{ أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم } البقرة
إن آفة رجال الدين – حين يصبح الدين حرفة وصناعة لا عقيدة حارة دافعة – أنهم
يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، يأمرون بالخير ولا يفعلونه ، ويدعون إلى البر
ويهملونه ، ويحرفون الكلم عن مواضعه ، ويؤولون النصوص القاطعة خدمة للغرض
والهوى ..
ويجدون فتاوى وتأويلات قد تتفق في ظاهرها مع ظاهر النصوص ولكنها تختلف في
حقيقتها عن حقيقة الدين ، لتبرير أغراض وأهواء الذين يملكون المال أو السلطان .
والدعوة إلى البر والمخالفة عنه في سلوك الداعين إليه هي الآفة التي تصيب النفوس
بالشك لا في الدعاة وحدهم ولكن في الدعوات ذاتها .
وهي التي تبلبل قلوب الناس وأفكارهم لأنهم يسمعون قولا جميلا ويشهدون فعلا قبيحا
فتتملكهم الحيرة بين القول والفعل ، وتخبوا في أرواحهم الشعلة التي توقدها العقيدة
وينطفئ في قلوبهم النور الذي يشعه الإيمان ..
ولا يعودون يثقون في الدين حينما فقدوا ثقتهم يرجال الدين .
والمطابقة بين القول والفعل ، وبين العقيدة والسلوك ليست أمرا هينا ولا طريقا معبدا .
إنها في حاجة إلى رياضة وجهد ومحاولة .
وإلى صلة بالله ، واستمداد منه ، واستعانة بهديه .
والفرد الفاني ما لم يتصل بالقوة الخالدة ضعيف مهما كانت قوته لأن قوى الشر والطغيان
والإغواء أكبر منه .
فأما وهو يركن إلى قوة الأزل والأبد فهو قوي قوي أقوى من كل قوة قوي على شهوته
قوي على ذوي القوة الذين يواجهونه .