شهر أنفاس الصائمين فيه خير عند الله من المسك، شهر يعتق الله في كل ليلة
منه مائة ألف ممن استوجبوا دخول النار، شهر جعله الله عز وجل صلة بين
المذنبين وبينه تبارك وتعالى.
والله عز وجل طلب من المكففين أن يستغفروه بعد كل عمل صالح، فقال للرسول
عليه الصلاة والسلام في آخر عمره:إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ
يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا وقال
سبحانه وتعالى للحجيج بعد أن قضوا مناسكهم وانتهوا من أعمال حجهم:ثُمَّ
أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
فواجبك في هذه الأيام والليالي أن تعود إلى الملك العلام، وأن تختم هذه الساعات
القريبة، الوجيزة، التي بقيت من هذا الشهر الفضيل، ومن هذا الموسم الجليل،
بالاستغفار والتوبة، لعل الله أن يقبلك فيمن قبل، وأن يعفو عنك فيمن عفا عنه،
وأن يردك سبحانه وتعالى إليه فإن الأنبياء، عليهم السلام سلفاً وخلفاً، استغفروا
الله عز وجل على حسناتهم وبرهم، وعلى صلاحهم.
قال نوح عليه السلام لقومه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ
عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا.
وقال آدم وزوجه لما أذنباقَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).
وقال هود عليه السلام لقومهوَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ).
وقال سليمان عليه السلام وقد رأى ملكة وجيشهقَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي).
وقال إبراهيم عليه السلام في آخر عمرهوَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّين).
والله عز وجل وعد المستغفرين ألا يأخذهم بنقمه في الدنيا إذا استغفروه فقالوَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
ونادى الله الناس جميعاً فقالقُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
وقال مادحاً سبحانه وتعالى من استغفر يوم يذنب، ومن تاب يوم يسيء، ومن راجع
حسابه مع الحي القيوم فقالوَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ
أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ
الْعَامِلِينَ).
ومن صفات الله عز وجل الحسنى، أنه تواب رحيموَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ).
وقال لبني إسرائيلأَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
وقال سبحانه وتعالى مخبراً أن اجتنب الكبائر غفر الله له الصغائر فقالإِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا)) وقال جل ذكره:
(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا
اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا) .
وقال سبحانه وتعالىوَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمِ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا).
فسبحان من بسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وسبحان من بسط يده في النهار
ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
والله يقول في الحديث القدسي: (يا عبادي إنكم تذنبون في الليل والنهار وأنا أكفر
الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم) .
متى يتوب من لا يتوب في رمضان؟
ومتى يعود إلى الرحمن من لا يعود في رمضان؟
ومتى يراجع حسابه مع الواحد الديان من لا يراجع حسابه في رمضان؟
ينسلخ الشهر ولا يمحى الذنب، ينسلخ الشهر، ولا تسارع في فكاك رقبتك
من النار، ومن العار ومن الدمار..
أليس من الحسرة والندامة، أن يعفو الله عن مئات الألوف ثم لا يعفو عن البعيد؟
أليس من العار، والخزي، والخسار، أن ينسلخ الشهر ثم لا تكون من الذين رضي
الله عنهم، ونعوذ بالله من ذلك.
فسارع أيها المسلم في فكاك رقبتك في هذه الليالي، واغتنم كثرة الصلاة على المصطفى
صلى الله عليه وسلم، وكثرة التوبة والاستغفار، وبادر بالحسنات. فمن يدري، لعلك
أذنبت ذنباً كبيراً لا يغفر إلا في هذه الليالي، ولعلك أسأت إساءة كبرى لا يمحوها إلا
التوبة في هذه الأيام.