الوقفة الأولى :
ما أجل نعمة الله علينا، وما أرحمه بنا، سبحانه وتعالى يوم أن جعل لنا مواسم
لطاعته، وأوقات نتعرض لنفحاته فيها يرفع الله لنا بها الدرجات، ويضاعف
الحسنات ويكفر عن السيئات "إِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا" إبراهيم 34 .
والعبد المؤمن يتنقل بين تلك المواسم والأوقات وكله رجاء أن يقبل منه ربه
ما قدم يوم أن جد وأجتهد وعلم وعمل وأخلص وأصدق , وهو على يقين أنه
متى ما قدم ذلك فله الجنة قال تعالى "وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ
أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا" سورة النساء
(124) .
وقال تعالى "وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا"
طه(112).
ويندرج تحت هذه النعمة الربانية تجديد العهد بربه ذلك أن الإنسان تصيبه الغفلة
وتؤثر فيه الفتن، ويسلبه الشيطان كل خير، فتأتي هذه المواسم فيئوب ويتوب
ويرجع ويعود، بنفس مقبلة، ودمعة هاطلة، وتوبة صادقة، فلك الحمد يا ربنا
على ما أنعمت به علينا ولك الحمد أولاً وأخراً ولك الحمد من قبل ومن بعد.
الوقفة الثانية :
هذه العشر فرصة عظيمة في هذه الحياة، ومكسب وفير في هذه الدنيا، والمؤمن
مطالب بأن يكون نهّازاً للفرص، حريصاً على اغتنامها وكسبها، جاداً في طلب ما
تحمله من خير ونعمة وهذه العشر قد تجلّى خيرها وفضلها في قول الحبيب عليه
الصلاة والسلام : " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام "
يعني العشر، قالوا يا رسول الله : ولا الجهاد في سبيل الله؟، قال : " ولا الجهاد
في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء"رواه البخاري .
وتعود هذه الأفضلية الرفيعة لما فيها من عبادات متنوعة وقرابين للرب مختلفة
قال أبن حجر في الفتح : " والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة
لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها وهي الصلاة والصدقة والصيام والحج ولا يتأتى
ذلك في غيره " أ . هـ كلام أبن حجر .
ويتجلّى فضل هذه الأيام أيضاً كونها أفضل أيام الدنيا فعن جابر بن عبد الله رضي
الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أفضل أيام الدنيا أيام العشر " .
فهي دعوة لك أخي المؤمن بأن تستعد في الاستقبال وأن يرى الله منك تجاهها
خير الحال وأعلم بأنها أيام تذهب من عمرك سريعاً، وتأخذ منك كثيراً فالله الله
في البدار، وخذ الكتاب بقوة، فإنك وإن عشتها هذا العام، قد لا تكون ممن يعيشها
في العام القادم .
نكمل الوقفات إن شاء الله