4 - (وامرأته) عطف على ضمير يصلى سوغه الفصل بالمفعول وصفته وهي أم جميل (حمالة) بالرفع والنصب (الحطب) الشوك والسعدان تلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم
وقوله : " وامرأته حمالة الحطب " يقول : سيصلى أبو لهب وامرأته حمالة الحطب ، ناراً ذات لهب .
واختلفت القراء في قراءة " حمالة الحطب " فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة والبصرة ( حمالة الحطب ) بالرفع ، غير عبد الله بن أبي إسحاق ، فإنه قرأ ذلك نصباً فيما ذكر لنا عنه .
واختلف فيه عن عاصم ، فحكي عنه الرفع والنصب ، وكأن منرفع ذلك جعله من نعت المرأتة ، وجعل الرفع للمرأة ا تقدم من الخبر ، وهو ( سيصلى ) . وقد يجوز أن يكون رافعها الصفة ، وذلك قوله " في جيدها " وتكون ( حمالة ) نعتاً للمرأة . وأما النصب فيه فعلى الذم ، وقد يحتمل أن يكون نصبها على القطع من المرأة ، لأن المرأة معرفة ، وحمالة الحطب نكرة .
والصواب من القراءة في ذلك عندنا : الرفع ، لأنه أفصح الكلامين فيه ، ولإجماع الحجة من القراء عليه .
واختلف أهل التأويل ، في معنى قوله : " حمالة الحطب " فقال بعضهم : كانت تجيء بالشوك فتطرحه في طريق رسورر الله صلى الله عليه وسلم ، ليدخل في قدمه إذا خرج إلى الصلاة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : " وامرأته حمالة الحطب " قال : كانت تحمل الشوك ، فتطرحه على الطريق النبي صلى الله عليه وسلم ، ليعقره وأصحابه . ويقال : " حمالة الحطب " : نقالة للحديث .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن رجل من همدان يقال له يزيد ، أن امرأة أبي لهب كانت تلقي في طريق النبي صلى الله عليه وسلم الشوك ، فنزلت " تبت يدا أبي لهب وتب "" وامرأته حمالة الحطب " .
حدثني أبو هريرة الضبعي ، محمد بن فراس ، قال : ثنا أبو عامر ، عن قرة بن خالد ، عن عطية الجدلي ، في قوله : " حمالة الحطب " قال : كانت تضع العضاه على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكأنما يطأ به كثيباً .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : "وامرأته حمالة الحطب " كانت تحمل الشوك ، فتلقيه على طريق نبي الله صلى الله عليه وسلم ليعقره .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله "وامرأته حمالة الحطب " قال : كانت تأتي بأغصان الشوك ، فتطرحها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : قيل لها ذلك حالة الحطب ، لأنها كانت تحطب الكلام ، وتمشي بالنميمة ، وتعير رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان ، قال : قال أبو المعتمر : زعم محمد أن عكرمة قال : " حمالة الحطب " : كانت تشي بالنميمة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي نجيح ، عن مجاهد "وامرأته حمالة الحطب " قال : كانت تمشي بالنميمة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال :ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " حمالة الحطب " قال : النميمة .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة "وامرأته حمالة الحطب " : أي كانت تنقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة "وامرأته حمالة الحطب " قال : كانت تحطب الكلام ، وتمشي بالنميمة . وقال بعضهم : كانت تعير رسول الله بالفقير وكانت تحطب فعيرت بأنها كانت تحطب .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان "وامرأته حمالة الحطب " قال : كانت تمشي بالنميمة .
وأولى القولين في ذلك بالصواب عندي قول من قال : كانت تحمل الشوك ، فتطرحه في الطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن ذلك هو أظهر معنى ذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن عيسى بن يزيد ، عن ابن إسحاق ، عن يزيد بن زيد ، وكان ألزم شيء لمسروق ، قال : ثنا نزلت " تبت يدا أبي لهب " بلغ امرأة أبي لهب أن النبي صلى الله عليه وسلم يهجوك ، قالت : علام يهجوني ؟ هل رأيتموني كما قال محمد أحل حطباً ( في جيدها حبل من مسد ) فمكثت ، ثم أتته ، فقالت : إن ربك قلاك وودعك ، فأنزل الله : " والضحى * والليل إذا سجى * ما ودعك ربك وما قلى " [ الضحى : 1_3].
قوله تعالى:" وامرأته حمالة الحطب"
قوله تعالى:" وامرأته" أم جميل. وقال ابن العربي: العوراء ام قبيح، وكانت عوراء." حمالة الحطب" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي: كانت تمشي بالنميمة بين الناس، تقول العرب: فلان يخطب على فلان: إذا ورش عليه. قال الشاعر:
إن بني الأدرم حمالو الحطب هم الوشاة في الرضا وفي الغضب
عليهم اللعنة تترى والحرب
وقال آخر:
من البيض لم تصطد على ظهر لأمة ولم تمش بين الحي بالحطب الرطب
يعني: لم تمش بالنمائم ، وجعل الحطب رطباً ليدل على التدخين، الذي هو زيادة في الشر. وقال أكثم بن صيفي لبنية: إياكم والنميمة! فإنها نار محرقة، وإن النمام ليعمل في ساعة ما لا يعمل الساحر في شهر. أخذه بعض الشعراء فقال:
إن النميمة نار ويك محرقة ففر عنها وجانب من تعاطاها
ولذلك قيل: نار الحقد لاتخبو. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم:
(لا يدخل الجنة نمام).قال:
(ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً). وقال عليه الصلاة والسلام:
(( من شر الناس ذو الوجهين : الذي ياتي هؤلاء بوجه ، وهؤلاء بوجه )) وقال كعب الاحبار : اصاب بني اسرائيل قحط، فخرج بهم موسى عليه السلام ثلاث مرات يستسقون فلم يسقوا . فقال موسى : الهى عبادك فاوحى الله اليه : اني لا استجيب لك ولا لمين معك ، لان فيهم رجلا نماما ، قد اصر على النميمة . فقال موسى : يارب من هو حتى نخرجه من بيننا))؟ فقال: (( يا موسى ن انهاك عن النميمة واكون نماما )) قال: فتابوا بأجمعهم، فسقوا. والنميمة من الكبائر، لاخلاف في ذلك، حتى قال الفضيل بن عياض: ثلاث تهد العمل الصالح ويفطرن الصائم، وينقضن الوضوء: الغيبة، والنميمة، والكذب. وقال عطاء بن السائب: ذكرت للشعبي قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(لا يدخل الجنة سافك دم، ولامشاء بنميمة، ولا تاجر يربي) فقلت: يا أبا عمرو، قرن النمام بالقاتل وآكل الربا؟ فقال : وهل تسفك الدماء، وتنتهب الأموال وتهيج الأمور العظام، إلا من أجل النميمة.
وقال قتادة وغيره: كانت تعير رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفقر. ثم كانت مع كثرة مالها تحمل الحطب على ظهرها، لشدة بخلها، فعيرت بالبخل. وقال ابن زيد والضحاك: كانت تحمل العضاه والشوك، فتطرحه بالليل على طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقاله ابن عباس. قال الربيع: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يطؤه كما يطأ الحرير. وقال مرة الهمداني: كانت أم جميل تأتي كل يوم بإبالة من الحسك، فتطرحها على طريق المسلمين، فبينما هي حاملة ذات يوم حزمة أعيت، فقعدت على حجر لتستريح، فجذبها الملك من خلفها فأهلكها. وقال سعيد بن جبير: حمالة الخطايا والذنوب، من قولهم: فلا يحتطب على ظهره، دليله قوله تعالى:" وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم" [الأنعام:31] وقيل: المعنى حمالة الحطب في النار، وفيه بعد. وقراءة العامة (حمالة) بالرفع على ان يكون خبراً (وامرأته) مبتدأ ويكون في (جيدها حبل من مسد) جملة في موضع الحال من المضمر في (حمالة). أو خبراً ثانياً. أو يكون (حمالة الحطب) نعتاً لامرأته. والخبر " في جيدها حبل من مسد" فيوقف على هذا على (ذات لهب). ويجوز أن يكون (وامرأته) معطوفة على المضمر في (سيصلى) فلا يوقف على (ذات لهب) ويجوز أن يكون (وامرأته) معطوفة على المضمر في (سيصلى) فلا يوقف على (ذات لهب) ويوقف على (وامرأته) تكون (حمالة الحطب ) خبر ابتداء محذوف. وقرأ عاصم (حمالة الحطب) بالنصب على الذم، كأنها اشتهرت بذلك، فجاءت الصفة للذم لا للتخصيص، كقوله تعالى:
" ملعونين أينما ثقفوا " [الأحزاب:61] وقرأ أبو قلابة (حاملة الحطب).
قال البخاري : حدثنا محمد بن سلام , حدثنا أبو معاوية , حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى: يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقال: أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني ؟ ـ قالوا: نعم, قال: ـ فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا ؟ تباً لك فأنزل الله: "تبت يدا أبي لهب وتب" إلى آخرها وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ فأنزل الله: "تبت يدا أبي لهب وتب" الأول دعاء عليه والثاني خبر عنه " , فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى الله عليه وسلم, واسمه عبد العزى بن عبد المطلب, وكنيته أبو عتيبة وإنما سمي أبا لهب لإشراق وجهه, وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والبغضة له والازدراء به والتنقص له ولدينه.
قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس , حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: أخبرني رجل يقال له ربيعة بن عباد من بني الديل وكان جاهلياً فأسلم قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا والناس مجتمعون عليه ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين يقول: إنه صابىء كاذب, يتبعه حيث ذهب, فسألت عنه فقالوا هذا عمه أبو لهب " , ثم رواه عن سريج عن ابن أبي الزناد عن أبيه فذكره قال أبو الزناد قلت لربيعة كنت يومئذ صغيراً ؟ قال: لا والله إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة, تفرد به أحمد .
وقال محمد بن إسحاق : حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال: سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول: " إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل ووراءه رجل أحول وضيء الوجه ذو جمة, يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم. على القبيلة فيقول: يا بني فلان إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئاً وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به وإذا فرغ من مقالته قال الاخر من خلفه: يا بني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى, وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة, فلا تسمعوا له ولا تتبعوه, فقلت لأبي: من هذا ؟ قال: عمه أبو لهب " , رواه أحمد أيضاً و الطبراني بهذا اللفظ, فقوله تعالى: "تبت يدا أبي لهب" أي خسر وخاب وضل عمله وسعيه "وتب" أي وقد تب تحقق خسارته وهلاكه.
وقوله تعالى: "ما أغنى عنه ماله وما كسب" قال ابن عباس وغيره "وما كسب" يعني ولده, وروي عن عائشة ومجاهد وعطاء والحسن وابن سيرين مثله, وذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان, قال أبو لهب: إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب الأليم بمالي وولدي فأنزل الله تعالى "ما أغنى عنه ماله وما كسب" وقوله تعالى: "سيصلى ناراً ذات لهب" أي ذات لهب وشرر وإحراق شديد "وامرأته حمالة الحطب" وكانت زوجته من سادات نساء قريش وهي أم جميل, واسمها أروى بنت حرب بن أمية, وهي أخت أبي سفيان وكانت عوناً لزوجها على كفره وجحوده وعناده. فلهذا تكون يوم القيامة عوناً عليه في عذابه في نار جهنم, ولهذا قال تعالى: " حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد " يعني تحمل الحطب فتلقي على زوجها ليزداد على ما هو فيه, وهي مهيأة لذلك مستعدة له "في جيدها حبل من مسد" قال مجاهد وعروة : من مسد النار, وعن مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والثوري والسدي "حمالة الحطب" كانت تمشي بالنميمة واختاره ابن جرير .
وقال العوفي عن ابن عباس وعطية الجدلي والضحاك وابن زيد : كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن جرير : كانت تعيرالنبي صلى الله عليه وسلم بالفقر, وكانت تحتطب فعيرت بذلك, كذا حكاه ولم يعزه إلى أحد, والصحيح الأول والله أعلم. قال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة فقالت لأنفقنها في عداوة محمد يعني فأعقبها الله بها حبلاً في جيدها من مسد النار. وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سليم مولى الشعبي عن الشعبي قال: المسد الليف, وقال عروة بن الزبير : المسد سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً, وعن الثوري : هي قلادة من نار طولها سبعون ذراعاً, وقال الجوهري : المسد الليف, والمسد أيضاً حبل من ليف أو خوص وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارها, ومسدت الحبل أمسده مسداً إذا أجدت فتله.
قال مجاهد "في جيدها حبل من مسد" أي طوق من حديد, ألا ترى أن العرب يسمون البكرة مسداً ؟ وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي , حدثنا سفيان حدثنا الوليد بن كثير عن أبي بدرس عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لما نزلت "تبت يدا أبي لهب" أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب, ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول:
مذمماً أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد, ومعه أبو بكر , فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله لقد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها لن تراني وقرأ قرآناً اعتصم به " كما قال تعالى: " وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا " فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني, فقال: لا ورب هذا البيت ما هجاك, فولت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها قال: وقال الوليد في حديثه أو غيره: فعثرت أم جميل في مرطها وهي تطوف بالبيت فقالت: تعس مذمم, فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب: إني لحصان فما أكلم, وثقاف فما أعلم, وكلتانا من بني العم, وقريش بعد أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد وأحمد بن إسحاق قالا: حدثنا أبو أحمد , حدثنا عبد السلام بن حرب , عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت "تبت يدا أبي لهب" جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أبو بكر , فقال له أبو بكر : لو تنحيت لا تؤذيك بشيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه سيحال بيني وبينها " فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر فقالت: يا أبا بكر هجانا صاحبك, فقال أبو بكر , لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به, فقالت: إنك لمصدق, فلما ولت قال أبو بكر : ما رأتك ؟ قال: "لا , ما زال ملك يسترني حتى ولت" ثم قال البزار : لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد عن أبي بكر رضي الله عنه. وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى: "في جيدها حبل من مسد" أي في عنقها حبل من نار جهنم ترفع به إلى شفيرها ثم ترمى إلى أسفلها, ثم كذلك دائماً, قال أبو الخطاب بن دحية في كتاب التنوير, وقد روى ذلك وعبر بالمسد عن حبل الدلو, كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات: كل مسد رشاء, وأنشد في ذلك:
وبكرة ومحوراً صراراً ومسداً من أبق مغاراً
قال: والأبق القنب. وقال الاخر:
يامسد الخوص تعوذ مني إن تك لدناً ليناً فإني
ماشئت من أشمط مقسئن
قال العلماء: وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة, فإنه منذ نزل قوله تعالى: " سيصلى نارا ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد " فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان لم يقيض لهما أن يؤمنا ولا واحد منهما لا باطناً ولا ظاهراً, لا مسراً ولا معلناً, فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة, آخر تفسير السورة, ولله الحمد والمنة.
4- "وامرأته حمالة الحطب" معطوف على الضمير في يصلى، وجاز ذلك للفصل: أي وتصلى امرأته ناراً ذات لهب، وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، وكانت تحمل الغضى والشوك فتطرحه بالليل على طريق النبي صلى الله عليه وسلم، كذا قال ابن زيد والضحاك والربيع بن أنس ومرة الهمداني. وقال مجاهد وقتادة والسدي: إنها كانت تمشي بالنميمة بين الناس. والعرب تقول: فلان يحطب على فلان: إذا نم به، ومنه قول الشاعر:
إني بني الأدرم حمالوا الحطب هم الوشاة في الرضا والغضب
عليهم اللعنة تترى والحرب
وقال آخر:
من البيض لم يصطد على ظهر لامة ولم يمش بين الناس بالحطب الرطب
وجعل الحطب في هذا البيت رطباً لما فيه من التدخين الذي هو زيادة في الشر، ومن الموافقة للمشي بالنميمة وقال سعيد بن جبير: معنى حمالة الحطب أنها حمالة الخطايا والذنوب، من قولهم: فلان يحتطب على ظهره، كما في قوله "وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم" وقيل المعنى: حمالة الحطب في النار. قرأ الجمهور "حمالة" بالرفع على الخبرية على أنها جملة مسوقة للإخبار بأن امرأة أبي لهب حمالة الحطب، وأما على ما قدمنا من عطف وامرأته على الضمير في تصلى، فيكون رفع حمالة على النعت لامرأته، والإضافة حقيقية لأنها بمعنى المضي، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي هي حمالة. وقرأ عاصم بنصب "حمالة" على الذم، أو على أنه حال من امرأته. وقرأ أبو قلابة حاملة الحطب.
4- "وامرأته"، أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان "حمالة الحطب"، قال ابن زيد والضحاك: كانت تحمل الشوك والعضاة فتطرحه في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، لتعقرهم، وهي رواية عطية عن ابن عباس.
وقال قتادة، ومجاهد، والسدي: كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث فتلقي العداوة بين الناس، وتوقد نارها كما توقد النار بالحطب. يقال: فلان يحطب على فلان، إذا كان يغري به.
وقال سعيد بن جبير: حمالة الخطايا، دليله: قوله: "وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم" (الأنعام- 31).
قرأ عاصم "حمالة" بالنصب على الذم، كقوله: "ملعونين".
وقرأ الآخرون بالرفع، وله وجهان: أحدهما سيصلى ناراً هو وامرأته حمالة الحطب. والثاني: امرأته حمالة الحطب في النار أيضاً.
4-" وامرأته " عطف على المستتر في " سيصلى " أو مبتدأ وهي أم جميل أخت أبي سفيان " حمالة الحطب " يعني حطب جهنم فإنها كانت تحمل الأوزار بمعاداة الرسول صلى الله عليه وسلم وتحمل زوجها على إيذائه ، أو النميمة فإنها كانت توقد نار الخصومة ، أو حزمة الشوك أو الحسك ،فإنها كانت تحملها فتنثرها بالليل في طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقرأ عاصم بالنصب على الشتم .