اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ الجنس : عدد المساهمات : 56607 تاريخ التسجيل : 16/10/2011 الموقع : الاسكندرية المزاج : مشغول
موضوع: الرضا بالقدر الأربعاء 19 أبريل 2017 - 7:51
الرضا مَقامٌ عظيم من مقامات الإيمانِ واليقين، والتخلُّقُ به لا يتأتى إلا بعد طولِ عبادة وذِكر، وفهمٍ ومعرفة وفكر. وبالحصول عليه، والتمكنِ منه يتخطى المؤمنُ في إيمانه بالأقدار أعظَمَ اختبار في الحياة، وتصبح الآلام والشدائد عنده لذائذَ؛ لأنَّه يتعامل مع الأقدار الإلهية بلُغةِ الحب والرضا، لا بلُغةِ الاختبار والتحدي. وليعلمْ يقينًا بأن الله سبحانه ما ابتلاه إلا ليرقيَه في مدارج الكمال؛ مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216]. نعم، أجملُ ما في الإيمان بالأقدار، المقترنِ بالرضا: أنه يخلِّص الإنسانَ من رتابة الحياة، ويُنجيه من الملل. وقد جاء في هذا الموضوع عدةُ نصوص، أُجملها في الآتي: 1- قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن: 11]. قال ابن مسعود رضي الله عنه: "هي المصيبات تصيبُ المرءَ فيَعلمُ أنها من عند الله فيسلِّم ويرضى" 2- وعن أنس رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ)) فمن رضي بما قضاه الله وقدَّره عليه من الابتلاء؛ فله الرضا من الله جزاءً وِفاقًا، كما قال تعالى: ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [البينة: 8]. ومن سَخِطَ أقدارَ الله، فله السخط من الله، وكفى بذلك عقوبة؛ قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 28]. وفيه دليل أن السخط من أكبر الكبائر، وقد يُستدل به على إيجاب الرضا، كما هو اختيار ابنِ عقيل الحنبليِّ، وذهب بعض العلماء إلى أنه مستحَب، ويبدو لي: أن الإنسان إذا وصل إلى مرحلة السخط على الأقدار بقولٍ أو فعل، فهنا يكون الرضا في حقه واجبًا. 3- وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((وأسألك الرضا بعد القضاء)) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلِّمنا أن نقول حين نصبح، وحين نمسي ثلاثًا: ((رضيتُ باللَّهِ رَبًّا، وبالإِسْلام دينًا، وبمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًّا)). ويقول: ((كان حَقًّا على الله أن يرضيه يوم القيامة)) ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهمَّ إني أسألك نفسًا مطمئنةً تؤمِن بلقائك، وترضى بقضائك، وتَقنَع بعطائك)) 4- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وَارْضَ بِما قَسَمَ الله لَكَ، تَكُنْ أَغْنَى الناسِ)) لقد أصبح الرضا في هذا العصرِ ضرورةً، وأشعُرُ أن القناعة والرضا لما غابت من قلوبنا فقَدْنا الراحةَ والاطمئنان في حياتنا المعاصرة. 5- وجاء عن الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه كان كلَّمَا أفاق من سكرات الموت يقول: "اخنُقْني خنقك، فوعزَّتِكَ إنك تعلم أني أحبُّك". 6- وقال ابن مسعود: "إن الله بقسطه وعلمه جعَل الروحَ والفرح في اليقين والرضا، وجعل الهمَّ والحزن في الشكِّ والسخط". 7- وقال ابن عون: "ارضِ بقضاء الله من عسرٍ ويسر؛ فإن ذلك أقلُّ لهمِّك، وأبلَغُ فيما تطلُبُ من أمر آخرتك، واعلم أن العبد لن يصيب حقيقةَ الرضا حتى يكون رضاه عند الفقر والبلاء كرِضاه عند الغنى والرخاء، كيف تستقضي الله في أمرك، ثم تسخط إن رأيتَ قضاه مخالفًا لهواك؟! ولعل ما هويت من ذلك لو وفِّق لك، لكان فيه هلاكك، وترضى قضاءه إذا وافق هواك؛ وذلك لقلة علمِك بالغيب، إذا كنت كذلك، ما أنصفتَ من نفسك، ولا أصبت باب الرضا 8- وقال غيلان بن جريرٍ: "من أُعطِيَ الرِّضَا، والتوكل، والتفويض، فقد كُفِيَ 9- وجاء عن عمر بن عبدالعزيز رحمه الله أنه كان يقول: "أصبحت وما لي سرورٌ إلا في مواضع القضاء والقدر؛ إن تكن السراءُ فعندي الشكر، وإن تكن الضراءُ فعندي الصبر". 10- وقال ابن عطاء الله: "يخفِّف ألمَ البلاء عنك علمُك بأنه سبحانه وتعالى هو المبلي لك، فالذي واجهتْك منه الأقدار، هو الذي عوَّدك حسنَ الاختيار". 11- وقال عبدالواحد بن زيد: "ما أحسب أن شيئًا من الأعمال يتقدَّم الصبرَ إلا الرضا، ولا أعلم درجةً أشرف ولا أرفع من الرضا، وهو رأس المحبة". 12- ومن علامات الرضا: الابتعاد عن الألفاظ التي تتضمَّن التسخط على الأقدار، والإكثارُ من قوله تعالى: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156]. وهي كلمة عظيمة تعني: العبودية المطلقة لله، والتفويضَ الكامل له سبحانه. تعني: التسلية عن المصائب لا التحسُّر، وإذا قالها المصاب كانت له حصنًا من الوقوع في عدم الرضا، ومنجاة من الاعتراض على القدَر. إنها تخاطبه: أنْ لا تحزن؛ فأنت مِلكٌ لله سبحانه، ولا تخَفْ؛ فأنت قادم على الله سبحانه. وحسْبُنا قولُه تعالى: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 157].