عَنْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ فيَقُولُ:
" الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ , يَغبَطُهم النَبيُّون والشُّهَداء "
فقد تفصل المسافات أو الظروف بيننا فى الدنيا .. ولكن تتلاقى أرواحنا فى طاعةٍ للمولى سبحانه وتعالى .. وتتشابك أيدينا بخير نقدمه لله جل وعلا .. وتجتمع قلوبنا على كلامه سبحانه " القرآن العظيم " .. فتسمو نفوسنا وتقترب من خالقها فيجمعنا بذلك الحب الحقيقي فى جنة الخلد ..
قل له أنك تحبه
يقول "الحبيب" صلى الله عليه وسلم
.. " إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه لله " رواه أحمد
وعندما أمر النبي صلى الله عليه و سلم بالإخباربذلك الحب ، فلأن هذا يوجب زيادته ، فإن عرف أنك تحبه أحبك بالطبع لا محالة ، فإذا عرفت أنه أيضا يحبك زاد حبك ، فلا يزال الحب يتزايد من الجانبين و يتضاعف ، فتحصل البركة ويعم الخيرونقبل النصيحة من بعضنا, فالتحابب بين المسلمين مطلوب في الشرع ومحبوب في الدين .
ومما يزيد ذلك الحب بينكما أن تدعوه بأحبّ أسمائه إليه في غيبته و حضوره ، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ثلاث يصفين لك ودّ أخيك : أن تسلّم عليه إذا لقيته أولا ، و توسّع له في المجلس ، و تدعوه بأحب الأسماء إليه
وأن تثني عليه بما تعرف من جميل صفاته , وتبلغه بفرح ثناء من أثنى عليه .
ثمرات هذاالحب
للمحبة في الله ثمرات حلوة يجنيها المتحابون من ربهم في الدنيا و الآخرة منها
محبته سبحانه لهم
فيقول خاتم النبيين " زار رجل أخا له في قرية , فأرصد الله له ملكا على مدرجته , فقال : أين تريد ؟ قال : أخا لي في هذه القرية , فقال : هل له عليك من نعمة تريدها ؟ قال : لا إلا أني أحبه في الله , قال : فإني رسول الله إليك أخبرك أن الله أحبك كما أحببته " رواه مسلم
لأشدّهما حبا لصاحبهويزداد حبه سبحانه وتعالى
هم في ظلّ عرش الرحمن
عن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" سبعة يظلهم الله تعالى يوم لا ظلّ إلا ظله : إمام عادل ، و شاب نشأ في عبادة الله ، و رجل قلبه معلّق بالمساجد ، و رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه و تفرّقا عليه … "
وجدوا حلاوة الإيمان
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" من سرّه أن يجد حلاوة الإيمان، فليحبّ المرء لا يحبه إلا لله"
الى الجنة يدخلون
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
" لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا و لا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم "
حال المتحابين فى الجنة
هم الأقرب اليه سبحانه .. وجوههم تشع كاللآلئ .. ولهم منابر عالية مشرقة بنور يخطف الأبصار ..مطمئنين سالمين من اي خوف .. حتى أن النبيين والشهداء يغبطونهم ويتمنون مقامهم وحالهم هذا .. وقد حظوا بنور الله الذي يهدي اليه من يشاء من عباده , كما سنسمع من القارئ معاذ زغبي فى تلك الآيات من سورة النور.
عن أبي مالك الأشعري قال : كنت عند النبي صلى الله عليه و سلم فنزلت عليه هذه الآية :" يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" (المائدة 101) قال فنحن نسأله إذ قال :
"إنّ لله عبادا ليسوا بأنبياء و لا شهداء ، يغبطهم النبيون و الشهداء بقربهم ومقعدهم من الله يوم القيامة .."
قال : و في ناحية القوم أعرابي فجثا على ركبتيه و رمى بيديه ، ثم قال : حدثنا يا رسول الله عنهم من هم ؟ قال : فرأيت في وجه النبي صلى الله عليه و سلم البِشر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
" هم عباد من عباد الله من بلدان شتى ، و قبائل شتى من شعوب القبائل لم تكن بينهم أرحام يتواصلون بها ، و لا دنيا يتباذلون بها ، يتحابون بروح الله ، يجعل الله وجوههم نورا و يجعل لهم منابر من لؤلؤ قدام الناس ، و لا يفزعون ، و يخاف الناس و لا يخافون " - رواه أحمد و الحاكم و صححه الذهبي
علامات الحب في الله
هذا الحب الجميل معياره القرب من الله وطاعته , لا يزيد بالبرّ ولا ينقص بالجفاء كما قال يحيى ابن معاذ الرازي
"حقيقة المحبة أنها لا تزيد بالبر و لا تنقص بالجفاء"
وهوتوافق فى السلوك والرأي , وفيه يحب كل طرف للآخر مايحبه لنفسه وربما أكثر مما يحب لنفسه , وليس فيه حسد ولاغيبة ..
و قد وصف الله تعالى المتحابين في قوله :
" و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة " - الحشر ٩
من حكايات الحب فى الله
كان الامام الشافعي رحمه الله قد آخى محمد بن الحكم ، و كان يقرّبه ويحبه فى الله قائلاً : ما يقيمني بمصر غيره .. وحين مرض محمد عاده الشافعي فقال
مرض الحبيب فعدته *** فمرضت من حذري عليه
و أتى الحبيب يعودني *** فبرئت من نظري إليه
ويقول علي رضي الله عنه عن الحب فى الله
إنّ أخاك الصِّدق من كان معك *** و من يضُرُّ نفسه لينفعك
و من إذا ريب الزّمان صدعك *** شتّت نفسه ليجمعك
فما أجمل أن تحلق القلوب معاً فى ملكوت الله .. تلتقي على طاعته .. وتنعم بمحبته .. فتخلد فى جنته سبحانه وتعالى مع من تحب ..