لعل كل المشاعر البشرية والتي تربط هذا الكون بعضه ببعض تعتمد في
الاساس على كلمة واحدة هي الانسانية
ولذلك كانت ولا زالت الانسانية هي الفاصل بين الخير والشر، بين العدل
والطغيان، بين السماحة والجبروت، بين العطاء والاحتكار..
وحينما كانت العلاقات البشرية تقاس بوفائها وعمقها وديمومتها، أصبح
حريٌّ بها الآن أن تقاس بشكل أكبر بمدى انسانيتها، فالعلاقات الأسرية أو
العاطفية أو السياسية لا بد أن يكون ميزان الحكم عليها هو مدى انسانيتها
وليس المصالح والمنافع التي قد تكون متبادلة بين طرفين أو أكثر.
والحديث عن الانسانية اليوم يعدّ ضرورة ملحة في خضم ما يعانيه العالم
من تسارع أصاب الأفعال والعادات والقيم والمشاعر، فالوجبات السريعة،
والعلاقات العاطفية السريعة، وردات الأفعال السريعة، والقرارات الأسرية
السريعة، والمعاملات التجارية والسياسية السريعة بمظهرها العام ما هي إلا
عملية تآكل في انسانية الافعال والعادات والقيم والمشاعر، لذلك أصبحت صفة
الانسانية إحدى الصفات الواجب البحث عنها والعمل بها في ظل اضمحلال
ينابيع وجفاف مصادرها الطبيعية.
لذلك قد تنكسر شعرة الفصل بين الخير والشر، بين العدل والطغيان، بين
السماحة والجبروت، بين العطاء والاحتكار.. في أي لحظة.
هذه الحياة الرأسمالية أو حياتنا الغير مفهومة أغرقت كل ما يخص طبيعتنا
البشرية وكينونتنا القائمة على التعاطف والتكاتف في البيت والشارع والحي
والمدينة والدولة والأوطان والعالم...
أما البسطاء وكبار السنّ المرابطين خلف تاريخنا الأمسيّ -لعلهم- وحدهم
ما يزالوا يحملون حفنة من بقايا انسانيتنا المنقرضة.