سمع ضجيجاً وأصواتاً تأتي من بعيد، فسأل رفاقه المحيطين به عن المصدر ليجيبه
أقربهم إليه: إنهم البشر يتهيأون لاستقبالك .
استغرب الأمر قائلاً: وهل قدومي يستلزم كل هذا الصخب يا شعبان؟
ولم العجب يا رمضان، فالناس على هذه الحال منذ سنوات، لكن يبدو أنك لم تنتبه
لما يجري من قبل .
أعلم أن اليوم لا يشبه الماضي، وأن كل شيء اختلف حتى صوت الضجيج الذي
كان مفعماً بالمحبة والإيمان والإلفة والفرح، أصبح ممزوجاً بالصراخ والصخب،
ولا يمكنني أن أميز الحزن من الفرح والبكاء من الضحك والمحبة من الضغينة،
وروائح البخور طغت عليها روائح العطور . لكنني لم أنتبه يوماً إلى أن هذه
الأجواء تسبق مجيئي بأيام طويلة . ما رأيك لو ألقيت نظرة عليهم منذ الآن
لأرى ماذا يفعلون، فساعدني لأقف معك في نفس مكانك ونرى معا ما يحدث هناك .
نساء يتجولن في الأسواق لشراء الملابس الجديدة لهن ولأبنائهن وبناتهن، واختيار
أفخم أنواع العطور والبخور .
حركة غير عادية وزحام في المراكز التجارية والسوبرماركت وأماكن بيع كل ما
له علاقة بالمأكولات، والكل يشتري بدل القطعة 3 أو 4 من كل صنف، والمحال
نفسها تقدم كل وسائل الإغراء لتدفع الزبائن وبشكل غير مباشر إلى شراء معظم
المواد المعروضة .
قل لي يا شعبان هل فجأة أصبح الناس أثرياء والسيولة متوفرة، بعد أن عانوا
من أزمات اقتصادية خانقة؟
طبعا لا، لكن البعض يستدين من أجل الاحتفال بك . اسمع هذا يا رمضان، قرأت
في صحف أنه في بلد عربي تلجأ عائلات كثيرة إلى رهن ممتلكاتها لدى المصارف
لتحصل في المقابل على أموال تنفقها على الأكل والملبس وكل مظاهر الاحتفال في
الشهر الفضيل . وتقف النساء في طوابير طويلة لرهن الذهب والأشياء الثمينة
من أجل تلبية رغبات استهلاكية آنية، علماً أن مظاهر البذخ الرمضانية انتشرت في
العالم العربي ولكل مكان عاداته ولكل شعب طرقه في تدبير المصاريف التي
تفوق مصاريف باقي أشهر السنة بكثير .
ولماذا يستدينون، فالمفروض أنهم يعلمون أن رمضان هو شهر الخير والبركات لا
الأعباء والديون والهموم، وهو شهر العبادة لا الغناء والرفاهية والرخاء، وهو شهر
الصيام لا الأكل والطعام، ومن المفترض أن يتقشفوا كي يعيشوا الأجواء الملائمة .
من قال لهم إنني أستسيغ روائح الشيشة المنبعثة حتى من داخل بعض البيوت،
وإنني أرضى بأن أكون عبئا على رب أسرة، أو أن أرى أسراً تئن تحت وطأة الفقر
ومع ذلك تستدين من أجل رمضان؟ تخمة ونوم وسهر . قل لهم يا شعبان إنني
أشعر بغربة بينهم، وإنني أحن إلى الماضي يوم كانت الاستعدادات تقتصر على
فوانيس وغناء أطفال وعربة فول ومسحراتي، والباقي عمل وصوم وصلاة، وأيام
مباركة بحق .