مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾
[فاطر: 2]
جاء في بعضِ التفاسير (بتصرفٍ): فما مِنْ نِعمةٍ يُمسكُ اللهُ معها رحمتهُ حتى
تنقلِبَ هيَ بذاتها نِقمةٌ وما من مِحنةٍ تحفُها رحمةُ اللهِ إلا وتكونُ هي بذاتها نِعمةٌ.
يبسطُ اللهُ الرزقَ معَ رحمتهِ، فإذا هو متاعٌ طيبٌ؛ هناءٌ ورغدٌ في الدنيا، وزادٌ إلى
الآخرةٍ.. ويمسِكُ رحمتهُ، فإذا الرزقُ قلقٌ وخوفٌ، وحسدٌ وبغضاءٌ، وشرهٌ وجشعٌ.
يمنحُ اللهُ الذريةَ مع رحمتهِ ، فإذا هم زِينةُ الحياةِ الدينا ، ومصدرُ أُنسٍ وفرحٍ، وبرٍّ
وصِلةٍ، ودعواتٍ صالحةٍ.. ويُمسِكُ رحمتهُ، فإذا الذُّريةُ بلاءٌ ونكدٌ، وعقُوقٌ وسُوءُ
معاملةٍ.
يهَبُ اللهُ الصِّحةَ والقوةَ مع رحمتهِ، فإذا هي نِعمةٌ وحياةٌ طيبةٌ، وإنجازٌ مُباركٌ..
ويُمسكُ رحمتهُ، فإذا الصِّحةُ والقُوةُ بلاءٌ وطغيانٌ، وفسادٌ في الأرضِ كبيرٌ.
ومثلها العلمُ الغزيرُ والمنصِبُ الكبيرُ والعُمرُ الطويلُ والمواهِبُ والقُدرات
والمهاراتُ والإمكانيات بل وفي كلِّ شأنٍ ومع كلِّ أمرٍ.. يتَغيرُ الحالُ، ويتبدَلُ من
الضدِّ إلى الضدِّ مع وجودِ الرحمةِ أو انعِدامِها، ولا يَصعُبُ عليكَ القياسُ ، ولا
تُعجِزكَ الأمثلةُ: إبراهيمُ عليه السلام مع النَّارِ، ويوسُفُ عليه السلامُ مع الجبِّ
والسِجنِ، ويونسُ عليه السلامُ في بطنِ الحوتِ ، وموسى عليه السلامُ في اليمِّ
ومع فِرعون وأصحابُ الكهفِ في كهفِهمُ البسِيطِ وأشرفُ الخلقِ صلى الله عليه
وسلم وصاحِبهُ في الغارِ.
وهكذا هي رحمةُ اللهُ، يجِدُها كلُّ من يأويِ صادِقاً إلى الله.. ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ
رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾
[فاطر: 2].
وآخرُ دعوانا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.