قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 130]. تقدَّم الحديث بالتفصيل عن الربا في النداء العاشر من سورة البقرة الآية 278، ونذكر هنا المعنى بشيء من الاختصار، ففي آية البقرة أمر الله تعالى بترك ما بقي من التعامل بالربا، وأن يأخذوا رؤوس أموالهم، وتوعَّد من يفعلُ ذلك بحرب منه ومن رسوله صلى الله عليه وسلم، أما هذه الآية الكريمة، ففيها نَهَى عن أكل الربا ابتداءً، وعدم تقديم نية التعامل بالربا، فقال تعالى: ﴿ لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ﴾. الربا لغةً: الزيادة. وفي الشرع نوعان: ربا فضل، وربا نسيئة، والفضل: الزيادة، والنسيئة: التأخير. فربما الفضل : يكون في الذهب، والفِضة، والبُرِّ، والشَّعير، والتَّمر، والمِلح، فإذا بيع ال*** بمثله يَحرُم الفضل؛ أي: الزيادة، ويحرم النسيئة؛ أي: التأخير. أما ربا النسئة ، فهو أن يكون على المرء دَيْن إلى أجلٍ، فيحل الأجل ولم يجد المدين سدادًا لدَينه، فيقول: أخِّرني وزِدْ في الدَّين. ﴿ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ﴾، لا مفهوم لهذا؛ لأنه خرج مخرج الغالب؛ إذ الدرهم الواحد حرام كالألف درهم، وإنما كانوا في الجاهلية يزيدون الدين مقابل التأخير؛ حتى يتضاعف الدَّين فيصبح أضعافًا كثيرة. ربا البنوك اليوم شرٌّ من ربا الجاهلية، فهو أن يبيع الرجل أخاه شيئًا إلى أجلٍ، فإذا حل الأجل ولم يجد سدادًا، قال له: أخِّر وزِدْ، أما ربا البنوك، فإنه يبيعه نقدًا بنقدٍ إلى أجل بزيادة فورية يُسجِّلها عليه. ثم أمرهم الله بتقواه التي هي السبب في النجاة من العذاب، والظفر بالنعيم المقيم في الجنة، وهذا هو الفلاح. ثم أمرهم الله تعالى باتقاء النار التي أعدَّها للكافرين؛ فهي مهيَّأة مُحضرة لهم، واتقاؤها يكون بطاعتِه تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 131]؛ أي: المُكذِّبين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن التكذيب مانعٌ من الطاعة، ثم أمرهم بالمسارعة بالتوبة دون توانٍ ولا تراخٍ، والمغفرةُ ستر الذنوب وعدم المؤاخذة بها، وفي الحديث: ((ما من عبد يذنب ذنبًا فيتوضأ فيُحسِن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله لذلك الذنب، إلا غفر الله له))[1]. وقد وردت أحاديث صحاح نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم فيها عن أكل الربا ورهَّب تعاطيَه، فقال: ((درهم ربًا يأكله الرجل وهو يعلم، أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية))[2]. وقال: ((الربا ثلاثة وسبعون بابًا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإنَّ أربى الربا عِرْض الرجل المسلم))[3]. وقال: ((أهون الربا كالذي ينكح أمه، وإن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه))[4]. وقال: ((الربا سبعون بابًا، والشرك مثل ذلك))[5]. وقال: ((الربا وإن كَثُر عاقبتُه إلى قُلٍّ))[6]. [1] رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، رحمهم الله، عن أبي بكر رضي الله عنه، ص. ج رقم 5738.