ورد المشرق والمغرب في القرآن الكريم بصيغة التثنية كما في الآية الآنفة، وورد
بصيغة الجمع أيضاً كقوله تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ)
وقوله: (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي
بَارَكْنَا فِيهَا).
وبهذا يكون المشرق والمغرب قد استعملا بصيغة الجمع الكاشفة عن وجود أفراد
متعددة له وبصيغة التثنية الحاكية عن فردين اثنين وذكر المفسرون معنيين لذلك
1- المراد من المشرقين والمغربين مشرقا ومغربا نصفي الكرة الأرضية؛ أي نصفا
الكرة الشمالي والجنوبي ونصفاها الشرقي والغربي، حتى ذهب البعض إلى أن هذه
الآية تشير إلى وجود نصف كرةٍ جديدٍ هو قارة أمريكا، وذلك قبل اكتشافها
وعلى هذا الأساس يكون المراد من المشارق والمغارب نقاط الكرة الأرضية المختلفة
فكلّ نقطةٍ تكون مشرقاً لنقطةٍ ما ومغرباً لنقطةٍ أخرى.
وبعبارةٍ أخرى: إحدى خواص كروية الأرض أن أي نقطةٍ تقع إلى الغرب من نقطةٍ
أخرى تعتبر مشرقاً بالنسبة لها، كما وتعتبر مغرباً بالنسبة للنقطة المقابلة؛ لذا ذهب
البعض إلى أن هذه الآيات تشير إلى كروية الأرض.
2- المقصود من تعدد المشارق والمغارب تعدد نقطة الشروق والغروب الحقيقي
للشمس؛ ذلك أن الشمس لا تشرق من نقطةٍ واحدةٍ ولا تغرب كذلك، بل إنها كلّ
يوم تشرق من نقطةٍ تختلف عن سابقتها وتغرب كذلك؛ بسبب ميلها إلى الشمال
والجنوب نتيجة ميل محور الأرض عن سطح دورانها حول الشمس. بناء على
هذا، إن أخذنا بنظر الاعتبار مجموعة نقاط الشروق والغروب المختلفة تحتّم علينا
التعبير بـ "المشارق" و "المغارب"، وإن نظرنا إلى آخر نقطةٍ للميل الشمالي
الأعظم للشمس (أول الصيف) وآخر نقطةٍ للميل الجنوبي الأعظم لها (أول الشتاء)
وجب علينا التعبير بـالمشرقين والمغربين وهذه من روائع ابتكارات القرآن الكريم
حيث لفت أنظار الناس إلى أسرار الخلقة العجيبة في جمل ٍ مقتضبةٍ وموجزةٍ لأننا
نعلم مدى التأثير الكبير لتغيير مواضع شروق الشمس وغروبها على نمو النباتات
ونضوج الفواكه بل على الوضع العام للموجودات الحية بأسرها وجمالية عالم
الخلقة عموماً.