يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ
وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ۖ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي
مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي
لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ» (يوسف 100)
أن سجود الملائكة لسيدنا لآدم عليه السلام يسمى سجود تكريم وتشريف، وليس سجود
عبادة، كما أن سجود والد ووالدة سيدنا يوسف لسيدنا يوسف فهو سجود تكريم وتشريف
وليس سجود عبادة أيضًا، إضافة إلى أن سجود التكريم كان موجود في الشرائع الأخرى
التي كانت قبلنا، ثم جاء الإسلام فحرمها.. وجعل السجود لله فقط.
السجود لله
فالسجود لله ، إنما هو غاية الخضوع للمولى عز وجل ، حيث يضع المصلي أشرف
أعضائه الظاهرة وجهه على أذل شيء في الوجود الأرض، لكن هذا السجود يملؤه
الفرحة التي لا مثيل لها إذ يقول نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم في حديثه النبوي
الشريف: «إن العبد إذا قام يُصلي أُتِيَ بذنوبه كلِّها فوضعت على رأسه، فكلما
ركع أو سجد تساقط عنه».
وبالتالي فإن السجود لله هو أيضًا تكريم للإنسان الذي اختاره المولى عز وجل ليعبده
وأي تكريم أعظم من أن نكون عبادًا لله؟.. بالتأكيد لا يوجد، بينما كان سجود الملائكة
لآدم ، ومن بعده آل يعقوب ليوسف عليه السلام ، إنما بناءً على أمر من الله عز وجل
وهو ما يعد خضوعًا للع أيضًا ونزولا على رغبته وأوامره ونواهيه، وهذه غاية
المطلوب من العبد المسلم ، بأن ينفذ ما أمره الله به مهما كان.
السجود للبشر
أما ما سوى سجود الملائكة لآدم ، وسجود آل يعقوب ليوسف ، فهو أمر لا يمكن
تكراره لكائن من كان، وفي ذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
« السُّجُودُ عَلَى ضَرْبَيْنِ : سُجُودُ عِبَادَةٍ مَحْضَةٍ وَسُجُودُ تَشْرِيفٍ ، فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا
يَكُونُ إلَّا لِلَّهِ».
قال الإمام الذهبي رحمه الله: « أَلا ترى الصحابة في فرط حبهم للنبي صلى الله
عليه وسلم ، قالوا ألا نسجد لك ، فقال: لا ، فلو أذن لهم لسجدوا له سجود إجلال
وتوقير ، لا سجود عبادة ، كما قد سجد إخوة يوسف عليه السلام ليوسف».