اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك
قال تعالى:﴿فَهَدَى اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّه يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
تفسير ابن كثير للآية الكريمة:ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال عبد الرزاق :
حدثنا معمر ، عن سليمان الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة في قوله : ( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ) قال :
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ، نحن أول الناس دخولا الجنة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ، فهدانا الله لما اختلفوا فيه من الحق ، فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه ، فهدانا له فالناس لنا فيه تبع ، فغدا لليهود ، وبعد غد للنصارى " .
ثم رواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة .
وقال ابن وهب ، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم
عن أبيه في قوله :
( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه )
فاختلفوا في يوم الجمعة ، فاتخذ اليهود يوم السبت ، والنصارى يوم الأحد .
فهدى الله أمة محمد ليوم الجمعة .
واختلفوا في القبلة .
فاستقبلت النصارى المشرق ، واليهود بيت المقدس ، فهدى الله أمة محمد للقبلة . واختلفوا في الصلاة .
فمنهم من يركع ولا يسجد ، ومنهم من يسجد ولا يركع ، ومنهم من يصلي وهو يتكلم ، ومنهم من يصلي وهو يمشي ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك . واختلفوا في الصيام ، فمنهم من يصوم بعض النهار ، ومنهم من يصوم عن بعض الطعام ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك .
واختلفوا في إبراهيم ، عليه السلام ، فقالت اليهود :
كان يهوديا ، وقالت النصارى : كان نصرانيا ، وجعله الله حنيفا مسلما ، فهدى الله أمة محمد للحق من ذلك . واختلفوا في عيسى ، عليه السلام ، فكذبت به اليهود ، وقالوا لأمه بهتانا عظيما ، وجعلته النصارى إلها وولدا ، وجعله الله روحه ، وكلمته ، فهدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم للحق من ذلك .
وقال الربيع بن أنس في قوله :
( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه )
أي :
عند الاختلاف أنهم كانوا على ما جاءت به الرسل قبل الاختلاف ، أقاموا على الإخلاص لله عز وجل وحده ، وعبادته لا شريك له ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، فأقاموا على الأمر الأول الذي كان قبل الاختلاف ، واعتزلوا الاختلاف ، وكانوا شهداء على الناس يوم القيامة شهودا على قوم نوح ، وقوم هود ، وقوم صالح ، وقوم شعيب ، وآل فرعون ، أن رسلهم قد بلغوهم ، وأنهم قد كذبوا رسلهم .
وفي قراءة أبي بن كعب :
" وليكونوا شهداء على الناس يوم القيامة ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم "
وكان أبو العالية يقول :
في هذه الآية المخرج من الشبهات والضلالات والفتن .
وقوله : ( بإذنه )
أي : بعلمه ، بما هداهم له .
قاله ابن جرير :
( والله يهدي من يشاء )
أي : من [ ص: 571 ] خلقه ( إلى صراط مستقيم )
أي : وله الحكم والحجة البالغة .
وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يصلي يقول :
" اللهم ، رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم " .
وفي الدعاء المأثور :
اللهم ، أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلا ووفقنا لاجتنابه ، ولا تجعله ملتبسا علينا فنضل ، واجعلنا للمتقين إماما .