وامرأتة حمالة الحطب فى جيدها حبل من مسد
أعقب ذم أبي لهب
ووعيده بمثل ذلك لامرأته
لأنها كانت تشاركه في أذى النبيء
- صلى الله عليه وسلم -
وتعينه عليه .
( وامرأتة حمالة الحطب) .
أما قوله تعالى :
(وامرأتة حمالة الحطب)
ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
قرئ ومريئته بالتصغير وقرئ حمالة الحطب بالنصب على الشتم
قال صاحب الكشاف :
وأنا أستحب هذه القراءة وقد توسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميل من أحب شتم أم جميل وقرئ بالنصب والتنوين
والرفع
المسألة الثانية :
أم جميل بنت حربأختأبى سفيان بن حرب عمة معاوية
وكانت في غاية العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وذكروا في تفسير كونها حمالة الحطب وجوها :
أحدها :
أنها كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك فتنثرها بالليل في طريق رسول الله
فإن قيل :
إنها كانت من بيت العز
فكيف يقال :
إنها حمالة الحطب ؟
قلنا :
لعلها كانت مع كثرة مالها خسيسة أو كانت لشدة عداوتها تحمل بنفسها الشوك والحطب
لأجل أن تلقيه في طريق رسول الله .
وثانيها :
أنها كانت تمشي بالنميمة يقال للمشاء بالنمائم المفسد بين الناس :
يحمل الحطب بينهم
أي يوقد بينهم النائرة
ويقال للمكثار :
هو حاطب ليل .
وثالثها :
قول قتادة :
أنها كانت تعير رسول الله بالفقر
فعيرت بأنها كانت تحتطب .
والرابع :
قول أبي مسلم وسعيد بن جبير:
أن المراد ما حملت من الآثام في عداوة الرسول
لأنه كالحطب في تصييرها إلى النار ونظيره
أنه تعالى شبة فاعل الإثم بمن يمشي وعلى ظهره حمل
قال تعالى :
(فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا) الأحزاب : 58 .
وقال تعالى :
( يحملون أوزارهم على ظهورهم) الأنعام : 31 .
وقال تعالى :
( وحملها الانسان) الأحزاب : 72 .
المسألة الثالثة :
امرأته إن رفعته
ففيه وجهان :
أحدهما :
العطف على الضمير في سيصلى
أي سيصلى هو وامرأته .
و في جيدها في موضع الحال .
والثاني :
الرفع على الابتداء
وفي جيدها الخبر .
المسألة الرابعة :
عن أسماء لما نزلت(تبت)جاءت أم جميل ولها ولولة وبيدها حجرفدخلت ورسول الله جالس ومعة أبو بكر
وهى تقوا:
مذمما قلينا -ودينةأبينا-وحكمة عصينا.
فقال أبو بكر:
يا رسول الله قد أقبلت اليك فأنا أخاف أن تراك
فقال علية السلام:
(انها لا ترانى)
وقرأ:
(اذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا)
وقالت لأبي بكر :
قد ذكر لى أن صاحبك هجانى
فقال أبو بكر:
لا ورب هذا البيت ما هجاك
فولت وهى تقول:
قد علمت قريش أنى بنت سيدها.
وفي هذه الحكاية أبحاث :
الأول :
كيف جاز في أم جميل أن لا ترى الرسول
وترى أبا بكر والمكان واحد ؟
الجواب :
أما على قول أصحابنا فالسؤال زائل
لأن عند حصول الشرائط يكون الإدراك جائزا لا واجبا
فإن خلق الله الإدراك رأى وإلا فلا
وأما المعتزلة فذكروا فيه وجوها .
أحدها :
لعله عليه السلام أعرض وجهه عنها وولاها ظهره
ثم إنها كانت لغاية غضبها لم تفتش
أو لأن الله ألقى في قلبها خوفا
فصار ذلك صارفا لها عن النظر .
وثانيها :
لعل الله تعالى ألقى شبه إنسان آخر على الرسول
كما فعل ذلك بعيسى .
وثالثها :
لعل الله تعالى حول شعاع بصرها عن ذلك السمت حتى إنها ما رأته .
واعلم أن الإشكال على الوجوه الثلاثة لازم
لأن بهذه الوجوه عرفنا أنه يمكن أن يكون الشيء حاضرا ولا نراه
وإذا جوزنا ذلك فلم لا يجوز أن يكون عندنا فيلات وبوقات
ولا نراها ولا نسمعها .
البحث الثاني :
أن أبا بكر حلف أنه ما هجاك
وهذا من باب المعاريض
لأن القرآن لا يسمى هجوا
ولأنه كلام الله لا كلام الرسول
فدلت هذه الحكاية على جواز المعاريض .
بقي من مباحث هذه الآية سؤالان :
السؤال الأول :
لم لم يكتف بقوله :
( وامرأته ) بل وصفها بأنها حمالة الحطب ؟
الجواب :
قيل :
كان له امرأتان سواها فأراد الله تعالى أن لا يظن ظان أنه أراد كل من كانت امرأة له
بل ليس المراد إلا هذه الواحدة .
السؤال الثاني :
أن ذكر النساء لا يليق بأهل الكرم والمروءة
فكيف يليق ذكرها بكلام الله
ولا سيما امرأة العم ؟
الجواب :
لما لم يستبعد فيامرأة نوح وامرأة لوط بسبب كفر تلكا المرأتين
فلأن لا يستبعد في امرأة كافرة زوجها رجل كافر أولى .