معــاملة غير المسلمين للحــيوان:
هكذا أوضحنا جوانب في رعاية الإسلام للحيوان، نظريا وعمليا، قواعد وتطبيقات، منذ ظهر هذا الدين العظيم في القرن السابع الميلادي، وعلى امتداد قرون الخلفاء والتابعين ومن جاء بعدهم، وعلى امتداد رقعة الدولة الإسلامية... فماذا عن سلوك غير المسلمين في العالم؟
أشرنا في بدء حديثنا إلى أن الإسلام هو دين الوسطية في كل جوانب الحياة، حتى في العبادات التي قنّنها بما يسمح للمسلم أن يؤدي هذه العبادات، وفي نفس الوقت يمارس أنشطة حياته دون توقف. وأشرنا إلى رفع مكانة الحيوان حتى قدّسه الهندوس وغيرهم شرقا، وإهانته عند أهل الغرب الذين يفتكون بالحيوان دونما شفقة أو رحمة حقيقية، والرحمة والشفقة التي يتظاهر بها هؤلاء إنما هى ظاهرية متناقضة... وفيما يلي ما يوضح هذا وذاك.
إن المطالع لتراث الأمم المختلفة لا يجد فيه ما يدعو إلى الرفق بالحيوان أو وجوب الرحمة به، ولا يجد حقوقا للحيوان على صاحبه، من نفقة أو رعاية... والأغرب من ذلك أن الحيوان كان يعامل معاملة الإنسان العاقل، فكان يُحاكم كما يُحاكم الإنسان، ويُحكم عليه بالقتل أو بالسجن أو بالنفي والتشريد، كما يُحكم على الإنسان الجاني تماما...
ولمعرفة طرف من هذا عند قدمــاء اليونان، ذكر أفلاطون في كتابه "القانون" أنه إذا قتل حيوان إنسانا كان لأسرة القتيل الحق في إقامة دعوى على الحيوان أمام القضاء، ويختار أولياء الدم القضاة من المزارعين، وفي حال ثبوت الجريمة على الحيوان يجب قتله قصاصا، وإلقاء جثته خارج البلاد... ويعتبر الحيوان مسئولا كذلك في الجنايات التي دون القتل، فإذا عضّ كلب إنسانا وجب على صاحب الكلب أن يسلّم كلبه إلى المجني عليه مكمّما ومقيدا، يثأر لنفسه منه كما يشاء بالقتل، أو بالتعذيب، أو بغيرهما... هذا، وقد أقام قدماء اليونان محكمة البريتانيون لمحاكمة الحيوانات... وذكر أفلاطون في "القانون"، أيضا:... وإذا سقط جماد على إنسان فقتله، سواء أكان سقوطه ناشئا عن عامل طبيعي أو عن عمل إنسان، اختار أقرب الناس إلى القتيل قاضيا من جيرانه ليحكم على الجماد أن ينبذ خارج الحدود. ويستثنى من ذلك الأشياء التي تقذف بها السماء كالنيازك والصواعق وما إليها؛ فإذا تسببت هذه الأشياء التي تقذف في قتل الإنسان لا يترتب على عملها أي إجراء قضائي.
وأما قدمــاء الرومان، فكانت شرائعهم تنصّ في بعض موادها على عقوبة الإعدام على الثور وصاحبه إذا تجاوز الثور أثناء الحرث والحقل المجاور له، كما وأن الكلب الذي يعضّ إنسانا يُعاقب بوجوب التخلي عنه للمعضوض، كي يتصرّف فيه كما يشاء... وقد أقرت شريعة الألواح الإثنى عشر (وهي أساس تشريع الرومان في عصورهم التاريخية) مسئولية الحيوان في حالتين: إحداهما: إذا تسبب في إتلاف أو ضرر؛ والثانية: إذا رعى عشبا غير مملوك لصاحبه!!. فقد أوجبت في هاتين الحالتين على المالك أن يسلم حيوانه إلى المجني عليه، أو يدفع الغُرم المقرر إن آثر الاحتفاظ بحيوانه...
وعند قدمــاء الفرس، تنصّ الزرادشتية على أن الكلب إذا عضّ إنسانا فجرحه أو عضّ خروفا فقتله، يُعاقب بقطع أذنه اليمنى، فإن تكرر ذلك منه قُطعت أذنه اليسرى، وفي المرة الثالثة تُقطع رجله اليُمنى، وفي المرة الرابعة تقطع رجله اليسرى، وفي المرة الخامسة يُقطع ذنبه، وفي المرة السادسة تُطبّق عليه عُقوبة الإعدام...
وعند اليــهود، تضمّنت الشرائع أنه إذا نطح ثور رجلا أو امرأة فتسبب في وفاته، وجب رجم الثور، وحُرم أكل لحمه... وفي سفر الخروج (الإصحاح 21) ورد ما يلي: (28) وإذا نطح ثور رجلا أو امرأة فمات، يُرجم الثور ولا يُؤكل لحمه، وأما صاحب الثور فيكون بريئا (29) ولكن إن كان ثورا نطاحا من قبل، وقد أُشهد على صاحبه ولم يضبطه، فقتل رجلا أو امرأة، فالثور يُرجم وصاحبه أيضا يُقتل...!!
وعند الأوروبيين في العصور الوسطى غرائب وطرائف في محاكمات الحيوان، ومعاقبته بنفس الطرق القانونية التي يُحاكم بها الإسلام العاقل، وقد أخذت بنفس المبدأ كل من ألمانيا وإيطاليا وهولندا والسويد وبلجيكا... وكانت فرنسا هى أول دولة أوروبية (نصرانية) تأخذ بمبدأ مسئولية الحيوان في القرون الوسطى (القرن الثالث عشر الميلادي) ومحاسبته في محاكم منظمة، ثم تلتها سردينا وبلجيكا (في القرن الخامس عشر9 ثم هولندا وألمانيا وإيطاليا (في منتصف القرن السادس عشر)، واستمر العمل بهذا عند بعض الشعوب الأوروبية حتى القرن التاسع عشر...
وكان الناس في أوروبا خلال القرون الوسطى يعتقدون في أن الحيوانات مخلوقات عاقلة، لا تختلف عن البشر إلا من حيث عدم قدرتها على الكلام. وعلى هذا الأساس كان من غير المستهجن - في الماضي - محاكمة الحيوانات بصفتها مخلوقات مسئولة ومدركة مثل الإنسان..!! فبين عامي 1120- 1740م - مثلاً - حصلت أربع وعشرون محاكمة من هذا النوع في بلجيكا واثنتان وتسعون محاكمة في فرنسا، وتسع وأربعون في ألمانيا... وفي عام 1457م اختلف الفرنسيون، حكومة وشعباً، حول شرعية إعدام خنزيرة اقتيدت مع أبنائها إلى مقصلة في مدينة ليون بتهمة قتل طفل صغير. وفي عام 1499م ألغت محكمة هامبورج دعوى قضائية ضد إحدى الدببة لعدم وجود محلفين من نفس الفصيلة - كما طالب بذلك محامي المتهم...!!
ومن أطرف المحاكمات الشهيرة للحيوانات هناك: محاكمة الفئران في بلدة أوتون (بفرنسا) في القرن الخامس عشر الميلادي، فقد اتهمت الفئران في هذه القرية بالتجمهر في الشوارع بشكل مزعج مقلق للراحة، وتقدم للدفاع عنها محام فرنسي يُدعى (شاسانيه)، وطالب المحكمة بالتأجيل لأن الفئران لم تتمكن من الحضور، حيث فيها المريض والرضيع والعجوز، وهى تستعد للمثول أمام هيئة المحكمة الموقرة إذا مُنحت فرصة التأجيل، فوفقت المحكمة. ولما حان الموعد الجديد لم تحضر الفئران، فقال محامي الدفاع للمحكمة: إن الفئران تريد الحضور للمحكمة ولكنها يا حضرات القضاة تخاف من وقوع الأذى عليها من القطط إن هى جاءت إلى هنا، فردّ رئيس المحكمة قائلا: إن من واجبنا تأمين حياة المتهمين،، فطلب المحامي أن تأمر المحكمة بحبس قطط البلدة كلها قبل مرور موكب الفئران في الشوارع لتكون مطمئنة على حياتها، فوافقت المحمكة على هذا... ولكن أهل القرية رفضوا تنفيذ ذلك، مما حدا بالمحكمة أن تحكم للفئران بالبراءة، لأنها حُرمت وسائل الدفاع المشروعة...!!
ومن المحاكمات الطريفة في القرون الوسطى، محاكمة الديك الذي باض، وقد جرت هذه المحاكمة في مدينة بال (بسويسرا) في عام 1474م، حيث يُعتبر ذلك جريمة، إذ كان من المعروف عندهم أن السحرة يبحثون عن "بيضة الديك" ليستخدموها في سحرهم، وقُدّم الديك للمحاكمة، ودافع محاميه عنه بحجة أنه لا يكون مسئولا عن واقعة لا حيلة له فيها، ولكن المحكمة رفضت ذلك وأصدرت حُكمها بإعدام الديك، وعللت ذلك بقولها: ليكون في ذلك عبرة لغيره من الديكة...!!
وكانت المحاكم المدنية في أوروبا تنظر في قضايا الحيوانات الأليفة، في حين تحاكم الكنيسة الحيوانية البرية، أو الشاردة، خوفاً من حلول الشيطان فيها... !! ففي عام 1519م - مثلاً -أحرقت كنيسة بال ديكا أحمرَ في احتفال مهيب بدعوى أن الشيطان حلّ في جسده وجعله يضع "بيضة" (ورفعت بذلك تقريراً إلى الفاتيكان)... وفي فيينا (بسويسرا) تمت محاكمة عجل أبيض في عام 1763م بتهمة أنه وُلد وعلى جبهته هلال اسود - وكانت النمساويين حساسية شديدة من الهلال لأنه كان شعار الجيوش التركية المسلمة التي حاصرت فيينا وكادت تدخلها...!!
وأما الشعوب الغربية في العصر الحالي، الأوروبية والأمريكية، فالحديث عن استنزافها للثروة الحيوانية يطول، ولعلّ في المعلومات التالية ما يكفي للوقوف على معاملتها لهذه الكائنات الحية، من قسوة وعنف وقتل وإبادة، في الوقت الذي يتشدقون فيه بأنهم أصحاب منظمات حقوق الحيوان، وهيئات رعايته أو الدفاع عنه...!!
من المعروف بيولوجيا أن هناك ميزان طبيعي، أو ناموس إلهي، وضعه الله تعالى في الطبيعة، فإذا افترست حيوانات حيوانات أخرى فلن يؤدي هذا إلى انقراض أنواع الحيوانات التي تتعرّض للافتراس، ولكن أمم الغرب هى التي تفترس، والإحصاءات الصادرة عن المنظمات الدولية توضح هذا، وتبين أن هناك أنواع مهددة بالانقراض نتيجة الجور والإفراط في اصطياد الحيوانات... ففي تقرير للأمم المتحدة عن البيئة خلال عام 2000م وما بعدها، فإن الكثير من الأنواع الحية على الأرض اختفت أو في طريقها إلى الزوال، ويهدد الفناء ربع اللبائن (الحيوانات الثديية) على الكرة الأرضية، كما استغلت الثروة السمكية بشكل جائر بسبب التلوث، وكذلك تتهدد الشعاب المرجانية أخطار محدقة...
وفي عام 1886م صدر قانون عن الحكومة الأميركية يقضي بقتل الطيور الجارحة (الصقور والبُوم) التي تفتك بصغارِ دجاج الفلاحين، وخلال عام ونصف العام قُضي على (125) ألف طائر جارح، فزاد عدد الفئران (التي تُعدّ طعاما لهذه الطيور) وأضرّت بالمحاصيل الزراعية ضرراً يفوق ما لحق بصغار الدجاج•
كما أن المواطن الأميركي - ولغرض الصيد فقط يوشك أن يستنزف الجاموس الأميركي (وهو أساس الثروة الحيوانية للهنود الحمر)... ويدمّر المواطن الأمريكي ( 100 ) ضعف ما يدمره المواطن الهندي من موارده الطبيعية... وفي كاليفورنيا أدى الإفراط في اصطياد ثعالب البحر طمعا في فرائها - إلى تكاثر القنافذ البحرية (التي كانت تتغذى عليها الثعالب)، ومن ثم دمرت القنافذ الشعاب المرجانية والغابات العشبية وما يعيش عليها من أحياء...!! ولقد أجهضت الولايات المتحدة مؤتمر قمة الأرض في "ريو دى جينيرو" بموقفها المتشدد ضد الحفاظ على التنوع البيولوجي وذلك حفاظاً على مصالح شركاتها التكنولوجية وعمالقة صناعاتها الدوائية•
وصناع الأعلاف في الحضارة الغربية، وبسبب ارتفاع أثمان البروتين المضاف إلى تسمين الماشية، تحولوا لمصادر أقل كلفة ( وهى الأغنام المريضة المستبعدة والمخلفات الحيوانية من المجازر وغيرها)، ولتوافر نفقات الطاقة أيضاً عالجوا هذه الأعلاف المستجدة بأنظمة حرارية منخفضة على مدار عشر سنوات (1975 1985م) إلى أن ظهرت أول حالة من مرض جنون البقرBovine Spongiform Encephalopathy عند الإنسان في عام 1985م، ودلت الدراسات على أن مرض جنون البقر(BSE) مشابه تماماً لمرض يصيب الأغنام، وهو مرض سكرابى (Scrapie)، فكان بعد تحدي سُنن الله تعالى بإطعام الماشية باللحوم أن خسرت بريطانيا ما يقرب من أربعة مليارات جنيه إسترليني كانت تعتمد عليها في صناعة "البيف البريطاني" والذي كلفته عشرين بليون إسترليني للتخلص من أحد عشر مليون بقرة وتعويض المزارعين والعمال العاملين في صناعة الماشية، لذا أصدرت بريطانيا في يوليو من عام 1988م قانوناً يعلق استخدام الأعلاف المحتوية لبروتين من مصدر حيواني، مما قلل من ظهور إصابات جديدة •..!!
وتلقي السلطات في أميركا بنحو 500 طن من الزئبق في كل عام، لتذهب للأسماك ولحومها... ويقدر ما يُلقى سنوياً في البحار والمحيطات بنحو 250 ألف طن من الرصاص الذي لا يقل سمية عن الزئبق، وبنحو 1000 طن من الكادميوم، الذي يصيب نخاع العظام مسبباً فقر الدم... كما أُعلن بسويسرا في عام 1989م أن جزءاً من أعالي نهر الراين قد اختفت فيه صور الأحياء بنسبة 90%، وذلك بسبب تلوث المياه بالسموم، وخصوصا المبيدات الحشرية...
كما أن الطاعون الأسود Black plaque، الذي حصد نحواً من ربع إلى ثلث سكان أوروبا بدءاً من عام 1346م، كان بسبب إبادة السكان ومجازرهم المعنوية والمادية للقطط التي يعتقدون في أنها لم تذكر أبدا في الإنجيل، وأنها رمز للشيطان والشر والسحر والهرطقة (المتبادلة بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية)، وهي أيضا قادمة من الشرق، والكنيسة - كما هو معروف - تكره كل ما يأتي من الشرق•••إلخ، فكان في فرنسا – على سبيل المثال - عند إعدام مجرمة ما تحرق معها 14 قطة !!، ومن ثم اختل التوازن الطبيعي، فتزايدت الفئران زيادة رهيبة، حاملة البراغيث التي تنقل هذا المرض الفتاك إلى البشر...!!
وفي هذا الكفاية لمعرفة أيّـنا يحمي الحيوان ويرعاه، ويهتم به وينمّيه، الإسلام والملتزمون بتعاليمه من المسلمين، أم غيرهم من الأمم والشعوب السابقة والحالية...!!