لقد قضت مشيئة الله أن خلق الناس برحمته متشابهين لا متطابقين، فقد خلقهم من نفس
واحدة؛ ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [الأعراف: 189]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [النساء: 1].
فهناك خصائص مشتركة بين بني البشر يتميز بها الإنسان عن باقي المخلوقات، وفي
الوقت نفسه جعل الله البشر مختلفين في الخصائص الإنسانية، فهم درجات متفاوتة في
كل خاصية من خصائص الإنسان.
﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ
إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأنعام: 165].
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].
لقد قضتْ سُنَّة الله سبحانه وتعالى في خلقه أن يكونوا مختلفين، وهذه السنة الإلهية
العظيمة كانت منذ بداية الخلق، ففي الحديث: عَن أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ قالَ: قالَ رَسُولُ
اللَّهِ صلّى اللَّهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ تعالى خلقَ آدمَ مِن قَبضةٍ قَبضَها مِن جَميعِ الأَرضِ
فجاءَ بنُو آدمَ على قَدْرِ الأَرضِ، فجاءَ منهُم الأَحمَرُ والأَبيَضُ والأَسوَدُ وبَينَ ذلكَ، والسَّهلُ
والحَزْنُ والخَبِيثُ والطَّـيِّبُ (الترمذي).
وقد وضح الله سبحانه وتعالى هذا الاختلاف بقوله:
﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ
وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾
[هود: 118، 119].
ويعد اختلاف الناس فيما بينهم في الصحة، والمرض، والفقر، والغنى، وفي الابتلاء
والسلامة، واختلافهم في الطبائع والنفسيات والرغبات والميول، كل ذلك يعد امتحانًا
للفرد في حياته؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾
[الفرقان: 20].
وقد فرض الله على المؤمنين به فرائض، وجعل هناك تيسيرات ورخص للحالات الخاصة
كالمرض تخفيفًا عليهم، وفي نفس الوقت فتح الله الباب لكل مجتهد في عبادته في كل
مجالات الحياة.
ففي الحديث القدسي: « إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ
إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ
حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي
يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما
تَرَدَّدْتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ »
(البخاري).
فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه - قال:
« إذا تقرب العبد إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب إليَّ ذراعًا تقربت منه باعًا،
وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة »؛ البخاري.
فعلى كل فرد أن يبحث في نفسه من إمكانات وخصائص وتميزات خصها الله بها؛ ليعبدها
ويستخدمها في سباق الحياة لتجميع الحسنات، ولا يضيع حياته ووقته هباءً منثورًا على
أن يؤكد نيته في كل حركاته وسكناته على مرضاة الله محققًا قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ
صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].
أيها المسلم، ابحث عن الوسائل التي بمقدورك أن تجمع بها الحسنات فالله يناديك:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾
[المائدة: 35].
فمن اجتهد في البحث عن الوسائل المؤدية إلى مرضاة الله، فإن الله يوفقه إليها ويكون
في عونه، ويا سعادة من أدرك ذلك وعمل به، انظر قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].