صالح المحلاوى
اعلام خاصة : الجنس : عدد المساهمات : 18119 تاريخ التسجيل : 15/11/2011 الموقع : المحلة - مصر المحروسة العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى المزاج : متوفي //
| موضوع: القرآن الكريم فى بيان العقيدة الاسلامية... الخميس 25 أبريل 2013 - 13:29 | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة === القرآن الكريم والمنهج الفطرى والوجدانى فى بيان العقيدة الاسلامية يقرِّر القرآنُ الكريم حقيقةً كبيرةً، وهي أنَّ الإنسان قد خلقه الله على فطرة سليمة تتجه إلى بارئها وتلجأ إليه؛ فقد جُبِلَت النفـوس على معرفة خالقهـا - تعـالى - منذ أن أخذ الله - تعـالى - العهـد والميثاق علـى أبنـاء آدم؛ حيـث قـال - تعالى -: {وَإذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172].وكل مولود في هذا الوجود يولد على الفطرة؛ ولذلك يخاطب الله - تعالى - الإنسان ويذكِّره بهذه الفطرة بأسلوب وجداني حي؛ ليوقظ إحساسه بالأمور الإيمانية والعقيدة، وأهمها: توحيد الله - تعالى - وإفراده بالعبادة وما يتفرع عن ذلك من قضايا الاعتقاد، وليزيل عن هذه الفطرة ما قد يغشاها أو يحرفها عن طريقها السوي من مؤثرات أُسَرية أو اجتماعية، أو من عادات وتقاليد وأوهام وخرافات، أو من غواية وشهوات ومصالح مادية تهبط بالإنسان وتنحرف به عن الجادة. يقول الأستاذ محمد المبارك: (القرآن يخاطب الإنسان ويثيره عن طريق منافعه ومصالحه وحاجاته وملذاته، وعن طريق قضاياه ومشكلاته؛ ليحرك تطلُّعَه وقلقه إلى معرفة الحقيقة ذات الصلة بحياته الحاضرة ومصيره البعيد، ويجعله بذلك متهيئاً للتفكير في الله، ومستعداً لقبول نتائج المنطق السليم مع منفعته)[1].وليس الوجدان هو الإحساس أو صفة من صفاته؛ ولكنَّـه وعاء الشُّعور بما ينشأ عن إدراك المعاني. والقرآن الكريم يثير الوجدان بطريقته الجميلة المعجزة، ويزيل الغشاوة التي ترين على القلب وتجعل الحسَّ يتبلَّد، ويَعْرِض آيات الله في الكون في صورة حيَّة ينفعل بها الوجدان كأنها جديدة يشهدها الإنسان لأول مرة. وحين ينفعل بها الوجدان ويتأثَّـر، ويتحرك الخيال لتتبع المشهد المعروض وتتحرك المشاعر بشتى الانفعالات، عندئذٍ يوجِّهه (أي القرآن الكريم) إلى أنَّ وراء هذه المشاهد كلِّها قدرة الله المعجزة، وأن صانعها وبارئها هو الله، سبحانه وتعالى؛ فينبغي إذن عبادة ذلك الإله القادر، والتوجُّه إليه وحدَه بالعبادة دون سواه؛ والتلقِّي عنه في كل أمر من الأمور.مجالات المنهج الفطري: بهذه الطريقة الوجدانية الحية يتحدث القرآن الكريم عن الكون بضخامته ودقته المعجزة؛ وعن ظاهرة الموت والحياة، وعن إجراء الرز ق، والأحداث، وقدرة الله التي لا تُحَدُّ، وعن علم الله الشامل للغيب؛ كلُّ ذلك بطريقة فذَّة تجعل الإنسان يستقبل هذه الأمور كلَّها كأنَّه يراها ويلاحظها لأول مرة؛ فينفعل بها وجدانه ويستيقظ لحقيقة الألوهية: 1 - ففي آيات الله الكونيـَّة: يعرض لنا القرآن الكريم جانباً منها بطريقة تصويرية أخَّاذة، ويرسم لها صورة شاملة متكاملة، ويطوف بنا في مجالات رحبة كثيرة، ثم يخلص إلى النتيجة والتوجيه والقناعة الوجدانية، كما في قوله - سبحانه وتعالى -: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ 10 يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 10 - ١١].2 - وفي ظاهرة الحياة والموت: يتحدَّث القرآن الكريم كثيراً عن أصل الحياة وظهورها، وعن ظاهرة الموت بعد الحياة؛ ليهزَّ الوجدان بهذه الظاهرة المعجزة التي كثيراً ما يمرُّ الإنسان بها دون أن يلتفت إليها؛ أو دون أن يعطيها حقَّها من الاهتمام؛ مع أنها جديرة أن تبعث في نفسه هذا التساؤل: من الذي خلق الحياة في هذه الخلية الحية؟ وعندما تموت هذه الخلية: من الذي سلبها هذه الحياة؟ ولماذا لا تستمر هذه الحياة؟... إلخ. وهنا يجيء جواب الفطرة ومنهج الفطرة في القرآن؛ ليزيل الغشاوة عن النفوس، ويتحدث عن الموت والحياة حديثاً يهزُّ الوجدان فيصحو من تبلُّده، ويتيقظ لحقيقة الألوهية والربوبية التي يرجع إليها الموت والحياة؛ كقوله - تعالى -: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} [الملك: 21].وليس هذا في مجال الإنسان فحسب؛ بل في مجال المخلوقات الأخرى كذلك. قال الله - تعالى -: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ} [الزمر: 21]. 3 - وفي الرزق بأنواعه و ألوانه: وهو من أشد الأمور التي تربط القلب بالله - سبحانه - وتحرك الفطرة والوجدان؛ إذ يذكِّرنا الله - تعالى - في كتابه الكريم بأنَّـه – سبحانه - هو الذي يُفيضه على الإنسان دائماً، فقد تكفَّـل الله - تعالى - للإنسان بكل ما يحتاجه؛ من طعام وشراب وملبس ومسكن وهواء، ومن تسخير لكل الموجودات كي ينتفع بها الإنسان، وجعلها تسير على نظام يتفق مع حياة الناس وحاجاتهم. ويَعْرِض القرآنُ الكريم موضوعَ الرزق بطريقة توقظ الفطرة وتحرك الوجدان لمعــرفة الله - تعــالى - ولمعــرفة أنه - سبحانه - المتفرِّد بهذا الرزق والعطاء، وأنه هو الرزَّاق ذو القوة المتين، وأنَّ الأرزاق كلَّها من عند الله، وأنَّ الإنسان مهما بذل من جهد فهو لا ينشئها في الحقيقة، وإنما يعمل فيها بسنَّة الله ومشيئته، ولكن المنشئ والخالق هو الله - تعالى -: {أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ 63 أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ 64 لَوْ نَشَاءُ لَـجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ 65 إنَّا لَـمُغْرَمُونَ 66 بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ 67 أَفَرَأَيْتُمُ الْـمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ 68 أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْـمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْـمُنزِلُونَ 69 لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ 70 أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ 71 أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْـمُنشِئُونَ 72 نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ 73فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 63 - 74].فإذا كان الأمر كله لله - تعالى - في إنبات الزرع، وإنزال الماء من المزن، وتيسير النار والوقود... فإن في هذا كله تذكرة وتبصرة؛ ثم ينتهي السياق حين يهزُّ الوجدان بذلك العرض كله بدعوة الإنسان - وهو في حالة تأثُّره وانفعاله الوجداني هذه - أن يسبِّح باسم ربه العظيم الذي أفاض عليه كل تلك الأرزاق والخيرات، والنعم الظاهرة والباطنة. 4 - وتجري الأحداث حول الإنسان وفي خاصة نفسه من مولده إلى مماته:بعضُهـا أحداثٌ كونيَّة: كالليل والنهار وتعاقُبِهِما المستمر، وطلوع الشمس وغروبها، وطلوع القمر وتدرُّج أوجُهه من أوَّل الشهر حتى يكون بدراً؛ ثم يتضاءل حتى يختفي، والسحاب والمطر والرعد والبرق، وتعاقب الفصول... إلخ. وبعضُها أحداثٌ من محيط البشر: من ميلاد وموت، وصحة وضعف، وطفولة وشباب وكهولة وشيخوخة، وغنى وفقر، وعز وذل... إلخ. 5 - أمــا علــم الله للغـــيب: فإنه علم شامل محيط في كل جانب من جوانبه في الماضي وفي الحاضر وفي المستقبل، وقد يحاول الإنسان شيئاً من ذلك بوسـائل وأسباب ولكنه يعجز عنه؛ أما الله - سبحانه وتعالى - فإنه يعلم الغيب كله؛ لأنه هو العليم بكل ما في السماوات والأرض؛ وكلِّ ما حدث وما يحدث؛ لأنه منشئ الأحداث. والقرآن الكريم ينبِّه الوجدان البشري إلى هذه الحقيقة، فيقول الله - تعالى -: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ 8 عَالِـمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْـمُتَعَالِ} [الرعد: ٨ - ٩]. ففي الآية الكريمة دليل على عظمة الله وشمول علمه للغيب في كل المجالات التي ضربت الآية الكريمة أمثلة عليها: في مجال الإنسان، وفي مجال الحيوان (مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى)؛ فمن الذي يحصي هذا كله، ومن الذي يعلم خصائص كلِّ حَمْل تحمله كل أنثى؟ إنه لا أحد يستطيع ذلك إلا الله - تعالى - الذي جعل كلَّ شيء عنـده بمقـدار، ولا يغيب عنـه إسرار بالقول ولا خطرات في النفس... فأين يغيب عن الله شيء واحد من أعمال الإنسان؟ فكل شيء مسجل ومحفوظ وسيجزى الإنسان عليه: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [الأنعام: 59].وهنا يجدر التذكير بأن هذا المنهج الوجداني (أو الفطري) الذي يسلكه القـرآن الكريم لغرس العقيدة لا يقتصر على جانب واحد من جوانبها.وفي ختام هذه الفِقْرة حسبنا أن نؤكِّد أنَّ القرآن الكريم يلفت النظر إلى خصائص الفطرة والمواقف العلمية التي تعيد إليها نقاءها وصفاءها باعتبار أن هذا كله يصلح منهجياً إلى اعتبار الفطرة قاعدة من قواعد أخرى، فيتكون منها جميعاً منهج خاص يتميز به الإسلام حين يصطنعه منهجاً لبناء العقيدة الصحيحة في نفوس الأفراد والجماعات. |
|