اعلام خاصة : الجنس : عدد المساهمات : 18119 تاريخ التسجيل : 15/11/2011 الموقع : المحلة - مصر المحروسة العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى المزاج : متوفي //
موضوع: ولله يسجد من فى السماوات والأرض طوعا وكرها...... الإثنين 12 مايو 2014 - 18:29
قوله تعالى { ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها} قال الحسن وقتادة وغيرهما : المؤمن يسجد طوعا، والكافر يسجد كرها بالسيف. وعن قتادة أيضا : يسجد الكافر كارها حين لا ينفعه الإيمان. وقال الزجاج : سجود الكافر كرها ما فيه من الخضوع وأثر الصنعة. وقال ابن زيد { طوعا} من دخل في الإسلام رغبة، و { كرها} من دخل فيه رهبة بالسيف. وقيل { طوعا} من طالت مدة إسلامه فألف السجود، و { كرها} من يكره نفسه لله تعالى؛ فالآية في المؤمنين، وعلى هذا يكون معنى { والأرض} وبعض من في الأرض. قال القشيري : وفي الآية مسلكان : أحدهما : أنها عامة والمراد بها التخصيص؛ فالمؤمن يسجد طوعا، وبعض الكفار يسجدون إكراها وخوفا كالمنافقين؛ فالآية محمولة على هؤلاء، ذكره الفراء. وقيل على هذا القول : الآية في المؤمنين؛ منهم من يسجد طوعا لا يثقل عليه السجود، ومنهم من يثقل عليه؛ لأن التزام التكليف مشقة، ولكنهم يتحملون المشقة إخلاصا وإيمانا، إلى أن يألفوا الحق ويمرنوا عليه. والمسلك الثاني : وهو الصحيح - إجراء الآية على التعميم؛ وعلى هذا طريقان : أحدهما : أن المؤمن يسجد طوعا، وأما الكافر فمأمور : السجود مؤاخذ به. والثاني : وهو الحق - أن المؤمن يسجد ببدنه طوعا، وكل مخلوق من المؤمن والكافر يسجد من حيث إنه مخلوق، يسجد دلالة وحاجة إلى الصانع؛ وهذا كقوله { وإن من شيء إلا يسبح بحمده} [الإسراء : 44] وهو تسبيح دلالة لا تسبيح عبادة. قوله تعالى { وظلالهم بالغدو والآصال} أي ظلال الخلق ساجدة لله تعالى بالغدو والآصال؛ لأنها تبين في هذين الوقتين، وتميل من ناحية إلى ناحية؛ وذلك تصريف الله إياها على ما يشاء؛ وهو كقوله تعالى { أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء يتفيأ ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون} [النحل : 48] قال ابن عباس وغيره. وقال مجاهد : ظل المؤمن يسجد طوعا وهو طائع؛ وظل الكافر يسجد كرها وهو كاره. وقال ابن الأنباري : يجعل للظلال عقول تسجد بها وتخشع بها، كما جعل للجبال أفهام حتى خاطبت وخوطبت. قال القشيري : في هذا نظر؛ لأن الجبل عين، فيمكن أن يكون له عقل بشرط تقدير الحياة، وأما الظلال فآثار وأعراض، ولا يتصور تقدير الحياة لها، والسجود بمعنى الميل؛ فسجود الظلال ميلها من جانب إلى جانب؛ يقال : سجدت النخلة أي مالت. و} الآصال} جمع أصل، والأصل جمع أصيل؛ وهو ما بين العصر إلى الغروب، ثم أصائل جمع الجمع؛ قال أبو ذؤيب الهذلي : لعمري لأنتَ البيتُ أُكرِمُ أهلَهُ ** وأقعد في أفيائه بالأصائل و { ظلالهم} يجوز أن يكون معطوفا على { من} ويجوز أن يكون ارتفع بالابتداء والخبر محذوف؛ التقدير : وظلالهم سجد بالغدو والآصال و { بالغدو} يجوز أن يكون مصدرا، ويجوز أن يكون جمع غداة؛ يقوِّي كونه جمعا مقابلة الجمع الذي هو الآصال به.
والسجود كما نعرفه حركة من حركات الصلاة، والصلاة هي وَقْفة العبد بين يدي ربه بعد ندائه له، والصلاة أقوال وأفعال مُبْتدأة بالتكبير ومُخْتتمة بالسلام؛ بفرائض وسنن ومستحبات مخصوصة.
والسجود هو الحركة التي تُبرِز كاملَ الخضوع لله؛ فالسجود وَضْع لأعلى ما في الإنسان في مُسْتوى الأدنى وهو قَدَم الإنسان؛ ونجد العامة وهُمْ يقولون: " لا ترفع رأسك عليَّ " أي: لا تتعالى عليّ، لأن رَفْع الرأس معناه التعالي، وتخفيضها بالركوع أو السجود هو إظهارٌ للخضوع، فإذا قال الله: { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ... } [الرعد: 15]
عليك أن تفهم أن هذا ما يحدث فعلاً؛ وإنْ لم يتسع ذِهْنك إلى فَهْم السجود كما يحدث منك؛ فليتسع ظنُّك على أنه مُنْتهى الخضوع والذِّلة لله الآمر.
وأنت تعلم أن الكون كله مُسخَّر بأمر الله ولأمر الله، والكون خاضع له سبحانه؛ فإن استجاب الإنسان لأمر الله بالإيمان به فهذا خير. وإنْ لم يستجب الإنسان ـ مثلما يفعل الكافر ـ فعليه سُوء عمله.
ولو استقصيتَ المسألة بدقَّة الفَهْم؛ لوجدتَ أن الكافر إنما يتمرد بإرادته المُسَيطرة على جوارحه؛ لكن بقية أبعاضه مُسخرة؛ وكلها تؤدي عملها بتسخير الله لها، وكلها تُنفِّذ الأوامر الصادرة من الله لها؛ وهكذا يكون الكافر مُتمرداً ببعضه ومُسخَّراً ببعضه الآخر، فحين يُمرِضه الله؛ أيستطيع أنْ يعصي؟
طبعاً لا. وحين يشاء الله أن يُوقِف قلبه أيقدر أن يجعل قلبه يخالف مشيئة الله؟ طبعاً لا.
إذن: فالذي يتعوّد على التمرد على الله في العبادة؛ وله دُرْبة على هذا التمرد؛ عليه أن يُجرِّب التمرد على مرادات الله فيما لا اختيار له فيه؛ وسيقابل العجز عن ذلك.
وعليه أنْ يعرف أنه لم يتمرد بالكفر إلا بما أوسع الله له من اختيار؛ بدليل أن تسعة وتسعين بالمائة من قُدراته محكوم بالقهر؛ وواحد بالمائة من قدراته متروك للاختيار، وهكذا يتأكد التسخير.
وخضوع الكافر في أغلب الأحيان؛ وتمرّده في البعض الآخر؛ هو مُنْتهى العظمة لله؛ فهو لا يجرؤ على التمرد بما أراده الله مُسخَّراً منه.
ولقائل أن يقول: ولماذا قال الله هنا: { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ... } [الرعد: 15]
ولم يقُلْ: " ما في السماوات وما في الأرض "؟
وأقول: مادام في الأمر هنا سجود؛ فهو دليل على قِمّة العقل؛ وسبحانه قد جعل السجود هنا دليلاً على أنّ كافة الكائنات تعقل حقيقة الألوهية؛ وتعبد الحق سبحانه.
وهو هنا يقول: { وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً... } [الرعد: 15]
وهنا يُعلمنا الحق سبحانه أن كل الكائنات ترضخ لله سجوداً؛ سواء المُسَخَّر؛ أو حتى أبعاض الكافر التي يستخدمها بإرادته في الكفر بالله؛ هذه الأبعاض تسجد لله.ويتابع الحق سبحانه: {...وَظِلالُهُم بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } [الرعد: 15]
ونحن في حياتنا اليومية نسمع مَنْ يقول: " فلان يَتْبع فلاناً كَظِله "؛ أي: لا يتأبّى عليه أبداً مطلقاً، ويلازمه كأنه الظل؛ ونعلم أن ظِلَّ الإنسان تابعٌ لحركته.
وهكذا نعلم أن الظِّلال نفسها خاضعة لله؛ لأن أصحابها خاضعون لله؛ فالظل يتبع حركته؛ وإياك أنْ تظنَّ أنه خاضع لك؛ بل هو خاضع لله سبحانه.
وسبحانه هنا يُحدِّد تلك المسألة بالغُدوِّ والآصال؛ و " الغدو " جمع " غداة " وهو أول النهار، والآصال هو المسافة الزمنية بين العصر والمغرب.
وأنت حين تقيس ظِلَّك في الصباح ستجد الظِّل طويلاً، وكلما اقتربت من الشمس طال الظل، وكلما اقترب الزوال يقصرُ الظلُّ إلى أنْ يتلاشى؛ وأبزر ما يتمايل الظل بتمايل صاحبه هو في الصبح وبعد العصر.