عن أنس –رضي الله عنه- قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
«قال الله تعالى : يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان
منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت
لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك
بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة» (رواه الترمذي) .
عنان السماء : قيل هو السحاب، وقيل هو ما عن لك منها، أي ظهر : وقارب
الأرض : وهو ما يقارب ملأها. هذا من الأحاديث القدسية.
وفيه : فضل الدعاء والرجاء , قال تعالى : " وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ "
(سورة غافر: 60 ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «الدعاء مخ العبادة» والرجاء يتضمن حسن
الظن بالله، والله تعالى يقول : «أنا عند ظن عبدي بي» .
وفيه : الحث على الاستغفار , قال الحسن : أكثروا من الاستغفار في بيوتكم،
وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وأسواقكم، ومجالسكم، وأينما كنتم، فإنكم ما تدرون
متى تنزل المغفرة .
وقال قتادة : إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم، فأما داؤكم، فالذنوب، وأما
دواؤكم، فالاستغفار .
قال ابن القيم –رحمه الله- في معنى قوله : "يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض
خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة" : يُعفى لأهل التوحيد
المحض الذي لم يشوبوه مالا ينبغي لمن ليس كذلك، فلو لقي الموحد الذي لمن
يشرك بالله البتة ربه بقراب الأرض خطايا، أتاه بقرابها مغفرة، ولا يحصل هذا لمن
نقص توحيده، فإنه التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب؛ لأنه
يتضمن من محبة الله وإجلاله، وتعظيمه، وخوفه، ورجائه، وحده ما يوجب غسل
الذنوب، ولو كانت قراب الأرض، فالنجاسة عارضة، والدافع قوي، ومعنى قراب
الأرض ملؤها أو ما يقارب ذلك ولكن هذا مع مشيئة الله عز وجل فإن غفر بفضله
ورحمته، وإن شاء عذب بعدله وحكمته، وهو المحمود على كل حال