في بَيْتِهمُ الواسِعِ الذي تسمع فيه صدى صوتِكَ بكل وضوحٍ، أسرةٌ كخَلِيَّةِ
نَحْلٍ في نشاطها ودَأْبِها اليوميِّ نظامٌ وترتيبٌ أضافت إليه نشاطًا في العبادة
دومًا يُوقِظ أحدهم الآخَر لأداءِ صلاةٍ، أو حثٍّ على تلاوةِ قرآنٍ، أو تَدَارُسِ
موعظةٍ في الإسلام.
عندما تقع عينُك على أحد أفرادها تستَشِفُّ رُوح الإيمان ونورَ اليقين، رائحةُ
المسك العَبِقَةَ تفوح من ملابسهم الطاهرة، والابتسامة المضيئة تكتسي بها
وجوههم النيِّرة، قد أنزل الله عليهم سكينته وحفَّهم ببركته.
هما الأبوان اللذان أخذا بزمام الأمور منذ البداية، لقَّنُوا أبناءهم آثارَ التديُّن
وحُسْنَ القِيَم، زَرَعَا خيرًا، فلم يحصدَا إلا خَيْرًا، غرسوا في أبنائهم القيم
الخيريّةَ منذ نعومة أظفارهم، صفحاتُهُم الناصعةُ البياضِ خطُّوا عليها أجمل
سِيَر الأجداد، وكل ذلك كان بتيسيرٍ من الله فَطُوِّعَت لهم نفوسُ أبنائهم.
الأسرةُ في الإسلام قِوَامُ المجتمع، ونواتُه الغَضَّة المغذِّيَة، إن سقيناها
واعتنينا بمنبتها، نَمَتْ وأنشبت جذورًا ممتدة في الأرض، بِوَعْيٍ مِنَ الأب
والأم لدورهما الْمَنُوطِ بهما، تبحرُ سفينةُ الأسرة بكل أمان في معترَكِ هذه
الحياة، هذان الأبوان صانا أسرتهما الفتيَّةَ منذ البداية، بمبادئ تتشوق إليها
كل نفس نقيَّة.
البناءُ الأسري في الإسلام ضرورة لا غِنى عنها، إن أردنا فِعْلاً أن يعود
مَجْدُ أمتنا الضائع، فَلْنَبْدَأْ إذًا بإصلاحِ النواة الأولى للمجتمع، فلا سبيل لنا
لعودةٍ وأَوْبَة إلا بردِّ الاعتبار لهذه اللَّبِنَةِ الأساسيّة، أُمَّتُنَا خيرُ أمة أُخْرِجَتْ
للناس، وترابُطُ أُسَرِهَا من أهم مَيْزَاتِها، علينا أن نُعيدَ جذوتَها، ونُحْيِيَ قِيمًا
قد خَفَتَ بَريقُهَا.