أسند الإمام الطبري في تفسيره إلى عبدالرحمن بن زيد بن أسلم في قوله تعالى:
{وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله} [إبراهيم: ٥]؛ قال: «أيامه التي انتقَم فيها مِن أهل معاصيه
مِن الأمم، خَوِّفْهم بها، وحَذِّرْهم إياها، وذكِّرْهم أن يُصِيبَهم ما أصاب الذين من قبلِهم»
[وقد ذكر هذا الأثر أيضًا من المفسرين: الماورديُّ والقرطبيُّ وأبو حيان[. ويُستدل له
بحديث أُبَيٍّ -رضي الله عنه- في الآية: ذَكِّرْهُم «بنِعَم الله». ووجه الدلالة: أنه اجتُزِئَ
بذِكْر الأيام عن ذِكْر النِّعم؛ لكون هذه الأيام معلومةً لديهم، وحديث الزبير بن العوام -
رضي الله عنه- قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فيُذَكِّرُنا بأيام الله حتى
نعرف ذلك في وَجْهه، وكأنه نذير قوم يصبحهم الأمر غدوة...». وفي أفْيَاء هذا التَّدبُّر
نجد أن من أهم وظائف الأنبياء التي يجب أن يقوم بها مَن بعدهم من الدعاة هو تذكير
الناس بأيام الله ونِعَمه، يقول القرطبي ودلَّ هذا على جواز الوعظ المرفق للقلوب المُقوِّي
لليقين، الخالي من كل بدعة، والمُنزَّه عن كل ضلالة وشبهة». ففي الأثر لفتة مهمة
للمُصلِحين باستثمار وقائع التاريخ في وعظ الناس وإصلاحهم، كما هو حال الأنبياء مع
أقوامهم. ومما يُفَاد من هذا الأثر العظيم: العناية بالتاريخ؛ لما له من أثرٍ كبيرٍ في إصلاح
الفرد والأُمّة ، لا سيما تلك الأيام الفاصلة في الصراع بين الحق والباطل ؛ إذ إنها تزيد
المؤمنين إيمانًا ورسوخًا على المُضيّ قُدمًا في الدرب والطريق، وهذا كله تضمَّنته كلمة ابن
زيد في هذا الأثر: «خوِّفْهم بها، وحذِّرْهم إياها، وذكِّرْهم أن يُصِيبَهم ما أصاب الذين من
قبلِهم»؛ لما للتاريخ والوقائع المشهورة من أثر على النفوس، واستعمال ذلك المنهج
التذكيريّ من الدعاة والعلماء يدلّ على وَعْي عميق ومعرفة عظيمة، وامتثال لمنهج السابقين
الأوائل. جعلنا الله وإياكم من الصالحين المُصلِحين، ورزَقنا محبّته إلى يوم الدين.
اللهم اجعلنا من أهل القرآن، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار يا رحمن، اللهم
بارِكْ لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.