هنالك مثل فارسي قديم يقول: "قل كلمتك بليونة، والتزم بها بقوة". والمقصود به
أنه لابدّ من الحزم ولكن بشرط الابتعاد عن العنف.
إن العنف نتاج الغضب، ولابدّ لمن أراد أن يكتسب شخصية قوية من أن يفصل بين
الغضب والجزم. فالجزم نتاج العقل الهادئ، وإذا جاء في فوران التوتر فلربما يكون
في الاتجاه الخاطئ.
وانّه لنوع من التهرب الجبان أن يجزم المرء أمراً وهو في حال من الغضب الشديد.
فإذا كنت لا تستطيع تأكيد موقفك بهدوء، فإن ردودك ستتسم بطابع هجومي. وإلى
ذلك فإنك حين تكون غاضباً تجعل الشخص الآخر يتخذ موقفاً دفاعياً، وهكذا تبقى
المسألة الأساسية بلا حل.
واللازمة الطبيعية لذلك هي أن يتجنّب المرء الإثارة من ردود الفعل الانفعالية
الصادرة عن الشخص الآخر من خلال ما يقوله. وفي رفضه الإثارة يكشف، من
طريق التباين، افتقار الآخر إلى النضج، وعندئذٍ يرفض الهدوء الشخصي تأثيراً
مهدئاً في الآخرين.
إن بعض القوة في الشخصية نابع من القدرة على التحكم في الذات من جهة، والقدرة
على استيعاب ردّة الفعل لدى الآخرين من جهة أخرى. وهذا يتطلب أن تكون جازماً،
ولكن من غير عنف أو غضب، وتذكر أن أقوياء الشخصية فاعلون، وليسوا انفعاليين.
أي أن الأقوياء جازمون في أعمالهم ومواقفهم.
إن التردد يدفع الإنسان إلى الهاوية، لأن الحياة لا تقبل التوقف.
صحيح أن الطيش في اتخاذ القرارات ليس مطلوباً، حيث إن بعض التردد في بداية
الأعمال، قبل أن تتوضح الأمور من فعل العقل، إلّا أن التردد يجب أن يعطي مكانه
للجزم فور أن تتضح.
يقول الحديث الشريف: "اذكر حسرات التفريط بأخذ تقديم الحزم".
وهكذا فإن التهور مرفوض، حيث إن المتهورين لا ينظرون إلى العواقب، وهم لذلك لا
يخرجون من حفرة إلّا ليقعوا في حفرة أخرى.
إلّا أن الحزم لا معنى له بدون العزم. إذ إن "من الحزم، العزم".
ومن هنا كان أنبياء الله – تعالى – ذوي عزائم قوية، بالرغم من استخدام اللّين
في ظاهر أمورهم.
يقول الإمام علي كرم الله وجهه: (إن الله جعل رسله أولي قوة في عزائمهم، وضعفاً
فيما ترى الأعين من حالاتهم).
أمّا الحزم، فأن تفكر في العواقب كما أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما الجزم، فبأن تقرر، وترمي بنفسك في بحر العمل الذي قررته بلا توانٍ،
أو تكاسل.
يقول الإمام علي رضي الله عنه: (ضادّوا التواني بالعزم).