التمساح
يمثل التمساح في الديانة المصرية القديمة المعبود "سبك" أو: "سوبك" هو أحد أهم المعبودات المصرية القديمة التى عُبدت فى هيئة التمساح، إذ ترجع عبادته إلى عصور ما قبل التاريخ. ومن أقدم الشواهد لهذا المعبود، نقوش ختم من "طرخان"، مؤرخ بعصر "نعرمر"، يصور "سوبك" فوق قاعدة بالقرب من هيكله.
وقد تمركزت عبادته فى "الفيوم" منذ عصر الأسرة الأولى، وقد ورد ذكره فى "نصوص الأهرام" بوصفه ابناً للربة "نيـت". وبرزت عبادة "سوبك" خلال عصر الدولة الوسطى مع قرب العاصمة الجديدة من "الفيوم"، حيث اعتبر الربَّ الحامى.
ولما حظى بأهمية خاصة خلال عصر الدولة الوسطى، حيث دخل فى تراكيب أسماء بعض ملوكها، مثل (سوبك؛ سوبك حوتب)؛ ويرجع ذلك لانتقال العاصمة إلى "إثت-تاوى" (اللشت)، والاهتمام المتزايد بالفيوم، والتى تعد أحد أهم مواطن عبادة وتقديس التمساح فى مصر القديمة.
وقد انتشرت مقاصير عبادة "سوبك" فى أماكن عديدة، إلا أن أهم مركزين لعبادته كانا فى نطاق منطقة "شدت" القديمة (مدينة "الفيوم" حالياً)، والتى كانت مقراً لملوك الأسرة الثانية عشرة.
والمركز الثانى لعبادته كان فى "كوم أمبو" فى مصر العليا، حيث شارك وزوجته "حتحور" والابن "خونسو" المعبد مع المعبود "حـور" ، وكان رأس أحد ثالوثى "كوم أمبو" (سبك، حتحور، خونسو، حـور).
وقد استمرت عبادته خلال العصور المختلفة حتى العصرين اليونانى والرومانى. وهناك بعض المراكز المحلية الهامة لعبادته، والتى تقع فى "جبلين"، و"جبل السلسلة".
وعادة ما كانت معابده تُزود ببحيرة وبرك للمياه لتحوى الحيوان المقدس (التمساح)، والذى كان يُحنط عندما يموت.
وقد عرف التمساح "سبك" كرب للمياه وفقاً لطبيعته (إذ يقال أن النيل ينبع من عرقه)؛ ووعرف كذلك كرب لمناطق الأحراش والمستنقعات، حيث يستقر التمساح غالباً. وقد عُرف "سوبك" أيضاً باسم (سيد "باغـو")، ذلك الجبل الأسطورى للأفق، حيث يُجزَم بوجود معبد له من العقيق. وارتبط "سوبك" كذلك بمناطق عبادة وتقديس بعض المعبودات الأخرى، لا سيما "آمون"، و"أوزير"، وخاصة تلك الأماكن الخاصة برب الشمس فى صورته "سوبك رع". وقد أدت هذه الصلة مع رب الشمس بتشبيهه بالإله "هليوس" لدى اليونانيين.
ويعنى اسمه (التمساح)، لذلك صور "سوبك" فى الهيئة الحيوانية الكاملة للتمساح، أو فى الهيئة الآدمية برأس تمساح، تعلوه ريشتان وقرنا ثور يتوسطهما قرص الشمس. كما صور بجسم تمساح برأس كبش، أو العكس.
ويظهر "سبك" عادة فى هيئة تمساح جالس على مقصورة أو مذبح. ويضع عادة غطاء رأس مكوناً من قرص الشمس وريشتين. ويمثل عادة باللون الأخضر، ويعرف فى المصادر النصية باسم "أخضر الريش" (Pyr. 507). وقد قُدس كرب قوى هام، وارتبط تقديس التمساح بقوته وشراسته، وقدرته الإخصابية العالية، إلى جانب ارتباطه بالنيل.
وتعتبر "الفيوم" هى المركز الرئيسى لعبادته، وذلك فى "شدت"، و"مدينة ماضى"، حيث يوجد بها معبد للثالوث المكون من (سوبك، رننونت، حور شدت). وعُبد كذلك فى "هوارة"، ومدينة "كرانيس". كما عُبد فى "كوم أمبو"، والتى تعد أشهر أماكن عبادته؛ وكذلك فى "دندرة"، و"أطفيح"، و"جبلين"، و"جبل السلسلة"، و"طيبة".
وقد دخل التمساح أو "سوبك" فى علاقة مع العديد من المعبودات المصرية التى شارك بعضها فى بعض الصفات والخصائص، فقد ارتبط برب الشمس "رع"، وارتبط برحلته الليلية، كما أنهما أُدمجا معاً فى صورة المعبود "سوبك - رع".
وارتبط "سوبك" كذلك بالمعبود "جب" (رب الأرض)، حيث وصف فى "نصوص الأهرام" بأنه (وريث "جب"). كما ارتبط بالمعبود "خنوم"، وذلك فى معبد "كوم أمبو" الذى كُرس للمعبود "خنوم" فى صورة التمساح "سوبك". وارتبط "سوبك" كذلك بالمعبودين "حـور" و"مـين"، وأيضاً مع "ست"، حيث أُعتبر التمساح أحد هيئات هذا المعبود.
كما ارتبط ببعض الربات، مثل "نـيت" (ربة "سايس")، حيث اعتبر ابناً للربة "نـيت"، وعُبد معها فى "سايس" (صا الحجر، مركز "بسيون"، بمحافظة الغربية). وارتبط كذلك بالربة "تا ورت". وبصفة عامة فقد ارتبط "سوبك" بالملك والمَلكية، وربما صار رمزاً للسلطة والقوة الملكية الحاكمة.
وتذكر قائمة الاحتفالات بمعبد "كوم أمبو" أعياد الرب "سوبك" فى اليوم الثانى من الشهر الثانى لفصل الفيضان؛ واليوم الأول من شهر "طوبة"، فذلك هو اليوم الذى خرّ فيه أعداء "سوبك" أمامه. وعلى أية حال كان لهذا المعبود دوراً فى بعض الأساطير المصرية.