في 27 من ذي القعدة 463هـ= 26 أغسطس 1071م:
كانت معركة خالدة من أهم معارك المسلمين وهي معركة لا تقل في أهميتها وقيمتها وانتصارها
ونتائجها عن المعارك العظيمة في التاريخ الإسلامي كـ غزة بدر والقادسية وفتح دمشق وفتح
مصر وحطين وعين جالوت وغيرها من الأيام الخالدة في تاريخنا الإسلامي المجيد.
قامت المعركة بسبب تجهيز الإمبراطور البيزنطي رومانوس جيشًا ضخمًا يتكون من مائتي ألف
مقاتل من الروم والفرنجة والروس والبلغاريين واليونانيين والفرنسيين وغيرهم، وتحرك بهم
من القسطنطينية عاصمة دولته ممنِّيًا نفسه بنصر حاسم يقضي على خطر السلاجقة فقد أطمعته
قواته الغفيرة وعتاده الكثيف بأن النصر آتٍ لا ريب فيه واتجه إلى ملاذكرد حيث يعسكر
الجيش السلجوقي.
عمد السلطان السلجوقي ألب أرسلان بعدما أيقن من أن المواجهة حتمية إلى جنوده يشعل في
نفوسهم روح الجهاد وحب الاستشهاد، وأوقد في قلوبهم جذوة الصبر والثبات ، ووقف فقيه
السلطان وإمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري يقول للسلطان مقوِّيًا من عزمه : إنك
تقاتل عن دينٍ وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك
هذا الفتح، فالقِهم يوم الجمعة بعد الزوال، في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم
يدعون للمجاهدين بالنصر، والدعاء مقرون بالإجابة.
وحين دانت ساعة اللقاء في (آخر ذي القعدة 463 هـ/ أغسطس 1071م) صلّى بهم
الإمام أبو نصر البخاري وبكى السلطان فبكى الناس لبكائه ودعا ودعوا معه، ولبس البياض
وتحنط، وقال: إن قتلت فهذا كفني.
أحسن السلطان ألب أرسلان خطة المعركة وأوقد الحماسة والحمية في نفوس جنوده حتى
إذا بدأت المعركة أقدموا كالأسود الضواري تفتك بما يقابلها، وهاجموا أعداءهم في جرأة
وشجاعة، وأمعنوا فيهم قتلاً وتجريحًا وما هي إلا ساعة من نهار حتى تحقق النصر وانقشع
غبار المعركة عن جثث الروم تملأ ساحة القتال.
ووقع الإمبراطور البيزنطي أسيرًا في أيدي السلاجقة، وسيق إلى معسكر السلطان ألب أرسلان
الذي قال له: ما عزمت أن تفعل بي إن أسرتني؟ فقال : أفعل القبيح. فقال له السلطان : فما
تظن أنني أفعل بك؟ قال: إما أن تقتلني وإما أن تشهر بي في بلاد الشام، والأخرى بعيدة وهي
العفو وقبول الأموال واصطناعي نائبًا عنك. فقال السلطان: ما عزمت على غير هذا.
وكانت لتلك المعركة الخالدة نتائج مبهرة وآثار جليلة أهمها أن تلك المنطقة تغيَّرت فيها
صورة الحياة والحضارة فاصطبغت بالصبغة الإسلامية بعد انحسار النفوذ البيزنطي تدريجيًّا
عنها ودخول سكانها في الإسلام، والتزامهم به في حياتهم وسلوكهم.