الأقرب إلى ما يحب
الله . وأما مثل السب و التجريح
فما هو إلا استغراق في عوالم السوء

{َ يابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى
ذَلِكَ خَيْرٌ } ـ[الأعراف:26]
عري الأعماق أصعب من عري الأجساد حتى لو تعرى الجسد فإنه يجانب
عري النفس
اللباس يواري السوءة و يزين المظهر ، ثمة لباس أهم هو ذلك الذي يحجب
الرذائل
ذلك الثوب الأصيل ، لأن العفة ما لم تكن في الأعماق فلن تحققها الأزياء
الظاهرية ، حين لا يحجب
الحجاب الرذيلة و لا يصون الذات، هنا نجد لباسين أجودهما اللباس
الباطني لا الظاهري .

{ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْك إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَة الْحَيَاة الدُّنْيَا لِنَفْتِنهُمْ

فِيهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ }
ــ[ الحِجر88 ]
الآية ترصد لواعج النفس بين الانبهار برفاهية العيش لأول وهلة وبين

الحزن على المترفين بعد عمق الرؤية ،
فليس لك أن ترغب في أملاك الآخرين ، و لتعلم أن الإيمان هو الغنى فإذا

صغرت في عينيك المادة ، فلا يأخذك الحزن على ضلال الماديين إلى حد

الأسى ، و إنما عليك أن تطمئن إلى ما أنت فيه من غنى الإيمان و التواضع

لمن معك من الفقراء ففيهم الخير و بهم الاستغناء .. تلك هي التسلية

للترفع عن غريزة التملك و التسامي المعنوي وبغير ذلك يكون الوقوع في

الهزيمة النفسية و التعثر في شلل الإرادة .

{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }
[الزمر 53]
رحمة الله وسعت كل شيء ليس بيد أحد تضييقها بتزمته بهواه
بعصبياته بقبلياته بمعتقداته ..
لأنها رحمة رحيم لا منحة لئيم ..لا أكبر من هذا الأمل و لا أوسع من
هذه الرحمة فكيف يقنط المستغفر ؟
و كأن ليس في القرآن أوسع من هذه الآية ، فالرحمة تسبق الغضب
ولا يتعاظم ذنب على الغفران ، نحن لم نرتكب
فعلة وحشي قاتل حمزة الذي أسلم بعد هذه الآية ..فلا تضيقوا الواسع
ولا تنفروا من دين الرحمة بالفكر القنوطي .

{ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا
يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ
بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } ــ
[ الحشر 9 ]
لا تقف عند تاريخية المهاجرين و الأنصار والذكرى العطرة فأنت إن لم
تكن مهاجراً كن أنصارياً لأن الدنيا تدور
.. لا تعط فقط و إنما اتصف بحب العطاء و لتكن حاجة العطاء لديك أقوى
من حاجة الأخذ ..هنا صفات خمس مضادة
للنفس الأمارة بالشح و الجشع ..فكم تحتاج إلى ضخ النور للاستغناء
عن أرصدة الزوال ..ليست هي قضية لجوء الأجسام بقدر ما هي قضية
لجوء الأرواح إلى الحب الأعلى للوقاية من حب الدنيا الباعث على الشح
والفقر .
و في الآية ما يذهل الأرض المتأرجحة بين الإثرة و الإيثار ، بين الأخذ والعطاء .

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ

لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ـ[ البقرة 183 ]
لعلكم ؟ لعل حرف ترجي ! لِم لا تكون النتيجة حاسمة ؟ فكيف يرجو القادر

التقوى و كل شيء بقبضته ؟ وكيف يرجوها العالم بكل شيء؟.. هل هي

للوقوف المهول على حد الخوف و الرجاء ؟ أم قال لعل لتعظيم مقام

التقوى ؟ أم لصعوبتها على النفوس ؟ أم ربما إشارة إلى منح التخيير

في القرار الانساني ؟ أم كل هذا مجاز للتفنن في الخطاب و التفكر في

المعني؟ أم هو الترجي بالنسبة للمؤمنين برجائهم التقوى ؟ أم هو وجوب

التقوى بتعبير لطيف رقيق ؟ أم أن لعل للإطماع و التشويق ؟ ..اللهم إني

صائم و لعل (لعلكم تتقون) فيها كل هذه المعاني أو بعضها ..ما أعظم آياتك .
( الأحد ظهرا أول نهار في رمضان)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ

لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } ـ[ البقرة 183 ]
لعلكم ؟ لعل حرف ترجي ! لِم لا تكون النتيجة حاسمة ؟ فكيف يرجو

القادر التقوى و كل شيء بقبضته ؟ وكيف يرجوها العالم بكل شيء؟..

هل هي للوقوف المهول على حد الخوف و الرجاء ؟ أم قال لعل لتعظيم

مقام التقوى ؟ أم لصعوبتها على النفوس ؟ أم ربما إشارة إلى منح

التخيير في القرار الانساني ؟ أم كل هذا مجاز للتفنن في الخطاب والتفكر

في المعني؟ أم هو الترجي بالنسبة للمؤمنين برجائهم التقوى ؟ أم هو

وجوب التقوى بتعبير لطيف رقيق ؟ أم أن لعل للإطماع و التشويق ؟ ..

اللهم إني صائم و لعل (لعلكم تتقون) فيها كل هذه المعاني أو بعضها ..

ما أعظم آياتك .
( الأحد ظهرا أول نهار في رمضان)

» الفرق بين هداية الله وهداية النبي