الشيخ: فتنة المحيا هي أن يفتتن الإنسان بالدنيا وينغمس فيها وينسى الآخرة ،
وهذا ما أنكره الله تعالى على العباد:
﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾. [الأعلى : 16-17]
ومن فتنة الدنيا، الشبهات أن يقع في قلب الإنسان شك وجهل
بما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم.
أما فتنة الممات، فتشمل شيئين :
الأول: ما يحدث عند الموت ،
والثاني: ما يحدث في القبر .
فأما الأول: وهو الذي يحدث عند الموت، فإن الشيطان أعاذنا الله ومن استمع منه ،
أحرص ما يكون على إغواء بني آدم عند موته ؛ لأنها هي الساعة الحاسمة ،
فيحول بين المرء وقلبه ،بمعنى أنه يلقى الإنسان في تلك اللحظة فيما يخرجه عن دين الإسلام ،
وليست هذه الحيلولة كحيلولة الله عز وجل التي ذكر الله تعالى في قوله:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ . [الأنفال : 24]
لكنه أي الشيطان يحرص حرصاً كاملاً على إغواء بني آدم في تلك اللحظة ،
وقد ذكروا عن الإمام أحمد رحمه الله أنه كان حين احتضاره يغمى عليه فيسمعونه يقول:
بعد ، بعد فلما أفاق قيل له: يا أبا عبد الله ما قولك بعد ، بعد
قال: إن الشيطان يتمثل أمامي يقول: إفتني يا أحمد، إفتني يا أحمد
فأقول له: بعد، بعد يعني لم أفتك ؛ لأن الإنسان لا ينجو من الشيطان
إلا إذا مات ،
إذا مات انقطع عمله، ولا رجاء للشيطان فيه إن كان مؤمناً ،
فيقول: إني أقول بعد. بعد أي لم أفتك ؛ لجواز أن يحصل من الشيطان فتنة
عند موت الإنسان .
ولكني أبشر إخواني الذين آمنوا بالله حقاً ، واتبعوا رسوله صدقاً ،
واستقاموا على شريعة الله . أبشرهم أن الله بفضله وكرمه لن يخذلهم ،
لن يختم له بسوء الخاتمة ؛ لأن الله تعالى أكرم من عبده جلا وعلا ،
فمن صدق مع الله فليبشر بالخير.
لكن تكون سوء الخاتمة فيما إذا كان القلب منطوياً على سريرة خبيثة ،
فإنه قد يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، نعوذ بالله.
من ذلك فهذه من فتنة الموت. وإنما سميت بفتنة الموت ؛ لقربها منه.
أما الثاني: ما يتناوله فتنة الموت فهو فتنة الإنسان في قبره ،
فإن الإنسان إذا مات ودفن ، وتولى عنه أصحابه ،
أتاه ملكان يسألانه: عن ربه ، ودينه ، ونبيه ،
فأما المؤمن أسأل الله أن يجعلني ومن استمع منهم ،
فيقول: ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد ،
فينادي منادٍ من السماء أن صدق عبدي ، فألبسوه من الجنة ، وأفرشوه من الجنة ،
وافتحوا له باباً من الجنة ، ووسعوا له في قبره .
وأما الكافر والعياذ بالله. أو المرتاب فيقولك ها ها لا أدري يطمس عليه ،
حتى وإن كان في الدنيا يعرف ذلك ، يقول:
سمعت الناس يقولون شيئا فقلته: وقلبه والعياذ بالله . لم يدخله الإيمان ،
فينادي منادٍ من السماء، أن كذب عبدي فأفرشوه من النار ، وألبسوه من النار،
وافتحوا له باباً إلى النار، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه.
والله إنها لفتنة عظيمة نسأل الله أن يقينا وإخواننا المسلمين إياها.
فهذا معنى قول الداعي: أعوذ بالله من جهنم ، ومن عذاب القبر،
ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال ،
فهذه فتنة الممات المذكورة في هذا الحديث تشتمل على هذين الشيئين.
الشيخ ابن العثيمين رحمه الله المقصـود مـن فتنـة المحيـا والممـات