حـقوق أخـرى متنوعة:
ومن حقوق الحيوان في لشريعة الإسلامية، أيضا، حقه في الوقاية من المرض وعلاجه، وحمايته من الأمراض المعدية، وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يوردنّ ممرض على مصحّ)، والممرض هو الحيوان المريض الذي يعدي جاره من الحيوانات الأخرى بمخالطتها... ومن حقوقه، أيضا، توفير بيئة نظيفة لمعيشته، فقد نهى الإسلام عن تلويث الماء والنبات والهواء والتربة، حتى لا تفسد صحة الحيوان... ومن حقوقه، أيضا، الاستفادة منه بأفضل أسلوب، لقول الله تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ{3} خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ{4} وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ{5} وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ{6} وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ{7} وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{8} وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَآئِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ{9}[سورة النحل]، وقوله تعــالى: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ{80}[سورة النحل]... ومن حقوقه، أيضا، دراسته علميا، لقول الله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{45}[سورة النور]، وقوله تعالى: (ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{69})[سورة النحل]، وذلك للتفكير في خلقه وسلوكه ومنافعه...
وهناك حقوق معنوية للحيوان في الشريعة الإسلامية، فقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى ناقة لزوجة أبي ذر الغفاري لكي تنقلها من مكة إلى المدينة، فحلفت لتذبحنّها لله إذا ما أوصلتها آمنة إلى المدينة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (ماذا قلت؟! أهذا حقّ وفائها؟!)، أي أبَعد صُحبتها لك يكون جزاء الناقة هو الذبح؟! كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذبح الشاة الحلوب، لما فيه من إعدام الانتفاع بلبنها بلا ضرورة، مادام غيرها يُغني عنها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إياك والحلوب)، وفي لفظ آخر: (إياك وذات الدر).
• الآثار الواردة عن الصحابة والتابعين في رعاية الحيوان:
اقتدى الصحابة والتابعين والبعض ممن تلاهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فاهتموا بالحيوان اهتماما ملحوظا، رحمة ورفقا ورعاية وعناية، والآثار الواردة في هذا الموضوع كثيرة، نذكر منها:
يقول مالك: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مـرّ بحمار عليه لبن (أي طوب من الطين)، فوضع عنه طوبتين، فأتت مالكته لعمر فقالت: يا عمر: مالك وحماري؟ ألك عليه سلطان؟ فقال عمر: فما يقعدني (أي يمنعني) في هذا الموضع ( أي الوقف أو الحالة)؟! وعقّب ابن رشد على قول عمر، فقال: المعنى في هذا واضح، لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: ( كلكم راع وكلكم مســئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته... ). وقد قال عمر رضي الله عنه - في مثل هذا -: لو مات جمل بشاطئ الفرات ضياعا لخشيت أن يسألني الله عنه. وفي طبقات ابن سعد عن المسيب بن دايم، قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب حمّالا، وقال: لم تُحمّل بعيرك مالا يطيق ؟!
وعن وهب بن كيسان أن عبدالله بن عمر رضي الله عنه رأى راعى غنم في مكان قبيح، وقد رأى ابن عمر مكانا أمثل منه، فقال ابن عمر: ويحك يا راعى الغنم!! حوّلها، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( كل راع مسئول عن رعيته...). وعن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رجلا حدّ شفرة وأخذ شاة ليذبحها، فضربه عمر رضي الله عنه بالدرّة، وقال: أتعذب الروح ؟! ألا فعلت هذا قبل أن تأخذها ؟
وفي فضائل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ( وهو من خلفاء الدولة الأموية، ومن كثرة صلاحه وانتشار عدله سمّاه المؤرخون: "خامس الخلفاء الراشدين"، وهو حفيد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ) لابن عبد الحكم أن عمر كتب إلى صاحب السكك (أي رئيس، أو مدير، إدارة المرور والسير) ألاّ يسمحوا لأحد بإلجام دابته بلجام ثقيل، ولا بنخسها بمقرعة في أسفلها حديدة... وكتب، أيضا، إلى عامله (مندوبه أو واليه) بمصر: بلغني أن بمصر إبلا نقّالات يُحمل على البعير منها ألف رطل، فإذا أتاك كتابي هذا، فلا أعرفن أنه يُحمل على البعير أكثر من ستمائة رطل... وأمر المحتسب (الشرطي) أن يمنع تحميل الدواب فوق ما تطيق، أو تعذيبها وضربها أثناء السير، ولديه الصلاحية لتأديب ومعاقبة من يراه يفعل ذلك.... وعن أبي عثمان الثقفي قال: كان لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه غلام يعمل على بغل له يأتيه بدرهم كل يوم، فجاء يوما بدرهم ونصف، فقال: أما بدا لك ؟ قال: نفقت السوق، قال: لا، ولكنك أتعبت البغل ! أجمه (أي أرحه) ثلاثة أيام...
وروى معاوية بن قرة أن أبا الدرداء رضي الله عنه قال لجمله "دمون" عندما حضرته الوفاة، يا دمون: لا تخاصمني عند ربي، فإني لم أكن أحمل عليك إلاّ ما تطيق...
وقد بلغ الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله - أن رجلاً وراء النهر يروي أحاديث ثلاثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرحل إليه، ولما ورد عليه وجده يطعم كلباً، فسلم عليه، فردّ الرجل السلام، ثم اشتغل بإطعام الكلب، ولم يلتفت إليه، حتى انتهى، فقال: لعلك وجدت في نفسك إذ أقبلتُ على الكلب ولم أقبل عليك، قال الإمام أحمد: نعم، فقال الرجل: حدثني أبو الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قطع رجاء من ارتجاه قطع الله رجاءه يوم القيامة، فلم يلج الجنة ). ثم قال الرجل: وأرضنا هذه ليس فيها كلاب، وقد قصدني هذا فخفت أن أقطــع رجاءه، فقال الإمام أحمد: يكفيني هذا الحديث...
• جولة مع الأحــكام الفقهية المتعلقة بالحــيوان:
شغل الحيوان في الفقه الإسلامي أبوابا غير قليلة، ومنها: "باب الطهارة"، فتحدث الفقهاء عن: سؤر ما يؤكل لحمه، سؤر البغل والحمار وجوارح الطير، سؤر الهرة، سؤر الكلب والخنزير... ومنها: "باب النجاسة"، فتحدث الفقهاء في: الميتة، الدم، لحم الخنزير، بول وروث مالا يؤكل لحمه، الجلاّلة، الكلب، تطهير جلد الميتة... ومنها: "باب الزكاة"، فتحدث الفقهاء في: زكاة الحيوان، وأفردوا لكل صنف من أصناف الحيوان بابا، وحددوا نصاب كل نوع منها، سواء في ذلك الأنعام أم غيرها. وقد تضمنت كتب الفقه الإسلامي: زكاة الإبل، زكاة البقر، زكاة الغنم، زكاة غير الأنعام... ومنها: "باب الهَدي"، ويتناولون فيه: الأفضل في الهدي، ما يجزئ في الهدي، متى تجب البدنة، شروط الهدي، مكان الذبح، استحباب نحر الإبل وذبح غيرها،... ومنها: "باب الحدود"، فتحدث الفقهاء في: إتيان البهيمة،... ومنها: "باب الجنايات"، فتحدث الفقهاء في: ضمان (أي مسئولية) صاحب الدابة، ضمان القائد والراكب والسائق، الدابة الموقوفة، ضمان ما أتلفته المواشي، ضمان ما أتلفته الطيور، ضمان ما أصابه الكلب أو الهرّ،...ومنها: "باب الإجارة"، فتحدث الفقهاء في: استئجار الدواب،...ومنها: "باب الأطعمة"، فتحدث الفقهاء في: الحلال من الحيوان البحري، الحلال من الحيوان البري، ما نصّ الشارع على حرمته، والمسكوت عنه، إباحة كل ما حُرّم عند الاضطرار، الزكاة الشرعية (الذبح أو النحر)، وما يجب فيها، ذبائح أهل الكتاب،... ومنها: "باب الصيد"، فتحدث الفقهاء في: الصيد الحرام، شروط الصائد، شروط الصيد بالجوارح، شروط الصيد بالسلاح، إدراك الصيد حيّـا،... ومنها: "باب الأضحية"، فتحدث الفقهاء في: حكمة الأضحية، ما لا يجوز أن يُضحّى به، وقت الذبح، توزيع لحم الأضحية، ما يُجزئ عن أهل البيت الواحد،... ومنها: "باب المسابقة"، فتحدث الفقهاء في: حرمة إيذاء الحيوان، والتحريش بين البهائم،،... ومنها: "باب العقيقة"، "باب النفقة"، وغيرها من الأبواب المتعلقة بالحيوان...
وذهب الفقهاء المسلمين في الرفق بالحيوان ورعايته إلى درجة لا ولن تستطيع منظمات حقوق الحيوان، أو جمعيات الرفق بالحيوان، أن تبلغه... فقد وضعوا الأحكام – المستنبطة من القرآن والسنّة – وقرروا القواعد، وفـرّعوا المسائل الدقيقة بما يفوق العدّ ويزيد على الحصر، ويذهل فقهاء القانون المدني في العصر الحديث...
وفي كتابه " السنّة مصدرا للمعرفة والحضارة"، يوضح العلامة الدكتور/ يوسف عبدالله القرضاوي أن الفقهاء المسلمين فصّلوا ما يجب على مالك الدابة من النفقة والرعاية، في كتاب "النفقات" – وهو من كتب الفقه – كما فصّلوا ما يجب على الإنسان نحو الكلاب والطير ونحوها، تفصيلا لم يخطر ببال أحد من البشر في تلك الأعصار، وهو تفصيل لم تدفع إليه المنفعة المادية أو المصلحة الاجتماعية فحسب، بل الدافع إليه – فوق ذلك كله – دافع أخلاقي محض، هو رفع الظلم والأذى والضرر عن كل كائن حي ذي كبد رطبة، يحس ويشعر ويتألم، وإن لم يكن له لسان يتكلم به ويشكو...
ومن هذا التفصيل، نراهم يحددون متى يجوز ضرب الدابة؟ وأين تُضرب؟ وبم تُضرب؟ وكيف تُضرب؟ فنراهم يقولون: تُضرب الدابة على النفار (أي عندما تنفر) ولا تُضرب على العثار (أي التعثر)، لأن العثار لابد لها فيه، بخلاف النفار والحرونة... ويقولون: لا تُضرب في الوجه، ولا تُضرب بحديدة، ولا تُضرب بمقرعة في أسفلها حديدة...
وينقل الدكتور القرضاوي عن صاحب كتاب "شرح غاية المنتهى" قوله: وعلى مالك البهيمة إطعامها ولو عطبت (أي لم يُرج منها نفع)، وعليه سقيها، حتى تنتهي إلى أول شبع وأول ري، دون غايتهما، لحديث ابن عمر رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عُذبت امرأة في هرّة، حبستها حتى ماتت جوعا... الحديث)، فإن عجز عن نفقتها أجبر على بيع أو إجارة، أو ذبح مأكول (إزالة لضررها وظلما)، ولأنها تتلف إذا تُركت بلا نفقة، وإضاعة المال منهى عنه. فإن أبى فعل شئ من ذلك فعل الحاكم الأصلح من الثلاثة، أو اقتراض عليه، وأنفق عليه، كما لو امتنع من أداء الدّين...
ويحرم لعن البهيمة، لما رُوى عن عمر رضي الله عنه أنه كان في سفر، فلعنت امرأة ناقة، فقال: خذوا ما عليها ودعوها، فإنها ملعونة، فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد. ومن حديث أبي برزة: لا تصحبنا ناقة عليها لعنة الله. ولمسلم (في صحيحه) من حديث ابن الدرداء أنه ( أي عمر بن الخطاب) قال: لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة...
ويحرم تحميلها – أي البهيمة- ما يشق عليها، لأنه تعذيب لها... ويحرم حلبها ما يضر (أي إذا كان ذلك) ولدها، لأن لبنها مخلوق له، أشبه ولد الأمة، ويُسنّ للحلاّب أن يقصّ أظفاره لئلا يجرح الضرع (ثدي البهيمة)... ويُكره جزّ معرفة وناصية وجزّ ذنب، وتعليق جرس، أو وتر، ويُكره له إطعامه فوق طاقته وإكراهه على الأكل، على ما اتخذه الناس عادة لأجل التسمين...
ولفقهاء المسلمين كلام مفصّل في أحكام حبس الحيوان، ومن ذلك:.. ويجب على مقتني الكلب المباح أن يطعمه ويسقيه، أو يرسله (أي يطلق سراحه)، لأن عدم ذلك تعذيب له، ولا يحلّ حبس شئ من البهائم لتهلك جوعا أو عطشا، لأنه تعذيب...وقد تحدث العلامة المغربي المالكي الشيخ أبو علي بن رحال في حبس الطير بالتفصيل، وذلك في كتابه "التراتيب الإدارية".
وورد في كتاب "التحرير" للعلامة الحلي (أحد علماء الإمامية الشيعية بالقرن السابع الهجري) قوله: يجب النفقة للبهائم المملوكة، سواء أكانت مأكولة اللحم أم لا، فإن امتنع صاحبها أجبره الحاكم على بيعها، ولو كان لها ولد ولم يفضُل عنه من لبنها لم يجز أخذ شئ من لبنها، ولو أجدبت الأرض وجب علف البهائم، ولو امتنع مالكها أجبر على بيعها... لو أخذ أحد طعام إنسان في بريّـة أو مكان لا يقدر فيه على طعام أو شراب، فهلكت دابته، ضَمِن (أي تحمّل مسئوليته)، ولو اقتنى أحد سنورا (أي قطة) فأكل فراخ الناس، ضَمِن ما يتلفه..
وقال الإمام الشافعي – رحمه الله - في كتابه " الأم" (باب: كِراء الإبل والدواب): ينبغي للسلطان (الحاكم) أن يوكّل رجلا من أهل الرفقة بأن يعلف الدابة، ويحسب ذلك على ربّ الدابة والإبل، وإن ضاق ذلك فلم يوجد أحد غير الراكب، يؤمر الراكب بالعلف ويستوفي قيمته من صاحبها.
وقال الإمام أبو حنيفة – رحمه الله: لو ضرب الراعي شاة ففقأ عينها أو كسر رجلها ضَمِن، وعند أبي يوسف ومحمد: لو ساق الأجير المشترك الأغنام بأن صعد الجبل أو مكانا مرتفعا فتردى منها، فعطب، يضمن (أي يكون مسئولا) لإمكان التحرّز(أي لأنه كان من واجبه الاحتياط لذلك)، وهكذا لو ساقها فعطبت منها شاة بسياقه، بأن استعجل عليها فعثرت فانكسرت رجلها أو اندق عنفها، فعليه الضمان، بالاتفاق. وكذا الحُكم في (البقّـار – أي سائق البقر) لو ساق البقر فتناطحت فقتل بعضها بعضا، أو وطئ بعضها بعضا في سَوقه، أو استعجلها في السَوق فنفرت بقرة منها فكُسرت رجلها، أو ساقها في الماء لتشرب فغرقت، ضَمِن (أي تحمّل المسئولية)... ومن اكترى (أي استأجر) حمارا بسرج، فنزع عنه السرج وأسرجه بسرج زائد في الوزن، فحينئذ يضمن (أي يكون مسئولا)، عند أبي حنيفة، وكذا إذا كبح الدابة بلجامها أو ضربها فعطبت، ضمن عنده، أيضا... ولو فقأ عينى الطير أو الكلب أو السنور يضمن لما انتقص من قيمته، كالشاة والجمل، وعن أبي يوسف: يضمن النقصان في جميع البهائم...
ومما ورد في باب "الضمان" (أي تحمّل المسئولية المادية والمعنوية) أن البعير السكران إذا قصد إنسانا فقتله المصول عليه دفعا لشرّه يضمن قيمته (أي ثمنه). وكذا الحُكم في نتف ريش الطائر، فيُغرّم بقدرما نقص منه، ويفديه (إذا كان مُحرما في الحج) إذا مات الطائر من نتف الريش، أو يصير طيرانه ممتنعا...
وفي كتاب "الأحكام السلطانية" لأبي يعلي الحنبلي: يُمنع من خصاء البهائم ويُؤدّب عليه. وقال الإمام أحمد بن حنبل في رواية حرب، وقد سُئل عن خصاء الدواب والغنم للمسنّ وغيره، فكرهه، إلاّ أن يخاف عضاضه.
ويعرض الدكتور/ مصطفى السباعي في كتابه " من روائع حضارتنا" طرفا مما قرره الفقهاء المسلمون في أحكام الرحمة بالحيوان، ما لا يخطر ببال، ومنها: وجوب النفقة على مالك الحيوان، فإن امتنع أُجبر على بيعه، أو الإنفاق عليه، أو تسييبه إلى مكان يجد فيه رزقه ومأمنه. وأنه إذا لجأت هرّة عمياء إلى بيت شخص وجبت نفقتها عليه حيث لم تقدر على الانصراف... ورتّب الفقهاء نتائج حقوقية في حق من يستأجر حيوانا للحمل أو الركوب، فحمّله أكثر مما يستطيع، وألزموه بضمان ثمنه لمالكه إذا نفق (أي مات)... ولم يعاقبوا الحيوان بما جنى على غيره، وإنما عاقبوا صاحبه إذا فرّط في حفظه وربطه (أنظر ما سوف نسوقه بهذا الخصوص عند الأمم والشعوب الأخرى بعد قليل)... ومنعوا أن يؤجّر حيوان لشخص عُرف بقسوته على الحيوان، خشية أن يجور بقسوته وغلظته على هذا المخلوق...
وفي كتاب " الحسبة في الإسلام " للقرشي، وغيره، أحكام عديدة لحماية الحيوان ورعاية الدواب، بإطعامها وتطبيبها وإراحتها والشفقة عليها. ويقولون – مثلا: إذا قدم البيطار (الطبيب البيطري) إلى معالجة الدواب بغير خبرة فيسبب هلاك الدابة أو عطبها، يلزمه ما نقص من قيمتها من طريق الشرع (أي كما نصّت عليه الشريعة الإسلامية)، ويعزّره (أي ينهره أو يعنّفه أو يغرّمه) المحتسب (أي الشرطي المختص) من طريق السياسة...
وحضّ الإسلام على توفير المرعى للحيوان، فقد ورد في مسند الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر، وما أكلت العوافي – وهو كل من طلب رزقا من إنسان وحيوان وطائر – منها فهو له صدقة).
وعند الحنفية، وغيرهم من فقهاء المسلمين، النهي عن أكل الحيوانات الجلاّلة، وهى التي تأكل الروث والغائط اليابس، لأنه يتسرّب إلى لحومها فيفسدها... وذهبوا إلى حبسها – ثلاثة أيام على الأقل – تُعطى فيه عَلَفا طاهرا ليستقيم به لحمها وتُؤكل بعده...