قال صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن بدء الأمر (أي كيف بدأ هذا الكونُ): «كان اللهُ ولم يكُن شىءٌ غيرُهُ، وكان عرشُهُ على الماء، وكَتَب في الذّكر كُلّ شىءٍ، ثُمّ خلق السّمـوات والأرض» – رواهُ البخاريُّ -.
أجاب الرّسُولُ صلّى اللهُ عليه وسلّم عن هذا السُّؤال بأنّ الله لا بداية لوُجُوده (أي أزلي)، ولا أزليّ سواهُ، وبعبارةٍ أخرى ففي الأزل لم يكُن إلا اللهُ تعالى، واللهُ تعالى خلق كُلّ شىءٍ، ومعنى خلق كُلّ شىءٍ أنّهُ أخرج جميع الموجُودات من العدم إلى الوُجُود.
واللهُ تعالى لم يخلُق المخلُوقات كُلّها دفعةً واحدةً، ولو أراد ذلك لفعل، خلق اللّه السّمـوات والأرض ومرافقها من أنهارٍ وجبالٍ ووديانٍ في ستّة أيّامٍ والحكمةُ من ذلك أن يُعلّمنا التّأنّي في الأمُور.
الماءُ أوّلُ المخلُوقات: وأوّلُ المخلُوقات الماءُ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله تعالى خلق كُلّ شىءٍ من الماء» – رواه ابن حبان – يعني قبل أن يخلُق اللهُ النُّور والظّلام والأرض والسّمـوات والعرش واللّوح المحفُوظ، خلق قبل كلّ شىءٍ الماء، وجعلهُ أصلاً لغيره من المخلُوقات ثُمّ خلق من الماء العرش، ثُمّ القلم الأعلى، ثُمّ اللّوح المحفُوظ، وخلق بعد هؤلاء سائر الأشياء أي الأرض والسّمـوات والبهائم والجبال والأشجار والأنهار. وكان ءاخر الخلق من حيثُ الجنسُ ءادمُ عليه السّلامُ، خُلق بعد عصر يوم الجمعة.
العرشُ: هُو سريرٌ لهُ قوائمُ، وهُو أكبرُ الأجسام التي خلقها اللهُ تعالى وهُو سقفُ الجنّة قال رسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم: «ما السّمواتُ السّبعُ في جنب الكُرسيّ إلا كحلقةٍ في أرضٍ فلاةٍ وفضلُ العرش على الكُرسيّ كفضل الفلاة على الحلقة» – رواه ابن حبان -.
أي انّ السّمــوات السّبع بالنّسبة للكُرسيّ كحلقةٍ في فلاةٍ وكذلك الكُرسيُّ بالنّسبة للعرش كحلقةٍ في فلاةٍ. وهذا يدُلُّ على عظم مساحة العرش الّذي يحملُهُ الآن أربعةٌ من الملائكة الضّخام العظام، الواحدُ منهُم ما بين شحمة أُذُنه إلى عاتقه مسيرةُ سبعمائة عامٍ بخفقان الطّير المسرع أمّا يوم القيامة فيحملُ العرش ثمانيةٌ من الملائكة.
والعرشُ محفُوفٌ بالملائكة وليس هُو مكانًا لله تعالى لأن الله ليس جسمًا ولا يحتاجُ للمكان. قال الإمامُ عليٌّ رضي اللهُ عنهُ: إنّ الله خلق العرش إظهارًا لقُدرته ولم يتّخذهُ مكانًا لذاته. فالعرشُ والكرسيُّ خلقهُما اللّهُ إظهارًا لقُدرته وهو سُبحانهُ موجودٌ بلا مكانٍ ولا جهةٍ.