أيَّامُ عشرِ ذي الحجة أيامٌ مُعظَّمةٌ، أقسَمَ اللهُ بها، فقال سبحانه: ؟ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ
[الفجر: 1، 2]. والإقسامُ بها دليلٌ على عِظَمِها؛ كيف لا وهي أفضلُ أيامِ الدُّنيا على
الإطلاق، بشهادة النبيِّ صلى الله عليه وسلم حيث قال: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ
أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ،
فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» صحيح - رواه أبو داود والترمذي.
وقال عليه الصلاة والسلام: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلاَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ
الأَيَّامِ الْعَشْرِ؛ فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ» صحيح - رواه أحمد والبيهقي.
وقال أيضاً: «مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللهِ، وَلاَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي الْعَشْرِ الأَضْحَى»
صحيح - رواه الدارمي والبيهقي.
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ» صحيح - رواه البزار.
وقال أيضاً: «مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَل عِنْدَ اللَّهِ تعالى مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ». فَقَالَ رَجُلٌ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ! هُنَّ أَفْضَلُ أَمْ عِدَّتُهُنَّ جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعالَى؟ قَالَ: «هُنَّ أَفْضَلُ مِنْ عِدَّتِهِنَّ
جِهَادًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ عَفِيرًا يَعْفِرُ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ» صحيح رواه أبو يعلى وكان سَعِيدُ
بْنُ جُبَيْرٍ - رحمه الله - إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
فدلَّت هذه الأحاديث على أنَّ كلَّ عَمَلٍ صالحٍ يقع في عشر ذي الحجة فهو أحبُّ إلى الله تعالى
، وأعظمُ وأزكى - من نفسِه - إذا وقع في غيرها، وإذا كان أحبَّ إلى الله تعالى فهو أفضل
عنده، وأنَّ الذي يجتهد في الطاعات، سواء كانت قولية أو عَمَلية - في هذه العَشر - فهو
أفضل من المُجاهد الذي رَجَعَ بنفسِه وماله، وهذا فَضْلُ اللهِ سبحانه يؤتيه مَنْ يشاء.
قال ابنُ حجرٍ - رحمه الله -: (والذي يظهر أنَّ السبب في امتياز عشر ذي الحجة؛ لِمَكانِ
اجتماعِ أُمَّهاتِ العِبادة فيه، وهي الصلاة، والصيام، والصدقة، والحج، ولا يتأتَّى ذلك في غيره).
فينبغي على المسلم أنْ يَعْمُرَ هذه العَشْرَ الفاضِلة بالإكثار من طاعة الله تعالى؛ من الصلاة،
والصيام، والصدقة، وقراءة القرآن، وبِرِّ الوالدين، وصِلَةِ الأرحام، وغير ذلك من سُبُلِ الخير
القولية والعملية القاصرة والمُتعدِّية النفع للعباد.