{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ
رَحْمَتَ رَبِّكَ}[الزخرف 30-31]الله أعلم حيث يجعل رسالته, ولقد اختار
لها من يعلم أنه لها أهل, ولعله سبحانه
لم يشأ أن يجعل لهذه الرسالة سنداً من خارج طبيعتها، ولا قوة من خارج حقيقتها
فاختار رجلاً ميزته الكبرى الخلق وهو من طبيعة هذه الدعوة وسمته البارزة التجرد
وهو من حقيقة هذه الدعوة, ولم يختره زعيم قبيلة ، ولا رئيس عشيرة ، ولا صاحب
جاه، ولا صاحب ثراء كي لا تلتبس قيمة واحدة من قيم هذه الأرض بهذه الدعوة النازلة
من السماء, ولكي لا تزدان هذه الدعوة بحلية من حلى هذه الأرض ليست من حقيقتها
في شيء, ولكي لا يكون هناك مؤثر مصاحب لها خارج عن ذاتها المجردة, ولكي لا
يدخلها طامع ولا يتنزه عنها متعفف .
ولكن القوم الذين غلب عليهم المتاع، والذين لم يدركوا طبيعة دعوة السماء راحوا
يعترضون ذلك الاعتراض.
{وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ}
فجاءهم الرد:
{أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ}
أهم يقسمون رحمة ربك؟ يا عجباً! وما لهم هم ورحمة ربك؟ وهم لا يملكون
لأنفسهم شيئاً ، ولا يحققون لأنفسهم رزقاً حتى رزق هذه الأرض الزهيد نحن
أعطيناهم إياه؛ وقسمناه بينهم وفق حكمتنا وتقديرنا لعمران هذه الأرض ونمو
هذه الحياة.