استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجإ يومئذ
وما لكم من نكير ( 47 ) فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك
إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت
أيديهم فإن الإنسان كفور ( 48 ) )
لما ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة من الأهوال والأمور العظام الهائلة حذر
منه وأمر بالاستعداد له ، فقال : (استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد
له من الله) أي : إذا أمر بكونه فإنه كلمح البصر يكون وليس له دافع ولا مانع .
وقوله : ( ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير ) أي : ليس لكم حصن
تتحصنون فيه ، ولا مكان يستركم وتتنكرون فيه ، فتغيبون عن بصره ، تبارك
وتعالى ، بل هو محيط بكم بعلمه وبصره وقدرته ، فلا ملجأ منه إلا إليه ،
( يقول الإنسان يومئذ أين المفر . كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر )
[القيامة : 10 - 12 ] .
وقوله : ( فإن أعرضوا ) يعني : المشركين (فما أرسلناك عليهم حفيظا)
أي : لست عليهم بمصيطر . وقال تعالى : ( ليس عليك هداهم ولكن الله
يهدي من يشاء ) [ البقرة : 272 ] ، وقال تعالى : ( فإنما عليك
البلاغ وعلينا الحساب ) [ الرعد : 40 ] وقال هاهنا : ( إن عليك إلا
البلاغ ) أي : إنما كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم .
ثم قال تعالى : ( وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها ) أي : إذا أصابه
رخاء ونعمة فرح بذلك ، ( وإن تصبهم ) يعني الناس ( سيئة ) أي : جدب
ونقمة وبلاء وشدة ( فإن الإنسان كفور ) أي : يجحد ما تقدم من النعمة ولا
يعرف إلا الساعة الراهنة ، فإن أصابته نعمة أشر وبطر ، وإن أصابته محنة
يئس وقنط ، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ للنساء ] يا معشر
النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار" فقالت امرأة : ولم يا رسول الله ؟
قال : " لأنكن تكثرن الشكاية ، وتكفرن العشير لو أحسنت إلى إحداهن الدهر
ثم تركت يوما قالت : ما رأيت منك خيرا قط " وهذا حال أكثر الناس إلا من
هداه الله وألهمه رشده ، وكان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فالمؤمن
كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن أصابته سراء شكر فكان
خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " .