عالمٌ يتطلع إلى نبى . وأمة تتطلع إلى نبى . ومدينة تتطلع إلى نبى . وقبيلة
وبيت وأبوان أصلح ما يكونون لإنجاب ذلك النبى . ثم هو ذا رجلٌ لا يشركه
رجلٌ آخر في صفاته ومقدماته ، ولا يدانيه رجلٌ آخر في مناقبه الفضلى التي
هيأته لتلك الرسالة الروحية المأمولة في المدينة ، وفى الجزيرة ، وفى العالم
بأسره .
نبيلٌ عريق النسب . وليس بالوضيع الخامل ، فيصغر قدره في أمة الأنساب
والأحساب . فقير وليس بالغنى المترف فيطغيه بأس النبلاء والأغنياء ويغلق
قلبه ما يُغلق القلوب من جشع القوة واليسار يتيمٌ بين رحماء فليس هو بالمدلل
الذى يقتل فيه التدليل ملكة الجد والإرادة والاستقلال وليس هو بالمهجور المنبوذ
الذى تقتل فيه القسوة روح الأمل وعزة النفس وسليقة الطموح وفضيلة العطف
على الآخرين .
خبيرٌ بكل ما يختبره العرب من ضروب العيش في البادية والحاضرة . تربى
في الصحراء وألف المدينة ، ورعى القطعان واشتغل بالتجارة وشهد الحروب
والأحلاف . واقترب من السراة ولم يبتعد من الفقراء . فهو خلاصة الكفاية
العربية في خير ما تكون عليه الكفاية العربية . وهو على صلة بالدنيا التي
أحاطت بقومه فلا هو يجهلها فيغفل عنها ، ولا هو يغامسها كل المغامسة
فيغرق في لجتها .
أصلح رجل من أصلح بيت في أصلح زمان لرسالة النجاة المرقوبة ، على
غير علمٍ من الدنيا التي ترقبها .
ذلك محمد بن عبد الله عليه السلام
من كتاب "عبقرية محمد" للعقاد