اعلام خاصة : الجنس : عدد المساهمات : 18119 تاريخ التسجيل : 15/11/2011 الموقع : المحلة - مصر المحروسة العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى المزاج : متوفي //
موضوع: لة ما فى السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى الإثنين 12 مايو 2014 - 19:19
قوله تعالى : (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) ، فدلالة اللام دلالة الاختصاص والتملك ، على جهة التصرف المطلق ، فله ، جل وعلا ، مَلْكُ الأعيان ومِلْكُ الأحوال ، فهو الخالق المدبر ، البارئ المشرع ، فَلَهُ أَمْرُ التَّكْوِينِ وَلَهُ أَمْرُ التشريع ، فله تدبير الأبدان إنعاما ، فوضع في الأرض من الأرزاق وأنزل من السماء من الماء ما به تحفظ الأبدان من التلف ، واستودع في الأصلاب من النطف ما به تحفظ الأنواع من الفناء ، فـ : (اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ) ، فصدر السياق بالفاعل المعنوي المظهَر ، وَثَنَّى بِالتِّكْرَارِ لَهُ لفظيا مُسْتَتِرًا في عامله : "خلق" ، فذلك آكد في تقرير المعنى لا سيما مع دلالة العموم الْمُسْتَغْرِقِ ، فـ : "كل" : نص في العموم ، كما قَرَّرَ أهل الأصول والْبَيَانِ ، فهي مخصوصة بالإضافة ، إذ النكرة بإضافتها إلى نكرة مثلها تكتسب نَوْعَ بَيَانٍ ، يجعلها أهلا للابتداء ، كما قَرَّرَ النحاة ، فحصل البيان بالإضافة ، وَزِيدِ فِيهِ بِبَيَانٍ آخر ، فدلالة : "من" دلالة بيان للجنس ، فخلق جنس الدواب من جنس الماء ، فـ : "ماء" نكرة في سياق إثبات تفيد الإطلاق فتدل على الماهية في الذهن دون استغراق لآحادها في الخارج ، فانفرد ، جل وعلا ، بالخلق ، فَلَهُ ما في السماوات وما في الأرض ، من الأحياء والجمادات ، من الأعيان إذ قدرها في الغيب ، وصورها في الشهادة فأحسن التصوير ، إذ أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، فَهَدَى كل كَائِنٍ إلى ما يلائمه ، فخلق الأعيان تقديرا وإيجادا وتصويرا فأبدع الخلائق لا على مثال سابق ، فَرَكَزَ في كل مخلوق ما يصلح أمره ، إذ أعد المحال لِقَبُولِ آثار الأسباب التي أجراها ، جَلَّ وَعَلَا ، فَبِهَا تَدْبِيرُ أمر الخلق ، بِدَوَرَانِ الأفلاك وَنُزُولِ الأرزاق .... إلخ ، فله ، جل وعلا ، خلق الأبدان وتدبير أسبابها من المطعوم الذي تحفظ به الْعَيْنُ أن تضعف أو تمرض ، والنوع أن يَفْنَى ، وله تَدْبِيرُ الأديان ابْتِلَاءً ، فَأَنْزَلَ من الأخبار والأحكام ما ابْتُلِيَ بِهِ العباد بالتصديق والامتثال ، فكما أجرى لكل نوع من الأحكام الكونية ما يلائم حاله المحسوسة ، أجرى له من الأحكام الشرعية ما يلائم حاله المعقولة ، فـ : (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) ، فشرعة ومنهاج في حق المكلف بالأمر والنهي ، وفي حق الأعيان الجامدة فلا يتوجه التكليف إليها ، بداهة ، وإن عبدت الرب ، جل وعلا ، عبودية الاضطرار بالخضوع والانقياد ، بل والتسبيح بِلِسَانِ مقال لا يدركه البشر ، فـ : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) ، ولسان حال ، فهي بقدرة الرب ، جل وعلا ، وحكمته تشهد ، فـ : (سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ، فَابْتَلَى بِنِعْمَةِ الكون إذ فَاوَتَ في الأقدار وغَايَرَ في الأرزاق لتظهر آلاء حكمته في العطاء والمنع ، في القبض والبسط ، فـ : (اللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ، فذلك إنما يكون بقدر محكم ، فـ : (لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) ، فَالْخَلْقُ فِي الصورة والرِّزْقِ والدرجة والجاه والرياسة والعقل والقوة والْحُسْنِ ..... إلخ يَتَفَاوَتُونَ ، فبهذا التفاوت بل والتضاد تظهر آثار اسم الرب الخالق ، جل وعلا ، فهو خالق الشيء وضده ، فخلق المؤمن والكافر فذلك محل الابتلاء في الدين ، فـ : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ، وخلق الموت والحياة ، فذلك ، أيضا ، محل ابتلاء ، وخلق الغني فواجبه الشكر والصبر على أداء الحق من زكوات واجبة وصدقات زائدة بها يكمل ما نقص ، وبها تحصل الزيادة في الدرجة فهي مما وفق إليه العبد وسدد ، فـ : (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) ، فمن دعي إلى خير فقعد فقد خذل بما أسرف وتعدى ، فلا يخلو الخذلان في هذا الباب من شُؤْمِ عِصْيَانٍ تَقَدَّمَ ، فـ : "مَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ" ، فَثَمَّ مقابلة بَيْنَ شطري القسمة في هذا الباب ، فشطر : (مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) في الآية يقابل شطرها الثاني : (وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) ، وشطر : "مَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ" في الخبر يقابل شطره الثاني : "وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ" ، فلا تخلو الحال من خير يحمد صاحبه الرب ، جل وعلا ، أن وفقه وسدده وأعانه وأقدره ، فَلَوْ شَاءَ لأقعده وخذله بما اقترف من ذنب ، فـ : (مَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) ، فنكر الخير في الخبر ، فـ : "مَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ" ، في سياق الشرط ، فهو مئنة من العموم ، فأي خير من عقد أو شرع ، من قول أو عمل ، أي خير يجده العبد في صحائف أعماله إذ أحصى فيها رب الخلائق ، جل وعلا ، الأقوال والأعمال ، والاعتقادات والإرادات ، فـ : (كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا) ، فتلك ، أيضا ، كلية عامة تَسْتَغْرِقُ آحادها في الخارج فحصل بالإضافة ، كما تقدم ، بيان أزال الإجمال ، وزيد في التوكيد بتقدير عامل متقدم إذ اشتغل العامل المتأخر بضمير المعمول فحصل التوكيد بالتكرار بمحذوف مقدر من جنس المذكور فدل ما تأخر إذ اشتغل على ما تقدم إذ حذف ، وذلك ، عند التدبر والنظر ، مما اطرد في التنزيل من الإيجاز فلا تكرار معيب فما دل المذكور عليه من عامل أو معمول فهو من المحذوف إيجازا فقد أمن اللبس بورود الدليل المذكور على المقدر المحذوف ، وهو ، من وجه آخر ، خلاف الأصل ، إذ الأصل فِي لِسَانِ الْعَرَبِ أن يدل المتقدم على المتأخر ، ومع ذلك صح التقدير في هذا الموضع ، إذ الاشتغال لا يكون إلا لعامل متأخر ، وإن كان ثم قول يجوز عمل المتأخر في المعمول المتقدم وضميره المتأخر معا ، فيكون عاملا لمعمولين ، أحدهما تقدم ظاهرا ، وثانيهما تأخر مُسْتَتِرًا ، وهو ، من وجه آخر ، دليل على المتقدم فمرجع الضمير حال الاشتغال ما تقدم من المعمول الْمُظْهَرِ ، فهذا القول ، وإن لم يكن الراجح إلا أنه ، من وجه آخر ، قد يجري على ما تَقَرَّرَ في لسان العرب إذ الأصل عدم الحذف وعدم التقدير فمتى حصل الْبَيَانُ بِلَا تقدير وجب المصير إليه ، فالتقدير ضرورة لا يصار إليها إلا حال تعذر الْبَيَانُ إلا بِهَا فتقدر بقدرها ، فذلك أصل في مسائل الوحي وَالْبَيَانِ جميعا ، وذلك ، من وجه ، موضع تظهر فيه آثار الكمال في وصف ذي العزة والجلال ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، عِلْمًا أحصى المحسوسات من الأعيان والمعقولات من الأحوال ، فحسن إسناد الفعل إلى ضمير الجماعة في : "أَحْصَيْنَاهُ" ، فذلك ، أيضا ، مما يَزِيدُ المعنى تَقْرِيرًا وَتَوْكِيدًا ، فأحصى الرب ، جل وعلا ، ما بطن من إيمان أو كفر ، وما ظهر من قول أو فعل ، فأحصى التصورات والإرادات ، وأحصى الأقوال والأعمال ، الأفعال والتُّرُوكَ ، فهو العليم الخبير بما دق وخفي ، فـ : (إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى) ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا ، فـ : "لْيَحْمَدِ اللهَ" ، فـ : (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ، فذلك مما اقْتَرَنَ بِالْفَاءِ فدلالة الربط في لفظها تجب ، كما قرر أهل الشأن من النحاة ، فثم أمر في الآية وفي الحديث ، فكلاهما مما لا يجاب به الشرط بلا واسطة من لفظ يَرْبِط ، فالفاء رابطة ، ولا تخلو من دلالة تعقيب ، ودلالة سَبَبِيَّةٍ ، فما بعدها من الفرح في الآية ، فذلك يكون في دار الابتلاء ، ولا يَنْفَكُّ يَقْتَرِنُ بلازمه من الشكر ، بالقول والعمل ، فيكون الشكر لنعمة الدنيا بأداء حقها ، فأصحاب الأموال يجب عليهم من الشكر بالزكوات الواجبة والصدقات النافلة ما لا يجب على غَيْرِهِم ، وأصحاب الجاه يجب عليهم من الشكر بالشفاعات الصحيحة ، فـ : "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ" ، ما لا يجب على غَيْرِهِم ، ويكون الشكر لنعمة الدين بالتصديق والامتثال ، وتأويل أحكام الوحي ما خص منها وعم ، فلا يكون الفصل حال التَّنَازُعِ بَيْنَ الخلائق إلا بالرجوع إلى الوحي ، فلا يحكم أصحابه بما حدث من الشرائع والسياسات فلا يجد المرء في نفسه حاجة إليها إلا لجهل بالوحي وزهد فيه فصاحبه قد عدل عن محكمه إلى ما تشابه من الأهواء والأذواق ، فهي لا تَعْتَبِرُ إلا ما عُجِّلَ من المصالح ، فلا نظر لها فيما يَأْتِي من دور غيب لا تدرك إلا من مشكاة الوحي فهي غيب مطلق لا يدرك بالتجربة فمناطها الحس الظاهر ، وهو لا يدرك ، بداهة ، ما غاب عن مداركه من الغيب ولو نسبيا في هذه الدار فلا بد من خبر صدق ، فكيف بالغيب المطلق من أمر الآخرة وما بعد الموت من سؤال ونعيم أو عذاب ...... إلخ ، فلا يستقل العقل بدركه ، وإن أوجبه في الجملة بما ركز في الجبلة ، فهي ، كما تقدم ، تُحَسِّنُ التوحيد والعدل فتقضي بإيجابهما ولكنها مع ذلك لا تستقل بِبَيَانِهِمَا ، فلا يَكُونُ بَيَانٌ في هذا الباب إلا من قِبَلِ النُّبُوَّةِ ، فيحصل الشكر في هذه الدار ، لنعمة الدين فهي الأعظم ، فـ : (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ، فَتِلْكَ رحمة النبوة والوحي ، وما يحصل بهما من الهدى والْبَيَانِ ، ويحصل الحمد فهو يجامع الشكر في مواضع ، فكلاهما يكون بِاللِّسَان ، ويفارقه في مواضع فالحمد يكون بالقلب ، والشكر يكون بالجوارح ، فيحصل الحمد في الأولى ، حمدا مطلقا على كمال الذات والوصف ، فالرب ، جل وعلا ، قد وجب له من أجناس المحامد ما عم ، فـ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، وإن لم تظهر آثارها في الكون ، فهو المحمود أزلا قبل خلق الخلق ، فكان أولا بذاته القدسية وأسمائه الحسنى وصفاته العلى ، فـ : "اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِصِفَاتِ الْكَمَالِ: صِفَاتِ الذَّاتِ وَصِفَاتِ الْفِعْلِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ وُصِفَ بِصِفَةٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِهَا، لِأَنَّ صِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ صِفَاتُ كَمَالٍ، وَفَقْدَهَا صِفَةُ نَقْصٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَصَلَ لَهُ الْكَمَالُ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِضِدِّهِ. وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذِهِ صِفَاتُ الْفِعْلِ وَالصِّفَاتُ الِاخْتِيَارِيَّةُ وَنَحْوُهَا، كَالْخَلْقِ وَالتَّصْوِيرِ، وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ، وَالْقَبْضِ وَالْبَسْطِ وَالطَّيِّ، وَالِاسْتِوَاءِ وَالْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ، وَالنُّزُولِ، وَالْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ، وَإِنْ كُنَّا لَا نُدْرِكُ كُنْهَهُ وَحَقِيقَتَهُ الَّتِي هِيَ تَأْوِيلُهُ، وَلَا نَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مُتَأَوِّلِينَ بِآرَائِنَا، وَلَا مُتَوَهِّمِينَ بِأَهْوَائِنَا، وَلَكِنْ أَصْلُ مَعْنَاهُ مَعْلُومٌ لَنَا، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لَمَّا سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] (الْأَعْرَافِ: 54) : كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَقَالَ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ. وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ تَحْدُثُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: «إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ» . لِأَنَّ هَذَا الْحُدُوثَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ غَيْرُ مُمْتَنَعٍ ، وَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَدَثَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ الْيَوْمَ وَكَانَ مُتَكَلِّمًا بِالْأَمْسِ لَا يُقَالُ: إِنَّهُ حَدَثَ لَهُ الْكَلَامُ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَكَلِّمٍ لِآفَةٍ كَالصِّغَرِ وَالْخَرَسِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ يُقَالُ: حَدَثَ لَهُ الْكَلَامُ، فَالسَّاكِتُ لِغَيْرِ آفَةٍ يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بِالْقُوَّةِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ إِذَا شَاءَ، وَفِي حَالِ تَكَلُّمِهِ يُسَمَّى مُتَكَلِّمًا بِالْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ الْكَاتِبُ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ هُوَ كَاتِبٌ بِالْفِعْلِ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ كَاتِبًا فِي حَالِ عَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ لِلْكِتَابَةِ" . اهـ وذلك أصل في صفات الأفعال فهي قديمة النوع حادثة الآحاد ، إذ يحدث منها رب العباد ، جل وعلا ، ما شاء كيف شاء متى شاء فَتُنَاطُ بالمشيئة من هذا الوجه .