اعلم أن من في نفسه عجبا أو ظن لها على سائر الناس فضلا فلينظر إلى صبره عندما يداهمه هم أو وجع فإن رأى نفسه قليلة الصبر فليعلم أن أهل البلاء أفضل منه ثم لينظر إلى سيرته فيما خوله الله من نعمة أو مال أو صحة أو جاه فإن وجد نفسه مقصرة فيما يلزمه من الشكر لواهبه تعالى فليعلم أن كثيرا من الناس أشكر لله منه
واعلم أن التسلط على من تحتك من مرؤوس أو رعية يدلان على خساسة النفس ودناءة الهمة وضعف العقل لأن العاقل الرفيع النفس العالي الهمة إنما يغلب أكفاءه في القوة ونظراءه في المنعة وأما الجرأة على من لا يمكنه المعارضة فسقوط في الطبع ورذالة في النفس وعجز ومهانة ومن فعل ذلك فهو بمنزلة من يتبجح بقتل فأر أو بفرك قملة وحسبك بهذا ضعة وخساسة .
واعلم أن ترويض الأنفس أصعب من ترويض الأسد لأن الأسد إذا سجنت في بيوت الملوك أمن شرها والنفس وإن سجنت في الجسد لم يؤمن شرها
من العجب من يعجب برأيه فيزهو على غيره ومن يعجب بجاهه وعلو حاله فيتكبر ويظهر منه الاستخفاف بالناس واحتقارهم بالكلام وفي المعاملة حتى إذا زاد ذلك وضعف التمييز والعقل ترقى ذلك إلى الاستطالة على الناس بالأذى والتحكم وإيجاد الطاعة لنفسه إن أمكنه ذلك فإن لم يقدر على ذلك اقتصر على ذم الناس والاستهزاء بهم
ولقد سألت بعضهم عن سبب علو نفسه واحتقاره الناس فما وجدت عنده مزيدا على أن قال لي أنا حر لست عبد أحد فقلت له أكثر من تراه يشاركك في هذه الفضيلة فهم أحرار مثلك وليسوا عبيد فلم أجد عنده زيادة فرجعت إلى مراقبة أحوالهم ففكرت في ذلك سنين لأعلم السبب الباعث لهم على هذا العجب فتوصلت إلى أنهم يرون أن عندهم فضل عقل وتميز رأي على سائر الناس فمن ها هنا تسرب العجب فيهم وهذا ليس شيء من الفضائل بل هو من النقائص فكلما نقص العقل توهم صاحبه أنه أوفر الناس عقلا
وبعد .
أحبتي فإن كل واحد منا باستطاعته علاج عيوبه، كما فعل ابن حزم رحمه الله ذلك،
والله جل وعلا قال (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)،
والرسول قال (وإنما الحلم بالتحلم)
وقال الشاعر :
والنفس كالطفل
إن تهمله شب على حب الرضاع
وإن تفطمه ينفطم
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت،