المصـــــــــــراوية
المصـــــــــــراوية

المصـــــــــــراوية

 
الرئيسيةاليوميةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
صالح المحلاوى

صالح المحلاوى


اعلام خاصة : مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم 192011_md_13005803803
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011
الموقع الموقع : المحلة - مصر المحروسة
العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى
المزاج : متوفي //

مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم   مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 3 سبتمبر 2015 - 0:21

مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم 7op-girls.com13763276603110

كل عصر من العصور له سماته وخصائصه , فان المنهج العلمي هو السمة البارزة من سمات عصرنا الحاضر , ومن نعمة الله علينا – نحن المسلمين – في هذا العصر , أن تكثر الدراسات العلمية المتعلقة بآيات القران الكريم والسنة المطهرة في مجالات الحياة وبصورة عامة : طبية ...فلكية ...نباتية ...حيوانية .
ولا عجب في ذلك فإن القران الكريم يقوم على العلم , ولا تتناقض أية آية من آياته مع أية حقيقة علمية ثابتة , وهذا الجانب العلمي له أثر وبالغ الأهمية لدى مثقفي عصرنا الحاضر فقد أولوه من الاهتمام أعظمه , بعد تلك الفترات المظلمة التي كان المسلمون فيها مقلدين لكل ما جاء به الغرب من نظريات صحيحة أو غير صحيحة !!
و لا بد لنا أن نشير هنا إلى أن الإسلام طريق هداية جاء لإنقاذ البشرية الحائرة وهدايتها إلى سواء السبيل وهذا ما اعترف به كبار علماء الغرب وقديما قالوا : الفضل ما شهدت به الأعداء .
ومن هذا المنطلق ومن باب الدعوة إلى الله تعالى أولاً , ثم لشغفي الشديد منذ نعومة أظفاري إلى معرفة القضايا العلمية المتعلقة بالقران الكريم والسنة المطهرة ثانياً , عمدت إلى أن تكون لي بصمة بين طلبة العلم , فكتبت هذا الجهد المتواضع .

مفهوم الإعجاز العلمي وضوابط البحث فيه


أولاً: أهمية الإعجاز العلمي: 
لما كان رسول الله r هو الرسول الخاتم كان لا بد أن تكون معجزته خالدة تفحم أهل كل عصر ومصر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وقد أشار ابن حجر إلى هذه الحقيقة المسلمة في شرحه لحديث الآيات المعجزة لكل نبي وهو قوله e (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما على مثله آمن البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة) وقال ابن حجر مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Rhm: " ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة وخرقه للعادة في أسلوبه وفى بلاغته، وإخباره بالمغيبات فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه فعم نفعه من حضر ومن غاب، ومن وجد ومن سيوجد )[1].
ومعلوم أن أهل هذا الزمان لا تعنيهم أوجه الإعجاز البلاغية من الفصاحة والبلاغة، فهي لا تثيرهم ولا تبهرهم، ومن الصعب عليهم تذوق جماله اللغوي.
ولما ارتفعت أسهم العلم التجريبي والمكتشفات العلمية وأصبحت مصدر زهو العلماء وافتخارهم واعتزازهم، أظهر الله وجها من أوجه إعجاز كتابه الكريم على أيدي العلماء - من المسلمين ومن غير المسلمين- يتناسب مع ما يعنيهم ويبهرهم، ألا هو الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. ( وذلك الإعجاز هو السبق العلمي للقران الكريم الذي ذكر حقائق في الكون لم تكن البشرية تعلم عنها شيئا )[2] وهذه الحقائق تطورت بتطور الاكتشافات التي جاءت نتيجة للإشارات الواردة في القران , وبديهي أن يتباين موقف العلماء من تلك الإشارات بتباين الأفراد وخلفياتهم الثقافية وأزمانهم , وباتساع دائرة المعارف الإنسانية في مجال الدراسات الكونية[3] ولذلك نجد بعد فترة من الزمن وبعد تقدم أجهزة الكشف العلمي , وقوف العلماء على طرف من هذه الحقائق المفسرة للإشارات الكونية في القران وهذه الإشارات ذكرها القران الكريم , فذلك شاهد بان القران الكريم انزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض كما يشهد بان محمد r رسول من عند الله الذي أحاط علما بكل شئ .[4] 


ثانياً: مفهوم الإعجاز العلمي:
ولقد شاع مصطلح الإعجاز العلمي في عصرنا،للدلالة على أوجه إعجاز القرآن والسنة التي كشفت عنها العلوم الكونية ونظراً لجدة البحث في حقل الإعجاز العلمي في القرآن - بالنسبة لغيره من حقول الدراسات القرآنية - فسوف نقدم في هذا البحث تأصيلاً لهذا العلم بغية إعانة المشتغلين في هذا الحقل على ارتياد آفاقه. ونبدأ بتعريف الإعجاز. الإعجاز لغة: مشتق من العجز. والعجز: الضعف أو عدم القدرة، وهو مصدر أعجز بمعنى الفوت والسبق[5]. والمعجزة في اصطلاح العلماء: أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة[6] . وعرف الزنداني الاعجاز فقال : ( انه اظهار صدق الرسل – عليهم الصلاة والسلام – باظهار امور على ايدبهم بعجز البشر عن معارضتها)[7] وإعجاز القرآن: يقصد به إعجاز القرآن للناس أن يأتوا بمثله. أي نسبة العجز إلى الناس بسبب عدم قدرتهم على الإتيان بمثله. ووصف الإعجاز هنا بأنه علمي نسبة إلى العلم. والعلم: هو إدراك الأشياء على حقائقها أو هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً[8] والمقصود بالعلم في هذا المقام: العلم التجريبي.
اذن فهو إخبار القرآن الكريم بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيراً وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول r
أو هو إبراز الحقائق القرآنية التي أشارت إلى الحقائق الكونية المتعلقة بالآفاق والأنفس، والتي جاء العلم الحديث موافقاً لها.

الفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي: 
التفسير العلمي: هو الكشف عن معاني الآية في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية, فهو التفسير ( الذي يحكّم الاصطلاحات العلمية في عبارات القران , ويجتهد في استخراج مختلف العلوم والاراء الفلسفية منها )[9]
وقد عرف الدكتور صلاح الخالدي التفسير العلمي بقوله: ( هو النظر في الايات ذات المظامين العلمية , من الزاوية العلمية , وتفسيرها تفسيرا لاعلميا , وذلك بالاستعانة بالعلوم والمعارف والمكتشفات الجديدة في توسيع مدلولها وتقديم معناها )[10] 
وعرفه الدكتور زغلول النجار : ( محاولة بشرية لحسن فهم دلالة الاية القرانية ان اصاب فيها المفسر فله اجران وان اخطا فله اجر واحد )[11] 
وعرفه الدكتور عدنان زرزور : ( الاستناد الى حقائق العلم التجريبي – ونظرياته – في شرح ايات الطبيعة والانسان – ادم وبنية – والتي وردة في القران الكريم في سياقات شتى , ومواضع متعددة )[12]
والاعجاز العلمي : هو بذل الجهد واستفراغ الوسع لفهم الآيات المتعلق بالآفاق والأنفس من خلال ( إخبار القران الكريم أو السنة النبوية بحقيقة اثبتها العلم التجريبي , وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول r )[13]
وعرف الزنداني الإعجاز العلمي بقوله : ( ويمكننا ان نعرّف الإعجاز العلمي في القران والسنة بأنه : إظهار صدق الرسول محمد r بما حمله الوحي اليه كم علم الهي , ثبت تحققه , ويعجز البشر عن نسبته إلى محمد r أو إلى أي مصدر بشري في عصره )[14] 
وعرفه الدكتور زغلول النجار : ( يقصد به سبق هذا الكتاب العزيز بالاشاره الى عدد من حقائق الكون وظواهره التي لم تتمكن العلوم المكتسبة من الوصول الى فهم شئ منها الا بعد قرون متطاولة من تنزل القران الكريم)[15]
وعرفه الدكتور صلاح الخالدي : ( ان نعتبر تلك المضامين والابعاد والاشارات والحقائق العلمية لتلك الايات , وجها من وجوه الاعجاز القراني ونسميه الاعجاز العلمي ونضيفه الى وجوه الاعجاز الاخرى )[16] 

اذن فالاعجاز العلمي محاولة لفهم الاشارات العلمية في القران الكريم ( واعجازه العلمي ليس في اشتماله على النظريات العلمية التي تتجدد وتتبدل وتكون ثمره للجهد البشري في البحث والنظر , وانما في حثه على التفكير , فهو يحث الانسان على النظر في الكون وتدبره , ولا يشل حركة العقل في تفكيره , او يحول بينه وبين الاستزاده من العلوم ما استطاع الى ذلك سبيلا . وليس ثمة كتاب من كتب الأديان السابقة يكفل هذا بمثل ما يكفله القران )[17]
الفرق بينهما: أن الإعجاز العلمي قطعي الدلالة، بينما التفسير العلمي ظني الدلالة.
ثالثا : أوجه الإعجاز العلمي :
للإعجاز العلمي في القران والسنة أوجه من أهمها :
1. التوافق الدقيق بين ما في الكتاب والسنة , وما اكتشفه علماء الكون من حقائق وأسرار كونية لم يكن في إمكان بشر أن يعرفها وقت نزول القران .
2. تصحيح الكتاب والسنة لما شاع بين البشرية في أجيالها المختلفة من أفكار باطلة حول أسرار الخلق .
3. إذا جمعت نصوص الكتاب والسنة الصحيحة المتعلقة بالكون وجدت بعضها يكمل الأخر , فتتجلى بها الحقيقة , مع أنَّ هذه النصوص نزلت مفرقة في الزمن , وفي مواضعها من الكتاب الكريم , وهذا لا يكون الا من عند الله الذي يعلم السر في السماوات والارض .
4. سن التشريعات الحكيمة , التي قد تخفى حكمتها على الناس وقت نزول القران , وتكشفها ابحاث العلماء في شتى المجالات .
5. عدم الصدام بين نصوص الوحي القاطعة التي تصف الكون واسراره – على كثرتها – والحقائق العلمية المكتشفة – على وفرتها – مع وجود الصدام الكثير بين ما يقوله علماء الكون من نظريات تتبدل مع تقدم الاكتشافات , ووجود الصدام بين العلم , وما قررته سائر الاديان المحرفة والمبدلة .[18] 
رابعا : مبررات الاهتمام بقضية الاعجاز العلمي في القران الكريم :
1. ان القران الكريم الكريم انزل الينا لنفهمه , والايات الكونية فيه لايمكن فهمها فهما صحيحا في اطار اللغة وحدها – على اهمية ذلك وضرورته – انطلاقا من شمول الدلات القرانية ومن كلية المعرفة التي لا تتجزأ .
2. ان الدعوة بالاعجاز العلمي لكل من القران الكريم والسنة النبوية المطهرة اصبحت هي الوسيلة المناسبة لاهل عصرنا – عصر العلم والتقنية – الذي فتن الناس فيه بالعلم ومعطاته فتنة كبيرة . وفي ضل هذا التقدم العلمي والتقني المذهل نبذ اغلب اهل الارض الدين وراء ظهورهم ونسوه وانكروا الخلق والخالق , كما انكروا البعث والحساب والجنة والنار وغير ذلك من الغيبيات , وعلى ذلك فلم يبق امام اهل عصرنا من وسيلة مقنعة بالدين الاسلامي الحنيف قدر اقناع الاعجاز العلمي في كتاب الله وفي سنة خاتم انبيائه ورسله .
3. ان كلا من الاسلام والمسلمين يتعرض اليوم لهجوم شرس في جميع وسائل الاعلام بغير حق والقائمون على تلك الوسائل من غلاة الغرب الذين ينكرون سماوية الاسلام , وربانية القران الكريم , ونبوة خاتم المرسلين r او ينكرون الدين كلية في وقاحة وبجاحة سافرة . واهم الوسائل وانجعها للرد على هذا الهجوم هو اثبات الاعجاز العلمي لكتاب الله وسنة رسوله r بالكلمة الطيبة والخحة الواضحة البالغة والمنطق السوي .
4. ان العالم اليوم يتحرك باتجاه كارثة كبرى , وقودها تطور علمي وتقني مذهل , يطغى اصحابة ويغريهم بافناء وابادة غيرهم في غيبة الوعي الديني الصحيح والالتزام الاخلاقي والسلوكي اللذين يرعيان حق الله وحقوق الاخوة الانسانية حق رعايتها . والمخرج من ذلك هو الدعوة الى الدين الحق ومن اوضح وسائل الدعوة اليه هو ما في كتاب الله تعالى وفي سنة رسوله r من اعجاز علمي واضح وضوح الشمس في رابعة النهار يقنع المنبهرين بالعلم ومعطياته في زمن تفجر المعارف العلمية الذي نعيشه كما لم يقنعهم اسلوب اخر .
5. ان في اثارة قضية الاعجاز العلمي لكل من القران الكريم والسنة النبوية استنهاضا لعقول المسلمين واستثارة للتفكير الابداعي فيها وتشجيعا بقضية العلوم والتقنية التي تخلفت فيها الامة تخلفا كبيرا , فاخذت الهوة تزداد بيننا وبين الغرب يوما بعد يوم .[19]

خامسا: الآيات التي أشارت إلى الإعجاز العلمي: 
حثَّ القران الكريم في كثير من آياته الناس على النظر والتدبر , وأمرهم بالنظر في هذا الكون وما فيه من آيات بينه , وبان يقودهم هذا النظر إلى الإيمان بالله سبحانه وتوحيده وعبادته من خلال عدة آيات يمكن اعتبارها أساساً وأصلاً للإعجاز العلمي: 
منها قوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فصلت53، وكانَّ القران يدعونا الى الاكتشاف العلمي والوصول الى العلم التجريبي الذي بدأه المسلمون في الحضارة الإسلامية , ثم أخذه الغربيون عن المسلمين , واستخدموه بتوسع , وكأنه أساس الثورة العلمية التي نعيشها .[20]
ومنها قوله تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) النمل93 ( وصدق الله . ففي كل يوم يري عباده بعض آياته في الأنفس والآفاق ويكشف لهم عن بعض أسرار هذا الكون الحافل بالأسرار ... وفي أنفسهم اثر الإيقاع العميق " وما ربك بغافل عما تعملون" )[21] 
ومنها قوله تعالى: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ )(ص 87-88) . 
ومنها قوله تعالى: (لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )الأنعام67، 

سادساً: ثمرات الإعجاز العلمي
1. الأثر البالغ الذي تتركه في قلوب المسلمين، والذي يترجم بزيادة اليقين عندهم لدى رؤيتهم هذه الحقائق الباهرة؛ لأنها وردت على لســان النبي الأمي محمد r وهكذا فإنها خير مشجع للتمسك بالقرآن والسنة والاهتداء بهما. 
2. الرد العلمي الدامغ على الأفكار التشكيكية بصحة الرسالة المحمدية؛ حيث إن عرض تلك الحقائق التي أخبر عنها نبي أمي في زمن لا يوجد فيه تقدم علمي كما أنه لا توجد في المجتمع وكذا البيئة التي عاش فيها أي أثرة من علم في تلك الميادين الكونية؛ ولذلك فهذا الإعجاز يعتبر مجالاً خصباً لإقناع المنصفين من العلماء بربانية القرآن الكريم وصدق رسول الله r

3. الرد العملي المقترن بالبرهان الساطع على أن الدين الإسلامي هو دين العلم حقاً؛ حيث لم يستطع أحد إلى الآن أن يثبت وجود تعارض أية دلالة كونية واردة في القرآن الكريم مع ما استقر من الحقائق العلمية اليوم، بل على العكس كم من القضايا العلمية التي صححها القرآن لعلماء العلم التجريبي ثبت مصداقيتها . 
4. إن الإعجاز العلمي يعتبر خير مشجع لهمم المسلمين كي يساهموا بنشاط في خدمة العلم التجريبي - بحثاً واسكتشافاً- مسترشدين بالإشارات العلمية الواردة في القرآن الكريم. 
5. كما أن هذا الإعجاز العلمي يعتبر من أنجع الوسائل للدعوة إلى الله في الأوساط العلمية، والذي يتتبع أسباب دخول كثير من الناس في الإسلام - ممن كانوا نصارى أو بوذيين أو يهود ـ يجد بحق أن فريقاً منهم قد ابتدأ سيره إلى الحق؛ والذي انتهى به لإعلان شهادة الحق؛ من خلال معاينة لطائف الإعجاز العلمي في القرآن والسنة. 
6. يساعد الإعجاز العلمي كثيراً من الشاردين عن الإسلام والغافلين عن عظمته في الرجوع إلى دينهم والاعتزاز بالانتساب إليه، حيث يرون العلماء من غير المسلمين يسلمون؛ بسبب اطلاعهم على عظمة القرآن وتوافقه مع الحقائق الكونية في الآفاق والأنفس. 

سابعا: الإعجاز العلمي بين المجيزين والمانعين[22]
ينقسم العلماء في هذا الموضوع إلى فريقين فريق: يجيزه ويدعو إليه ويرى فيه فتحاً جديداً وتجديداً في طريق الدعوة إلى الله وهداية الناس إلى دين الله. وفريق: يرى في هذا اللون من التفسير خروجاً بالقرآن عن الهدف الذي أنزل القرآن من أجله، وإقحاماً له في مجال متروك للعقل البشرى يجرب فيه ويصيب ويخطئ. واليك رأى الفريقين وحججهم باختصار:


المجيزون للإعجاز العلمي: 
أما مجيزوا الإعجاز العلمي وهم الكثرة فيمثلهم الأمام محمد عبده، وتلميذه الشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ محمد أبو زهرة ومحدث المغرب أبو الفيض أحمد بن صديق الغمارى، ونستطيع أن نعد منهم الشيخ محمد الأمين الشنقيطى، صاحب أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن. وهؤلاء الذين يتبنون التفسير العلمي للقرآن يضعون له شروطاً تسد الباب أمام الأدعياء الذين يتخرصون في تفسير القرآن بغير علم، ومن هذه الشروط:
1- ضرورة التقيد بما تدل عليه اللغة العربية فلابد من:
· أن تراعى معاني المفردات كما كانت في اللغة إبان نزول الوحي.
· أن تراعى القواعد النحوية ودلالاتها. 
· أن تراعى القواعد البلاغية و دلالاتها. خصوصاً (( قاعدة أن لا يخرج اللفظ من الحقيقة إلى المجاز إلا بقرينة كافية )).
2- البعد عن التأويل في بيان إعجاز القرآن العلمي 
3- أن لا تجعل حقائق القرآن موضع نظر، بل تجعل هي الأصل: فما وافقها قبل وما عارضها رفض.
4- أن لا يفسر القرآن إلا باليقين الثابت من العلم لا بالفروض والنظريات التي لا تزال موضع فحص وتمحيص، أما الحدسيات والظنيات فلا يجوز أن يفسر بها القرآن، لأنها عرضة للتصحيح والتعديل – إن لم تكن للإبطال – في أي وقت. 
المانعون من الإعجاز العلمي: 
أما المانعون من الإعجاز العلمي فيمثلهم في هذا العصر شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمـود شلتوت والأستاذ سيد قطب، ود. محمـد حسين الذهبي. وحجتهم في المنع، يقولون:
1. إن القرآن كتاب هداية، وإن الله لم ينزله ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون، وأنواع المعارف.
2. إن التفسير العلمي للقرآن يعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير.

3. إن التفسير العلمي للقرآن يحمل أصحابه والمغرمين به على التأويل المتكلف الذي يتنافى مع مناهج التفسير المقبولة والمعتمدة. 
4. ثم يقولون: أن هناك دليلاً واضحاً من القرآن على أن القرآن ليس كتاباً يريد الله به شرح حقائق الكون، وهذا الدليل هو ما روى عن معاذ أنه قال: " يا رسول الله إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة فما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير، ثم ينقص حتى يعود كما كان فأنزل الله هذه الآيةSad يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) [البقرة 189]. أي أن الله لم يرد عليهم ردا علمياً بل رد عليهم ردا شرعياً ببيان الهدف منها 

ولكن هل تكفى هذه الحجج لرفض التفسير العلمي ؟؟: 
إن كون القرآن الكريم كتاب هداية لا يمنع أن ترد فيه إشارات علمية يوضحها التعمق في العلم الحديث، فقد تحدث القرآن عن السماء والأرض، والشمس والقمر، والليل والنهار، وسائر الظواهر الكونية، كما تحدث عن الإنسان، والحيوان والنبات، ولم يكن هذا الحديث المستفيض منافياً لكون القرآن كتاب هداية، بل كان حديثه هذا أحد الطرق التي سلكها لهداية الناس.
أما تعليق الحقائق التي يذكرها القرآن بالفروض العلمية فهو أمر مرفوض وأول من رفضه هم المتحمسون للتفسير العلمي للقرآن.
أما أن هذا اللون من التفسير يتضمن التأويل المستمر، والتمحل، والتكلف فإن التأويل بلا داع مرفوض. وقد اشترط القائلون بالتفسير العلمي للقرآن شروطاً من بينها أن لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا إذا قامت القرائن الواضحة التي تمنع من إرادة الحقيقة. 
وأما الاستدلال بما ورد في سبب نزول الآية (يسألونك عن الأهلة) فهو بحاجة إلى أن يثبت وإلا فهو معارض بما رواه الطبرى في تفسيره عن قتادة في هذه الآية قال: سألوا النبي لم جعلت هذه الأهلة؟ فأنزل الله فيها ما تسمعون (هي مواقيت للناس والحج ) فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم ولمناسكهم وحجهم ولعدة نسائهم ومحل دينهم في 

أشياء والله أعلم بما يصلح خلقه ". وروى عن الربيع وابن جريج مثل ذلك. ففي هذه الروايات التي ساقها الطبرى: السؤال هو: لم جعلت هذه الأهلة ؟ وليس السؤال ما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ثم ينقص. ولذلك فإنه لا دليل في الآية على إبعاد التفسير العلمي. 
الخلاصة: إن التفسير العلمي للقرآن:
مرفوض إذا اعتمد على النظريات العلمية التي لم تثبت ولم تصبح حقيقة 
ومرفوض إذا خرج بالقرآن عن لغته العربية. 
ومرفوض إذا صدر عن خلفية تعتمد العلم أصلاً وتجعل القرآن تابعاً.
ومرفوض إذا خالف ما دل عليه القرآن في موضع أخر أو في صحيح السنة. 
وهو مقبول بعد ذلك إذا التزم القواعد المعروفة في أصول التفسير من الالتزام بما تفرضه حدود اللغة، وحدود الشريعة والتحري والاحتياط الذي يلزم كل ناظر في كتاب الله. 
ومقبول - أخيراً- ممن رزقه الله علماً بالقرآن وعلماً بالسنن الكونية لا من كل من هب ودب، فكتاب الله أعظم وأجل من أن يكون ذلك. 

ثامنا: ضوابط الإعجاز العلمي
إن موضوع الإعجاز العلمي محفوف بالمخاطر لوترك الحبل فيه على الغارب، ليتحدث فيه من شاء بما يشاء، وقد ينقلب على أصحابه؛ خاصة أن بعض الدراسات انطلقت من غير ضوابط، يقودها الحماس فكان لا بد من ضوابط، تكبح جماح الفكر والخيال والسعي وراء النظريات والفرضيات، وهي كثيرة، ومنها: 
أولاً : حسن فهم النص القراني الكريم وفق دلالات الالفاظ في اللغة العربية , ووفق قواعد تلك اللغة واساليب التعبير فيها , وذلك لان القران الكريم قد انزل بلسان عربي مبين . على ان لا يخرج باللفظ من الحقيقة الى المجاز الا بقرينة كافية , وعند الضرورة القصوى , ومن هنا فلا يمكن اثبات الاعجاز العلمي بتاويل النص القراني .
ثانياً : فهم اسباب النزول والناسخ والمنسوخ – ان وجد – وفهم الفرق بين العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمفصل من ايات هذا الكتاب الحكيم .
ثالثاً : فهم الماثور من تفسير المصطفى r والرجوع الى اقوال المفسرين من الصحابة والتابعين وتابعيهم الى الزمن الحاظر .
رابعاً : جمع القراءات الصحيحة المتعلقة بالاية القرانية الكريمة ان وجدت . 
خامسا : جمع النصوص القرانية المتعلقة بالموضوع القراني الواحد ورد بعضها الى بعض , بمعنى فهم دلالة كل منها في ضوء الاخر , لان القران الكريم يفسر بعضه بعضا , كما يفسر الصحيح من اقوال رسول الله r ولذلك كان من الواجب توظيف الصحيح من الاحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بموضوع الاية المتعامل معها كلما توافر ذلك .
سادساً : مراعاة السياق القراني للاية المتعلقة باحدى القضايا الكونية دون اجتزاء للنص عما قبله وعما بعده , مع التسليم بان من طبيعة القران الكريم ايراد العديد من الحقائق المتتابعة والتي قد لاتكون بالضرورة مرتبطة ببعضها البعض كما هو الحال في ايات القسم المتعددة باكثر من امر من الامور .
سابعاً : مراعاة قاعدة : ان العبرة هي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , والاقتصار على القضية الواحدة في المقام الواحد , دون تكديس للايات المستشهد بها حتى يتضح جانب الاعجاز العلمي في كل منها .
ثامنا : عدم التكلف ومحاولة لي اعتاق الايات من اجل موافقتها للحقيقة العلمية , وذلك لان القران الكريم اعز علينا واكرم من ذلك , لانه كلام الله الخالق وعلم الخالق بخلقة هو الحق المطلق , الكامل الشامل , المحيط بكل علم اخر , وهو العلم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . 
تاسعاً : الحرص على عدم الدخول في التفاصيل العلمية الدقيقة التي لا تخدم قضية الاعجاز العلمي للاية او الايات القرانية الكريمة من مثل المعادلات الرياضية المعقدة , والرموز الكيميائية الدقيقة الا في اضيق الحدود للازمة لاثبات وجه الاعجاز .
عاشراً: عدم الخوض في القضايا الغيبية غيبة مطلقة كالذات الالهية , والروح , والملائكة , والجن , وحياة البرزخ , والقبر , قيام الساعة , والبعث , والحساب , والميزان , والصراط , والجنة , والنار وغيرها , والتسليم بالنصوص الواردة فيها تسليما كاملا انطلاقا من الايمان بكتاب الله وسنة رسوله , ويقينا راسخا بعجز الانسان عن الوصول الى مثل هذه الغيبيات المطلقة . 
حادي عشر: التاكيد على ان الاخرة لها من السنن والقوانين ما يغاير سنن الدنيا مغايرة كاملة , وانها لا تحتاج هذه السنن الدنيوية الرتيبة , فهي كما وصفها ربنا مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Tbark امر فجائي منه ( كن فيكون) وصدق الله العظيم اذا يقول : (يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (لأعراف:187)
وعلى الرغم من ذلك فان الله مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Sbhanh من رحمته بنا قد ابقى لنا في صخور الارض , وفي صفحة السماء اعداد كثيرة من الشواهد الحسية التب تقطع بضرورة فناء الكون وبحتمية الاخرة , وان الاشارة الى تلك الشواهد الكونية لا يمكن ان تفسر بمحاولة التعرف على موعد الاخرة , لان الاخرة من الغيبيات المطلقة التي لا يعلمها الا الله , ولانها لن تتم من السنن الكونية المشاهدة في هذه الحياة .
ثاني عشر: توظيف الحقائق العلمية القاطعة في الاستشهاد على الاعجاز العلمي للاية او الايات القرانية الواردة في الموضوع الواحد او في عدد من الموضوعات المتكاملة , وذلك في جميع الايات الكونية الواردة في كتاب الله فيما عدا قضايا الخلق والافناء , والبعث , والتي يمكن فيها نوظيف الاية او الايات لبقرانية الكريمة , للارتقاء باحدى النظريات المطروحة الى مقام الحقيقة مع التاكيد على ان الحقيقة العلمية لا تبطل مع الزمن , ولكنها قد تزداد تفصيلا وتوضيحا باجتهاد العلماء جيلا بعد جيل , وان المعرفة العلمية اذا وصلت الى مستوى الحقيقة فهي لا تتغير لكنها قد تزداد ايضاحا مع الزمن , وذلك لان حقائق العلوم المكتسبة جزئية , لانها تعبر عن جزئية محددة , ومن طبيعة العلوم المكتسبة النمو المطرد مع استمرار مجاهدة العلماء في توضيح ما سبقت معرفته من حقائق دون الغائها .
ثالث عشر: ضرورة التمييز بين المحقق لدلالة النص القراني والناقل له مع مراعاة التخصص الدقيق في مراحل اثبات وجه الاعجاز العلمي في الاية القرانية الكريمة , لان هذا مجال تخصصي على اعلى مراحل التخصص لا يجوز ان يخوض فيه كل خائض , كما لا يمكن لفرد واحد ان يغطي كل جوانب الاعجاز العلمي في اكثر من الف اية قرانية صريحة بالاضافة الى ايات اخرى عديدة تقترب دلالتها من الصراحة , خاصة ان هذه الاية تغطي مساحة هائلة من العلوم المكتسبة التي تمتد من علم الاجنة الى علم الفلك وما بينها من مختلف مجالات العلوم والمعارف الانسانية , الا اذا ردت كل قضية الى محققها من المتخصصين بوضوح واثبات كاملين . 
رابع عشر: التاكيد على ان ما توصل اليه المحقق العلمي في فهم دلالة الاية الكريمة ليس منهى الفهم لها , لان القران الكريم لاتنتهي عجائبة ولا بخلق على كثرة الرد .
خامس عشر: اليقين بان النص القراني الكريم قد ينطبق على حقيقة علمية ثايته , لكن ذلك لن ينفي مجازا مقصودا , كما ان الاية القرانية الكريمة قد تاتي في مقام التشبيه او المجاز وتبقى صياغة الاية دقيقة دقة فائقة من الناحية العلمية وان لم تكن تلك الناحية العلمية مقصودة لذاتها , لان كلام الله الخالق هو الحق المطلق الذي لا ياتية الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
سادس عشر : الاخذ في الاعتبار امكانية الانطلاق من الاية القرانية الكريمة للوصول الى حقيقة كونية لم يتوصل العلم المكتسب الى شئ منها يعد , , وذلك انطلاقا من الايمان الكامل بان القران الكريم هو كلام الله الخالق في صفائه الرباني اشراقاته النورانية , وانه كلام حق مطلق , ولو وعى المسلمون هذه الحقيقة لسبقوا غيرهم من الامم في الوصول الى العديد من حقائق الوجود , وعلى الرغم من هذا التاخير فلا يزال الباب مفتوحا ليتسابق اليه المتسابقون من اهل العلم في هذا المجال .
سابع عشر : عدم التقليل من جهود العلماء السابقين في محاولاتهم المخلصة لفهم دلالة تلك الايات الكونية في حدود المعلومات التي كانت متاحة لهم في زمانهم , وذلك لان الاية الكونية الواردة في كتاب الله تتسع دلالتها مع اتساع دائرة المعرفة الانسانية في تكامل لا يعرف التضاد حتى يضل القران الكريم مهيمنا على المعارف الانسانية مهما اتسعت دوائرها , وهذا من اعظم جوانب الاعجاز في كتاب الله .
ثامن عشر : ضرورة التفريق بين قضية الاعجاز العلمي والتفسير العلمي , فالاعجاز العلمي يقصد به اثبات سبق القران الكريم بالاشارة الى حقيقة من الحقائق الكونية او تفسير ظاهرة من ظواهره قبل وصول العلم المكتسب اليها بعدد متطاول من القرون , وفي زمن لم يكن لاي من البشر امكانية الوصول الى تلك الحقيقة عن طريق العلوم المكتسبة ابدا . واما التفسير فهو محاولو بشرية لحسن فهم دلالة الاية القرانية ان اصاب فيها المفسر فله اجران وان اخطا فله اجر واحد , والمعول عليه في ذلك هو نيته . وهنا يجب التاكيد على ان الخطا في التفسير ينسحب على المفسر , ولا يمس جلال القران الكريم , وانطلاقا من ذلك فلابد من الحرص على توظيف الحقائق العلمية القاطعة والتي لا رجعة فيها في كل من القضيتين .
ولكن لما كانت العلوم المكتسبة لم تصل بعد الى الحقيقة في كثير من الامور فلا حرج من توظيف النظريات السائدة المقبولة المنطقية في التفسير العلمي للقران الكريم , اما الاعجاز العلمي للقران الكريم فلا يجوز ان يوظف فيه الا القطعي الثابت من الحقائق العلمية التي لا رجعت فيها وذلك في جميع الايات الوصفية . 
تاسع عشر : اليقين في صحة كل ما جاء في القران الكريم , لانه كلام الله الخالق , المحفوظ بحفظ الله على مدى الزمان والى ان يشاء الله والمحفوظ في نفس لغة وحيه – اللغة العربية – فلا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه , وعلى ذلك فلا يمكن لحقيقة كونية ان تصطدم بنص قراني ابدا , فاذا حدث وبدا شئ من ذلك فلا بد من وجود خلل ما , اما في صياغة الحقيقة العلمية او في فهم الدارسين للنص القراني الكريم .
عشرون : يجب تحري الدقة المتناهية في التعامل مع القران الكريم واخلاص النية في ذلك والتجرد له من كل غاية شخصية او مكاسب مادية .[23] 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى

صالح المحلاوى


اعلام خاصة : مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم 192011_md_13005803803
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011
الموقع الموقع : المحلة - مصر المحروسة
العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى
المزاج : متوفي //

مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم   مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 3 سبتمبر 2015 - 0:25

الإعجاز العلمي في القرآن يقصد به حديث القرآن عن حقائق في الكون والخلق والفضاء والبحار وعوالم الإنسان والحيوان والنبات ونحو ذلك.



والإعجاز في القرآن الكريم إعجاز متنوع، ففيه إعجاز لغوي ، وهناك إعجاز تاريخي.أما الشيء الثالث الذي يمكن ان نصنفه ضمن الإعجاز فهو الإعجاز التشريعي



وهذه الإعجازات الثلاثة يضم إليها الإعجاز العلمي لتجتمع في إطار إعجاز القرآن الكريم الذي يتممه إعجاز السنة النبوية.



وأهداف الإعجاز العلمي في القرآن ثلاثة :



أولها: تثبيت مبدأ وحدانية الله عز وجل، فالله هو الإله الخالق القادر المدبر الذي قدر الأمور فجرت على تقديره، وأوجدها في هذا النظام المتناسق في جميع جوانبه في البحار والفضاء والجبال والإنسان والحيوان والنبات الذي تجده نظاماً ليس متصادماً وإنما نظام واحد يكون في النهاية خلق متكامل وراءه إرادة واحدة.



أما الهدف الثاني: فيتمثل في صدق محمد الذي كان أميا لكنه أتى بمعارف وعلوم إلى الآن كبار العلماء يعانون حتى يصلوا إلى بعضها والله عز وجل هو الذي أوحاها إليه. ويـقول تعالى: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ 

أما الهدف الثالث من أهداف الإعجاز العلمي في القرآن فهو: إثراء المعرفة البشرية فالقرآن مصدر مهم من مصادر المعرفة البشرية.



ـ والأمثلة على الإعجاز العلمي في القرآن الكريم كثيرة جداً
ـ فمن ذلك أول ما نزل من كتاب الله عز وجل قوله تعالى اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ فأشار القرآن إلى أصل خلق الإنسان، وأنه خلق من علق، والحديث عن خلق الإنسان في القرآن الكريم حديث مستفيض وواسع جداً . وهو يتسم بالإعجاز ولو تتبعت مفرداته في القرآن الكريم لوجدت أنه حديث من ينظر إلى الخلق وهو بين يديه ينتقل من مرحلة إلى مرحلة ... وكلما تطور علم الإنسان الآن في موضوع الخلق والأرحام والأجنة كلما وجد أن حديث القرآن هو الصدق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فكان الحديث في خلق الإنسان أحد النقاط التي تناولها إعجاز القرآن العلمي.



ـ ومن ذلك الحديث عن خلق الإنسان يأتي حديث القرآن الكريم عن جلود الآدميين وأنها مواطن الألم كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ ـ وعن التنفس البشري الذي يضيق في طبقات الجو العليا وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء .



ـ ومن مجالات الإعجاز العلمي حديث الله عز وجل عن النحل بقوله: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ ومن الإشارة في القرآن الكريم عن الحيوان كيف أن الله يخلق لنا من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين، وكيف أن هذا الحيوان الذي يرعى المرعى ثم يختلط بأجزائه ومنها العصارات الموجودة والأجهزة التي بداخله ثم إذا به يخرج اللبن الصافي الذي هو غذاء أساسي للإنسان.



ويتحدث القرآن الكريم أيضاً عن الثنائية في الخلق في الحيوان وغيره فيقول الله تعالى: وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ، وهذه الثنائية أقرها العلم الحديث وهو أنه لا بد وأن يكون هناك ثنائية حتى يتم التزاوج وبالتالي يتكامل ويبقى.



ـ ومن مجالات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم الحديث عن عالم الفضاء الذي يحوي الشمس والقمر والكواكب وفي كتاب الله عز وجل تقف أمام حقائق كونية كقوله تعالى: لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ويتناول القرآن دوران الفلك والنجوم وما بث الله سبحانه وتعالى في الفضاء من زينة للسماء كما يراها الناظرون إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وفي نفس الوقت ما أبدعه الخالق من نظام عجيب متماسك تصبح الأرض فيه وما عليها عبارة عن ذرة من رمل في صحراء الفضاء الواسع. كما يتحدث القرآن أيضاً عن ولادة الكواكب بعضها من بعض يقول الله عز جل : أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا أي كانتا قطعة واحدة ففصلنا بينهما، وهذا أقرب ما يكون إلى نظرية نشوء الأرض وكيف نشأت وكيف كانت كتلة غازية انفصلت عن كواكب أكبر بكثير ثم مع مرور الزمن أخذت لها مداراً بتقدير الله عز وجل وبدأت القشرة الأرضية تبرد شيئاً فشيئاً حتى وصلت إلى درجة نستطيع أن نعيش عليها بهدوء واطمئنان واستقرار مع أنه لا يزال إلى الآن باطن الأرض يغلي ويفور، ودليلنا في ذلك البراكين التي تنبعث بين الفينة والفينة في مواطن متعددة من أجزاء الأرض.



ـ ومن مجالات الإعجاز العلمي في القرآن حديثه عن أصل المخلوقات يقول تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء لا يقصد هنا بالدابة فقط الإنسان وإنما كل دابة تشمل الإنسان وكل ما يدب على الأرض فربط سبحانه وتعالى بين الماء وبين الحياة ، وحدثنا القرآن الكريم أن كل مخلوق كان أصله الماء ويقول الله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ . وقد لا يكون المقصود بالماء أنه الماء الذي نشربه لكنه شيء يسمى بصورة أو بأخرى ماء.



ومن الإعجاز العلمي أيضاً في القرآن الكريم حديثه عن الجيولوجيا والجبال والبحار والأنهار والبراكين فتجده يتحدث عن الجبال كرواس راسخات في قوله تعالى: وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ والأرض تدور كأنما هي نقاط ارتكاز حتى يكون الدوران ثابتاً لا اضطراب فيه ولا إعوجاج وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ .



وعندما يتحدث القرآن عن صورة الأرض في قوله: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا لا يتحدث عن سطح منبسط وإنما يتحدث عن سطح مدحي بيضاوي عبارة عن كرة اشبه بالكمثرى وهذا ما أكده العلماء اليوم بأن الأرض ليست كروية مائة في المائة وإنما فيها شيء من الاستطالة



ـ أما حديث القرآن عن الأمطار وعن الرياح والينابيع وعن دورة المياه في الأرض وكيف قرر أن الله سبحانه وتعالى يرسل الرياح فتثير سحاباً، إذن الوجه الواسع جداً للبحار تتصاعد منه الأبخرة بواسطة الإشعاع والرياح، ثم ترتفع تلك الأبخرة إلى أعلى وتتجمع حتى تصبح غيوماً، ثم تسيرها الرياح إلى أنحاء الأرض ثم تنزل أمطار فتجري في الأرض جداول وأنهار ثم تعود فتختزن في باطن الأرض وتتفجر ينابيع وآباراً من أماكن أخرى. إن هذا حديث يجد فيه المتخصص صدقاً عجيبً في وصف دورة المياه في الأرض كيف تبدأ وكيف تعود وكيف يستفيد منها الإنسان والحيوان والنبات إنه أعجاز عجيب.

والمجالات السابقة للإعجاز العلمي في القرآن الكريم هي جزء من الإعجاز الكبير الذي اشتمل عليه القرآن في مجالات التشريع، واللغة، والتاريخ. ولكن المجال العلمي أصبح الآن مثار اهتمام كثير من العلماء من خلال ظاهرة التخصص.



والتوسع في هذا المجال حفز همم علماء المسلمين – بل وغيرهم أيضاً - للتوسع في حديثهم عن إعجاز القرآن في مجالات الكون والحياة ونحو ذلك فظهرت ظاهرة التخصص في هذا الحديث، فمثلاً الدكتور عبدالمجيد الزنداني تجد له كتابات وأشرطة ومحاضرات حول الذرة وكيف تحدث عنها القرآن ويحدثك عن علم طبقات الأرض وعلم الجراثيم والفيروسات والكون والنجوم... وكذلك الدكتور أحمد شوقي إبراهيم كانت له في هذا مساهمات طيبة في تلفزيون الكويت وإذاعتها، طافت بالمستمع والمشاهد في ارجاء الكويت وثناياه وربط ذلك كله بإشارات القرآن الكريم إليها إشارات واضحة جلية. وممن تحدثوا أيضا عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم الدكتور حسان حتحوت ، والدكتور خالد محمد خالد وغيرهم كثير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى

صالح المحلاوى


اعلام خاصة : مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم 192011_md_13005803803
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011
الموقع الموقع : المحلة - مصر المحروسة
العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى
المزاج : متوفي //

مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم   مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 3 سبتمبر 2015 - 0:31

(معنى الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم)




(الإعجاز) لفظة مشتقة من إثبات (العَجْز) وهو الضعف وعدم القدرة؛ يقال: (عَجَزَ) عن كذا أي لم يقدر عليه، فهو (عاجز) عن الإتيان به؛ وجمعه (عواجز)؛ يقال: (عَجَزَ) (عَجْزاً) و(عُجُوزاً)، و(عَجَزَاناً) و(مَعْجَِزاً) بفتح الجيم وكسرها، و(مَعْجَِزَةً) أيضاً بفتح الجيم وكسرها؛ ولذا يقال رجل (عَجُِزٌ) بضم الجيم وكسرها أي (عاجز)؛ وامرأة (عاجزة) و(عاجز)؛ كما يقال: (عجزه) الشيء أو الأمر بمعنى فاته ولم يقدر عليه.


ويقال: (عَجَّزَهُ) و(أعجزه) و(استعجزه) أي صَيَّره (عاجزاً) نسبة إلى (العجز)، وتستعار لمعنى التثبيط بمعنى ثبطه.

كما يقال: (عاجزه) (مُعَاجَزَةً) أي سابقه مسابقة؛ و(تَعَجَّزَ) أي ادعى (العجز)؛ و(الأعجز) هو العظيم العجز؛ ومؤنثه (العجزاء)؛ و(المِعْجَاز) هو الدائم العجز؛ و(المعجوز) الذي (أُعْجِزَ). ويقال: (عَجَزَ) (عُجُوزاً) أي صار (عجوزاً)، و(العجوز) وجمعه (عُجُزٌ)و(عجائز) المرأة المسنة.

و(العَجِزُ) وجمعه (أعجاز) مؤخر الشيء أو الجسم (وتكتب بفتح العين وكسرها وضمها مع تسكين الجيم، أو بفتح العين وضم الجيم أو كسرها)؛ و(عَجُزُ) بيت الشعر هو الشطر الثاني منه؛ و(أعجاز) النخل هي أصولها.

ويقال: (أعجز) في الكلام أي أدى لمعانيه بأبلغ الأساليب. و(الإعجاز) بمعنى السبق والفوت مصدر من (أعجز). وعلى ذلك تعرف (المعجزة) وجمعها (المعجزات) بأنها الأمر الخارق للعادة، السالم من المعارضة، المقرون بالتحدي لعجز البشر عن الإتيان بمثله.

«و(إعجاز) القرآن الكريم» معناه (عجز)
الخلق أجمعين إنسهم وجنهم، فرادى ومجتمعين عن أن يأتوا بشيء من مثله،
ولذلك أنزل ربنا في محكم كتابه هذا التحدي الأزلي الذي يقول فيه: (وقل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرأن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم (الإسراء: 88) . لبعض ظهيرا)ً ويقول : 
(وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة اعدت للكفرين)
(البقرة: 23، 24)
.

ويقول ربنا : (أم يقولون افترته قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريت وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين) (هود: 13).

ويؤكد الله على كمال القرآن الكريم فيقول : "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلفاً كثيراً "(النساء: 82)

ويقول : "إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين" (الواقعة: 77 80).

ويقول : "بل هو قرأن مجيد في لوح محفوظ" (البروج: 21، 22).

ويقول: "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين" (البقرة: 2).

ويقول: "إنا أنزلنا إليك الكتب بالحق لتحكم بين الناس بما اريك الله ولا تكن للخائنين خصيما"
(النساء: 105).

وإعجاز
القرآن الكريم معناه عجز الخلق قاطبة عن الإتيان بشيء من مثله، فهو كتاب
معجز في بيانه ونظمه، معجز في فصاحته وبلاغة أسلوبه؛ معجز في كمال رسالته
ومضمونه، وقد أنزل للناس كافة بدين الإسلام الذي علمه ربنا لأبينا آدم
لحظة خلقه، وكرر إنزاله على فترة من أنبيائه ورسله، وأكمله وأتمه وحفظه في
هذه الرسالة الخاتمة المنزلة على خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله وسلم
وبارك عليه وعليهم أجمعين).
وعلى ذلك فالقرآن الكريم معجز في
مجموع العقائد التي يدعو الناس إلى الالتزام بها، وفي مجموع العبادات التي
يدعو الناس إلى ممارستها، معجز في دستوره الأخلاقي الفريد، وفي كل تشريع
من تشريعاته المبهرة بدقتها، وعدلها، وشموليتها وتفاصيلها...!!
والقرآن
الكريم معجز كذلك في استعراضه التاريخي لعدد من الأمم السابقة، ولكيفية
تعاملها مع رسل ربها، ولأسلوب مكافأتها أو عقابها؛ معجز في أسلوبه
التربوي، وخطابه النفسي، وفي إنبائه بالغيب، وفي إشاراته العديدة إلى
الكون ومكوناته وظواهره.
وهذا الجانب الأخير من جوانب الإعجاز
في كتاب الله هو المقصود بتعبير «الإعجاز العلمي في القرآن الكريم»، ويقصد
به سبق هذا الكتاب العزيز بالإشارة إلى عدد من حقائق الكون وظواهره، التي
لم يتمكن العلم ****بي من الوصول إلى فهم شيء منها إلا بعد قرون متطاولة
من تنزل القرآن الكريم تزيد عن العشرة قرون كاملة في أقل تقدير لها، ولا
يمكن لعاقل أن يتصور لهذه الحقائق العلمية مصدراً غير الله الخالق ؛ وفي
إثبات ذلك تأكيد أن القرآن الكريم هو كلام هذا الإله الخالق، وتصديق للنبي
والرسول الخاتم في نبوته ورسالته وفي التبليغ عن ربه.
والإعجاز
العلمي للقرآن الكريم أسلوب في الدعوة إلى دين الله بلغة مناسبة لعصر تفجر
المعرفة العلمية وتطور الوسائل التقنية الذي نعيشه، وقد سبق القرآن الكريم
بالإشارة إلى ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: 
"فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شىء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذتهم بغتة فإذا هم مبلسون"(الأنعام: 44).

وقوله سبحانه وتعالى: "والذين سَعَوا في آياتنا معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز إليم 5 ويرى الذين أوتوا العلمَ الذي أنزل إليكَ من ربك هو الحقَّ ويهدي إلى صراط العزيز الحميد" سبأ

وقوله : "سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتين لهم أنه الحق أوَ لم يكفِ بربك أنه على كل شيء شهيد" (فصلت: 53).

وقوله : "لكن الله يشهد بما أنزل أليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً" 
(النساء: 166). 


وقوله: " قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ 19" الأنعام

وقوله سبحانه وتعالى: (وكذّب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل. لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون).(الأنعام: 66، 67).

وقوله : " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14) " هود

وقوله سبحانه وتعالى: "قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً" (الفرقان: 6).

وقوله : "وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعلمون"(النمل: 93).

وقوله سبحانه وتعالى: "إن هو إلا ذكر للعلمين ولتعلمن نبأه بعد حين" (ص~: 87، 88).

وقوله : "ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير" (الشورى: 29).

* الضوابط اللازمة للتعامل مع قضية الإعجاز العلمي للقرآن الكريم :

من الاستعراض السابق يتضح لنا بجلاء أن إثبات الإعجاز العلمي للقرآن الكريم
في عصر التقدم العلمي والتقني الذي نعيشه هو من مواقف التحدي للناس كافة
مسلمين وغير مسلمين بأن كتاباً أنزل من قبل ألف وأربعمائة سنة على نبي أمي
وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين وعلى الرغم من ذلك فإن هذا
الكتاب يحوي من حقائق الكون وسننه ما لم يتوصل إليه الإنسان إلا بعد
مجاهدات طويلة قام بها عشرات الآلاف من العلماء عبر تاريخ البشرية الطويل،
وتركز في القرون القليلة المتأخرة بصفة خاصة. 

والمتحدي لا بد وأن يكون واقفاً على أرضية صلبة، وعلى ذلك فلا يجوز توظيف شيء في
هذا المجال غير الحقائق القطعية الثابتة حتى يبلغ التحدي مداه في مجال
إثبات الإعجاز العلمي للقرآن الكريم.

وهذا الالتزام واجب حتمي في التعرض للآيات الكونية في كتاب الله باستثناء آيات
الخلق بأبعادها الثلاث: خلق الكون، خلق الحياة، وخلق الإنسان.

وذلك بسبب أن عملية الخلق لا تخضع للإدراك المباشر من المخلوقين وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: 
"ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداً"
(الكهف: 51).

ولكن
القرآن الكريم الذي جاء بهذه الآية الكريمة يأمرنا ربنا فيه بضرورة التأمل
في قضية الخلق وهي قضية غير مشاهدة من قبل الإنسان وذلك في عدد غير قليل
من الآيات القرآنية الكريمة التي منها قوله سبحانه وتعالى:
" أوَ لم يروا كيف يُبدئُ اللهُ الخلقَ ثم يعيده إن ذلك على الله يسير . قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلقَ ثم اللهُ يُنشئُ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير" (العنكبوت: 19، 20).

وقوله : "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار" (آل عمران: 190، 191).

والجمع بين هذه الآيات الكريمة (وأمثالها كثير في كتاب الله) يؤكد على أن خلق كل
من السموات والأرض، وخلق الحياة، وخلق الإنسان قد تم في غيبة كاملة من
الوعي الإنساني، ولكن الله من رحمته قد أبقى لنا في صخور الأرض وفي صفحة
السماء من الشواهد الحسية ما يمكن أن يعين الإنسان بإمكاناته المحدودة على
الوصول إلى تصور ما لعملية الخلق، إلا أن هذا التصور يبقى في مجال الفروض
والنظريات، ولا يمكن أن يرقى إلى مقام الحقيقة أبداً، لأن الحقيقة العلمية
لا بد وأن تكون واقعة تحت حس الإنسان وإدراكه على الرغم من محدودية ذلك
ومن هنا فإن العلوم المكتسبة لا يمكن أن تتجاوز في قضية الخلق (بأبعادها
الثلاث) مرحلة التنظير أبداً؛ ولذلك تتعدد النظريات في قضايا الخلق بتعدد
خلفيات واضعيها: هل هم من المؤمنين الموحدين، أم من الكفار، أو المشركين،
أو المتشككين؟ وهل هم من السعداء في حياتهم أم من التعساء والأشقياء
والمهمومين؟ وهل هم من الأسوياء أم من المنحرفين؟... وفي هذا الخضم يبقى
للمسلم نور من الله في آية قرآنية كريمة، أو حديث نبوي صحيح مرفوع إلى
رسول الله يعينه على الانتصار لإحدى هذه النظريات، والارتقاء بها إلى مقام
الحقيقة، لا لأن العلوم المكتسبة قد أثبتت ذلك، ولكن لمجرد وجود إشارة إلى
تلك الحقيقة في كتاب الله الخالق أو في سنة رسوله ، ونحن في هذه الحالة
نكون قد انتصرنا للعلم بالقرآن الكريم أو بسنة خاتم الأنبياء والمرسلين
(صلى الله وسلم وبارك عليه وعليهم أجمعين)، ولم ننتصر بالعلم لأي منهما.

أما باقي الآيات الكريمة التي تعرض لها القرآن الكريم فلا يجوز أن يوظف في
الاستشهاد على سبقها العلمي إلا بالحقائق القطعية الثابتة التي لا رجعة
فيها و بالضوابط المنهجية التالية:

1- حسن فهم النص القرآن الكريم وفق دلالات الألفاظ في اللغة العربية، ووفق
قواعد تلك اللغة العربية، وأساليب التعبير فيها، وذلك لأن القرآن الكريم
قد أنزل بلسان عربي مبين.

2- فهم أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ (إن وجدا)، وفهم الفرق بين العام
والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمفصل من آيات هذا الكتاب الحكيم.

3 - فهم المأثور من تفسير المصطفى ، والرجوع إلى أقوال المفسرين من الصحابة والتابعين، وتابعيهم إلى الزمن الحاضر.

4 - جمع القراءات الصحيحة المتعلقة بالآية القرآنية الكريمة إن وجدت.

5- جمع النصوص القرآنية المتعلقة بالموضوع الواحد، ورد بعضها إلى بعض بمعنى
فهم دلالة كل منها في ضوء الآخر، لأن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضاً، كما
يفسره الصحيح من أقوال رسول الله ، ولذلك كان من الواجب توظيف الصحيح من
الأحاديث النبوية الشريفة المتعلقة بموضوع الآية المتعامل معها كلما توفر
ذلك، وذلك لحسن فهم النص القرآني الكريم.

6 - مراعاة السياق القرآني للآية أو الآيات المتعلقة بإحدى القضايا الكونية، دون اجتزاء للنص القرآني عما قبله وعما بعده.

7 - مراعاة قاعدة أن العبرة هي بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

8- عدم التكلف، أو محاولة لَيِّ أعناق الآيات من أجل موافقتها للحقيقة
العلمية، وذلك لأن القرآن الكريم أعز علينا وأكرم عندنا من ذلك لأنه كلام
الله الخالق، وعلم الخالق بخلقه هو الحق المطلق، الكامل، الشامل، المحيط
بكل علم آخر، وهو لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

9- عدم الخوض في القضايا الغيبية غيبة مطلقة: كالذات الإلهية والروح،
والملائكة، والجن، وحياة البرزخ، وحساب القبر، وقيام الساعة، والبعث،
والحساب، والميزان، والصراط، والجنة والنار وغيرها، والتسليم بالنصوص
الواردة فيها تسليماً إيمانياً كاملاً انطلاقاً من الإيمان بكتاب الله
وبسنة رسوله ، وبعجز الإنسان عن الوصول إلى مثل هذه الغيوب المطلقة.

10- التأكيد على أن الآخرة لها من السنن والقوانين ما يغاير سنن الدنيا،
وأنها لا تحتاج هذه السنن الدنيوية الرتيبة، فهي كما وصفها ربنا أمر فجائي
منه ب «كن فيكون» أي بين الكاف والنون، وصدق الله العظيم إذ يقول:
"يسألونك عن الساعة أيان مرسلها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو
ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفيّ عنها قل
إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون" (الأعراف: 187).

وعلى الرغم من ذلك فإن الله من رحمته بنا قد أبقى لنا في صخور الأرض، وفي صفحة
السماء أعداداً كثيرة من الشواهد الحسية التي تقطع بفناء الكون، وبحتمية
الآخرة، وأن الإشارة إلى تلك الشواهد الكونية لا يمكن أن يفسر بمحاولة
التعرف على موعد الآخرة لأنها غيب من الغيوب المطلقة التي لا يعلمها إلا
الله، ولأنها لن تتم بالسنن الكونية المشاهدة في هذه الحياة.

11- توظيف الحقائق العلمية القاطعة (التي لا رجعة فيها) في الاستشهاد على
الإعجاز العلمي للآية أو الآيات القرآنية في الموضوع الواحد أو في عدد من
الموضوعات المتكاملة، وذلك في جميع الآيات الكونية الواردة في كتاب الله،
فيما عدا قضايا الخلق، والإفناء، والبعث، التي يمكن فيها توظيف الآية
القرآنية الكريمة للارتقاء بإحدى النظريات المطروحة إلى مقام الحقيقة.

12- مراعاة التخصص الدقيق في مراحل إثبات وجه الإعجاز العلمي في الآية
القرآنية الكريمة، لأن هذا مجال تخصصي على أعلى مستويات التخصص لا يجوز أن
يخوض فيه كل خائض، كما لا يمكن لفرد واحد أن يغطي كل جوانب الإعجاز العلمي
في أكثر من ألف آية قرآنية صريحة، بالإضافة إلى آيات أخرى عديدة تقترب
دلالتها من الصراحة، وتتخطى هذه الآيات مساحة هائلة من العلوم ****بية من
علم الأجنة إلى علم الفلك، وما بينهما من مختلف مجالات العلوم والمعارف
الإنسانية.

13- يجب التفريق بين دور كل من الناقل والمحقق في قضيتي الإعجاز العلمي
والتفسير العلمي للقرآن الكريم، حيث أنه من أبسط ضوابط الأمانة ما يوجب
على الناقل الإشارة إلى من نقل عنه حتى يأخذ كل ذي حق حقه، حتى يكون النقل
مدعماً بالسند المقبول. وتجاهل هذا الخلق الإسلامي، وهذه القاعدة الأصولية
فيه من الإجحاف بحقوق الآخرين ما لا يتناسب مع موقف المدافع عن القرآن
الكريم والسنة النبوية المطهرة، فضلاً عن إضعافه للقضية ككل.

14 -الأخذ في الاعتبارإمكانية الانطلاق من الآية القرآنية الكريمة للوصول إلى حقيقة كونية لم
يتوصل العلم ****بي إلى شيء منها بعد، انطلاقاً من الإيمان الكامل بأن
القرآن الكريم هو كلام الله الخالق، في صفائه الرباني، وإشراقاته
النورانية، وأنه كله حق مطلق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

15- عدم التقليل من جهود العلماء السابقين في محاولاتهم المخلصة لفهم دلالة
تلك الآيات الكونية في حدود المعلومات المتاحة في زمانهم، وذلك لأن الآية
الكونية الواردة في كتاب الله تتسع دلالتها مع اتساع دائرة المعرفة
الإنسانية في تكامل لا يعرف التضاد، حتى يظل القرآن الكريم مهيمناً على
المعارف الإنسانية مهما اتسعت دوائرها. وهذا من أعظم جوانب الإعجاز في
كتاب الله.

16-التفريق بين قضيتي الإعجاز العلمي والتفسير العلمي للقرآن الكريم،
فالإعجاز العلمي يقصد به هنا «إثبات سبق القرآن الكريم بالإشارة إلى حقيقة
من حقائق الكون أو تفسير ظاهرة من ظواهره قبل وصول العلم المكتسب إليها
بعدد متطاول من القرون» ، أما التفسير فهو «محاولة بشرية لحسن فهم دلالة
الآية القرآنية إن أصاب فيها المفسر فله أجران.
وان والمعول عليه في ذلك هو نيته؛ وهنا يجب التأكيد على أن الخطأ في التفسير
ينسحب على المفسر، ولا يمس جلال القرآن الكريم.

17-يجب تحري الدقة المتناهية في التعامل مع كتاب الله، وإخلاص النية في ذلك،
والتجرد له من كل غاية، وتذكر قول المصطفى : «من قال في القرآن بغير علم
فليتبوأ مقعده من النار"


وهنا قد يتبادر إلى الذهن سؤال هام مؤداه: ما هي مبررات الاهتمام بقضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ؟


وللإجابة على ذلك نوجز ما يلي:

أولا : أن القرآن الكريم أنزل إلينا لنفهمه، والآيات الكونية فيه لا يمكن فهمُها فهما صحيحا في إطار 
اللغة وحده، وذلك لشمول الدلالة القرآنية، ولكلية المعرفة التي لا تتجزأ.

ثانيا : 
أن الدعوة بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم وفي السنة النبوية المطهرة
هو الوسيلة المناسبة لأهل عصرنا عصر العلم والتقنية الذي فتن الناس فيه
بالعلم ومعطياته فتنة كبيرة، ونبذوا الدين وراء ظهورهم ونسوه، وأنكروا
الخلق والخالق، كما أنكروا البعث والحساب والجنة والنار وغير ذلك من
الغيوب، لأن هذه الأصول قد شوهت في معتقداتهم تشويها كبيرا، ولم تعد مقنعة
لهم؛ وعلى ذلك فلم يبق أمام أهل عصرنا من وسيلة مقنعة بالدين قدر الإعجاز
العلمي في كتاب الله وفي سنة خاتم أنبيائه ورسله صلى الله وسلم وبارك عليه
وعليهم أجمعين.

ثالثا : 
الأصل في الحضارات أنها تتكامل فيما بينها ولا تتصارع، ولكن في زمن
العولمة الذي نعيشه تحاول الحضارة المادية الغالبة بما فيها من كفر بواح
أو شرك صراح أن تمد بقيمها الهابطة وأخلاقياتها الساقطة وماديتها الجارفة
على غيرها من الحضارات، وتوظف في ذلك كل ما توفر لها من وسائل الغلبة
المادية وأسبابها.

وقدأسقط الأعداء من أيدي المسلمين في هذه الأيام كل الوسائل المادية في سلسلة
من المؤامرات الطويلة التي بدأت باحتلال غالبية الدول المسلمة والعمل على
تغريبها، ثم السعي الدؤوب من أجل إسقاط دولة الخلافة الإسلامية بعد
إنهاكها وإضعافها حتى تم إسقاطها، ثم العمل على تمزيق الأمة إلى أكثر من
خمسة وخمسين دولة ودويلة، ونهب كل خيراتها وثرواتها، وتنصيب أنماط من
الحكم المتعارضة عليها للحيلولة دون إمكانية توحدها في زمن التكتلات
البشرية الكبيرة الذي نعيشه، ثم غرس كيان صهيوني غريب في قلب الأمة
لإفسادها، وإثارة الحروب والفتن والقلاقل بين أبنائها، ولترسيخ العداوات
بين الأشقاء للحيلولة دون توحدهم، وإشاعة الأفكار الهدامة والسلوكيات
المنحطة والأخلاقيات المنهارة لترسيخ تفتت الأمة والعمل على المزيد من
تغريبها لتيسير الهيمنة عليها، ولم يبق بأيدي أمة الإسلام في زمن الغربة
الذي نعيشه إلا دينها، هذا الدين الخاتم الذي لا يرتضي ربنا سبحانه وتعالى
من عباده دينا سواه، وهو وسيلة الدفاع الوحيدة التي بقيت بين أيدي مسلمي
اليوم، وأوضح وسائله لإقامة الحجة على العباد في زمن العلم الذي نعيشه هو
الإعجاز العلمي في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

رابعا : 
أن كلا من الإسلام والمسلمين يتعرض اليوم لهجوم شرس في كافة وسائل
الإعلام بغير حق، وهم في هجومهم هذا ينكرون سماوية الإسلام، وربانية
القرآن ، ونبوة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم في وقاحة وبجاحة سافرة،
وأهم الوسائل وأنجعها للرد على هذا الهجوم هو إثبات الإعجاز العلمي لكتاب
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالكلمة الطيبة والحجة الواضحة
البالغة والمنطق السوي.

خامسا :
أن العالم اليوم يتحرك في اتجاه كارثة كبرى، وقودها تطور علمي وتقني
مذهل، يطغي أصحابه ويغريهم بإفناء وإبادة غيرهم، في غيبة الوعي الديني
الصحيح، والالتزام الأخلاقي والسلوكي الذي يرعى حقوق الأخوة الإنسانية حق
رعايتها، والمخرج من ذلك هو الدعوة للدين الحق، ومن أوضح وسائل الدعوة
إليه هو ما في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من إعجاز علمي
واضح وضوح الشمس في رابعة النهار.

سادسا : 
أننا معشر المسلمين قصرنا كثيرا في التبليغ عن الله وعن رسوله صلى الله
عليه وسلم، وقد كلفنا بذلك، ونحن نجني ثمار ذلك التقصير كله اليوم: حروبا
طاحنة على كل أرض إسلامية من فلسطين إلى البلقان، ومنها إلى أرض الشيشان،
وكشمير، وأفغانستان، وأراكان، وجنوب الفلبين والسودان والصومال وغيرها؛
وحصارا لأكثر من دولة مسلمة، ومصادرة لبلايين الدولارات من أموال
المسلمين، واحتلالا عسكريا لكل من أرض فلسطين ودول الخليج العربي،
والعراق، وأفغانستان وسبتة ومليلة وجزيرة ليلى من الأراضي المغربية،
والعديد من الجزر الآسيوية، وجزر بحر إيجة التركية، وتضييقا على الملايين
من الأقليات الإسلامية، ومطاردة المسلمين في كل مكان من أماكن العالم
وإحكام التآمر عليهم.

سابعا : 
أن في إثارة قضية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وفي سنة خاتم الأنبياء
والمرسلين صلى الله عليه وسلم استنهاضا لعقول المسلمين واستثارة للتفكير
الإبداعي فيها، وتشجيعا على استعادة الاهتمام بقضية العلوم والتقنية التي
تخلفت فيها الأمة مؤخرا تخلفا كبيرا في الوقت الذي تقدمت فيه دول الكفر
والشرك والضلال تقدما مذهلا، حتى أصبح كم المعارف المتاحة يتضاعف كل خمس
سنوات تقريبا،وتقنياتها تتجدد مرة كل ثلاث سنوات تقريبا، وبذلك أخذت الهوة
الفاصلة بيننا وبينهم في مجال العلوم والتقنية تزداد اتساعا وعمقا يوما
بعد يوم، وأصبحت مخاطر ذلك علينا تتضاعف مع تزايد تلك الهوة عمقا واتساعا .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى

صالح المحلاوى


اعلام خاصة : مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم 192011_md_13005803803
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011
الموقع الموقع : المحلة - مصر المحروسة
العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى
المزاج : متوفي //

مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم   مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 3 سبتمبر 2015 - 0:44

الاعجاز العلمى تأصيلا ومنهجا


إن معجزة القرآن العلمية تظهر لأهل العلم في كل مجال من مجالاته، فهي ظاهرة في نظمه، وفى إخباره عن الأولين، وفى إنبائه بحوادث المستقبل، وحكم التشريع وغيرها، ولقد شاع مصطلح الإعجاز العلمي في عصرنا،للدلالة على أوجه إعجاز القرآن والسنة التي كشفت عنها العلوم الكونية ونظراً لجدة البحث في حقل الإعجاز العلمي في القرآن - بالنسبة لغيره من حقول الدراسات القرآنية - فسوف نقدم في هذا البحث تأصيلاً لهذا العلم بغية إعانة المشتغلين في هذا الحقل على ارتياد آفاقه. ونبدأ بتعريف الإعجاز. الإعجاز لغة: مشتق من العجز. والعجز: الضعف أو عدم القدرة، وهو مصدر أعجز بمعنى الفوت والسبق (انظر لسان العرب لابن منظور مادة عجز 5/370 والمفردات للراغب الأصفهانى ). والمعجزة في اصطلاح العلماء: أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة( انظر معنى ذلك في تفسير القرطبى 1/96وفتح البارى 6/581 ). وإعجاز القرآن: يقصد به إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله. أي نسبة العجز إلى الناس بسبب عدم قدرتهم على الإتيان بمثله. ووصف الإعجاز هنا بأنه علمي نسبة إلى العلم. والعلم: هو إدراك الأشياء على حقائقها أو هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً (راجع الراغب الأصفهانى: المفردات ص 343 والشوكانى:إرشاد الفحول ص4) والمقصود بالعلم في هذا المقام: العلم التجريبي.
تعريف الإعجاز العلمي:
وعليه فإن الإعجاز العلمي هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول مما يظهر صدقه فيما أخبر به عن ربه سبحانه وتعالى.
مناسبة المعجزة القرآنية - بما تتضمنه من حقائق علمية - لعالمية الرسالة الإسلامية:
لما كان الرسل قبل محمد يبعثون إلى أقوامهم خاصة، ولأزمنة محدودة فقد أيدهم الله ببينات حسية مثل: عصا موسى عليه السلام وإحياء الموتى بإذن الله على يد عيسى عليه السلام وتستمر هذه البيانات الحسية محتفظة بقوة إقناعها في الزمن المحدد لرسالة كل رسول حتى إذا تطاول الزمن وتقادم وضعف أثر الرسالة الصافي، اختفت قوة الإقناع الحسية، وبعث الله رسولاً آخر بالدين الذي يرضاه، وبمعجزة جديدة وبينة مشاهدة. ولما ختم الله النبوة بمحمد ضمن له حفظ دينه وأيده ببينة كبرى تبقى بين أيدى الناس إلى قيام الساعة قال تعالى:
{قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}
(الأنعام:19) ومن ذلك ما يتصل بالمعجزة العلمية. وقال تعالى { لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه} (النساء:166) وفى هذه الآية التي نزلت رداً على تكذيب الكافرين بنبوة محمد(انظر سبب النزول ابن الجوزى 2/257، الطبرى 5/22، ابن كثير 1/590، الجلالين ص 137 ) بيان لطبيعة المعجزة العلمية التي تبقى بين يدى الناس، وتتجدد مع كل فتح بشرى في آفاق العلوم والمعارف ذات الصلة بمعاني الوحي الإلهي.
قال الخازن عند تفسير هذه الآية:"لكن الله يشهد لك يا محمد بالنبوة بواسطة هذا القرآن الذي أنزله عليك "( الخازن في مجموعة من التفاسير 2/210 ) وقال ابن كثير " انزله بعلمه أي فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه من البينات والهدى والفرقان وما يحبه الله ويرضاه وما يكرهه ويأباه وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل " (ابن كثير 560/1 ) وقال أبو العباس ابن تيمية: فإن شهادته بما أنزل منه وأنه أنزله بعلمه فما فيه من الخبر وخبر عن علم الله يسن خبراً عمن دونه (الفتاوى 14/196) وإلى هذا المعنى ذهب كثير من المفسرين (ابن الجوزى 2/257، الزمخشرى 1/584، ابو حيان 3/399، الالوسى 6/19،20، الشوكانى 1/539، البيضاوى والنسفى والخازن في كتاب مجموعة من التفاسير /210، الجلالين ص137). وهكذا تسطع بينة الوحي المنزل على محمد بما نزل فيه من علم إلهي يدركه الناس في كل زمان و مكان ويتجدد على مر العصور ولذلك قال: " ما من الأنبياء نبى إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي،فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة "(البخارى: فتح البارى 9/3، مسلم: كتاب الإيمان) قال ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث: " ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة وخرقه للعادة في أسلوبه وفى بلاغته، وإخباره بالمغيبات فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شئ مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه فعم نفعه من حضر ومن غاب ومن وجد، ومن سيوجد "(فتح البارى لابن حجر: 9/7 ).
جريان العلم وراء ما أخبر عنه القرآن:
وبينة القرآن العلمية يدركها العربي والأعجمي، وتبقى ظاهرة متجددة إلى قيام الساعة، ففى القرآن أنباء نعرف المقصود منها لأنها بلسان عربى مبين، لكن حقائقها وكيفياتها لا تتجلى إلا بعد حين. قال تعالى: { أن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين } (ص 87- 88) قال الفراء في تفسير الحين أنه:" بعد الموت وقبله.. أي في المستأنف " (القرطبى 15/231) وذهب السدى الكبير إلى هذا المعنى (أبو حيان 7/412) وقال ابن جرير الطبرى: أن الله اعلم المشركين بهذا القرآن أنهم يعلمون نبأه بعد حين من غير حد منه لذلك الحين بحد، ولا حد عند العرب للحين (الطبرى 23/121).
استقرار الحقيقة المخبر عنها:
وشاء الله أن يجعل لكل نبإ زمناً خاصاً يتحقق فيه فإذا تجلى الحدث ماثلاً للعيان أشرقت المعاني التي كانت تدل عليها الحروف والألفاظ في القرآن وتتجدد المعجزة العلمية في قوله تعالى: { لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون} (الانعام:67) ويبقى النبأ الإلهي محيطاً بكل الصور التي يتجدد ظهورها عبر القرون. وقال ابن جرير الطبرى:" أي لكل خبر مستقر، يعنى قرار يستقر عنده ونهاية ينتهي إليها ليتبين حقه وصدقه من كذبه وباطله " وسوف تعلمون يقول: وسوف تعلمون أيها المكذبون بصحة ما أخبر به " (الطبرى 7/147) وقال ابن كثير: أي لكل خبر وقوع، ولو بعد حين، كما قال تعالى: " ولتعلمن نبأه بعد حين" وقال { لكل أجل كتاب } (الرعد 38) (ابن كثير 2/144) وإلى هذا ذهب كثير من المفسرين. (القرطبى 7/11، الشوكانى: 2/128، الرازى: 7/25،26 القاسمى: 6/575 أبو السعود 3/147، البقاعى: 7/145، 146).
أنباء الأرض والسماء في القرآن والسنة تتجلى في عصر الاكتشافات:
أن خبر القرآن والسنة وما فيهما من أوصاف لما في الأرض والسماء، هو نبأ إلهي عما في الأرض والسماء ممن هو أعلم بما خلق فيهما من أسرار قال تعالى: { قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض } (يونس 18) فالخبر بما في الأرض والسماء نبأ عما في الأرض والسماء. لقد نزل القرآن في عصر انتشار الجهل وشيوع الخرافة، والكهانة، والسحر والتنجيم في العالم كله وكان للعرب النصيب الأوفى من هذه الجاهلية والأمية كما بين القرآن ذلك بقوله: { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } ( الجمعة: 2 ).
في ذلك العصر وعلى تلك الأمة نزل الوحي وفيه علم الله، يصف أسرار الخلق في شتى الافاق ويجلي دقائق الخلق في النفس البشريه يقرر البداية في الماضى ويصف أسرار الحاضر ويكشف غيب المستقبل الذي ستكون عليه سائر المخلوقات. وعندما دخل الإنسان في عصر الاكتشافات العلمية وامتلك أدق أجهزة البحث العلمي وتمكن من حشد جيوش من الباحثين في شتى المجالات يبحثون عن الأسرار المحجوبة في آفاق الأرض والسماء وفى مجالات النفس البشرية يجمعون المقدمات ويرصدون النتائج في رحلة طويلة عبر القرون ولما أخذت الصورة في الاكتمال والحقيقة في التجلى وقعت المفاجأة الكبرى بتجلى أنوار الوحي الإلهي، الذي نزل على محمد قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام بذكر تلك الحقيقة في آية من القرآن أو بعض آية أو في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض حديث بدقة علمية معجزة وعبارات مشرقة وبهذا أنبأنا القرآن. قال تعالى: ( قل أرأيتم أن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد سنريهم آياتنا في الأفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيئ شهيد ) (فصلت:52،53) ولنتدبر معاني هذا النص القرآني.
معنى آيات الله في الأفاق وفى الأنفس الأفق:
ما ظهر من نواحي الفلك وأطراف الأرض وآفاق السماء: نواحيها (مقاييس اللغة: لابن فارس 1/114، 115، لسان العرب: 15/5،6، الصحاح للجوهرى: 4/1446، تاج العروس: 1/279، المفردات للأصفهانى: 19)(وآيات الله في آفاق الأرض والسماء تحمل معاني ثلاثة: الأول: المخلوقات التي خلقها الله في شتى آفاق الأرض والسماء مثل قوله تعالى: (ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة )(الشورى: 29) الثاني: آيات القرآن التي تخبر وتصف أنواع المخلوقات، وهي آيات كثيرة. الثالث: البينات والمعجزات التي يظهرها الله تصديقاً لرسوله في شتى آفاق الأرض والسماء برؤية مصداقها من حقائق الخلق حينا بعد حين.
قال الشوكانى عند تفسير الآية: سنريهم صدق دلالات صدق القرآن، وعلامة كونه من عند الله في الآفاق - أي في النواحي - وفى أنفسهم.. (فتح القدير: 4/523). وقال ابن كثير: أي سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقاً منزلاً من عند الله على رسول الله بدلائل خارجية في الآفاق. (تفسير ابن كثير 4/106) وقال الزمخشرى: ومعناه أن هذا الموعود من إظهار آيات الله في الآفاق وفى أنفسهم سيرونه ويشاهدونه فيتبينون عند ذلك أن القرآن تنزيل عالم الغيب، الذي هو على كل شئ شهيد أي مطلع ومهيمن يستوي عنده غيبه وشهادته فيكفيهم ذلك دليلاً على أنه حق وأنه حق وأنه من عنده (الكشاف 3/458). وبهذا قال كثير من المفسرين عند تفسير قوله تعالىSad حتى يتبين لهم أنه الحق )(فصلت:53) وقال أبو العباس ابن تيمية: وأما الطريق العيانى فهو أن يرى العباد من الآيات الآفاقية والنفسية ما يبين لهم أن الوحي الذي بلغته الرسل عن الله حق كما قال تعالىSad سنريهم آيتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)( الفتاوى: 14/189). " وقال عطاء وابن زيد أيضاً: في (الآفاق) يعنى أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار، والرياح والأمطار، والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغيرها "(القرطبى: 15/374،375) وروى هذا عنهما عدد من أئمة التفسير(الطبرى: 24/25، ابو حيان 7/505، الخازن في مجموعة من التفاسير: 5/395، الشوكانى: 4/523). فهذه آيات الله في كتابه تتحدث عن آياته في مخلوقاته وتتجلى بمعجزة علمية بينة تسطع في عصر الكشوف العلمية في آفاق الكون.
اللقاء حتمي والمعجزة واقعة:
إننا على وعد من الله عز وجل بأن يرينا آياته فيتحقق لنا- بهذه الرؤية - العلم الدقيق بمعاني هذه الآيات كما قال تعالىSadوقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها) (النمل:93) ومخلوقاته من آياته ومنها ما جاء في القرآن وصفاً ونبأ عن آياته في السموات والأرض. وروى الطبرى عن مجاهدSadسيريكم آياته فتعرفونها) قال: في أنفسكم والسماء والأرض والرزق (الطبرى: 20/18). وقال أبو حيان في البحر المحيط: سيريكم آياته: تهديد لأعدائه بما يريهم الله من آياته تضطرهم إلى معرفتها والإقرار أنها آيات الله وقيل: آيات في أنفسكم وسائر ما خلق مثل قولهSadسنريهم آياتنا في الافاق وفى أنفسهم ) وقيل: معجزات الرسول وأضافها إليه لانه هو مجريها على يدى الرسول ومظهرها من جهته(أبو حيان: 7/103) وبمثل ما قال أبو حيان قال البقاعى في نظم الدرر(البقاعى: 14/229،230) ومما سبق يتبين لنا أن البشرية على موعد من الله متجدد ومستمر بكشف آياته في الكون، وفى كتابه أمام الأبصار، لتقوم الحجة وتظهر المعجزة.
أن الوحي في القرآن والسنة؛ يفيض بالخبر عن أوصاف المخلوقات، وهذه الأبحاث العلمية التجريبية؛ تتجه بدراستها وبحثها إلى نفس الميدان ؛ الذي وصفه القرآن وتحدث عنه الرسول صلى الله عليه و سلم. فاللقاء حتمى والمعجزة – لا شك – واقعة. لقد جاءت العلوم البشرية التجريبية شاهدة بصدق ما أخبر به القرآن من تحريف سائر الأديان كما بين ذلك موريس بوكاى في كتابه " التوراة و الإنجيل و القرآن في ضوء المعارف الحديثة "، والتي جاءت شاهدة ومجلية لدقائق المعاني؛ في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية - ذات التعلق بالأمور الكونية - وهذه مناكب دعاة الإسلام؛ على اختلاف تخصصاتهم العلمية، تتزاحم لبيان هذه المعجزات العلمية، وبدأ عدد من الدعاة، من المسلمين، يتجهون إلى بيان هذه المعجزات العلمية كما بدأ عدد من كبار علماء الكون من غير المسلمين، يتجهون إلى نفس الميدان مثلما فعل سبعة من كبار علماء الأجنة والتشريح وأمراض النساء من غير المسلمين في لجنة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في المؤتمر الطبى السعودى الذي عقد في الرياض عام 1404 م فمنهم من أسلم مثل البرفيسور تاجاتات تاجاسن الذي أعلن إسلامه في أحد مؤتمرات الإعجاز العلمي، ومنهم من شهد بحقيقة المعجزة العلمية فحان حين تجلى معاني كثير من آيات القرآن الكونية، وعدد- في نفس المجال- من الأحاديث النبوية و(لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون ) (الانعام: 67) وإذا كان النقص يعترى- بعض الدراسات في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة فلا يصح أن يكون ذلك حكماً على جميعها وإن هذا ليوجب على القادرين من علماء الإسلام أن يسارعوا لخدمة القرآن والسنة في مجال العلوم الكونية كما خدمها السلف في مجال اللغة والاصول والفقه وغيرها من مجالات العلوم الشرعية فنحن أمام معجزة علمية كبرى تنحنى أمامها جباه المنصفين من قادة العلوم الكونية في عصرنا.
الفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي:
التفسير العلمي: هو الكشف عن معاني الآية أو الحديث في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية.
أما الإعجاز العلمي: فهو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيراً وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول. وهكذا يظهر اشتمال القرآن أو الحديث على الحقيقة الكونية التي يؤول (يصير وينتهي) إليها معنى الآية أو الحديث ويشاهد الناس مصداقها في الكون فيستقر عندها التفسير ويعلم بها التأويل كما قال تعالىSadلكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) [الانعام: 67] وقد تتجلى مشاهد أخرى كونية عبر القرون، تزيد المعنى المستقر وضوحاً وعمقاً وشمولاً لأن الرسول قد اوتى جوامع الكلم، فيزداد بها الإعجاز عمقاً وشمولاً، كما تزداد السنة الكونية وضوحا بكثرة شواهدها المندرجة تحت حكمها.
قواعد وأسس أبحاث الإعجاز العلمي:
لقد قامت هذه الأبحاث على قواعد نوجزها فيما يلي: - علم الله هو العلم الشامل المحيط الذي لا يعتريه خطأ، ولا يشوبه نقص، وعلم الإنسان محدود ويقبل الازدياد ومعرض للخطأ. - هناك نصوص من الوحي قطعية الدلالة، كما أن هناك حقائق علمية كونية قطعية. - في الوحي نصوص ظنية في دلالتها، وفى العلم نظريات ظنية في ثبوتها. - لا يمكن أن يقع صدام بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي، فإن وقع في الظاهر، فلابد أن هناك خللا في اعتبار قطعية أحدهما وهذه قاعدة جليلة قررها علماء المسلمين وقد آلف ابوالعباس ابن تيمية كتاباً من أحد عشر مجلداً لبيانها تحت عنوانSadدرء تعارض العقل والنقل). - عندما يرى الله عباده آية من آياته في الآفاق أو في الأنفس مصدقة لآية في كتابه، أو حديث من أحاديث رسوله يتضح المعنى، ويكتمل التوافق ويستقر التفسير، وتتحدد دلالات ألفاظ النصوص بما كشف من حقائق علمية وهذا هو الإعجاز. - أن نصوص الوحي قد نزلت بألفاظ جامعة فقد قال:" بعثت بجوامع الكلم"((أخرجه البخارى في الجهاد ) مسلم في المساجد برقم 5423 والترمذى في السير برقم 1553 والنسائى في الجهاد باب وجوب الجهاد) مما يدل على أن النصوص التي وردت عن النبي تحيط بكل المعاني الصحيحة في مواضيعها التي قد تتابع في ظهورها جيلاً بعد جيل. - إذا وقع التعارض بين دلالة قطعية للنص وبين نظرية علمية رفضت هذه النظرية لأن النص وحي من الذي أحاط بكل شئ علماً. وإذا وقع التوافق بينهما كان النص دليلاً على صحة تلك النظرية وإذا كان النص ظنياً والحقيقة العلمية قطعية يؤول النص بها. - وإذا وقع التعارض بين حقيقة علمية قطعية، وبين حديث ظني في ثبوته، فيؤول الظني من الحديث ليتفق مع الحقيقة القطعية وحيث لا يوجد مجال للتوفيق فيقدم القطعي.
منهجية أبحاث الإعجاز العلمي في ضوء منهج السلف وكلام المفسرين:
للسلف منهج سديد فيما يتعلق بأمر الصفات الإلهية وأحوال يوم القيامة وما لا سبيل إليه من غير طريق الوحي ويتمثل هذا المنهج في الوقوف عندما دلت عليه النصوص بدون تكلف لمعرفة الكيفيات والتفاصيل التي لم يبينها الوحي لأن البحث فيها كالبحث في الظلام، وهي قسر لحقائق الوحي الكبرى في قالب تصورات ذهنية بشرية محدودة الحس والزمان والمكان المحيط بيئة الإنسان. وكلام الخالق سبحانه عن أسرار خلقه في الآفاق وفى الأنفس غيب قبل أن يرينا الله حقائق تلك الأسرار ولا طريق لمعرفة كيفياتها وتفاصيلها قبل رؤيتها، إلا ما سمعنا عن طريق الوحي وكان السلف لا يتكلفون ما لا علم لهم به أن معاني الآيات المتعلقة بالأمور الغيبية ودلالتها اللغوية معلومة ولكن الكيفيات والتفاصيل محجوبة وإن من وصف حقائق الوحي الكونية بدقائقها وتفاصيلها بعد أن كشفها الله وجلاها للأعين غير من وصفها من خلال نص يسمع، ولا يرى مدلوله الواقعي لأن وصف من سمع وشاهد غير من سمع فقط. ولقد وفق السلف الصالح من المفسرين كثيراً في شرحهم لمعنى الآيات القرآنية رغم احتجاب حقائقها الكونية، مع أن المفسر الذي يصف حقائق وكيفيات الآيات الكونية في الآفاق والأنفس وهي محجوبة عن الرؤية في عصره قياساً على ما يرى من المخلوقات وفى ضوء ما سمع من الوحي، يختلف عن المفسر الذي كشفت أمامه الآية الكونية فجمع بين ما سمع من الوحي وبين ما شاهد في الواقع.
ونظراً لعدم خطورة ما يتقرر في مجال الأمور الكونية على أمر العقيدة يوم ذاك لم يقف المفسرون بها عند حدود ما دلت عليه النصوص بل حاولوا شرحها بما يسر الله لهم من الدراية التي تيسرت لهم في عصورهم وبما فتح الله به عليهم من إفهام، وكانت تلك الجهود العظيمة التي بذلها المفسرون عبر القرون، لشرح نصوص الوحي المتعلقة بالأمور الكونية - التي لم تكشف في عصرهم - مبينة لمستوى ما وصل إليه الإنسان من علم، في تلك المجالات ومبينة لمدى توفيق الله لهؤلاء المفسرين فإذا ما حان حين مشاهدة الحقيقة في واقعها الكونى ظهر التوافق الجلى بين ما قرره الوحي وما شاهدته الأعين وظهرت حدود المعارف الإنسانية المقيدة بقيود الحس المحدود والعلم البشرى المحدود بالزمان والمكان وازداد الإعجاز تجلياً وظهوراً. وكتب الله التوفيق للمفسرين فيما شرحوه من آيات وأحاديث متعلقة بأسرار الأرض والسماء بفضل اهتدائهم بنصوص الوحي المنزل ممن يعلم السر في الأرض والسماء، ومسترشدين بما علم لهم من دلالات الألفاظ ومعاني الآيات.
أوجه الإعجاز العلمي:
وتتمثل أوجه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة فيما يلي:
1- التوافق الدقيق بين ما في نصوص الكتاب والسنة، وبين ما كشفه علماء الكون أمثال البروفسور كيث ل. مور وهومن أشهر علماء العالم في علم الأجنة وكتابة في علم الأجنة مرجع عالمى مترجم إلى سبع لغات منها الروسية واليابانية والصينية والذي جاء بعد اقتناعه بأبحاث الإعجاز العلمي ألقى محاضرة في ثلاث كليات طبية بالممكلة العربية السعودية عام (1404هـ)بعنوان (مطابقة علم الاجنحة لما في القرآن والسنة) من حقائق كونية وأسرار كونية لم يكن في إمكان بشر أن يعرفها وقت نزول القرآن.
2- تصحيح الكتاب والسنة لما شاع بين البشرية في اجيالها المختلفة من أفكار باطلة حول أسرار الخلق مثل ما كان شائعاً بين علماء التشريح من أن الولد يتكون من دم الحيض واستمر ذلك الاعتقاد إلى أن اكتشف المجهر في القرن السادس عشر الميلادي بينما نصوص القرآن والسنة تقرر أن الولد يتكون من المنى وقد رد علماء المسلمين من أمثال الأمام ابن القيم والأمام ابن حجر وغيرهم أقوال علماء التشريح في عصورهم بنصوص الوحي وذلك مثل ما قاله ابن حجر وزعم كثير من أهل التشريح أن منى الرجل لا أثر له في الولد إلا في عقده وأنه إنما يتكون من دم الحيض وأحاديث الباب تبطل ذلك(الفتح: 11/480).
3- إذا جمعت نصوص الكتاب والسنة الصحيحة وجدت بعضها يكمل بعضها الآخر فتتجلى بها الحقيقة مع أن هذه النصوص قد نزلت مفرقه في الزمن وفى مواضعها من الكتاب الكريم وهذا لا يكون إلا من عند الله الذي يعلم السر في السماوات والأرض.
4- سن التشريعات الحكيمة التي قد تخفى حكمتها على الناس وقت نزول القرآن وتكشفها أبحاث العلماء في شتى المجالات مثلما كشفه العلم حديثاً من الحكمة في تحريم أكل لحم الخنزير والاعتزال المقصور على الجماع في المحيض ويسألونك عن المحيض{ قل هو أذى آفاعة النساء في المحيض} (البقرة:222).
5- عدم الصدام بين نصوص الوحي القاطعة التي تصف الكون وأسراره على كثرتها، وبين الحقائق العلمية المكتشفة على وفرتها، مع وجود الصدام الكثير بين ما يقوله علماء الكون من نظريات تتبدل مع تقدم الاكتشافات ووجود الصدام بين العلم وبين ما قررته سائر الأديان المحرفة والمبدلة. تنبيه وكلامنا هنا محصور في قضايا الإعجاز العلمي الذي تسفر فيه النصوص عن معاني لكيفيات وتفاصيل جديدة عبر العصور أما ما يتعلق بالعقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق فقد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضح تفسيرها (التفسير والمفسرون للذهبى: 1/34).
الإعجاز العلمي بين المجيزين والمانعين: ينقسم العلماء في هذا الموضوع إلى فريقين فريق: يجيزه ويدعو اليه ويرى فيه فتحاً جديداً وتجديداً في طريق الدعوة إلى الله وهداية الناس إلى دين الله. وفريق: يرى في هذا اللون من التفسير خروجاً بالقرآن عن الهدف الذي أنزل من أجله، وإقحاماً له في مجال متروك للعقل البشرى يجرب فيه ويصيب ويخطئ. ولذلك وبعد أن وضحنا المنهجية التي تحكم البحث في مجال الإعجاز العلمي ومنهج السلف والمفسرين كان لابد من استعراض رأى الفريقين ومناقشة حججهم.
المجيزون للتفسير العلمي:
أما مجيزوا التفسير العلمي وهم الكثرة فيمثلهم الأمام محمد عبده، وتلميذه الشيخ محمد رشيد رضا،والشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ محمد أبو زهرة ومحدث المغرب أبو الفيض أحمد بن صديق الغمارى، ونستطيع أن نعد منهم الشيخ محمد الامين الشنقيطى، صاحب أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن. وهؤلاء الذين يتبنون التفسير العلمي للقرآن يضعون له الحدود التي تسد الباب أمام الأدعياء الذين يتشبعون بما لم يعطوا. ومن هذه الحدود:
1- ضرورة التقيد بما تدل عليه اللغة العربية فلابد من: أ) أن تراعى معاني المفردات كما كانت في اللغة إبان نزول الوحي. ب) أن تراعى القواعد النحوية ودلالاتها. جـ) أن تراعى القواعد البلاغية و دلالاتها. خصوصاً قاعدة أن لا يخرج اللفظ من الحقيقة إلى المجاز إلا بقرينة كافية.
2- البعد عن التأويل في بيان إعجاز القرآن العلمي
3-ان لا تجعل حقائق القرآن موضع نظر، بل تجعل هي الأصل: فما وافقها قبل وما عارضها رفض.
4- أن لا يفسر القرآن إلا باليقين الثابت من العلم لا بالفروض والنظريات التي لا تزال موضع فحص وتمحيص، أما الحدسيات والظنيات فلا يجوز أن يفسر بها القرآن، لأنها عرضة للتصحيح والتعديل – أن لم تكن للأبطال – في أي وقت.
المانعون من التفسير العلمي:
أما المانعون من التفسير العلمي فيمثلهم في هذا العصر شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمـود شلتوت والأستاذ سيد قطب، ود. محمـد حسين الذهبي. وهـؤلاء المانعون يقولون:
1- أن القرآن كتاب هداية، وإن الله لم ينزله ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون، وأنواع المعارف.
2- أن التفسير العلمي للقرآن يعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير.
3- أن التفسير العلمي للقرآن يحمل أصحابه والمغرمين به على التأويل المتكلف الذي يتنافى مع الإعجاز، ولا يسيغه الذوق السليم.
4- ثم يقولون:
 أن هناك دليلاً واضحاً من القرآن على أن القرآن ليس كتاباً يريد الله به شرح حقائق الكون، وهذا الدليل هو ما روى عن معاذ أنه قال: " يا رسول الله أن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة فما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير، ثم ينقص حتى يعود كما كان فأنزل الله هذه الآيةSad يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) [البقرة 189].
ولكن هل تكفى هذه الحجج لرفض التفسير العلمي ؟؟:
أن كون القرآن الكريم كتاب هداية لا يمنع أن ترد فيه إشارات علمية يوضحها التعمق في العلم الحديث، فقد تحدث القرآن عن السماء والأرض،والشمس، والقمر، والليل والنهار، وسائر الظواهر الكونية، كما تحدث عن الإنسان، والحيوان والنبات.
ولم يكن هذا الحديث المستفيض منافياً لكون القرآن كتاب هداية، بل كان حديثه هذا أحد الطرق التي سلكها لهداية الناس. - أما تعليق الحقائق التي يذكرها القرآن بالفروض العلمية فهو أمر مرفوض وأول من رفضه هم المتحمسون للتفسير العلمي للقرآن. - أما أن هذا اللون من التفسير يتضمن التأويل المستمر، والتمحل، والتكلف فإن التأويل بلا داع مرفوض. وقد اشترط القائلون بالتفسير العلمي للقرآن شروطاً من بينها أن لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا إذا قامت القرائن الواضحة التي تمنع من إرادة الحقيقة. - وأما الاستدلال بما ورد في سبب نزول الآية(يسألونك عن الأهلة) فهو بحاجة إلى أن يثبت وإلا فهو معارض بما رواه الطبرى في تفسيره عن قتادة في هذه الآية قال: سألوا النبي لم جعلت هذه الأهلة؟ فأنزل الله فيها ما تسمعون (هي مواقيت للناس والحج ) فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم ولمناسكهم وحجهم ولعدة نسائهم ومحل دينهم في أشياء والله أعلم بما يصلح خلقه ". وروى عن الربيع وابن جريج مثل ذلك. ففي هذه الروآيات التي ساقها الطبرى والسؤال هو: لم جعلت هذه الأهلة ؟ وليس السؤال ما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ثم ينقص. ولذلك فإنه لا دليل في الآية على إبعاد التفسير العلمي.
الخلاصة:
إن التفسير العلمي للقرآن مرفوض إذا اعتمد على النظريات العلمية التي لم تثبت ولم تستقر ولم تصل إلى درجة الحقيقة العلمية. - ومرفوض إذا خرج بالقرآن عن لغته العربية. - ومرفوض إذا صدر عن خلفية تعتمد العلم أصلاً وتجعل القرآن تابعاً. - وهو مرفوض إذا خالف ما دل عليه القرآن في موضع أخر أو دل عليه صحيح السنة. - وهو مقبول بعد ذلك إذا التزم القواعد المعروفة في أصول التفسير من الالتزام بما تفرضه حدود اللغة، وحدود الشريعة والتحري والاحتياط الذي يلزم كل ناظر في كتاب الله. وهو - أخيراً - مقبول ممن رزقه الله علماً بالقرآن وعلماً بالسنن الكونية لا من كل من هب ودب فكتاب الله اعظم من ذلك.
أهمية أبحاث الإعجاز العلمي وثمارها:
1- امتداد بينة الرسالة في عصر الكشوف العلمية. إذا كان المعاصرون لرسول الله قد شاهدوا بأعينهم كثيراً من المعجزات، فإن الله أرى أهل هذا العصر معجزة لرسوله تتناسب مع عصرهم، ويتبين لهم بها أن القرآن حق، وتلك البينة المعجزة هي: بينة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وأهل عصرنا لا يذعنون لشيء مثل إذعانهم للعلم، على اختلاف أجناسهم وأديانهم.
2- تصحيح مسار العلم التجريبي. لقد جعل الله النظر في المخلوقات، الذي تقوم عليه العلوم التجريبية طريقاً إلى الإيمان به، وطريقاً إلى الإيمان برسوله ولكن أهل الأديان المحرفة كذبوا حقائقه، وسفهوا طرقه، واضطهدوا دعاته، فواجههم حملة هذه العلوم التجريبية، بإعلان الحرب على تلك الأديان، فكشفوا ما فيها من أباطيل، وأصبحت البشرية في متاهة، تبحث عن الدين الحق، الذي يدعو إلى العلم، والعلم يدعو إليه. أن بإمكان المسلمين أن يتقدموا لتصحيح مسار العلم في العالم، ووضعه في مكانه الصحيح، طريقاً إلى الإيمان بالله ورسوله، ومصدقاً بما في القرآن، ودليلاً على الإسلام.
3- تنشيط المسلمين للاكتشافات الكونية، بدوافع إيمانية. أن التفكير في مخلوقات الله عبادة، والتفكير في معاني الآيات والأحاديث عبادة، وتقديمها للناس دعوة إلى الله. وهذا كله متحقق في أبحاث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وهذا من شأنه أن يحفز المسلمين على اكتشاف أسرار الكون بدوافع إيمانية تعبر بهم فترة التخلف التي عاشوها فترة من الزمن في هذه المجالات. وسيجد الباحثون المسلمون في كلام الخالق عن أسرار مخلوقاته، أدلة تهديهم أثناء سيرهم في أبحاثهم، تقرب لهم النتائج، وتوفر لهم الجهود. واجب المسلمين إذا علمنا أهمية هذه الأبحاث في تقوية إيمان المؤمنين، ودفع الفتن التي ألبسها الإلحاد ثوب العلم. عن بلاد المسلمين، وفى دعوة غير المسلمين، وفى فهم ما خوطبنا به في القرآن والسنة، وفى حفز المسلمين للأخذ بأسباب النهضة العلمية، تبين من ذلك كله أن القيام بهذه الأبحاث من أهم فروض الكفآيات.
وصدق الله القائل: " { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة } (البينة:1)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى

صالح المحلاوى


اعلام خاصة : مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم 192011_md_13005803803
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011
الموقع الموقع : المحلة - مصر المحروسة
العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى
المزاج : متوفي //

مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم   مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 3 سبتمبر 2015 - 0:45

الاعجاز العلمى تأصيلا ومنهجا


إن معجزة القرآن العلمية تظهر لأهل العلم في كل مجال من مجالاته، فهي ظاهرة في نظمه، وفى إخباره عن الأولين، وفى إنبائه بحوادث المستقبل، وحكم التشريع وغيرها، ولقد شاع مصطلح الإعجاز العلمي في عصرنا،للدلالة على أوجه إعجاز القرآن والسنة التي كشفت عنها العلوم الكونية ونظراً لجدة البحث في حقل الإعجاز العلمي في القرآن - بالنسبة لغيره من حقول الدراسات القرآنية - فسوف نقدم في هذا البحث تأصيلاً لهذا العلم بغية إعانة المشتغلين في هذا الحقل على ارتياد آفاقه. ونبدأ بتعريف الإعجاز. الإعجاز لغة: مشتق من العجز. والعجز: الضعف أو عدم القدرة، وهو مصدر أعجز بمعنى الفوت والسبق (انظر لسان العرب لابن منظور مادة عجز 5/370 والمفردات للراغب الأصفهانى ). والمعجزة في اصطلاح العلماء: أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة( انظر معنى ذلك في تفسير القرطبى 1/96وفتح البارى 6/581 ). وإعجاز القرآن: يقصد به إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله. أي نسبة العجز إلى الناس بسبب عدم قدرتهم على الإتيان بمثله. ووصف الإعجاز هنا بأنه علمي نسبة إلى العلم. والعلم: هو إدراك الأشياء على حقائقها أو هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً (راجع الراغب الأصفهانى: المفردات ص 343 والشوكانى:إرشاد الفحول ص4) والمقصود بالعلم في هذا المقام: العلم التجريبي.
تعريف الإعجاز العلمي:
وعليه فإن الإعجاز العلمي هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول مما يظهر صدقه فيما أخبر به عن ربه سبحانه وتعالى.
مناسبة المعجزة القرآنية - بما تتضمنه من حقائق علمية - لعالمية الرسالة الإسلامية:
لما كان الرسل قبل محمد يبعثون إلى أقوامهم خاصة، ولأزمنة محدودة فقد أيدهم الله ببينات حسية مثل: عصا موسى عليه السلام وإحياء الموتى بإذن الله على يد عيسى عليه السلام وتستمر هذه البيانات الحسية محتفظة بقوة إقناعها في الزمن المحدد لرسالة كل رسول حتى إذا تطاول الزمن وتقادم وضعف أثر الرسالة الصافي، اختفت قوة الإقناع الحسية، وبعث الله رسولاً آخر بالدين الذي يرضاه، وبمعجزة جديدة وبينة مشاهدة. ولما ختم الله النبوة بمحمد ضمن له حفظ دينه وأيده ببينة كبرى تبقى بين أيدى الناس إلى قيام الساعة قال تعالى:
{قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}
(الأنعام:19) ومن ذلك ما يتصل بالمعجزة العلمية. وقال تعالى { لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه} (النساء:166) وفى هذه الآية التي نزلت رداً على تكذيب الكافرين بنبوة محمد(انظر سبب النزول ابن الجوزى 2/257، الطبرى 5/22، ابن كثير 1/590، الجلالين ص 137 ) بيان لطبيعة المعجزة العلمية التي تبقى بين يدى الناس، وتتجدد مع كل فتح بشرى في آفاق العلوم والمعارف ذات الصلة بمعاني الوحي الإلهي.
قال الخازن عند تفسير هذه الآية:"لكن الله يشهد لك يا محمد بالنبوة بواسطة هذا القرآن الذي أنزله عليك "( الخازن في مجموعة من التفاسير 2/210 ) وقال ابن كثير " انزله بعلمه أي فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه من البينات والهدى والفرقان وما يحبه الله ويرضاه وما يكرهه ويأباه وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل " (ابن كثير 560/1 ) وقال أبو العباس ابن تيمية: فإن شهادته بما أنزل منه وأنه أنزله بعلمه فما فيه من الخبر وخبر عن علم الله يسن خبراً عمن دونه (الفتاوى 14/196) وإلى هذا المعنى ذهب كثير من المفسرين (ابن الجوزى 2/257، الزمخشرى 1/584، ابو حيان 3/399، الالوسى 6/19،20، الشوكانى 1/539، البيضاوى والنسفى والخازن في كتاب مجموعة من التفاسير /210، الجلالين ص137). وهكذا تسطع بينة الوحي المنزل على محمد بما نزل فيه من علم إلهي يدركه الناس في كل زمان و مكان ويتجدد على مر العصور ولذلك قال: " ما من الأنبياء نبى إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي،فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة "(البخارى: فتح البارى 9/3، مسلم: كتاب الإيمان) قال ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث: " ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة وخرقه للعادة في أسلوبه وفى بلاغته، وإخباره بالمغيبات فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شئ مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه فعم نفعه من حضر ومن غاب ومن وجد، ومن سيوجد "(فتح البارى لابن حجر: 9/7 ).
جريان العلم وراء ما أخبر عنه القرآن:
وبينة القرآن العلمية يدركها العربي والأعجمي، وتبقى ظاهرة متجددة إلى قيام الساعة، ففى القرآن أنباء نعرف المقصود منها لأنها بلسان عربى مبين، لكن حقائقها وكيفياتها لا تتجلى إلا بعد حين. قال تعالى: { أن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين } (ص 87- 88) قال الفراء في تفسير الحين أنه:" بعد الموت وقبله.. أي في المستأنف " (القرطبى 15/231) وذهب السدى الكبير إلى هذا المعنى (أبو حيان 7/412) وقال ابن جرير الطبرى: أن الله اعلم المشركين بهذا القرآن أنهم يعلمون نبأه بعد حين من غير حد منه لذلك الحين بحد، ولا حد عند العرب للحين (الطبرى 23/121).
استقرار الحقيقة المخبر عنها:
وشاء الله أن يجعل لكل نبإ زمناً خاصاً يتحقق فيه فإذا تجلى الحدث ماثلاً للعيان أشرقت المعاني التي كانت تدل عليها الحروف والألفاظ في القرآن وتتجدد المعجزة العلمية في قوله تعالى: { لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون} (الانعام:67) ويبقى النبأ الإلهي محيطاً بكل الصور التي يتجدد ظهورها عبر القرون. وقال ابن جرير الطبرى:" أي لكل خبر مستقر، يعنى قرار يستقر عنده ونهاية ينتهي إليها ليتبين حقه وصدقه من كذبه وباطله " وسوف تعلمون يقول: وسوف تعلمون أيها المكذبون بصحة ما أخبر به " (الطبرى 7/147) وقال ابن كثير: أي لكل خبر وقوع، ولو بعد حين، كما قال تعالى: " ولتعلمن نبأه بعد حين" وقال { لكل أجل كتاب } (الرعد 38) (ابن كثير 2/144) وإلى هذا ذهب كثير من المفسرين. (القرطبى 7/11، الشوكانى: 2/128، الرازى: 7/25،26 القاسمى: 6/575 أبو السعود 3/147، البقاعى: 7/145، 146).
أنباء الأرض والسماء في القرآن والسنة تتجلى في عصر الاكتشافات:
أن خبر القرآن والسنة وما فيهما من أوصاف لما في الأرض والسماء، هو نبأ إلهي عما في الأرض والسماء ممن هو أعلم بما خلق فيهما من أسرار قال تعالى: { قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض } (يونس 18) فالخبر بما في الأرض والسماء نبأ عما في الأرض والسماء. لقد نزل القرآن في عصر انتشار الجهل وشيوع الخرافة، والكهانة، والسحر والتنجيم في العالم كله وكان للعرب النصيب الأوفى من هذه الجاهلية والأمية كما بين القرآن ذلك بقوله: { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } ( الجمعة: 2 ).
في ذلك العصر وعلى تلك الأمة نزل الوحي وفيه علم الله، يصف أسرار الخلق في شتى الافاق ويجلي دقائق الخلق في النفس البشريه يقرر البداية في الماضى ويصف أسرار الحاضر ويكشف غيب المستقبل الذي ستكون عليه سائر المخلوقات. وعندما دخل الإنسان في عصر الاكتشافات العلمية وامتلك أدق أجهزة البحث العلمي وتمكن من حشد جيوش من الباحثين في شتى المجالات يبحثون عن الأسرار المحجوبة في آفاق الأرض والسماء وفى مجالات النفس البشرية يجمعون المقدمات ويرصدون النتائج في رحلة طويلة عبر القرون ولما أخذت الصورة في الاكتمال والحقيقة في التجلى وقعت المفاجأة الكبرى بتجلى أنوار الوحي الإلهي، الذي نزل على محمد قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام بذكر تلك الحقيقة في آية من القرآن أو بعض آية أو في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض حديث بدقة علمية معجزة وعبارات مشرقة وبهذا أنبأنا القرآن. قال تعالى: ( قل أرأيتم أن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد سنريهم آياتنا في الأفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيئ شهيد ) (فصلت:52،53) ولنتدبر معاني هذا النص القرآني.
معنى آيات الله في الأفاق وفى الأنفس الأفق:
ما ظهر من نواحي الفلك وأطراف الأرض وآفاق السماء: نواحيها (مقاييس اللغة: لابن فارس 1/114، 115، لسان العرب: 15/5،6، الصحاح للجوهرى: 4/1446، تاج العروس: 1/279، المفردات للأصفهانى: 19)(وآيات الله في آفاق الأرض والسماء تحمل معاني ثلاثة: الأول: المخلوقات التي خلقها الله في شتى آفاق الأرض والسماء مثل قوله تعالى: (ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة )(الشورى: 29) الثاني: آيات القرآن التي تخبر وتصف أنواع المخلوقات، وهي آيات كثيرة. الثالث: البينات والمعجزات التي يظهرها الله تصديقاً لرسوله في شتى آفاق الأرض والسماء برؤية مصداقها من حقائق الخلق حينا بعد حين.
قال الشوكانى عند تفسير الآية: سنريهم صدق دلالات صدق القرآن، وعلامة كونه من عند الله في الآفاق - أي في النواحي - وفى أنفسهم.. (فتح القدير: 4/523). وقال ابن كثير: أي سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقاً منزلاً من عند الله على رسول الله بدلائل خارجية في الآفاق. (تفسير ابن كثير 4/106) وقال الزمخشرى: ومعناه أن هذا الموعود من إظهار آيات الله في الآفاق وفى أنفسهم سيرونه ويشاهدونه فيتبينون عند ذلك أن القرآن تنزيل عالم الغيب، الذي هو على كل شئ شهيد أي مطلع ومهيمن يستوي عنده غيبه وشهادته فيكفيهم ذلك دليلاً على أنه حق وأنه حق وأنه من عنده (الكشاف 3/458). وبهذا قال كثير من المفسرين عند تفسير قوله تعالىSad حتى يتبين لهم أنه الحق )(فصلت:53) وقال أبو العباس ابن تيمية: وأما الطريق العيانى فهو أن يرى العباد من الآيات الآفاقية والنفسية ما يبين لهم أن الوحي الذي بلغته الرسل عن الله حق كما قال تعالىSad سنريهم آيتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)( الفتاوى: 14/189). " وقال عطاء وابن زيد أيضاً: في (الآفاق) يعنى أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار، والرياح والأمطار، والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغيرها "(القرطبى: 15/374،375) وروى هذا عنهما عدد من أئمة التفسير(الطبرى: 24/25، ابو حيان 7/505، الخازن في مجموعة من التفاسير: 5/395، الشوكانى: 4/523). فهذه آيات الله في كتابه تتحدث عن آياته في مخلوقاته وتتجلى بمعجزة علمية بينة تسطع في عصر الكشوف العلمية في آفاق الكون.
اللقاء حتمي والمعجزة واقعة:
إننا على وعد من الله عز وجل بأن يرينا آياته فيتحقق لنا- بهذه الرؤية - العلم الدقيق بمعاني هذه الآيات كما قال تعالىSadوقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها) (النمل:93) ومخلوقاته من آياته ومنها ما جاء في القرآن وصفاً ونبأ عن آياته في السموات والأرض. وروى الطبرى عن مجاهدSadسيريكم آياته فتعرفونها) قال: في أنفسكم والسماء والأرض والرزق (الطبرى: 20/18). وقال أبو حيان في البحر المحيط: سيريكم آياته: تهديد لأعدائه بما يريهم الله من آياته تضطرهم إلى معرفتها والإقرار أنها آيات الله وقيل: آيات في أنفسكم وسائر ما خلق مثل قولهSadسنريهم آياتنا في الافاق وفى أنفسهم ) وقيل: معجزات الرسول وأضافها إليه لانه هو مجريها على يدى الرسول ومظهرها من جهته(أبو حيان: 7/103) وبمثل ما قال أبو حيان قال البقاعى في نظم الدرر(البقاعى: 14/229،230) ومما سبق يتبين لنا أن البشرية على موعد من الله متجدد ومستمر بكشف آياته في الكون، وفى كتابه أمام الأبصار، لتقوم الحجة وتظهر المعجزة.
أن الوحي في القرآن والسنة؛ يفيض بالخبر عن أوصاف المخلوقات، وهذه الأبحاث العلمية التجريبية؛ تتجه بدراستها وبحثها إلى نفس الميدان ؛ الذي وصفه القرآن وتحدث عنه الرسول صلى الله عليه و سلم. فاللقاء حتمى والمعجزة – لا شك – واقعة. لقد جاءت العلوم البشرية التجريبية شاهدة بصدق ما أخبر به القرآن من تحريف سائر الأديان كما بين ذلك موريس بوكاى في كتابه " التوراة و الإنجيل و القرآن في ضوء المعارف الحديثة "، والتي جاءت شاهدة ومجلية لدقائق المعاني؛ في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية - ذات التعلق بالأمور الكونية - وهذه مناكب دعاة الإسلام؛ على اختلاف تخصصاتهم العلمية، تتزاحم لبيان هذه المعجزات العلمية، وبدأ عدد من الدعاة، من المسلمين، يتجهون إلى بيان هذه المعجزات العلمية كما بدأ عدد من كبار علماء الكون من غير المسلمين، يتجهون إلى نفس الميدان مثلما فعل سبعة من كبار علماء الأجنة والتشريح وأمراض النساء من غير المسلمين في لجنة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في المؤتمر الطبى السعودى الذي عقد في الرياض عام 1404 م فمنهم من أسلم مثل البرفيسور تاجاتات تاجاسن الذي أعلن إسلامه في أحد مؤتمرات الإعجاز العلمي، ومنهم من شهد بحقيقة المعجزة العلمية فحان حين تجلى معاني كثير من آيات القرآن الكونية، وعدد- في نفس المجال- من الأحاديث النبوية و(لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون ) (الانعام: 67) وإذا كان النقص يعترى- بعض الدراسات في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة فلا يصح أن يكون ذلك حكماً على جميعها وإن هذا ليوجب على القادرين من علماء الإسلام أن يسارعوا لخدمة القرآن والسنة في مجال العلوم الكونية كما خدمها السلف في مجال اللغة والاصول والفقه وغيرها من مجالات العلوم الشرعية فنحن أمام معجزة علمية كبرى تنحنى أمامها جباه المنصفين من قادة العلوم الكونية في عصرنا.
الفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي:
التفسير العلمي: هو الكشف عن معاني الآية أو الحديث في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية.
أما الإعجاز العلمي: فهو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيراً وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول. وهكذا يظهر اشتمال القرآن أو الحديث على الحقيقة الكونية التي يؤول (يصير وينتهي) إليها معنى الآية أو الحديث ويشاهد الناس مصداقها في الكون فيستقر عندها التفسير ويعلم بها التأويل كما قال تعالىSadلكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) [الانعام: 67] وقد تتجلى مشاهد أخرى كونية عبر القرون، تزيد المعنى المستقر وضوحاً وعمقاً وشمولاً لأن الرسول قد اوتى جوامع الكلم، فيزداد بها الإعجاز عمقاً وشمولاً، كما تزداد السنة الكونية وضوحا بكثرة شواهدها المندرجة تحت حكمها.
قواعد وأسس أبحاث الإعجاز العلمي:
لقد قامت هذه الأبحاث على قواعد نوجزها فيما يلي: - علم الله هو العلم الشامل المحيط الذي لا يعتريه خطأ، ولا يشوبه نقص، وعلم الإنسان محدود ويقبل الازدياد ومعرض للخطأ. - هناك نصوص من الوحي قطعية الدلالة، كما أن هناك حقائق علمية كونية قطعية. - في الوحي نصوص ظنية في دلالتها، وفى العلم نظريات ظنية في ثبوتها. - لا يمكن أن يقع صدام بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي، فإن وقع في الظاهر، فلابد أن هناك خللا في اعتبار قطعية أحدهما وهذه قاعدة جليلة قررها علماء المسلمين وقد آلف ابوالعباس ابن تيمية كتاباً من أحد عشر مجلداً لبيانها تحت عنوانSadدرء تعارض العقل والنقل). - عندما يرى الله عباده آية من آياته في الآفاق أو في الأنفس مصدقة لآية في كتابه، أو حديث من أحاديث رسوله يتضح المعنى، ويكتمل التوافق ويستقر التفسير، وتتحدد دلالات ألفاظ النصوص بما كشف من حقائق علمية وهذا هو الإعجاز. - أن نصوص الوحي قد نزلت بألفاظ جامعة فقد قال:" بعثت بجوامع الكلم"((أخرجه البخارى في الجهاد ) مسلم في المساجد برقم 5423 والترمذى في السير برقم 1553 والنسائى في الجهاد باب وجوب الجهاد) مما يدل على أن النصوص التي وردت عن النبي تحيط بكل المعاني الصحيحة في مواضيعها التي قد تتابع في ظهورها جيلاً بعد جيل. - إذا وقع التعارض بين دلالة قطعية للنص وبين نظرية علمية رفضت هذه النظرية لأن النص وحي من الذي أحاط بكل شئ علماً. وإذا وقع التوافق بينهما كان النص دليلاً على صحة تلك النظرية وإذا كان النص ظنياً والحقيقة العلمية قطعية يؤول النص بها. - وإذا وقع التعارض بين حقيقة علمية قطعية، وبين حديث ظني في ثبوته، فيؤول الظني من الحديث ليتفق مع الحقيقة القطعية وحيث لا يوجد مجال للتوفيق فيقدم القطعي.
منهجية أبحاث الإعجاز العلمي في ضوء منهج السلف وكلام المفسرين:
للسلف منهج سديد فيما يتعلق بأمر الصفات الإلهية وأحوال يوم القيامة وما لا سبيل إليه من غير طريق الوحي ويتمثل هذا المنهج في الوقوف عندما دلت عليه النصوص بدون تكلف لمعرفة الكيفيات والتفاصيل التي لم يبينها الوحي لأن البحث فيها كالبحث في الظلام، وهي قسر لحقائق الوحي الكبرى في قالب تصورات ذهنية بشرية محدودة الحس والزمان والمكان المحيط بيئة الإنسان. وكلام الخالق سبحانه عن أسرار خلقه في الآفاق وفى الأنفس غيب قبل أن يرينا الله حقائق تلك الأسرار ولا طريق لمعرفة كيفياتها وتفاصيلها قبل رؤيتها، إلا ما سمعنا عن طريق الوحي وكان السلف لا يتكلفون ما لا علم لهم به أن معاني الآيات المتعلقة بالأمور الغيبية ودلالتها اللغوية معلومة ولكن الكيفيات والتفاصيل محجوبة وإن من وصف حقائق الوحي الكونية بدقائقها وتفاصيلها بعد أن كشفها الله وجلاها للأعين غير من وصفها من خلال نص يسمع، ولا يرى مدلوله الواقعي لأن وصف من سمع وشاهد غير من سمع فقط. ولقد وفق السلف الصالح من المفسرين كثيراً في شرحهم لمعنى الآيات القرآنية رغم احتجاب حقائقها الكونية، مع أن المفسر الذي يصف حقائق وكيفيات الآيات الكونية في الآفاق والأنفس وهي محجوبة عن الرؤية في عصره قياساً على ما يرى من المخلوقات وفى ضوء ما سمع من الوحي، يختلف عن المفسر الذي كشفت أمامه الآية الكونية فجمع بين ما سمع من الوحي وبين ما شاهد في الواقع.
ونظراً لعدم خطورة ما يتقرر في مجال الأمور الكونية على أمر العقيدة يوم ذاك لم يقف المفسرون بها عند حدود ما دلت عليه النصوص بل حاولوا شرحها بما يسر الله لهم من الدراية التي تيسرت لهم في عصورهم وبما فتح الله به عليهم من إفهام، وكانت تلك الجهود العظيمة التي بذلها المفسرون عبر القرون، لشرح نصوص الوحي المتعلقة بالأمور الكونية - التي لم تكشف في عصرهم - مبينة لمستوى ما وصل إليه الإنسان من علم، في تلك المجالات ومبينة لمدى توفيق الله لهؤلاء المفسرين فإذا ما حان حين مشاهدة الحقيقة في واقعها الكونى ظهر التوافق الجلى بين ما قرره الوحي وما شاهدته الأعين وظهرت حدود المعارف الإنسانية المقيدة بقيود الحس المحدود والعلم البشرى المحدود بالزمان والمكان وازداد الإعجاز تجلياً وظهوراً. وكتب الله التوفيق للمفسرين فيما شرحوه من آيات وأحاديث متعلقة بأسرار الأرض والسماء بفضل اهتدائهم بنصوص الوحي المنزل ممن يعلم السر في الأرض والسماء، ومسترشدين بما علم لهم من دلالات الألفاظ ومعاني الآيات.
أوجه الإعجاز العلمي:
وتتمثل أوجه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة فيما يلي:
1- التوافق الدقيق بين ما في نصوص الكتاب والسنة، وبين ما كشفه علماء الكون أمثال البروفسور كيث ل. مور وهومن أشهر علماء العالم في علم الأجنة وكتابة في علم الأجنة مرجع عالمى مترجم إلى سبع لغات منها الروسية واليابانية والصينية والذي جاء بعد اقتناعه بأبحاث الإعجاز العلمي ألقى محاضرة في ثلاث كليات طبية بالممكلة العربية السعودية عام (1404هـ)بعنوان (مطابقة علم الاجنحة لما في القرآن والسنة) من حقائق كونية وأسرار كونية لم يكن في إمكان بشر أن يعرفها وقت نزول القرآن.
2- تصحيح الكتاب والسنة لما شاع بين البشرية في اجيالها المختلفة من أفكار باطلة حول أسرار الخلق مثل ما كان شائعاً بين علماء التشريح من أن الولد يتكون من دم الحيض واستمر ذلك الاعتقاد إلى أن اكتشف المجهر في القرن السادس عشر الميلادي بينما نصوص القرآن والسنة تقرر أن الولد يتكون من المنى وقد رد علماء المسلمين من أمثال الأمام ابن القيم والأمام ابن حجر وغيرهم أقوال علماء التشريح في عصورهم بنصوص الوحي وذلك مثل ما قاله ابن حجر وزعم كثير من أهل التشريح أن منى الرجل لا أثر له في الولد إلا في عقده وأنه إنما يتكون من دم الحيض وأحاديث الباب تبطل ذلك(الفتح: 11/480).
3- إذا جمعت نصوص الكتاب والسنة الصحيحة وجدت بعضها يكمل بعضها الآخر فتتجلى بها الحقيقة مع أن هذه النصوص قد نزلت مفرقه في الزمن وفى مواضعها من الكتاب الكريم وهذا لا يكون إلا من عند الله الذي يعلم السر في السماوات والأرض.
4- سن التشريعات الحكيمة التي قد تخفى حكمتها على الناس وقت نزول القرآن وتكشفها أبحاث العلماء في شتى المجالات مثلما كشفه العلم حديثاً من الحكمة في تحريم أكل لحم الخنزير والاعتزال المقصور على الجماع في المحيض ويسألونك عن المحيض{ قل هو أذى آفاعة النساء في المحيض} (البقرة:222).
5- عدم الصدام بين نصوص الوحي القاطعة التي تصف الكون وأسراره على كثرتها، وبين الحقائق العلمية المكتشفة على وفرتها، مع وجود الصدام الكثير بين ما يقوله علماء الكون من نظريات تتبدل مع تقدم الاكتشافات ووجود الصدام بين العلم وبين ما قررته سائر الأديان المحرفة والمبدلة. تنبيه وكلامنا هنا محصور في قضايا الإعجاز العلمي الذي تسفر فيه النصوص عن معاني لكيفيات وتفاصيل جديدة عبر العصور أما ما يتعلق بالعقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق فقد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضح تفسيرها (التفسير والمفسرون للذهبى: 1/34).
الإعجاز العلمي بين المجيزين والمانعين: ينقسم العلماء في هذا الموضوع إلى فريقين فريق: يجيزه ويدعو اليه ويرى فيه فتحاً جديداً وتجديداً في طريق الدعوة إلى الله وهداية الناس إلى دين الله. وفريق: يرى في هذا اللون من التفسير خروجاً بالقرآن عن الهدف الذي أنزل من أجله، وإقحاماً له في مجال متروك للعقل البشرى يجرب فيه ويصيب ويخطئ. ولذلك وبعد أن وضحنا المنهجية التي تحكم البحث في مجال الإعجاز العلمي ومنهج السلف والمفسرين كان لابد من استعراض رأى الفريقين ومناقشة حججهم.
المجيزون للتفسير العلمي:
أما مجيزوا التفسير العلمي وهم الكثرة فيمثلهم الأمام محمد عبده، وتلميذه الشيخ محمد رشيد رضا،والشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ محمد أبو زهرة ومحدث المغرب أبو الفيض أحمد بن صديق الغمارى، ونستطيع أن نعد منهم الشيخ محمد الامين الشنقيطى، صاحب أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن. وهؤلاء الذين يتبنون التفسير العلمي للقرآن يضعون له الحدود التي تسد الباب أمام الأدعياء الذين يتشبعون بما لم يعطوا. ومن هذه الحدود:
1- ضرورة التقيد بما تدل عليه اللغة العربية فلابد من: أ) أن تراعى معاني المفردات كما كانت في اللغة إبان نزول الوحي. ب) أن تراعى القواعد النحوية ودلالاتها. جـ) أن تراعى القواعد البلاغية و دلالاتها. خصوصاً قاعدة أن لا يخرج اللفظ من الحقيقة إلى المجاز إلا بقرينة كافية.
2- البعد عن التأويل في بيان إعجاز القرآن العلمي
3-ان لا تجعل حقائق القرآن موضع نظر، بل تجعل هي الأصل: فما وافقها قبل وما عارضها رفض.
4- أن لا يفسر القرآن إلا باليقين الثابت من العلم لا بالفروض والنظريات التي لا تزال موضع فحص وتمحيص، أما الحدسيات والظنيات فلا يجوز أن يفسر بها القرآن، لأنها عرضة للتصحيح والتعديل – أن لم تكن للأبطال – في أي وقت.
المانعون من التفسير العلمي:
أما المانعون من التفسير العلمي فيمثلهم في هذا العصر شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمـود شلتوت والأستاذ سيد قطب، ود. محمـد حسين الذهبي. وهـؤلاء المانعون يقولون:
1- أن القرآن كتاب هداية، وإن الله لم ينزله ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون، وأنواع المعارف.
2- أن التفسير العلمي للقرآن يعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير.
3- أن التفسير العلمي للقرآن يحمل أصحابه والمغرمين به على التأويل المتكلف الذي يتنافى مع الإعجاز، ولا يسيغه الذوق السليم.
4- ثم يقولون:
 أن هناك دليلاً واضحاً من القرآن على أن القرآن ليس كتاباً يريد الله به شرح حقائق الكون، وهذا الدليل هو ما روى عن معاذ أنه قال: " يا رسول الله أن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة فما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير، ثم ينقص حتى يعود كما كان فأنزل الله هذه الآيةSad يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) [البقرة 189].
ولكن هل تكفى هذه الحجج لرفض التفسير العلمي ؟؟:
أن كون القرآن الكريم كتاب هداية لا يمنع أن ترد فيه إشارات علمية يوضحها التعمق في العلم الحديث، فقد تحدث القرآن عن السماء والأرض،والشمس، والقمر، والليل والنهار، وسائر الظواهر الكونية، كما تحدث عن الإنسان، والحيوان والنبات.
ولم يكن هذا الحديث المستفيض منافياً لكون القرآن كتاب هداية، بل كان حديثه هذا أحد الطرق التي سلكها لهداية الناس. - أما تعليق الحقائق التي يذكرها القرآن بالفروض العلمية فهو أمر مرفوض وأول من رفضه هم المتحمسون للتفسير العلمي للقرآن. - أما أن هذا اللون من التفسير يتضمن التأويل المستمر، والتمحل، والتكلف فإن التأويل بلا داع مرفوض. وقد اشترط القائلون بالتفسير العلمي للقرآن شروطاً من بينها أن لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا إذا قامت القرائن الواضحة التي تمنع من إرادة الحقيقة. - وأما الاستدلال بما ورد في سبب نزول الآية(يسألونك عن الأهلة) فهو بحاجة إلى أن يثبت وإلا فهو معارض بما رواه الطبرى في تفسيره عن قتادة في هذه الآية قال: سألوا النبي لم جعلت هذه الأهلة؟ فأنزل الله فيها ما تسمعون (هي مواقيت للناس والحج ) فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم ولمناسكهم وحجهم ولعدة نسائهم ومحل دينهم في أشياء والله أعلم بما يصلح خلقه ". وروى عن الربيع وابن جريج مثل ذلك. ففي هذه الروآيات التي ساقها الطبرى والسؤال هو: لم جعلت هذه الأهلة ؟ وليس السؤال ما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ثم ينقص. ولذلك فإنه لا دليل في الآية على إبعاد التفسير العلمي.
الخلاصة:
إن التفسير العلمي للقرآن مرفوض إذا اعتمد على النظريات العلمية التي لم تثبت ولم تستقر ولم تصل إلى درجة الحقيقة العلمية. - ومرفوض إذا خرج بالقرآن عن لغته العربية. - ومرفوض إذا صدر عن خلفية تعتمد العلم أصلاً وتجعل القرآن تابعاً. - وهو مرفوض إذا خالف ما دل عليه القرآن في موضع أخر أو دل عليه صحيح السنة. - وهو مقبول بعد ذلك إذا التزم القواعد المعروفة في أصول التفسير من الالتزام بما تفرضه حدود اللغة، وحدود الشريعة والتحري والاحتياط الذي يلزم كل ناظر في كتاب الله. وهو - أخيراً - مقبول ممن رزقه الله علماً بالقرآن وعلماً بالسنن الكونية لا من كل من هب ودب فكتاب الله اعظم من ذلك.
أهمية أبحاث الإعجاز العلمي وثمارها:
1- امتداد بينة الرسالة في عصر الكشوف العلمية. إذا كان المعاصرون لرسول الله قد شاهدوا بأعينهم كثيراً من المعجزات، فإن الله أرى أهل هذا العصر معجزة لرسوله تتناسب مع عصرهم، ويتبين لهم بها أن القرآن حق، وتلك البينة المعجزة هي: بينة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وأهل عصرنا لا يذعنون لشيء مثل إذعانهم للعلم، على اختلاف أجناسهم وأديانهم.
2- تصحيح مسار العلم التجريبي. لقد جعل الله النظر في المخلوقات، الذي تقوم عليه العلوم التجريبية طريقاً إلى الإيمان به، وطريقاً إلى الإيمان برسوله ولكن أهل الأديان المحرفة كذبوا حقائقه، وسفهوا طرقه، واضطهدوا دعاته، فواجههم حملة هذه العلوم التجريبية، بإعلان الحرب على تلك الأديان، فكشفوا ما فيها من أباطيل، وأصبحت البشرية في متاهة، تبحث عن الدين الحق، الذي يدعو إلى العلم، والعلم يدعو إليه. أن بإمكان المسلمين أن يتقدموا لتصحيح مسار العلم في العالم، ووضعه في مكانه الصحيح، طريقاً إلى الإيمان بالله ورسوله، ومصدقاً بما في القرآن، ودليلاً على الإسلام.
3- تنشيط المسلمين للاكتشافات الكونية، بدوافع إيمانية. أن التفكير في مخلوقات الله عبادة، والتفكير في معاني الآيات والأحاديث عبادة، وتقديمها للناس دعوة إلى الله. وهذا كله متحقق في أبحاث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وهذا من شأنه أن يحفز المسلمين على اكتشاف أسرار الكون بدوافع إيمانية تعبر بهم فترة التخلف التي عاشوها فترة من الزمن في هذه المجالات. وسيجد الباحثون المسلمون في كلام الخالق عن أسرار مخلوقاته، أدلة تهديهم أثناء سيرهم في أبحاثهم، تقرب لهم النتائج، وتوفر لهم الجهود. واجب المسلمين إذا علمنا أهمية هذه الأبحاث في تقوية إيمان المؤمنين، ودفع الفتن التي ألبسها الإلحاد ثوب العلم. عن بلاد المسلمين، وفى دعوة غير المسلمين، وفى فهم ما خوطبنا به في القرآن والسنة، وفى حفز المسلمين للأخذ بأسباب النهضة العلمية، تبين من ذلك كله أن القيام بهذه الأبحاث من أهم فروض الكفآيات.
وصدق الله القائل: " { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة } (البينة:1)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى

صالح المحلاوى


اعلام خاصة : مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم 192011_md_13005803803
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011
الموقع الموقع : المحلة - مصر المحروسة
العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى
المزاج : متوفي //

مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم   مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 3 سبتمبر 2015 - 0:45

الاعجاز العلمى تأصيلا ومنهجا


إن معجزة القرآن العلمية تظهر لأهل العلم في كل مجال من مجالاته، فهي ظاهرة في نظمه، وفى إخباره عن الأولين، وفى إنبائه بحوادث المستقبل، وحكم التشريع وغيرها، ولقد شاع مصطلح الإعجاز العلمي في عصرنا،للدلالة على أوجه إعجاز القرآن والسنة التي كشفت عنها العلوم الكونية ونظراً لجدة البحث في حقل الإعجاز العلمي في القرآن - بالنسبة لغيره من حقول الدراسات القرآنية - فسوف نقدم في هذا البحث تأصيلاً لهذا العلم بغية إعانة المشتغلين في هذا الحقل على ارتياد آفاقه. ونبدأ بتعريف الإعجاز. الإعجاز لغة: مشتق من العجز. والعجز: الضعف أو عدم القدرة، وهو مصدر أعجز بمعنى الفوت والسبق (انظر لسان العرب لابن منظور مادة عجز 5/370 والمفردات للراغب الأصفهانى ). والمعجزة في اصطلاح العلماء: أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي، سالم من المعارضة( انظر معنى ذلك في تفسير القرطبى 1/96وفتح البارى 6/581 ). وإعجاز القرآن: يقصد به إعجاز القرآن الناس أن يأتوا بمثله. أي نسبة العجز إلى الناس بسبب عدم قدرتهم على الإتيان بمثله. ووصف الإعجاز هنا بأنه علمي نسبة إلى العلم. والعلم: هو إدراك الأشياء على حقائقها أو هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً (راجع الراغب الأصفهانى: المفردات ص 343 والشوكانى:إرشاد الفحول ص4) والمقصود بالعلم في هذا المقام: العلم التجريبي.
تعريف الإعجاز العلمي:
وعليه فإن الإعجاز العلمي هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول مما يظهر صدقه فيما أخبر به عن ربه سبحانه وتعالى.
مناسبة المعجزة القرآنية - بما تتضمنه من حقائق علمية - لعالمية الرسالة الإسلامية:
لما كان الرسل قبل محمد يبعثون إلى أقوامهم خاصة، ولأزمنة محدودة فقد أيدهم الله ببينات حسية مثل: عصا موسى عليه السلام وإحياء الموتى بإذن الله على يد عيسى عليه السلام وتستمر هذه البيانات الحسية محتفظة بقوة إقناعها في الزمن المحدد لرسالة كل رسول حتى إذا تطاول الزمن وتقادم وضعف أثر الرسالة الصافي، اختفت قوة الإقناع الحسية، وبعث الله رسولاً آخر بالدين الذي يرضاه، وبمعجزة جديدة وبينة مشاهدة. ولما ختم الله النبوة بمحمد ضمن له حفظ دينه وأيده ببينة كبرى تبقى بين أيدى الناس إلى قيام الساعة قال تعالى:
{قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ}
(الأنعام:19) ومن ذلك ما يتصل بالمعجزة العلمية. وقال تعالى { لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه} (النساء:166) وفى هذه الآية التي نزلت رداً على تكذيب الكافرين بنبوة محمد(انظر سبب النزول ابن الجوزى 2/257، الطبرى 5/22، ابن كثير 1/590، الجلالين ص 137 ) بيان لطبيعة المعجزة العلمية التي تبقى بين يدى الناس، وتتجدد مع كل فتح بشرى في آفاق العلوم والمعارف ذات الصلة بمعاني الوحي الإلهي.
قال الخازن عند تفسير هذه الآية:"لكن الله يشهد لك يا محمد بالنبوة بواسطة هذا القرآن الذي أنزله عليك "( الخازن في مجموعة من التفاسير 2/210 ) وقال ابن كثير " انزله بعلمه أي فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه من البينات والهدى والفرقان وما يحبه الله ويرضاه وما يكرهه ويأباه وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل " (ابن كثير 560/1 ) وقال أبو العباس ابن تيمية: فإن شهادته بما أنزل منه وأنه أنزله بعلمه فما فيه من الخبر وخبر عن علم الله يسن خبراً عمن دونه (الفتاوى 14/196) وإلى هذا المعنى ذهب كثير من المفسرين (ابن الجوزى 2/257، الزمخشرى 1/584، ابو حيان 3/399، الالوسى 6/19،20، الشوكانى 1/539، البيضاوى والنسفى والخازن في كتاب مجموعة من التفاسير /210، الجلالين ص137). وهكذا تسطع بينة الوحي المنزل على محمد بما نزل فيه من علم إلهي يدركه الناس في كل زمان و مكان ويتجدد على مر العصور ولذلك قال: " ما من الأنبياء نبى إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي،فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة "(البخارى: فتح البارى 9/3، مسلم: كتاب الإيمان) قال ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث: " ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة وخرقه للعادة في أسلوبه وفى بلاغته، وإخباره بالمغيبات فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر فيه شئ مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه فعم نفعه من حضر ومن غاب ومن وجد، ومن سيوجد "(فتح البارى لابن حجر: 9/7 ).
جريان العلم وراء ما أخبر عنه القرآن:
وبينة القرآن العلمية يدركها العربي والأعجمي، وتبقى ظاهرة متجددة إلى قيام الساعة، ففى القرآن أنباء نعرف المقصود منها لأنها بلسان عربى مبين، لكن حقائقها وكيفياتها لا تتجلى إلا بعد حين. قال تعالى: { أن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين } (ص 87- 88) قال الفراء في تفسير الحين أنه:" بعد الموت وقبله.. أي في المستأنف " (القرطبى 15/231) وذهب السدى الكبير إلى هذا المعنى (أبو حيان 7/412) وقال ابن جرير الطبرى: أن الله اعلم المشركين بهذا القرآن أنهم يعلمون نبأه بعد حين من غير حد منه لذلك الحين بحد، ولا حد عند العرب للحين (الطبرى 23/121).
استقرار الحقيقة المخبر عنها:
وشاء الله أن يجعل لكل نبإ زمناً خاصاً يتحقق فيه فإذا تجلى الحدث ماثلاً للعيان أشرقت المعاني التي كانت تدل عليها الحروف والألفاظ في القرآن وتتجدد المعجزة العلمية في قوله تعالى: { لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون} (الانعام:67) ويبقى النبأ الإلهي محيطاً بكل الصور التي يتجدد ظهورها عبر القرون. وقال ابن جرير الطبرى:" أي لكل خبر مستقر، يعنى قرار يستقر عنده ونهاية ينتهي إليها ليتبين حقه وصدقه من كذبه وباطله " وسوف تعلمون يقول: وسوف تعلمون أيها المكذبون بصحة ما أخبر به " (الطبرى 7/147) وقال ابن كثير: أي لكل خبر وقوع، ولو بعد حين، كما قال تعالى: " ولتعلمن نبأه بعد حين" وقال { لكل أجل كتاب } (الرعد 38) (ابن كثير 2/144) وإلى هذا ذهب كثير من المفسرين. (القرطبى 7/11، الشوكانى: 2/128، الرازى: 7/25،26 القاسمى: 6/575 أبو السعود 3/147، البقاعى: 7/145، 146).
أنباء الأرض والسماء في القرآن والسنة تتجلى في عصر الاكتشافات:
أن خبر القرآن والسنة وما فيهما من أوصاف لما في الأرض والسماء، هو نبأ إلهي عما في الأرض والسماء ممن هو أعلم بما خلق فيهما من أسرار قال تعالى: { قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض } (يونس 18) فالخبر بما في الأرض والسماء نبأ عما في الأرض والسماء. لقد نزل القرآن في عصر انتشار الجهل وشيوع الخرافة، والكهانة، والسحر والتنجيم في العالم كله وكان للعرب النصيب الأوفى من هذه الجاهلية والأمية كما بين القرآن ذلك بقوله: { هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين } ( الجمعة: 2 ).
في ذلك العصر وعلى تلك الأمة نزل الوحي وفيه علم الله، يصف أسرار الخلق في شتى الافاق ويجلي دقائق الخلق في النفس البشريه يقرر البداية في الماضى ويصف أسرار الحاضر ويكشف غيب المستقبل الذي ستكون عليه سائر المخلوقات. وعندما دخل الإنسان في عصر الاكتشافات العلمية وامتلك أدق أجهزة البحث العلمي وتمكن من حشد جيوش من الباحثين في شتى المجالات يبحثون عن الأسرار المحجوبة في آفاق الأرض والسماء وفى مجالات النفس البشرية يجمعون المقدمات ويرصدون النتائج في رحلة طويلة عبر القرون ولما أخذت الصورة في الاكتمال والحقيقة في التجلى وقعت المفاجأة الكبرى بتجلى أنوار الوحي الإلهي، الذي نزل على محمد قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام بذكر تلك الحقيقة في آية من القرآن أو بعض آية أو في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض حديث بدقة علمية معجزة وعبارات مشرقة وبهذا أنبأنا القرآن. قال تعالى: ( قل أرأيتم أن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد سنريهم آياتنا في الأفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيئ شهيد ) (فصلت:52،53) ولنتدبر معاني هذا النص القرآني.
معنى آيات الله في الأفاق وفى الأنفس الأفق:
ما ظهر من نواحي الفلك وأطراف الأرض وآفاق السماء: نواحيها (مقاييس اللغة: لابن فارس 1/114، 115، لسان العرب: 15/5،6، الصحاح للجوهرى: 4/1446، تاج العروس: 1/279، المفردات للأصفهانى: 19)(وآيات الله في آفاق الأرض والسماء تحمل معاني ثلاثة: الأول: المخلوقات التي خلقها الله في شتى آفاق الأرض والسماء مثل قوله تعالى: (ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة )(الشورى: 29) الثاني: آيات القرآن التي تخبر وتصف أنواع المخلوقات، وهي آيات كثيرة. الثالث: البينات والمعجزات التي يظهرها الله تصديقاً لرسوله في شتى آفاق الأرض والسماء برؤية مصداقها من حقائق الخلق حينا بعد حين.
قال الشوكانى عند تفسير الآية: سنريهم صدق دلالات صدق القرآن، وعلامة كونه من عند الله في الآفاق - أي في النواحي - وفى أنفسهم.. (فتح القدير: 4/523). وقال ابن كثير: أي سنظهر لهم دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقاً منزلاً من عند الله على رسول الله بدلائل خارجية في الآفاق. (تفسير ابن كثير 4/106) وقال الزمخشرى: ومعناه أن هذا الموعود من إظهار آيات الله في الآفاق وفى أنفسهم سيرونه ويشاهدونه فيتبينون عند ذلك أن القرآن تنزيل عالم الغيب، الذي هو على كل شئ شهيد أي مطلع ومهيمن يستوي عنده غيبه وشهادته فيكفيهم ذلك دليلاً على أنه حق وأنه حق وأنه من عنده (الكشاف 3/458). وبهذا قال كثير من المفسرين عند تفسير قوله تعالىSad حتى يتبين لهم أنه الحق )(فصلت:53) وقال أبو العباس ابن تيمية: وأما الطريق العيانى فهو أن يرى العباد من الآيات الآفاقية والنفسية ما يبين لهم أن الوحي الذي بلغته الرسل عن الله حق كما قال تعالىSad سنريهم آيتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق)( الفتاوى: 14/189). " وقال عطاء وابن زيد أيضاً: في (الآفاق) يعنى أقطار السموات والأرض من الشمس والقمر والنجوم والليل والنهار، والرياح والأمطار، والرعد والبرق والصواعق والنبات والأشجار والجبال والبحار وغيرها "(القرطبى: 15/374،375) وروى هذا عنهما عدد من أئمة التفسير(الطبرى: 24/25، ابو حيان 7/505، الخازن في مجموعة من التفاسير: 5/395، الشوكانى: 4/523). فهذه آيات الله في كتابه تتحدث عن آياته في مخلوقاته وتتجلى بمعجزة علمية بينة تسطع في عصر الكشوف العلمية في آفاق الكون.
اللقاء حتمي والمعجزة واقعة:
إننا على وعد من الله عز وجل بأن يرينا آياته فيتحقق لنا- بهذه الرؤية - العلم الدقيق بمعاني هذه الآيات كما قال تعالىSadوقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها) (النمل:93) ومخلوقاته من آياته ومنها ما جاء في القرآن وصفاً ونبأ عن آياته في السموات والأرض. وروى الطبرى عن مجاهدSadسيريكم آياته فتعرفونها) قال: في أنفسكم والسماء والأرض والرزق (الطبرى: 20/18). وقال أبو حيان في البحر المحيط: سيريكم آياته: تهديد لأعدائه بما يريهم الله من آياته تضطرهم إلى معرفتها والإقرار أنها آيات الله وقيل: آيات في أنفسكم وسائر ما خلق مثل قولهSadسنريهم آياتنا في الافاق وفى أنفسهم ) وقيل: معجزات الرسول وأضافها إليه لانه هو مجريها على يدى الرسول ومظهرها من جهته(أبو حيان: 7/103) وبمثل ما قال أبو حيان قال البقاعى في نظم الدرر(البقاعى: 14/229،230) ومما سبق يتبين لنا أن البشرية على موعد من الله متجدد ومستمر بكشف آياته في الكون، وفى كتابه أمام الأبصار، لتقوم الحجة وتظهر المعجزة.
أن الوحي في القرآن والسنة؛ يفيض بالخبر عن أوصاف المخلوقات، وهذه الأبحاث العلمية التجريبية؛ تتجه بدراستها وبحثها إلى نفس الميدان ؛ الذي وصفه القرآن وتحدث عنه الرسول صلى الله عليه و سلم. فاللقاء حتمى والمعجزة – لا شك – واقعة. لقد جاءت العلوم البشرية التجريبية شاهدة بصدق ما أخبر به القرآن من تحريف سائر الأديان كما بين ذلك موريس بوكاى في كتابه " التوراة و الإنجيل و القرآن في ضوء المعارف الحديثة "، والتي جاءت شاهدة ومجلية لدقائق المعاني؛ في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية - ذات التعلق بالأمور الكونية - وهذه مناكب دعاة الإسلام؛ على اختلاف تخصصاتهم العلمية، تتزاحم لبيان هذه المعجزات العلمية، وبدأ عدد من الدعاة، من المسلمين، يتجهون إلى بيان هذه المعجزات العلمية كما بدأ عدد من كبار علماء الكون من غير المسلمين، يتجهون إلى نفس الميدان مثلما فعل سبعة من كبار علماء الأجنة والتشريح وأمراض النساء من غير المسلمين في لجنة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في المؤتمر الطبى السعودى الذي عقد في الرياض عام 1404 م فمنهم من أسلم مثل البرفيسور تاجاتات تاجاسن الذي أعلن إسلامه في أحد مؤتمرات الإعجاز العلمي، ومنهم من شهد بحقيقة المعجزة العلمية فحان حين تجلى معاني كثير من آيات القرآن الكونية، وعدد- في نفس المجال- من الأحاديث النبوية و(لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون ) (الانعام: 67) وإذا كان النقص يعترى- بعض الدراسات في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة فلا يصح أن يكون ذلك حكماً على جميعها وإن هذا ليوجب على القادرين من علماء الإسلام أن يسارعوا لخدمة القرآن والسنة في مجال العلوم الكونية كما خدمها السلف في مجال اللغة والاصول والفقه وغيرها من مجالات العلوم الشرعية فنحن أمام معجزة علمية كبرى تنحنى أمامها جباه المنصفين من قادة العلوم الكونية في عصرنا.
الفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي:
التفسير العلمي: هو الكشف عن معاني الآية أو الحديث في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية.
أما الإعجاز العلمي: فهو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيراً وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول. وهكذا يظهر اشتمال القرآن أو الحديث على الحقيقة الكونية التي يؤول (يصير وينتهي) إليها معنى الآية أو الحديث ويشاهد الناس مصداقها في الكون فيستقر عندها التفسير ويعلم بها التأويل كما قال تعالىSadلكل نبأ مستقر وسوف تعلمون) [الانعام: 67] وقد تتجلى مشاهد أخرى كونية عبر القرون، تزيد المعنى المستقر وضوحاً وعمقاً وشمولاً لأن الرسول قد اوتى جوامع الكلم، فيزداد بها الإعجاز عمقاً وشمولاً، كما تزداد السنة الكونية وضوحا بكثرة شواهدها المندرجة تحت حكمها.
قواعد وأسس أبحاث الإعجاز العلمي:
لقد قامت هذه الأبحاث على قواعد نوجزها فيما يلي: - علم الله هو العلم الشامل المحيط الذي لا يعتريه خطأ، ولا يشوبه نقص، وعلم الإنسان محدود ويقبل الازدياد ومعرض للخطأ. - هناك نصوص من الوحي قطعية الدلالة، كما أن هناك حقائق علمية كونية قطعية. - في الوحي نصوص ظنية في دلالتها، وفى العلم نظريات ظنية في ثبوتها. - لا يمكن أن يقع صدام بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي، فإن وقع في الظاهر، فلابد أن هناك خللا في اعتبار قطعية أحدهما وهذه قاعدة جليلة قررها علماء المسلمين وقد آلف ابوالعباس ابن تيمية كتاباً من أحد عشر مجلداً لبيانها تحت عنوانSadدرء تعارض العقل والنقل). - عندما يرى الله عباده آية من آياته في الآفاق أو في الأنفس مصدقة لآية في كتابه، أو حديث من أحاديث رسوله يتضح المعنى، ويكتمل التوافق ويستقر التفسير، وتتحدد دلالات ألفاظ النصوص بما كشف من حقائق علمية وهذا هو الإعجاز. - أن نصوص الوحي قد نزلت بألفاظ جامعة فقد قال:" بعثت بجوامع الكلم"((أخرجه البخارى في الجهاد ) مسلم في المساجد برقم 5423 والترمذى في السير برقم 1553 والنسائى في الجهاد باب وجوب الجهاد) مما يدل على أن النصوص التي وردت عن النبي تحيط بكل المعاني الصحيحة في مواضيعها التي قد تتابع في ظهورها جيلاً بعد جيل. - إذا وقع التعارض بين دلالة قطعية للنص وبين نظرية علمية رفضت هذه النظرية لأن النص وحي من الذي أحاط بكل شئ علماً. وإذا وقع التوافق بينهما كان النص دليلاً على صحة تلك النظرية وإذا كان النص ظنياً والحقيقة العلمية قطعية يؤول النص بها. - وإذا وقع التعارض بين حقيقة علمية قطعية، وبين حديث ظني في ثبوته، فيؤول الظني من الحديث ليتفق مع الحقيقة القطعية وحيث لا يوجد مجال للتوفيق فيقدم القطعي.
منهجية أبحاث الإعجاز العلمي في ضوء منهج السلف وكلام المفسرين:
للسلف منهج سديد فيما يتعلق بأمر الصفات الإلهية وأحوال يوم القيامة وما لا سبيل إليه من غير طريق الوحي ويتمثل هذا المنهج في الوقوف عندما دلت عليه النصوص بدون تكلف لمعرفة الكيفيات والتفاصيل التي لم يبينها الوحي لأن البحث فيها كالبحث في الظلام، وهي قسر لحقائق الوحي الكبرى في قالب تصورات ذهنية بشرية محدودة الحس والزمان والمكان المحيط بيئة الإنسان. وكلام الخالق سبحانه عن أسرار خلقه في الآفاق وفى الأنفس غيب قبل أن يرينا الله حقائق تلك الأسرار ولا طريق لمعرفة كيفياتها وتفاصيلها قبل رؤيتها، إلا ما سمعنا عن طريق الوحي وكان السلف لا يتكلفون ما لا علم لهم به أن معاني الآيات المتعلقة بالأمور الغيبية ودلالتها اللغوية معلومة ولكن الكيفيات والتفاصيل محجوبة وإن من وصف حقائق الوحي الكونية بدقائقها وتفاصيلها بعد أن كشفها الله وجلاها للأعين غير من وصفها من خلال نص يسمع، ولا يرى مدلوله الواقعي لأن وصف من سمع وشاهد غير من سمع فقط. ولقد وفق السلف الصالح من المفسرين كثيراً في شرحهم لمعنى الآيات القرآنية رغم احتجاب حقائقها الكونية، مع أن المفسر الذي يصف حقائق وكيفيات الآيات الكونية في الآفاق والأنفس وهي محجوبة عن الرؤية في عصره قياساً على ما يرى من المخلوقات وفى ضوء ما سمع من الوحي، يختلف عن المفسر الذي كشفت أمامه الآية الكونية فجمع بين ما سمع من الوحي وبين ما شاهد في الواقع.
ونظراً لعدم خطورة ما يتقرر في مجال الأمور الكونية على أمر العقيدة يوم ذاك لم يقف المفسرون بها عند حدود ما دلت عليه النصوص بل حاولوا شرحها بما يسر الله لهم من الدراية التي تيسرت لهم في عصورهم وبما فتح الله به عليهم من إفهام، وكانت تلك الجهود العظيمة التي بذلها المفسرون عبر القرون، لشرح نصوص الوحي المتعلقة بالأمور الكونية - التي لم تكشف في عصرهم - مبينة لمستوى ما وصل إليه الإنسان من علم، في تلك المجالات ومبينة لمدى توفيق الله لهؤلاء المفسرين فإذا ما حان حين مشاهدة الحقيقة في واقعها الكونى ظهر التوافق الجلى بين ما قرره الوحي وما شاهدته الأعين وظهرت حدود المعارف الإنسانية المقيدة بقيود الحس المحدود والعلم البشرى المحدود بالزمان والمكان وازداد الإعجاز تجلياً وظهوراً. وكتب الله التوفيق للمفسرين فيما شرحوه من آيات وأحاديث متعلقة بأسرار الأرض والسماء بفضل اهتدائهم بنصوص الوحي المنزل ممن يعلم السر في الأرض والسماء، ومسترشدين بما علم لهم من دلالات الألفاظ ومعاني الآيات.
أوجه الإعجاز العلمي:
وتتمثل أوجه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة فيما يلي:
1- التوافق الدقيق بين ما في نصوص الكتاب والسنة، وبين ما كشفه علماء الكون أمثال البروفسور كيث ل. مور وهومن أشهر علماء العالم في علم الأجنة وكتابة في علم الأجنة مرجع عالمى مترجم إلى سبع لغات منها الروسية واليابانية والصينية والذي جاء بعد اقتناعه بأبحاث الإعجاز العلمي ألقى محاضرة في ثلاث كليات طبية بالممكلة العربية السعودية عام (1404هـ)بعنوان (مطابقة علم الاجنحة لما في القرآن والسنة) من حقائق كونية وأسرار كونية لم يكن في إمكان بشر أن يعرفها وقت نزول القرآن.
2- تصحيح الكتاب والسنة لما شاع بين البشرية في اجيالها المختلفة من أفكار باطلة حول أسرار الخلق مثل ما كان شائعاً بين علماء التشريح من أن الولد يتكون من دم الحيض واستمر ذلك الاعتقاد إلى أن اكتشف المجهر في القرن السادس عشر الميلادي بينما نصوص القرآن والسنة تقرر أن الولد يتكون من المنى وقد رد علماء المسلمين من أمثال الأمام ابن القيم والأمام ابن حجر وغيرهم أقوال علماء التشريح في عصورهم بنصوص الوحي وذلك مثل ما قاله ابن حجر وزعم كثير من أهل التشريح أن منى الرجل لا أثر له في الولد إلا في عقده وأنه إنما يتكون من دم الحيض وأحاديث الباب تبطل ذلك(الفتح: 11/480).
3- إذا جمعت نصوص الكتاب والسنة الصحيحة وجدت بعضها يكمل بعضها الآخر فتتجلى بها الحقيقة مع أن هذه النصوص قد نزلت مفرقه في الزمن وفى مواضعها من الكتاب الكريم وهذا لا يكون إلا من عند الله الذي يعلم السر في السماوات والأرض.
4- سن التشريعات الحكيمة التي قد تخفى حكمتها على الناس وقت نزول القرآن وتكشفها أبحاث العلماء في شتى المجالات مثلما كشفه العلم حديثاً من الحكمة في تحريم أكل لحم الخنزير والاعتزال المقصور على الجماع في المحيض ويسألونك عن المحيض{ قل هو أذى آفاعة النساء في المحيض} (البقرة:222).
5- عدم الصدام بين نصوص الوحي القاطعة التي تصف الكون وأسراره على كثرتها، وبين الحقائق العلمية المكتشفة على وفرتها، مع وجود الصدام الكثير بين ما يقوله علماء الكون من نظريات تتبدل مع تقدم الاكتشافات ووجود الصدام بين العلم وبين ما قررته سائر الأديان المحرفة والمبدلة. تنبيه وكلامنا هنا محصور في قضايا الإعجاز العلمي الذي تسفر فيه النصوص عن معاني لكيفيات وتفاصيل جديدة عبر العصور أما ما يتعلق بالعقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق فقد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضح تفسيرها (التفسير والمفسرون للذهبى: 1/34).
الإعجاز العلمي بين المجيزين والمانعين: ينقسم العلماء في هذا الموضوع إلى فريقين فريق: يجيزه ويدعو اليه ويرى فيه فتحاً جديداً وتجديداً في طريق الدعوة إلى الله وهداية الناس إلى دين الله. وفريق: يرى في هذا اللون من التفسير خروجاً بالقرآن عن الهدف الذي أنزل من أجله، وإقحاماً له في مجال متروك للعقل البشرى يجرب فيه ويصيب ويخطئ. ولذلك وبعد أن وضحنا المنهجية التي تحكم البحث في مجال الإعجاز العلمي ومنهج السلف والمفسرين كان لابد من استعراض رأى الفريقين ومناقشة حججهم.
المجيزون للتفسير العلمي:
أما مجيزوا التفسير العلمي وهم الكثرة فيمثلهم الأمام محمد عبده، وتلميذه الشيخ محمد رشيد رضا،والشيخ عبد الحميد بن باديس، والشيخ محمد أبو زهرة ومحدث المغرب أبو الفيض أحمد بن صديق الغمارى، ونستطيع أن نعد منهم الشيخ محمد الامين الشنقيطى، صاحب أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن. وهؤلاء الذين يتبنون التفسير العلمي للقرآن يضعون له الحدود التي تسد الباب أمام الأدعياء الذين يتشبعون بما لم يعطوا. ومن هذه الحدود:
1- ضرورة التقيد بما تدل عليه اللغة العربية فلابد من: أ) أن تراعى معاني المفردات كما كانت في اللغة إبان نزول الوحي. ب) أن تراعى القواعد النحوية ودلالاتها. جـ) أن تراعى القواعد البلاغية و دلالاتها. خصوصاً قاعدة أن لا يخرج اللفظ من الحقيقة إلى المجاز إلا بقرينة كافية.
2- البعد عن التأويل في بيان إعجاز القرآن العلمي
3-ان لا تجعل حقائق القرآن موضع نظر، بل تجعل هي الأصل: فما وافقها قبل وما عارضها رفض.
4- أن لا يفسر القرآن إلا باليقين الثابت من العلم لا بالفروض والنظريات التي لا تزال موضع فحص وتمحيص، أما الحدسيات والظنيات فلا يجوز أن يفسر بها القرآن، لأنها عرضة للتصحيح والتعديل – أن لم تكن للأبطال – في أي وقت.
المانعون من التفسير العلمي:
أما المانعون من التفسير العلمي فيمثلهم في هذا العصر شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمـود شلتوت والأستاذ سيد قطب، ود. محمـد حسين الذهبي. وهـؤلاء المانعون يقولون:
1- أن القرآن كتاب هداية، وإن الله لم ينزله ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم، ودقائق الفنون، وأنواع المعارف.
2- أن التفسير العلمي للقرآن يعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير.
3- أن التفسير العلمي للقرآن يحمل أصحابه والمغرمين به على التأويل المتكلف الذي يتنافى مع الإعجاز، ولا يسيغه الذوق السليم.
4- ثم يقولون:
 أن هناك دليلاً واضحاً من القرآن على أن القرآن ليس كتاباً يريد الله به شرح حقائق الكون، وهذا الدليل هو ما روى عن معاذ أنه قال: " يا رسول الله أن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة فما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير، ثم ينقص حتى يعود كما كان فأنزل الله هذه الآيةSad يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) [البقرة 189].
ولكن هل تكفى هذه الحجج لرفض التفسير العلمي ؟؟:
أن كون القرآن الكريم كتاب هداية لا يمنع أن ترد فيه إشارات علمية يوضحها التعمق في العلم الحديث، فقد تحدث القرآن عن السماء والأرض،والشمس، والقمر، والليل والنهار، وسائر الظواهر الكونية، كما تحدث عن الإنسان، والحيوان والنبات.
ولم يكن هذا الحديث المستفيض منافياً لكون القرآن كتاب هداية، بل كان حديثه هذا أحد الطرق التي سلكها لهداية الناس. - أما تعليق الحقائق التي يذكرها القرآن بالفروض العلمية فهو أمر مرفوض وأول من رفضه هم المتحمسون للتفسير العلمي للقرآن. - أما أن هذا اللون من التفسير يتضمن التأويل المستمر، والتمحل، والتكلف فإن التأويل بلا داع مرفوض. وقد اشترط القائلون بالتفسير العلمي للقرآن شروطاً من بينها أن لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا إذا قامت القرائن الواضحة التي تمنع من إرادة الحقيقة. - وأما الاستدلال بما ورد في سبب نزول الآية(يسألونك عن الأهلة) فهو بحاجة إلى أن يثبت وإلا فهو معارض بما رواه الطبرى في تفسيره عن قتادة في هذه الآية قال: سألوا النبي لم جعلت هذه الأهلة؟ فأنزل الله فيها ما تسمعون (هي مواقيت للناس والحج ) فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم ولمناسكهم وحجهم ولعدة نسائهم ومحل دينهم في أشياء والله أعلم بما يصلح خلقه ". وروى عن الربيع وابن جريج مثل ذلك. ففي هذه الروآيات التي ساقها الطبرى والسؤال هو: لم جعلت هذه الأهلة ؟ وليس السؤال ما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ثم ينقص. ولذلك فإنه لا دليل في الآية على إبعاد التفسير العلمي.
الخلاصة:
إن التفسير العلمي للقرآن مرفوض إذا اعتمد على النظريات العلمية التي لم تثبت ولم تستقر ولم تصل إلى درجة الحقيقة العلمية. - ومرفوض إذا خرج بالقرآن عن لغته العربية. - ومرفوض إذا صدر عن خلفية تعتمد العلم أصلاً وتجعل القرآن تابعاً. - وهو مرفوض إذا خالف ما دل عليه القرآن في موضع أخر أو دل عليه صحيح السنة. - وهو مقبول بعد ذلك إذا التزم القواعد المعروفة في أصول التفسير من الالتزام بما تفرضه حدود اللغة، وحدود الشريعة والتحري والاحتياط الذي يلزم كل ناظر في كتاب الله. وهو - أخيراً - مقبول ممن رزقه الله علماً بالقرآن وعلماً بالسنن الكونية لا من كل من هب ودب فكتاب الله اعظم من ذلك.
أهمية أبحاث الإعجاز العلمي وثمارها:
1- امتداد بينة الرسالة في عصر الكشوف العلمية. إذا كان المعاصرون لرسول الله قد شاهدوا بأعينهم كثيراً من المعجزات، فإن الله أرى أهل هذا العصر معجزة لرسوله تتناسب مع عصرهم، ويتبين لهم بها أن القرآن حق، وتلك البينة المعجزة هي: بينة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، وأهل عصرنا لا يذعنون لشيء مثل إذعانهم للعلم، على اختلاف أجناسهم وأديانهم.
2- تصحيح مسار العلم التجريبي. لقد جعل الله النظر في المخلوقات، الذي تقوم عليه العلوم التجريبية طريقاً إلى الإيمان به، وطريقاً إلى الإيمان برسوله ولكن أهل الأديان المحرفة كذبوا حقائقه، وسفهوا طرقه، واضطهدوا دعاته، فواجههم حملة هذه العلوم التجريبية، بإعلان الحرب على تلك الأديان، فكشفوا ما فيها من أباطيل، وأصبحت البشرية في متاهة، تبحث عن الدين الحق، الذي يدعو إلى العلم، والعلم يدعو إليه. أن بإمكان المسلمين أن يتقدموا لتصحيح مسار العلم في العالم، ووضعه في مكانه الصحيح، طريقاً إلى الإيمان بالله ورسوله، ومصدقاً بما في القرآن، ودليلاً على الإسلام.
3- تنشيط المسلمين للاكتشافات الكونية، بدوافع إيمانية. أن التفكير في مخلوقات الله عبادة، والتفكير في معاني الآيات والأحاديث عبادة، وتقديمها للناس دعوة إلى الله. وهذا كله متحقق في أبحاث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وهذا من شأنه أن يحفز المسلمين على اكتشاف أسرار الكون بدوافع إيمانية تعبر بهم فترة التخلف التي عاشوها فترة من الزمن في هذه المجالات. وسيجد الباحثون المسلمون في كلام الخالق عن أسرار مخلوقاته، أدلة تهديهم أثناء سيرهم في أبحاثهم، تقرب لهم النتائج، وتوفر لهم الجهود. واجب المسلمين إذا علمنا أهمية هذه الأبحاث في تقوية إيمان المؤمنين، ودفع الفتن التي ألبسها الإلحاد ثوب العلم. عن بلاد المسلمين، وفى دعوة غير المسلمين، وفى فهم ما خوطبنا به في القرآن والسنة، وفى حفز المسلمين للأخذ بأسباب النهضة العلمية، تبين من ذلك كله أن القيام بهذه الأبحاث من أهم فروض الكفآيات.
وصدق الله القائل: " { لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة } (البينة:1)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى

صالح المحلاوى


اعلام خاصة : مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم 192011_md_13005803803
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011
الموقع الموقع : المحلة - مصر المحروسة
العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى
المزاج : متوفي //

مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم   مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 3 سبتمبر 2015 - 0:51

أطوار خلق الإنسان في القرآن

بين الإعجاز التربوي والإعجاز العلمي

 
أطوار خلق الإنسان:
ولعله من الأسباب التي دعتني أن أتحدَّث عن أطوار الإنسان في هذا البحث ما قاله الإمام ابن كثير في تفسيره لآية الخلق في سورة الحج، ما ذكره من أطوار خلق الإنسان أمر كل مكلَّف أن ينظر فيه، والأمر المطلق يقتضى الوجوب إلا لدليلٍ صارف عنه، كما أوضحناه مرارًا، وذلك في قوله - تعالى -: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ﴾ [الطارق: 5، 6].
 
يعدُّ خلق الإنسان من آيات الله العظيمة، خاصة إذا علِمنا أن كل طور من هذه الأطوار يعدُّ آية في ذاته، كما أن إخبار الله - سبحانه - عن هذه الأطوار والمراحل في القرآن الكريم يعتبر من الإعجاز العلمي، لا سيما وأن العلم الحديث لم يتوصَّل إلى هذه الأطوار إلا منذ سنوات قليلة، ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2].
 
ومن الواضح أنه قبل عملية خلق الإنسان قد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن فيه الإنسان مذكورًا كما في قوله - تعالى -: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴾ [الإنسان: 1].
 
أولاً عناصر خلق الإنسان الأول:
1- الماء:
يعبر الماء هو العنصرَ الأول الذي خلق الله منه كل شيء حي سوى الملائكة والجن مما هو حي؛ لأن الملائكة خُلِقوا من النور، والجانُّ خُلِق من النار، قال - تعالى -: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30].
 
ويدخل في قوله - تعالى -: ﴿ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ جسم الإنسان، بل يمكن لنا أن نقول: وقد خلقه الله - تعالى - من الماء، يقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الفرقان: 54][1].


2- التراب:
التراب هو العنصر الثاني من عناصر خلق أبي البشر آدم - عليه السلام - قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59]، والتراب عنصر أساسي من عناصر تكوين كل إنسان بعد آدم - عليه السلام - إذ من الترابِ النبات، ومن النبات الغذاء، ومن الغذاء الدم، ومن الدم النطفة، ومن النطفة الجنين، قال - تعالى -: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [فاطر: 11].
 
وقال - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [غافر: 67].
 
وقال - تعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ﴾ [الروم: 20].
 
وقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].
 
هناك تحقيقٌ آخر للعلماء حول خلق الله الناس من تراب، وهو أنه خلق أباهم آدم منها، ثم خلق منه زوجَه، ثم خلقهم منها عن طريق التناسل، فلما كان أصلُهم الأول من ترابٍ، أطلق عليهم أنه خلقهم من ترابٍ؛ لأن الفروع تبع الأصل، وقد توصَّل العلم الحديث إلى أن كل العناصر المكوِّنة للإنسان هي عناصر التراب.
 
ثانيًا: مراحل خلق الإنسان الأول:
1- الطين:
وهذا الطين ناتجٌ من امتزاج عنصرَي الماء والتراب كما وضحنا آنفًا، ولذلك فالطين هو المركَّب الذي يتكوَّن منه خلق جسد الإنسان، قال - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [السجدة: 6 - 9].
 
ويصف الله - سبحانه وتعالى - هذا الطين بأنه كان طينًا لازبًا؛ أي: لزج لاصقًا متماسكًا يشدُّ بعضه ببعض، قال - تعالى -: ﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ ﴾ [الصافات: 11].
 
ومما هو جديرٌ بالذِّكر أن سببَ اختلاف البشر في صفاتهم وأشكالهم وأخلاقهم يرجع إلى المادة التي خلق الله منها آدم؛ حيث جمعها من جميع الأرض، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله خلق آدم من قبضة قبضَها من جميع الأرض، فجاء بنو آدمَ على قدرِ الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود، وبين ذلك والسهل والحزن، وبين ذلك والخبيث والطيِّب، وبين ذلك))[2].
 
2- الحمأ المسنون:
ترك الله - تعالى - هذا الطين بعد أن مزج عنصريه حتى صار حمأً مسنونًا، قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ ﴾ [الحجر: 26]، والحمأ هو الطِّين الأسود المتغيِّر، كما عليه أقوال المفسرين، أما المسنون ففيه خلاف بين المفسِّرين، قيل: المصوَّر من سُنَّة الوجه وهى صورته، ومنه قول ذي الرمة:
تُرِيكَ سُنَّةَ وَجهٍ غَيرِ مُقرِفَةٍ مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Space
مَلْسَاءَ لَيسَ بِهَا خَالٌ وَلا نَدَبُمفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Space
 
وعن ابن عباس - رضى الله عنهما - أنه لما سأله نافعُ بن الأزرق عن معنى المسنون، وأجابه بأن معناه المصوَّر، قال له: وهل تعرف العرب ذلك؟ فقال له ابن عباس: نعم، أما سمعت قول حمزةَ بنِ عبدالمطلب - رضى الله عنه - وهو يمدح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
أغرٌّ كأنَّ البدرَ سنةَ وجهِه مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Space
جلا الغيمُ عنه ضوءَه فتبدَّدامفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Space
 
وقيل: المسنون المصبوب المفرغ؛ أي: أفرغ صورة الإنسان كما تفرغ الصور من الجوهر في أمثلتها.
 
وقيل المسنون في رواية لابن عباس ومجاهد والضحاك: إنه المنتن، وقال ابن كثير: المسنون الأملس، كما قال الشاعر:
ثم خاصرتُها إلى القبَّةِ الخضراء مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Space
تمشي في مرمرٍ مَسنونِ مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Space
 
ويرجِّح الشنقيطي الرأي الأول بدليل قوله - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴾ [الحجر: 26][3]؛ أي بعد أن مزَج الخالق - تبارك وتعالى - عنصرَي التراب والماء صار المزيج طينًا لازبًا لاصقًا، ثم بعد ذلك صار هذا الطين حمأ أسودًا مسنونًا مصورًا.
 
3- مرحلة كونه صلصالاً:
بعد أن صار الطين حمأً مسنونًا في صورة آدم صار صلصالاً كالفخار، قال - تعالى -: ﴿ خَلَقَ الإنسان مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ﴾ [الرحمن: 14، 15]، والصلصال هو: الطين اليابس الذي له صلصلة؛ أي يصوت من يُبْسه إذا ضربه شيء، ما دام لم تمسه النار، فإذا مسَّته النار فهو حينئذٍ فخَّار، وهذا قول أكثر المفسرين.
 
وهذا الصلصال يشبه الفخار إلا أنه ليس بالفخَّار؛ لأن الله لم يُدخِل آدم النار، حتى يكون فخارًا، قال - تعالى -: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ﴾ [الرحمن: 14].


والحاصل أن الله - سبحانه وتعالى - لما مزَج عنصرَي التراب والماء صار طينًا، فلمَّا أنتن الطينُ صار حمأً مسنونًا مصورًَّا على هيئته، فلمَّا يبِس صار صلصالاً، وإلى هذه المرحلة لم يبدأ آدم في الحياة.
 
أما بخصوص المدة الزمنية التي بينَ مرحلة الطين والحمأ المسنون والصلصال، لم يُحدِّدها الله - سبحانه - في القرآن الكريم، وكذلك لم يرِدْ بشأنها حديث نبوي صحيح يُستَدلُّ به، ومن الأحاديث التي تُبيِّن هذه المرحلة ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله خلق آدم من تراب، ثم جعله طينًا، ثم تركه حتى إذا كان حمأً مسنونًا خلقه وصوَّره، ثم تركه حتى إذا كان صلصالاً كالفخَّار، قال: فكان إبليس يمرُّ به فيقول له: لقد خُلِقت لأمر عظيم، ثم نفخ الله فيه من روحه، فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه فعطَس، فلقَّاه الله حمد ربه، فقال الله: يرحمك ربك...))[4].
 
4- نفخ الروح:
بعد أن سوَّى الله - تعالى - الإنسان الأول وصوَّره، ثم صار صلصالاً؛ أي يبِس الطين بعد تصويره دبَّت الروح في جسد آدم - عليه السلام - قال - تعالى -: ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص: 71، 72].


أضاف - سبحانه - الروح إلى ذاته، للإشعار بأن هذه الروح لا يملكها إلا هو - تعالى - وأن مَرَدَّ كُنهِها وكيفيه خذا النفخ، مما استأثر - سبحانه - به، ولا سبيل لأحد إلى معرفته، كما قال - تعالى -: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85][5].
 
وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - ملائكتَه قبل خلق آدمَ أنَّ عليهم أن يسجدوا لهذا المخلوق بعد أن تدبَّ الروح في جسده، قال - تعالى -: ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص: 71، 72]، هذه الآية تدلُّ على أنه - تعالى - لما نفَخ في آدم الروح وجَب على الملائكة أن يسجدوا له؛ لأن الفاء تفيد التعقيب وتمنع التراخي.
 
يقول صاحب الظلال: ما كان لهذا الكائنِ الصغير الحجم، المحدود القوة، القصير الأَجَل، المحدود المعرفة، ما كان له أن ينال شيئًا من هذه الكرامة لولا تلك اللطيفة الربانية الكريمة (النفخة العلوية التي جعلت منه إنسانًا) وإلا فمَن هو؟ إنه ذلك الخلق الصغير الضئيل الهزيل الذي يحيا على هذا الكوكب الأرضي مع ملايين الأنواع والأجناس من الأحياء، وما الكوكب الأرضي إلا تابعٌ صغير من توابعِ أحدِ النجوم، ومن هذه النجوم ملايين الملايين في ذلك الفضاء الذي لا يدري إلا الله مداه... فماذا يبلغ هذا الإنسان لتسجدَ له ملائكة الرحمن إلا بهذا السر اللطيف العظيم؟! إنه بهذا السر كريم كريم، فإذا تخلَّى عنه أو اعتصم منه ارتدَّ إلى أصله الزهيد من طين"[6].
 
مراحل خلق الإنسان في بطن أُمِّه:
كما أن القرآن الكريم تحدَّث عن مراحل خلق الإنسان الأوَّل، كذلك تدرَّج في الحديث عن خلق سلالة هذا الإنسان، ومن الآيات التي تُشِير إلى هذه المراحل قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].
 
وقوله - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14].
 
وقوله - تعالى -: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [الإنسان: 2].
 
1- النطفة:
ورد ذكر كلمة نطفة في القرآن الكريم في اثني عشر آية:
قال - تعالى -: ﴿ خَلَقَ الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 4].
 
قال - تعالى -: ﴿ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴾ [الكهف: 37].
 
قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].
 
قال - تعالى -: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 13، 14].
 
قال - تعالى -: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [فاطر: 11].
 
قال - تعالى -: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾ [يس: 77].
 
قال - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [غافر: 67].
 
قال - تعالى -: ﴿ مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾ [النجم: 46].
 
قال - تعالى -: ﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ﴾ [القيامة: 37].
 
قال - تعالى -: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [الإنسان: 2].
 
قال - تعالى -: ﴿ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾ [عبس: 19].
 
وجاءت هذه المرحلة بعد اكتمال خلق أوَّل ذكرٍ وأوَّل أنثى من الكائن البشري، والنطفة مختلطة من ماء الرجل وماء المرأة؛ حيث يختلط بعد عملية الجِماع ماءُ الرجل مع ماء المرأة فيصير الماءان نطفة.
 
ومن عجائبِ قدرة الله - سبحانه - أن يصلَ تَعدادُ الحيوانات المنوية التي تُفرِزُها الخصيتينِ إلى ما بين مائتين إلى ثلاثِمائة حيوان منوي في الدفعة الواحدة، بينما الأنثى تدفع بُوَيْضة واحدة عليها تاج مشع، ولا يصل من الكميات الهائلة من الحيوانات المَنَوية إلى البويضة إلا حيوان منوي واحد.
 
وما أن يتم التحام الحيوان المنوي بالبويضة، حتى تباشر البويضة المُلقَّحة بالانقسام إلى خليتينِ، فأربع، فثمان وهكذا دون زيادة في حجم مجموع هذه الخلايا عن حجم البويضة الملقَّحة، وتتم عمليه الانقسام هذه والبويضة في طريقها إلى الرَّحِم، ثم تأتي المرحلة الثانية؛ وهي:
2- العَلَقة:
ورد ذكر لفظ العلقة في القرآن الكريم في خمس آيات:
قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].
 
قال - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [غافر: 67].
 
قال - تعالى -: ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14].
 
قال - تعالى -: ﴿ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى ﴾ [القيامة: 38].
 
والعلقة: هي القطعة من العلق وهو الدم الجامد.
 
وبعد أن تصل البويضة المُخصَّبة إلى الرَّحِم، وبعد انقسامِها تُصبِح عبارة عن كتلةٍ من الخلايا الصغيرة، يطلق عليها اسم التُّوتة؛ حيث تُشبِه ثمرة، حينئذٍ تتعلَّق بجدار الرحم، وتستمر في التعلق مدة أربع وعشرين ساعة، وتتميز العلقة من طبقتينِ؛ هما: طبقة خارجية "آكلة ومغذية"، وطبقة داخلية، ومنها يخلق الله الجنين.
 
وقد سمى الله - سبحانه - أول سورة نزلت في القرآن باسم هذه المرحلة، ليُذكِّرنا الله - سبحانه - بتلك اللحظات التي كان فيها الإنسان عبارة عن كتله دم عالقة بجدار الرحم تستمد منه الدفء والغذاء والسكن، قال - تعالى -: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ ﴾ [العلق: 1، 2].
 
3- المضغة:
ذُكر لفظ المضغة في القرآن الكريم ثلاث مرَّات مرتينِ في سورة المؤمنون: 14، ومرة واحدة في سورة الحج: 5، والمضغة هي القطعة الصغيرة من اللَّحم بقدر ما يُمضَغ.
 
وبعد عمليه العلوق تبدأ مرحلة المضغة في الأسبوع الثالث، وهذا الطور يمر بمرحلتين:
أ- غير المُخلَّقة:
تستمر هذه المرحلة من الأسبوع الثالث حتى الأسبوع الرابع، ولا يكون هناك أي تمايز لأي عضو أو جهاز.
 
ب- المضغة المُخلَّقة:
يمر الحمل بعد نهاية الأسبوع الرابع بجملةٍ من التغيرات الدقيقة والمدهشة، وتنمو فيها الخلايا وتتطوَّر، ليكون الإنسان في أحسن تقويم، وتنتهي هذه المرحلة في نهاية الشهر الثالث تقريبًا.
 
وقد أشار القرآن الكريم إلى هاتينِ المرحلتين، فقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].
 
وقد راعى القرآن الكريم الفارقَ الزمني والخلقي بين كل طَور من أطوار الخلق، فالمسافة بين النطفة والعلقة مسافة كبيرة في ميزان الخلق، وإن كانت غير بعيدة في حساب الزمان، ولذا جاء التعبير في النقلة بين النطفة والعَلقة فاصلاً بينهم بثُمَّ".
 
ثم خلقنا النطفة علقة، فالمسافة شاسعة بين النطفة والعلقة، سواء أكانت نطفة الذكر (الحيوان المنوي) أم نطفة الأنثى (البويضة)، أو هما معًا (النطفة الأمشاج)، والتي في قناة الرحم لتصل إلى القرار المَكِين فتستقر فيه، ولكن النقلةَ بين العَلَقة والمُضغَة سريعة والمسافة قريبة، فإن العَلَقة تدخُلُ إلى المُضغَة دون أن يكون هناك فارق زمني أو خلقي كبير، ومن ثَمَّ جاء التعبير عنها بالفاء، دلالة على الاتصال فيها ﴿ فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ﴾ [المؤمنون: 14]، وكذلك بين المضغة والعظام ﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ﴾ [المؤمنون: 14]، ثم تبطئ السرعة، ويأتي فارقٌ زمني وخلقي ﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾ [المؤمنون: 14][7].
 
4- العظام:
في هذا الطور تتحوَّل قطعة اللحم إلى هيكل عظمي، قال - تعالى -: ﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا ﴾ [المؤمنون: 14].
 
5- كساء العظام باللحم:
قال -تعالى -: ﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ﴾ [المؤمنون: 14]، فهذه الآية تُشِير إلى أن العظام تتشكَّل أولاً، ثم يلتفُّ حولها اللحم والعضلات كأنه كساء لها، وهذا التصوير الدقيق يشير إلى عظمة القرآن ودقته.
 
6- الخلق الآخر:
وفي هذه المرحلة يكون نفخ الروح، وتكون هذه النفخة بعد مرحلة العَلَقة نحو أربعة أشهر، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أحدَكم يُجمَع خلقُه في بطنِ أُمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقةً مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغةً مثل ذلك، ثم يُرسَل المَلَكُ فينفخُ فيه الروح، ويُؤمَر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقى أو سعيد))[8]، قال - تعالى -: ﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا ﴾ [المؤمنون: 14]؛ أي خلقًا مباينًا للخلق الأوَّل مباينة ما أبعدها؛ حيث جعَله حيوانًا بعد أن كان جمادًا، وناطقًا وكان أبكم، وسميعًا وكان أصم، وبصيرًا وكان أكمه، وأودع باطنه وظاهره - بل كل عضو من أعضائه، بل كل جزءٍ من أجزائه - عجائب فطرية، وغرائب حكمته، لا تُدرَك بوصف الواصف، ولا تبلغ بشرح الشارح..."[9].
 
ويقول صاحب الظلال:
لقد نشأ الجنس الإنساني من سلالة من طين. فأما تَكرارُ أفراده بعد ذلك وتكاثرهم، فقد جَرَت سُنَّة الله أن يكون عن طريق نقطة مائية تخرُجُ من صلب الرجل، فتستقرُّ في رحم امرأة، نطفة مائية واحدة، لا بل خلية واحدة من عشرات الألوف من الخلايا الكامنة في تلك النقطة، تستقر: ﴿ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ﴾ [المؤمنون: 13]...".
 
ثابتة في الرَّحم الغائر بين عظام الحوض المحمية بها من التأثر باهتزازات الجسم، ومن كثيرٍ مما يصيب الظهر والبطن من لكمات وكدمات، ورجَّات وتأثرات!
 
والتعبير القرآني يجعل النطفة طورًا من أطوار النشأة الإنسانية، تاليًا في وجودِه لوجود الإنسان، وهى حقيقه، ولكنها حقيقه عجيبة تدعو إلى التأمل، فهذا الإنسان الضخم يُختَصر ويُلخَّص بكل عناصره وبكل خصائصه في تلك النطفة، كما يعاد من جديد في الجنين، وكي يتجدد وجوده عن طريق ذلك التخصيص العجيب، ومن النطفة إلى العلقة، حينما تمتزج خلية الذَّكَر ببويضة الأنثى، وتتعلق هذه بجدار الرحم نقطة صغيرة في أول الأمر، تتغذى بدم الأم، ومن العلقة إلى المضغة، حينما تكبر تلك النقطة العالقة، وتتحوَّل إلى قطعة من دم غليظ مختلط، وتمضي هذه الخليقة في ذلك الخط الثابت الذي لا ينحرف ولا يتحوَّل، ولا تتوانَى حركته المنتظمة الرتيبة، وبتلك القوة الكامنة في الخلية المستمدة من الناموس الماضي في طريقه بين التدبير والتقدير، حتى تجيء مرحلة العظام ﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا ﴾، فمرحلة كسوة العظام باللحم: ﴿ فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ﴾، وهنا يقف الإنسان مدهوشًا أمام ما كشف عنه القرآن من حقيقه في تكوين الجنين لم تعرف على وجه الدقة إلا أخيرًا بعد تقدُّم علم الأجنة التشريحي، ذلك أن خلايا العظام غير خلايا اللحم، وقد ثبت أن خلايا العظام هي التي تتكوَّن أولاً في الجنين، ولا تشاهد خلية واحدة من خلايا اللحم إلا بعد ظهور العظام، وتمام الهيكل العظمي للجنين وهي الحقيقة التي يُسجِّلها النص القرآني ﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا ﴾ ﴿ فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ﴾، فسبحان العليم الخبير!
 
﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ﴾، هذا هو الإنسان ذو الخصائص المتميِّزة، فجنينُ الإنسان يُشبِه جنين الحيوان في أطواره الجسدية، ولكن جنين الإنسان ينشأُ خلقًا آخر، ويتحوَّل إلى تلك الخليقة المتميِّزة، المستعدة للارتقاء، ويبقى جنينُ الحيوان في مرتبة الحيوان، مجرَّدًا من خصائص الارتقاء والكمال التي يمتاز بها جنين الإنسان.


إن الجنين الإنساني مزوَّد بخصائص معينة هي التي تسلُكُ به طريقة الإنساني فيما بعد، وهو ينشأ ﴿ خَلْقًا آخَرَ ﴾ في آخر أطواره الجنينية، بينما يقف الجنين الحيواني عند التطوُّر الحيواني؛ لأنه غير مزوَّد بتلك الخصائص، ومن ثَمَّ فإنه لا يُمكِن أن يتجاوَز الحيوان مرتبتَه الحيوانية، فيتطوَّر إلى مرتبة الإنسان تطورًا آليًّا، كما تقول النظريات المادية، فهما نوعان مختلفان، اختلفا بتلك النفخة الإلهية التي صيَّرت سلالة الطين إنسانًا، واختلفا بعد ذلك بتلك الخصائص المعينة الناشئة من تلك النفخة، والتي ينشأ بها الجنين الإنساني ﴿ خَلْقًا آخَرَ ﴾، وإنما الإنسان والحيوان يتشابهانِ في التكوين الحيواني، ثم يبقى الحيوان حيوانًا في مكانه لا يتعدَّاه، ويتحوَّل الإنسان خلقًا آخر قابلاً لما هو مهيَّأ له من الكمال، بواسطة خصائص مميزة، وهبها الله عن تدبير مقصودٍ لا عن طريق تطوُّر آلي من نوع الحيوان إلى نوع الإنسان[10].
 
قال - تعالى -: ﴿ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ [الزمر: 6]، يقصد بهذه الظلمات ظلمة البطن وظلمة الرَّحم وظلمة المشيمة.
 
وبعد مرحلة النفخ تأتي مرحلة تكوين السمع والبصر، قال - تعالى -: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، وقدَّم - سبحانه - السمع قبل البصر، وقد ثبت علميًّا أن السمع يتكوَّن قبل البصر، ثم بعد ذلك يستمرُّ نمو الإنسان في بطن أمه يومًا بعد يوم إلى أن يكتمل نموه ويصير طفلاً، ﴿ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ﴾".
 
المستفاد تربويًّا من دراسة أطوار خلق الإنسان:
1- أن هذا النسان الذي بدأ اللهُ - تعالى - خلقه من طين وماء مَهِين، كرَّمه - سبحانه وتعالى - حيث جعل الملائكة العابدون الطائعون النورانيون الذين في طاعة دائمة لا يعصون الله ما أمرهم - يسجدون له سجود طاعه لله لا سجود عبادة لآدم، قال - تعالى -: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34].
 
وكذلك أخرج من رحمتِه مَن رفض السجودَ له، لذلك نهى العلماء أن يهان الإنسان، وأن يُضرَب على وجهه حتى ولو كان لأجل التربية وتقويم السلوك، قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [الإسراء: 70].
 
2- خلق الله - تعالى - في عده أطوار؛ حيث أنشأه - سبحانه - بالتدرج طَورًا بعد طَور حتى صار في أحسنِ تقويمٍ، وهو - جلَّ شأنه - قادر على أن يقول له كن، ولكنه - سبحانه وتعالى - اختار لنفسه سنة الإنشاء المتدرج، وهذه هي سنة الله - تعالى - في خلقه، ولذلك علينا أن نأخذ هذا التدرج بعين الاعتبار في تربيه الإنسان، وأن عملية التربية لا تأتي دفعة واحدة.
 
3- كانت قبضة التراب التي خُلِق منها آدم من جميع الأرض، لذلك خرجت ذريَّته متفرعة متنوعة مختلفة، منها الأسود والأبيض، والطويل والقصير، والصالح والطالح، وعلى هذا فإن هناك فروقًا فردية بين البشر جماعاتٍ وأفرادًا، وعلى المربِّين أن يُنوِّعوا ويُغيِّروا من أساليبهم وطرقهم في التربية على حسب الحاجة.
 
4- الطاعة المطلقة لله - سبحانه وتعالى - والاستسلام والانقياد لأوامره - سبحانه وتعالى - وأن مَن سوَّلت له نفسه الاعتراضَ وعدم المبادرة، فهو ملعونٌ مطرود من رحمتِه - جل وعلا.
 
5- خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، قال - تعالى -: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، والميعاد في ذلك هو الإيمان والعمل الصالح.
 
6- يتكوَّن الإنسان من جزءينِ أساسيين جزء ملموس وجزء محسوس، وهما الجسد والروح، ولا بد أن يتم إشباع الجزءين، فكل منهما يؤثِّر ويتأثر بالآخر.
 
ويستفاد تربويًّا من دراسة أطوار الجنين في:
تتابُع هذه الأطوار طَورًا بعد طَور، يشهد بوجود الله - سبحانه وتعالى - وبيان عظمته - جل شأنه - وبديع صنعه.
 
كما أن نشأه هذه الأطوار وتتابعها بهذا النظام يدل على أن مقصود مدبر، ولا يمكن أن يكون مصادفة.
 
الإيمان بالله - سبحانه وتعالى - والسير على نهج القرآن، والتسليم والانقياد الكامل لله - سبحانه وتعالى.
 
ذكر القرآن الكريم لهذه المراحل والأطوار بهذا التتابع، بعكس اهتمام القرآن الكريم بالإنسان عامَّة، وبالطفل خاصَّة.
 
أطوار الإنسان في القرآن الكريم:
إذا نظرنا وتدبَّرنا ما ورد في القرآن الكريم عن الإنسان نظرةَ تحليلٍ وتقسيم لأطواره، سنجد أن الله - سبحانه وتعالى - لم يضَعْ حدودًا فاصلة بين أطوار ومراحل الإنسان، إلا أنني أجتهدُ في هذه الدراسة معتمدًا على الله مستدلاًّ بالآيات والأسماء التي وردت متعلِّقة بهذه الأطوار وأقوال العلماء فيها، والله ولي التوفيق.
 
أولاً: مرحلة المهد:
ورد لفظ المهد في المعجم الوجيز بمعنى السريرِ يُهيَّأ للصبى، ويُوطَّأ لينامَ فيه، ومهَّد بمعنى "وطَّأ وسهل"، المهد: اسم للمضجع الذي يهيَّأ للصبي في رضاعِه، وهو في مهده الأصل مصدر مهده إذا بسطه وسواه[11].
 
ويقول ابن كثير في تفسيره لقوله - تعالى -: ﴿ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 29]؛ أي: كيف تُحِيلينا في الجواب على صبي صغير لا يعقل الخطاب، وهو مع ذلك رضيع في مهده ولا يميز بيت مخض وزبده؟[12].
 
من خلال ذلك نرى أن مرحلة المهد تمتدُّ منذ الولادة حتى الفطام، أو هي مدة الرضاعة؛ حيث يُبسَط ويُهيَّأ للصبي فيها حتى يشد عوده ويستطيع الحركة والأكل مما على الأرض.
 
ثانيًا: مرحلة الصبا: من المهد إلى ما قبل البلوغ:
ورد لفظ الصبا في المعجم الوجيز بمعنى الصغر والحداثة، وهو من "صبا فلان صبوة"، بمعنى مال إلى اللهو، وإليه حنَّ وتشوَّق، أما الاسم الصَّبي فهو الصغير دون الغلام، أو مَن لم يُفطَم بعدُ، والصَّبية والصِّبيان هو الناشئ الذي يُدرَّب على المهنة بالعمل والمحاكاة، قال - تعالى -: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: 12].
 
قال صاحب الوسيط في تفسيره لهذه الآية:
يعني صبيًّا لم يبلُغِ الحُلم، وقد أورد القرطبي قولاً لابن عباس في تفسيره لهذه الآية: "مَن قرأ القرآن قبل أن يحتَلِم فهو ممَّن أُوتِي الحكم صبيًّا".
 
وقال الطبري: وأعطيناه الفهم لكتاب الله في حال صباه قبل بلوغه أسنان الرجال.
 
وعند الفقهاء: الصبي ما دون الحُلم، لحديث عائشة - رضي الله عنها - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((رُفِع القلم عن ثلاثٍ، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقِلَ))[13].
 
ثالثًا: مرحلة الفُتوَّة:
تمتدُّ هذه المرحلة من الاحتلام حتى مرحلة الكهولة.
 
وقد جاء في الوجيز: "الشباب: بين المراهقة والرجولة، والفتى: الشابُّ أول شبابه بين المراهقة والرجولة - والخادم.
 
وفي القرآن الكريم: ﴿ قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا ﴾ [الكهف: 62].
 
وقد قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 10].
 
إذا أخذت أقوال المفسرين في الفتية ستجد أنها مرحلة الشباب، أو ما بعد الأحتلام، فقد قال ابن كثير: "الفتية جمع فتى جمع تكسير، وهو من جموع الفتية، ويدل لفظ الفتية على أنهم شباب لا شيب.
 
وفى تفسير الجلالين: "الفتية جمع فتى وهو الشاب الكامل".
 
رابعًا: الكهولة:
يصير الفتى كهلاً عندما تكتملُ قوَّته البدنية والعقلية؛ أي: هي مرحلة الاكتمال والرشد.
 
وفي المعجم: "الكهل: مَن جاوز الثلاثين إلى نحو الخمسين".
 
قال - تعالى -: ﴿ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 46].
 
يقول الإمام القرطبي:
"الكهل: بين حال الغلومة وحال الشيخوخة".
 
وفي تفسير البغوي: "العرب تمدحُ الكهولة؛ لأنها الحالة الوسطى في استحكام السن واستحكام العقل وجودة الرأي والتجربة".
 
وقد أورد البغوي في تفسيرِه لهذه الآية قولاً لابن عباس، قال: "أرسله الله وهو ابن ثلاثين سنة، فمكث في رسالتِه ثلاثين شهرًا ثم رفعه الله إليه".
 
خامسًا: الشيخوخة:
تمتدُّ هذه المرحلة ما بين الكهولة والهرم.
 
وفي الوجيز: شاخ الإنسان شيخًا وشيخوخة: أسن، والشيخ: مَن أدرك الشيخوخة، وهي غالبًا عند الخمسين، وفوق الكهل ودون الهَرِم.
 
بعد الانتهاء من هذه مرحلة الكهولة يدخل الإنسان في مرحلة جديدة من النمو، ومن الملاحظ أن الإنسان في هذه المرحلة يضعُفُ عن القيام بما كان يقوم في المرحلة السابقة، ويستمرُّ الضعفُ حتى يصل إلى الوفاة، وهذه من حكمة الله في خلقه أن كلَّ شيء إذا تم يبدأ في الانتقاص من حيث بدأ، يقول الله - تعالى -: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [غافر: 67].
 
وقال أيضًا: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾ [الأحقاف: 15]؛ أي إن هذه المرحلة تبدأ بعد الأربعين.
 
سادسًا: الهرم:
وقد ورد في الوجيز: هرم الرجل هرمًا؛ أي: بلغ أقصى الكبر وضعف، فهو هرم.
 
يقول الإمام الشنقيطي في أضواء البيان:
قوله - تعالى -: ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴾ [المؤمنون: 15، 16]، يُبيِّن - جل وعلا - في هذه الآية الكريمة أنهم بعد أن أنشأهم خلقًا آخر فأخرج الواحد منهم من بطنِ أُمه صغيرًا، ثم يكون محتلمًا، ثم يكون شابًّا، ثم يكون كهلاً، ثم يكون شيخًا، ثم هرمًا، أنهم كلهم صائرون إلى الموت من عُمِّر منهم ومَن لم يُعَمَّر.
 
ويقول أيضًا الإمام ابن كثير:
قال العوفي عن ابن عبَّاس: ﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ﴾ [المؤمنون: 14]؛ يعني: ننقله من حال إلى حال؛ أي: خرج طفلاً، ثم نشأ صغيرًا، ثم احتلم، ثم صار شابًّا، ثم كهلاً، ثم شيخًا، ثم هرمًا".
 
ومن الجدير بالذكر أنه ليس هناك حدود زمنية فاصلة بين هذه المرحلة؛ لأن هناك فروقًا وظروفًا ومؤثرات قد تختلف من فرد لآخر، ومن بيئة إلى أخرى، كل حسب ما يسره الله له.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى

صالح المحلاوى


اعلام خاصة : مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم 192011_md_13005803803
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011
الموقع الموقع : المحلة - مصر المحروسة
العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى
المزاج : متوفي //

مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم   مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 3 سبتمبر 2015 - 1:21

المادة التى هى أصل الانسان


المادة التي هي أصل الإنسان (أي المادة التي خلق منها آدم قبل نفخ الروح)، وقد تنبه غيري من الباحثين لهذا الأمر أيضاً: يقول الدكتور عبداللطيف حموش: (لقد أولى القرآن اهتماماً كبيراً لقصة خلق آدم وأفرد لها العديد من الآيات الكريمة)، وبتعدد الآيات الواردة في هذا الموضوع تعددت المفرادات والمصطلحات التي تم التعبير من خلالها عن المادة التي خلق الله منها الإنسان، يقول موريس بوكاي: (.. إذا الإنسان قد كون من المواد الموجودة في الأرض وينبثق هذا المبدأ بجلاء تام من عدة آيات حيث إن المواد المكونة قد جرى التعبير عنها بأسماء مختلفة..) هذه الأسماء هي:
مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم 11-0
 
الأرض:

يقول تعالى: (هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم) النجم 32.


التراب: 

يقول تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) آل عمران 59، جاء في المعجم الوسيط: التراب: ما نعم من أديم الأرض: والتربة: جزء الأرض السطحي الصالح لأن يكون مهداً للنبات، وجاء في لسان العرب: تربة الأرض: طاهرها.


الطين:
يقول تعالى: (فاستفتهم أهم أشد خلقاً أم من خلقنا إن خلقناهم من طين لازب) الصافات 11، ويقول أيضاً: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين) المؤمنون 12، جاء في المعجم الوسيط: الطين: التراب المختلط بالماء، وقد يسمى بذلك وإن زالت عنه رطوبة الماء، وجاء في لسان العرب: الطين: الوحل، والطي اللازب: الطين اللزج أو اللاصق، أما قوله تعالى: (سلالة من طين)فقال قتادة: استل آدم من طين فسمي سلالة.


الصلصال:
يقول تعالى ـ في سورة الرحمن الآية 14: (خلق الإنسان من صلصال كالفخار) والصلصال كما جاء في لسان العرب: هو الطين اليابس الذي يصل من يبسه أي يصوت وجاء أيضاً: الصلصال من الطين ما لم يجعل خزفاً، وقال الجوهري: الصلصال الطين الحر خلط برمل فصار يتصلصل إذا جف فإذا طبخ بالنار فهو الفخار.


الحمأ:
جاء في سورة الحجر الآية 26 قوله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون)، جاء في مادة الحمأ: والحمأ والحمأ: الطين الأسود المنتن، وجاء في مادة سنن: المسنون: المصور، أو المملس أو المنتن، وقوله تعالى: (من حمأ مسنون) قال أبو عمرو: أي متغير منتن، وقال بن عباس: هو الرطب، وقال أبو عبيدة: المسنون المصوب، ويقال: المسنون المصوب، ويقال: المسنون المصبوب على صورة، وسننت التراب صببته صباً سهلاً.
وقد تكررت هذه المفردات الخمس (الأرض، التراب، الطين، الصلصال، والحمأ) في عدة آيات، فخلق الإنسان من الأرض تم ذكره أو الإشارة إليه في أربع آيات، وكلمة تراب وردت في ستة مواضع، وكلمة طين جاءت في ثمان آيات، في حين وردت مفردة حمأ في ثلاث آيات، أما كلمة الصلصال فوردت في أربعة مواضع.
كيف تعامل الباحثون والمفسرون مع هذا التعدد في المفردات:



لقد اختلف المفسرون والباحثون الذين تطرقوا لآيات خلق الإنسان (أصل الإنسان) في تعاملهم مع هذا التنوع والتعدد في الكلمات والمفردات التي أوردها القرآن الكريم بشأن المادة الترابية التي خلق الله منها آدم:
 
أ ـ فمنهم من لم يستوقفه هذا التعدد في الكلمات فمر عليه مرور الكرام وأكتفي بالإشارة إلى أقوال المفسرين في معاني هذه الكلمات، فهذا ابن كثير يقول في تفسير قوله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون) الحجر 26: (قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: المراد بالصلصال هنا التراب اليابس والظاهر، وعن مجاهد أيضاً (الصلصال) المنتن.



وتفسير الآية بالآية الأولى ـ وقوله: (من حمأ مسنون) أي الصلصال من حم، وهو طين والمسنون الأملس، وروي عن ابن عباس أنه قال: هو التراب الرطب...).
 
ب ـ ومنهم من اعتبر هذه الكلمات مترادفات تفيد نفس المعنى، يقول طلال غزال: (ولا ضير أن من علقة أو من نطفة وجميعها تؤدي نفس المعنى)



ج ـ وفريق ثالث أشار إلى أن هذه المصطلحات هي أسماء لعناصر مختلفة
وجعل خلق الإنسان من جميع هذه العناصر، يقول وهبة الزحيلي ـ في تفسير سورة الرحمن: (وقد تنوعت عبارات القرآن في بيان هذا، باعتبار مراتب الخلق)، (من تراب) ، (من حمأ مسنون) أي طين متغير، أو (من طين لازب) أي لاصق باليد (من صلصال) فهذا إشارة إلى أن آدم ـ عليه السلام ـ خلق أولاً من التراب ثم صار طيناً ثم حمأ مسنوناً، ثم لازباً ثم كالفخار فكأنه خلق من هذا ومن ذاك ومن ذلك).



د ـ وفريق آخر خلص إلى وجود نوع من التطور أو التحول طرأ على المادة الأصلية التي خلق الله منها الإنسان حث مرت هذه المادة بمراحل مختلفة:



*يقول الشيخ نديم الجسر ـ في تفسير قوله تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا): (يكثر القرآن من ذكر الدواب والإنسان ليذكر هذا الإنسان المقصود بالهداية بأنه (أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا)، ويستنتج من هذا استنتاجاً بدهيا سهلاً أنه (حادث)، ليخرج من هذه البداهة الأولى إلى نتيجة بدهية ثانية: هي أن المادة التي حدث منها (الإنسان) لا بد أن تكون حادثة لأنها قبلت (التغير)، والقديم لا يتغير...).



*ويقول موريس بوكاي ـ في حديثه عن ماهية التراب الذي تكون منه الإنسان انطلاقاً من قوله - عز وجل -: (الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين) السجدة 7. (وعلينا أن نتوقف قليلاً عند ذكر بداية الخلق، بدأ بالطين من الواضح أنه إذا كان القرآن الكريم قد ذكر هنا بداية الخلق ذلك أن مرحلة ثانية ستتبعها).



*أما سيد قطب فيقول في تفسير الآية السابقة: (فالتعبير قابل لأن يفهم منه أن الطين كان بداءة وكان في المرحلة الأولى ولم يحدد عدد الأطوار التي تلت تلك المرحلة ولا مداها ولا زمنها، فالباب مفتوح لأي تحقيق صحيح، وبخاصة حين يضم النص إلى نص القرآني الآخر في سورة المؤمنون: (خلق الإنسان من سلالة من طين)، فيمكن أن يفهم منه إشارة إلى تسلسل في مرحلة النشأة الإنسانية يرجع أصلاً إلى مرحلة الطين)، ويقول في تفسير قوله تعالى: (خلق الإنسان من صلصال كالفخار): (..والصلصال: الطين إذا يبس وصار له صوت وصلصلة عند الضرب عليه، وقد تكون هذه حلقة في سلسلة النشأة من الطين أو من التراب).



* كما جاء في تفسير الكشاف للزمخشري ـ في تفسير قوله تعالى: (خلق الإنسان من صلصال كالفخار): (... فإن قلت: قد اختلف التنزيل في هذا، وذلك قوله ـ عز وجل ـ: (من حمأ مسنون)، (من تراب)، قلت: هو متفق المعنى ومفيد أنه حلقه من تراب جعله طيناً ثم حمأ مسنوناً، ثم صلصالاً).



* وهو نفس المعنى الذي أورده القرطبي في تفسير الآية السابقة حيث يقول : وقال هنا: (من صلصال كالفخار)، وقال هناك: (إنا خلقناهم من طين لازب)، وقال: (كمثل آدم خلقه من تراب)، وذلك متفق المعنى، وذلك أنه أخذ من تراب الأرض فعجنه فصار طيناً، ثم انتقل فصار كالحمأ المسنون، ثم انتقل فصار صلصالاً كالفخار).
 
خلاصة:
من خلال الآيات والنصوص التي أوردناها نستطيع القول بأن المادة الترابية التي خلق منها الإنسان قد مرت بثلاث مراحل هي:



1 ـ المرحلة الطينية: وهي المرحلة الأولى حيث يستفاد من آية سورة السجدة أن بداية الخلق كانت من مادة الطبدأ خلق الإنسان من طين)، هذا الطين يتميز بخاصية وصفة اللزوجة (طين لازب) كما هو واضح في آية سورة الصافات.
 
2 ـ المرحلة الحمئية: وهي ثانية المراحل حيث تحول الطين إلى مادة أخرى مشتقة منه هي الحمأ أي الطين المتغير أو الطين المنتن كما سبق ورأيناه.



3 ـ المرحلة الصلصالية: وهي المرحلة الثالثة والأخيرة في هذه السلسة حيث انتقلت مادة الحمأ المسنون ـ كما جاء في سورة الحجر ـ على صلصال وتخبرنا آية سورة الرحمن أن هذه المادة الصلصالية تشبه مادة الفخار وهو الطين الذي تم طبخه وشيه كما ورد في فقرة سابقة.



العلاقة بين عمليتي الخلق والتصوير ومراحل تطوير المادة الترابية:



يقول تعالى: (ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة أسجدوا لآدم) الأعراف 11، ويقول أيضاًSadإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين * فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) ص 71 ، 72، ويقول - جل وعلا -: (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك) الانفطار 6 - 8.



تشير هذه الآيات - وغيرها - إلى أن تكوين الإنسان - آدم عليه السلام - قد مر بعمليتين مختلفتين سابقتين لعملية نفخ الروح فيه هما: عملية الخلق وعملية التصوير (أو التسوية) يقول موريس بوكاي: (في البدء ذكرت كلمة (خلق) لكل النص القرآني يتصدر مرحلة ثانية حيث منح الله الإنسان الشكل..).



لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ترى في أي مرحلة من مراحل المادة الترابية الثلاث (الطين، الحما، الصلصال) كانت عملية التصوير؟ إن الإجابة على هذا السؤال ليست بالعملة اليسيرة ومن بين الأجوبة الممكنة نورد ثلاثة احتمالات توصلنا إليها في بحثنا هذا وهي:
 
*الاحتمال الأول:
والذي يمكن فهمه من قول الله ـ عز وجل ـ في سورة السجدة: (وبدأ خلق الإنسان من طين) ومن قوله تعالى ـ في سورة الرحمن ـ: (خلق الإنسان من صلصال كالفخار) حيث تفيدان أن عملية الخلق تمت على المادة الترابية في مراحلها المختلفة، ثم بعد أن استقرت المادة الترابية على هيئتها الصلصالية، تمت عملية التصوير والتسوية، كأن الشكل الأخير قد تم نحته المادة الصلصالية، وهذا المعنى قد يستشف أيضاً من أحاديث المصورين الذين يؤمرون يوم القيامة بنفخ الروح فيما صوره (أي نحتوه) ـ ولله المثل الأعلى ـ روى البخاري عن سعيد بن أبي الحسن قال: كنت عند ابن عباس إذ جاءه رجل فقال يا ابن عباس، إني رجل إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير، فقال ابن عباس:
لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سمعته يقول: (من صور صورة فإن الله يعذبه حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ فيها أبداً) فربا الرجل ربوة شديدة ـ يعني انتفخ من الغيظ والضيق ـ فقال ابن عباس: (ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع، فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح).


*الاحتمال الثاني:



وهو أن عمليتي الخلق ثم التصوير، قد تمتا على المادة الترابية في مرحلتها الأولى (المرحلة الطينية) ثم إن الشكل المصور والمعدل ترك حتى يبس، وإلى هذا ذهب بسام دفضع حيث يقول: (... إذاً فآدم ـ عليه السلام ـ خلق من خلاصة من التراب مع الماء حتى صار طيناً ثم يبس فصار كالفخار بعد أن سواه الله ـ عز وجل ـ بصورة سوية هي صورة الإنسان المعروفة ثم نفخ الله ـ تعالى ـ فيه الروح)، وهذا الاستنساخ يقتضي أن كلمة (خلق) في آية سورة السجدة وكلمة (خلق) في آية سورة الرحمن لا تؤديان نفس المعنى.
 
*أما الاحتمال الثالث:



فهو أن عملية التصوير قد تمت على المادة الترابية في مرحلتها الثانية (المرحلة الحمئية) وإلى هذا المعنى تشير كلمة (مسنون) والتي تعنى ـ من بين ما تعنيه ـ المصور أو المصبوب على صورة.


مراحل تحول المادة الترابية والمعطيات العلمية:



إن تحديد العلاقة فيما بين عمليتي الخلق والتصوير ومراحل المادة الترابية التي خلق منها الإنسان ليست هدفاً رئيساً لهذا البحث. والذي يعنينا بالأساس هو ذلك التطور والتحول الذي طرأ على هذه المادة الترابية والذي أشارت إليه الآيات القرآنية حيث تحول التراب من طين إلى حمأ ثم إلى صلصال كما سبقت الإشارة إليه.
هذا الأمر يقودنا إلى الحديث عن ظاهرة طبيعية تحكم عملية تشكل الصخور الرسوبية انطلاقاً من رواسب طرية والتي تعرف باسم عملية التصخ
مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم 11-1
 
 
 
 
الصخور الرسوبية
الدورة الصخرية:
 
تتكون القشرة الأرضية أو ما يعرف بالغلاف اليابس  من أنواع مختلفة من الصخور تنتمي إلى ثلاثة أقسام هي: الصخور النارية، الصخور الرسوبية، والصخور المتحولة. ولهذه الصخور دورة تسمى بالدورة الصخرية ناتجة عن العلاقات والتفاعلات المختلفة التي تحصل فيما بينها.
 
تعريف الصخور الرسوبية:
(هي مجموعة من الصخور التي تكونت نتيجة تفتت أو تكسير صخور سابقة (نارية كانت أو متحولة أو رسوبية)، وذلك بفعل عوامل التعرية المختلفة (weathering agents) أو نتيجة لتجمع بعض المواد التي خلفتها أو أفرزتها حيوانات أو نباتات..)، ويمكن تمييزها عن غيرها من الصخور بصفة أولية بما يلي:



ـ أنها توجد في القشرة الأرضية على شكل طبقات.



ـ أنها تحتوي على بقايا حيوانية أو نباتية وأصداف بحرية.. تسمى مستحاثات أو أحافير (fossilcs).



ـ أنها غير واضحة التبلور.


مراحل تشكل الصخور الرسوبية:


يمر تشكل الصخور الرسوبية بأربعة مراحل هي:



التعرية (Erosion): حيث تتعرض الكتل الصخرية الظاهرة على السطح، بفعل مجموعة من العوامل، إلى التحطيم والتكسير والنحت والتفتيت، تحت ظروف حرارة وضغط عادية. وتنقسم هذه العوامل إلى عوامل ذات طبيعة ميكانيكية وأخرى ذات طبيعة كيمائية.
 
استئصال نواتج التحطيم ونقلها (Transport): ذاتية أو على حالتها الصلبة، بأحد عوامل النقل التالية: الجاذبية، المثالج، الرياح والمياه الجارية.



الترسيب (Sedimentation): حيث يتم توضع أو طمر (Depot) المواد الناتجة عن التعرية في مكان التفتت نفسه أو بعد نقلها إلى مكان آخر بأحد عوامل النقل المختلفة.



التصحر (الاستحجار): أو التحول النهائي للرواسب الطرية إلى صخور حيث تكون الرواسب في الأصل ـ في كل الحالات تقريباً ـ عبارة عن وحل مشبع بالماء فتاتي ولدن (plastique). ولكي تتحول إلى صخرة صلدة قابلة للكسر يجب أن تمر الرواسب بمرحلة (نضج) (هي عملية التصخر) تتعرض خلالها إلى ميكانزمات  فيزيائية وكيميائية مختلفة، وتبدأ عملية التصخر مباشرة بمجرد تشكل الرواسب، ونستطيع أن نميز بين عدد من المراحل، كما تلعب البكتريا دوراً أساسياً في المراحل المبكرة للتصخر.
 
وتخضع عملية التصخر إلى مجموعة من العوامل يمكن إجمالها فيما يلي:
أ ـ التماسك أو الرص : وقد يستعمل أيضاً مصطلح الإحكام أو الدموج، وينتج هذا التماسك نتيجة للضغط الذي يسببه تراكم الرواسب أثناء الطمر، وهذا النوع من التصخر يتميز بالطرد التدريجي للماء الموجود داخل الرواسب، الأمر الذي يؤدي إلى تقلص الحجم وارتفاع الكثافة.
 
ب ـ التفاعلات فيما بين المواد السائلة والمواد الصلبة : بالنسبة للتوضعات أو الرواسب المطمورة والتي هي في طريق (النضج)، يعتبر الضغط الجوي ودرجة الحرارة عاملين شبه مستقرين، وبالتالي فمجموع الخصائص (الترموديناميكية)  للنظام هي التي تتحكم في التفاعلات المزامنة للنشأة.
 
ج ـ إعادة التبلور (recoristallisation): تكون فاعلية عامل الضغط أفضل عند نقاط تماس الحبيبات فيما بينها، حيث تتم عملية إذابة (dissolution differentielle)، فتسعى المادة المذابة المحصل عليها للتوضع وإعادة التبلور في الأماكن التي تقع تحت أقل درجات الضغط فيتكون سياج (Ciment) جديد من الحبيبات وبشكل تدريجي يتم ملء جميع الفراغات.
 
د ـ الملط أو التلحيم: والمصطلح الشائع والأكثر استعمالاً هو (السمنتة) مأخوذ مباشرة من المصطلح الأعجمي ، وتسعى هذه العملية أيضاً إلى نتيجة الفراغات الموجودة بين الرواسب، إلا أن المعدل المترسب والذي يقوم بدور الملاط أو اللاحم  فيما بين الحبيبات هو عبارة عن عنصر أجنبي له أصل ثانوي ، ومن بين أهم اللاحمة نجد: الكالسيت ، أكاسيد الحديد  الفوسفات  و (السيليس) .



هـ ـ الإضافة الكيميائية (apport chimigue): حيث تستطيع المواد الكيمائية القادمة من خارج أو المتمثلة في توزيعات جديدة داخلية، إضافة إلى عناصر معينة جديدة أو الحلول محل عناصر أخرى موجودة.
 
و ـ التحول أو الإحلال المعدني : في هذه الحالة فإن معادن جديدة تحل محل معادن قديمة دون أن يحدث أي تغيير في أشكالها الخارجية وأبرز مثال على ذلك هو تحول الصخر الكلسي أو الجيري  إلى دولوميت  وذلك بإحلال المغنيزيوم  محل الكالسيوم .
 
تصنيف الصخور الرسوبية:
يمكن تصنيف الصخور الرسوبية اعتماداً على نوعين من التصنيفات: الأول ويسمى بالتصنيف الوصفي  وهو يعتمد على خصائص أنسجة الرواسب أو على التركيب الكيمائي أو المعدني للصخور والثاني ويعرف بالتصنيف على أساس النشأة  ويعتمد على عوامل النقل المختلفة أو على نوعية عمليات الترسيب أو بينات الترسيب.
وباعتماد التصنيف الثاني والذي يعتبر التصنيف الأفضل ـ بالرغم من كونه لا يخلو من عيوب ـ يتم تقسيم الصخور الرسوبية بناء على أصل النشأة إلى ثلاث أقسام رئيسية:



ـ الصخور الكيمائية النشأة  كالصخور الكلسية (أو الجيرية) أو الصخور الملحية.



ـ الصخور العضوية النشأة  كالصخور الفوسفاتية (وهي حيوانية النشأة)، أو الصخور الفحمية كالليجنيت (lignite) والإنتراسيت (anthracite) وهي نباتية النشأة.



ـ الصخور الميكانيكية النشأة، أو الصخور الحطامية أو الفتاتية : وهي عبارة عن مجموعة من الصخور تتكون من الحبيبات المعدنية والكسر (الأجزاء) الصخرية الناتجة عن تفتيت صخور سابقة بفعل عوامل التعرية ثم نقلت ميكانيكياً إلى حوض الترسيب وهناك تصلدت عملية التصخر دون أن يطرأ عليها أي تغيير كيميائي حيث رسبت بطريقة آلية ثم تماسكت فيما بعد.



وتنقسم الصخور الرسوبية الميكانيكية النشأة إلى صخور حتاتية (أو حبيبات صخرية) وإلى صخور صلدة.



إذاً أن الصخور الفتاتية أو الحطامية الصلدة تنقسم إلى رصيص وجذاذ، إلى صخور رملية وإلى صخور طينية وهذه الأخيرة هي التي تهم هذا البحث إذ استخلصنا فيما سبق أن الآيات القرآنية تتحدث عن تحول لمادة الطين (اللازب) ـ بفعل التصخر ـ إلى صخور طينية هي الصلصال.


تعريف الصخور الطينية:
هي صخور رسوبية حطامية (فتاتية) تتكون من حبات جد دقيقة قدها أقل من 1 / 16 ملم، وتحتوي على الأقل 50% من المعادن الطينية والتي يمكن أن تضاف إليها معادن أخرى جد متنوعة (حطامية أو غير حطامية) مما يؤدي إلى تنوع في هذه الصخور (طين جيري، طين رملي، طين طلقي..) والصخور الطينية صخور ناعمة يمكن خدشها بالأظافر وهي سريعة الكسر عندما تكون مترققة أو شريطية ، ونتيجة للضغط الشديد تفقد الصخور الطينية جميع مياهها وتتحول إلى نوع آخر من الصخور يسمى بحجر الطفل، وبفقد لاصخور الطينية لمياهها تفقد جزءاً كبيراً من مساميتها (حيث تبلغ المسامية الأولية عند الترسيب ما بين 50% ـ 80%) نتيجة لدفن الرواسب والضغط المبذول عليها من الرواسب المترسبة فوقها كما تفقد الصخور الطينية جزءاً آخر من مساميتها الأولية بفعل عمليتي التماسك (الدموج والإحكام) والملط (السمنتة) التين تتعرض لهما فيما بعد.
مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم 11-2
أهم أنواع الصخور الطينية :
ـ الصخور الطينية النقية : هي تلك الصخور ذات الحبيبات في حجم الطين وتتكون تقريباً كلية من مجموعة من معادن الطين.
 
ـ صخور الوحل (mudstones): وتتشكل من صخور كتلية مصمتة (massive) غير صفحية وغير متورقة بشكل عام.
ـ الطفل أو الصلصال أو الطين الصفحي : صخر رسوبي مترقق ويتكون بشكل كبير من رقيقات طين ويمتلك خاصية التورق أو التصفح بحيث تنفصم الرقائق الطينية وهذا الصفح قد ينتج عن تعاقب طبقة طينية وطبقة رملية أو ميكية (طلقية) تتصلب على شكل رقائق بتأثير ضغط ما فوقها من الصخور.
 
ـ الأردواز : وهو صخر شبيه متحول  من أصل طيني (وو الطين الصفحي أو الصلصال) ينتمي إلى النطاق ال  ونطاق التحول  وهو ما يسمى بنطاق شبة التحول  ويعتبر الأردواز في كثير من الأحيان من ضمن الصخور الرسوبية، وهو عبارة عن صخر متورق دقيق الحبيبات تظهر فيه خاصية تصفح أو تفسخ بشكل جيد التطور وتسمى انفصاماً انفصامياً أردوازياً.
المعادن الطينية :



سنكتفي هنا بالحديث عن المعادن الطينية التي تشكل أساس الصخور الطينية في مختلف أطوار (النضج) بفعل عامل التصخر حيث يتميز كل نطاق من نطاقات التصخر الثلاثة المتتابعة بحضور وتواجد نوع معين من المعادن الطينية:



1 ـ نطاق التصخر المبكر: حيث تتكون بشكل تدريجي عن طريق البناء الترسيبي  معادن طينية ما بين طبقية هي الكلوريت مونتريونيت  والالليت مونتموريونيت  كما تظهر بعض الحالات الاستثنائية ـ عن طريق إعادة التشكل ـ معادن التونشاين  والبنتونيتات .
 
2 ـ نطاق التصخر المتوسط: حيث يتوافر الماء بكميات كبيرة تمنع اجتفاف المعادن المتورقة، وفي هذا النطاق تتم كل التحولات الكيمائية بشكل قابل للتراجع أو القلب  بينما يحل الديكت  محل معدن الكالونيت ( ويحل معدن الاليت  تدريجياً محل معدن المونتموريونيت .
 
3 ـ نطاقا لتصخر العميق: حيث تصبح التحويلات الكيمائية غير قابلة للتراجع أو القلب  وتخضع معادن المونتموريونيت إلى عملية (الاليتة) ( أو (الكلرتة)  فيتشكل معدني الاليتمونتموريونيت والكلوريتمونتموريونيت، كما يتبلور معدن الكلوريت  غير المستقر فيعطي معدن الديكيت  إذا كان الوسط قلوياًن أما معدن الاليت فيرفع من درجة تبلورشبه التحول :
في هذا النطاق يسود كل من معدن الاليت ومعدن الكلوريت.
 
خلاصة:
من خلال المعطيات السابقة نستطيع أن نصل إلى الاستنتاج التالي:
لعل المادة الترابية التي بدأ منها خلق آدم ـ عليه السلام ـ كانت عبارة عن طين رملي طري (طين لازب) هذا تحول بفعل عملية التصخر في مرحلة جد مبكرة إلى حما (حيث تلعب المادة العضوية ـ البكتريا ـ دورا كبيراً في تغيير الطين) ثم في مرحلة أخيرة إلى صلصال (أو طين صفحي) ولعلها المادة الأخيرة التي تم عليها التصوير والتسوية (وهو الاحتمال الراجح عندنا).
 
هذا الأمر يثبت إذاً أن القرآن قد أشار إلى الأصل الطيني للصلصال وهو أمر لم يعرف إلا بعد تطور علم الرسوبيات إذ المعطيات العلمية والتصنيفات المختلفة التي تربط بين الصخور الرسوبية وأصولها لم تكن معروفة بعصر النبوة فقد بقيت دراسة الصخور الرسوبية مستعصية على البحث والوصف المجهري إلى غاية بداية القرن العشرين وذلك بفضل التطور الكبير الذي عرفته الأبحاث البترولية بعد تطوير عدد من التقنيات الحديثة: كالتحاليل الكيمائية والأشعة السينية والمسبار الإلكتروني... إلخ.
 
وبالتالي فهذه الحقبة غاية في الإعجاز ودليل آخر على صدق رسالة محمد ـ صلى الله عليه السلام - فمحمد الرجل الأمي ـ صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليعرف أن الصلصال صخر من أصل طيني لو لم يخبره بذلك العليم الخبير: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك 14.
 
خاتمة:



إذا كان هذا البحث يهدف إلى تسليط الضوء على وجه آخر من أوجه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم فإنه أيضاً يتوخى استنفار واستفزاز عقول العلماء والأساتذة المسلمين أن ينتبهوا إلى الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة التي تضم إشارات علمية وينكبوا على دراستها وتدبرها وتفهم معانيها ومراميها حتى يستطيعوا أن يقدموا إلى تلاميذهم وإلى طلابهم ما يلفهم ويغطيهم ويزينهم بالإيمان مما يضفي على هذه العلوم قيمة روحية سامية وحتى تصبح هذه العلوم وسيلة تقرب العبد من خالقه - جل وعلا - فقد مر علينا زمن درجنا فيه - في مدارسنا وفي جامعاتنا - على تقديم العلوم جافة فارغة من روحها الواضحة بجلاء في قوله - عز وجل -: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فاطر 28
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى

صالح المحلاوى


اعلام خاصة : مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم 192011_md_13005803803
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011
الموقع الموقع : المحلة - مصر المحروسة
العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى
المزاج : متوفي //

مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم   مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 3 سبتمبر 2015 - 1:30

مراحل تكوين الانسان


مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم %D9%85%D8%A7_%D9%87%D9%8A_%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AD%D9%84_%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A%D9%86
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} المؤمنون12-14
هذه الايات الكريمة تجسيد يتجلى فيه عظمة الخالق عز وجل فسبحانه وتعالى اخبرنا بان هذه اطوار نشأة الانسان وذلك قبل اكتشافها بوساطة العلم الحديث بسنوات كثيرة تصل الى اكثر من عشرة قرون وهذا هو الاعجاز العلمي في القران الكريم فسبحانه وتعالى عما يصفون , وهنا تتجلى ايضا عظمة الخالق في انه كيف كل طور من اطوار النمو تتناسب والمراحل التي وصل اليها نمو الجنين وهذه المراحل هي , المرحلة الاولى مرحلة النطفة , ثم مرحلة طور العلقة , طور المضغه , الجسد الفاصل , طور الكساء باللحم , مرحلة النشأه , طور القابليه للحياه , طور الحضانه في الرحم , طور المخاض والتي سنتناولها الان بشكل مفصل.
- مرحلة النطفة :
 في عملية الجماع ينتقل ماء الرجل الى مهبل المرأه ليتقابل مع البويضه في ماء المرأه في قناة فالوب ولا يصل منها الا القليل ويخترق حيوان منوي واحد هذه البويضه ويخصبها ويحدث تغير سريع في غشائها حيث يمنع باقي الحيوانات المنويه من الدخول ، تتكون في البويضه النطفه اي الشكل الذي تتخذه البويضه الملقحه وتتحرك في وسط سائل لمدة ستة ايام وتتحول الى طور العلقه في اليوم الرابع عشر .
وفي اليوم السادس عشر تدخل هذه النطفه الى جدار الرحم وتنغرس فيه وتواصل انقسانها الخلوي وتطورها فيه حتى تكتمل هذه المرحله .


- طور العلقة :
 تتكاثر الخلايا وتنقسم ويتصلب الجنين بذلك وياخذ الجنين شكل العلقه التي هي دوده تعيش في البرك وعلى شيء معلق وتنطبق هذه الصفه على هذه الخلايا لانها تعطي الدماء الموجوده في الاوعيه الدمويه للجنين لون مثل قطعة الدم الجامد معلقه في الرحم وتستكمل اليوم الاربعين في هذه المرحله .


- طور المضغه :
 في اليوم 24 أو 25 في اعلى اللوح الجيني يبدأ ظهور الكتل البدنيه وفي اليوم 28 يتكون الجنين من عدة فلقات مما يجعل الجنين يشبه الشيء الممضوغ لان في انبعاجات . ويكسب الجنين الوزن وتنتهي هذه المرحله في الاسبوع السادس


- الجسد الفاصل :
 في الاسبوع السابع يبدأ الجنين بأخذ صورة الآدميه لان الهيكل العظمي يبدأ بالتكون ويبدأ الجنين بالانتقال من مرحلة المضغه الى مرحلة العظام.


- طور الكساء باللحم : 
 وتبدأ هنا العضلات بالتكون حول العظام وتبدأ صورة بالتغير وتنتهي هذه المرحله بالاسبوع الثامن ويكتسي العظام باللحم وهنا يطلق العلماء صفة الجنين على هذه الاجنه فقد انتهت مرحلة اللحم وبدأ الجنين بالنشأه .


- مرحلة النشأه : 
يبدأ في الاسبوع التاسع عمليات هامه في جسم الجنين فينمو بشكل سريع مقارنه بالاسابيع الماضيه وتبدأ احجام الرأس والجسم والاطراف بالازدياد ويتضح جنس الجنين ويظهر الشعر وتصبح الاعضاء جاهزه للقيام بوظائفها . وفي هذه المرحله يتم نفخ الروح


- طور القابليه للحياه :
 وعندما يصل الجنين الى الاسبوع السادس والعشرين يمكنه العيش خارج الرحم وذلك عندما يكتمل جهازع التنفسي والعصبي وقد قدر القرآن الكريم مرحلة الحمل والحضانه بثلاثين شهرا فقال تعالى " َحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا " الاحقاف 15 ، والحضانه بينها بأنها عامين " وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ " لقمان 14 ، وبهذا نتأكد بأن الجنين الذي يكمل يكمل الاسبوع السادس والعشرن يمكنه العيش خارج الرحم .



- طور الحضانه في الرحم :

 وفيها يدخل الجنين الشهر السادس فلا يوجد اي اعضاء او اجهزه ستنشأ بل كلها موجوده واصبحت مؤهله للعمل الا انها وحتى الشهر التاسع ستعمل وتستقبل الغذاء من الام حتى ينمو الجنين ويزداد وزنه ويصبح جاهزا للخروج من رحم امه .


- طور المخاض :
 وهو بعد ان تتم المرأه التسع اشهر تبدأ عملية المخاض والولاده ويتخلى الرحم عن الجنين ودفعه لخارج الجسم قال تعالى " ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ " عبس 20
ملخص
الله سبحانه وتعالى خلق الانسان في احسن تقويم ، كما ان الله سبحانه وتعالى ميز الانسان عن غيره من المخلوقات فقد اعطاه العقل ، واعطاه الحكمة كما ان الانسان خلق ليعبد الله تعالى بالاضافة الى المحافظة والاعتناء بالحيوانات والنباتات على الارض بعكس الحيوانات التي غريزتها الاكل والنوم والجنس فقط ، كما ان الله سبحانه وتعالى خلق الانسان في مراحل عدة وقد تم ذكرها في القرآن الكريم ، حيث ا ناول مرحلة لتكون الانسان هي النطفة وهي مرحلة الجماع بين الزوجين حين انتقال حيوان منوي من الجنس الذكر الى بويضة في رحم الانثى لتلقيحها ، والمرحلة الثانية هي طور العلقة وهي المرحلة التي تتكاثر الخلايا وتنقسم بالاضافة الى ان الجنين يتصلب على شكل علقة ، ومن ثم تكون المرحلة الثالثة وما هي الا طور المضغة والتي تظهر به الكتل البدنية والتي تكون في اليوم 24 و 25 من الشهر ، ومن ثم المرحلة التي تليها تكون الجسد الفاصل ومن ثم طور الكساء باللحم وبعدها تكون مرحلة النشأة ومن ثم مرحلة جديدة تسمى طور القابلية للحياة ، ومن ثم مرحلة طور الحضانة في الرحم ، واخر مرحلة هي طور المحاض .
مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم %D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AD%D9%84_%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A%D9%86_%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D8%B5%D9%8A%D9%84
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى

صالح المحلاوى


اعلام خاصة : مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم 192011_md_13005803803
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011
الموقع الموقع : المحلة - مصر المحروسة
العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى
المزاج : متوفي //

مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم Empty
مُساهمةموضوع: رد: مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم   مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم I_icon_minitimeالخميس 3 سبتمبر 2015 - 1:32

مراحل تكوين الانسان


مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم %D9%85%D8%A7_%D9%87%D9%8A_%D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AD%D9%84_%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A%D9%86
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} المؤمنون12-14
هذه الايات الكريمة تجسيد يتجلى فيه عظمة الخالق عز وجل فسبحانه وتعالى اخبرنا بان هذه اطوار نشأة الانسان وذلك قبل اكتشافها بوساطة العلم الحديث بسنوات كثيرة تصل الى اكثر من عشرة قرون وهذا هو الاعجاز العلمي في القران الكريم فسبحانه وتعالى عما يصفون , وهنا تتجلى ايضا عظمة الخالق في انه كيف كل طور من اطوار النمو تتناسب والمراحل التي وصل اليها نمو الجنين وهذه المراحل هي , المرحلة الاولى مرحلة النطفة , ثم مرحلة طور العلقة , طور المضغه , الجسد الفاصل , طور الكساء باللحم , مرحلة النشأه , طور القابليه للحياه , طور الحضانه في الرحم , طور المخاض والتي سنتناولها الان بشكل مفصل.
- مرحلة النطفة :
 في عملية الجماع ينتقل ماء الرجل الى مهبل المرأه ليتقابل مع البويضه في ماء المرأه في قناة فالوب ولا يصل منها الا القليل ويخترق حيوان منوي واحد هذه البويضه ويخصبها ويحدث تغير سريع في غشائها حيث يمنع باقي الحيوانات المنويه من الدخول ، تتكون في البويضه النطفه اي الشكل الذي تتخذه البويضه الملقحه وتتحرك في وسط سائل لمدة ستة ايام وتتحول الى طور العلقه في اليوم الرابع عشر .
وفي اليوم السادس عشر تدخل هذه النطفه الى جدار الرحم وتنغرس فيه وتواصل انقسانها الخلوي وتطورها فيه حتى تكتمل هذه المرحله .


- طور العلقة :
 تتكاثر الخلايا وتنقسم ويتصلب الجنين بذلك وياخذ الجنين شكل العلقه التي هي دوده تعيش في البرك وعلى شيء معلق وتنطبق هذه الصفه على هذه الخلايا لانها تعطي الدماء الموجوده في الاوعيه الدمويه للجنين لون مثل قطعة الدم الجامد معلقه في الرحم وتستكمل اليوم الاربعين في هذه المرحله .


- طور المضغه :
 في اليوم 24 أو 25 في اعلى اللوح الجيني يبدأ ظهور الكتل البدنيه وفي اليوم 28 يتكون الجنين من عدة فلقات مما يجعل الجنين يشبه الشيء الممضوغ لان في انبعاجات . ويكسب الجنين الوزن وتنتهي هذه المرحله في الاسبوع السادس


- الجسد الفاصل :
 في الاسبوع السابع يبدأ الجنين بأخذ صورة الآدميه لان الهيكل العظمي يبدأ بالتكون ويبدأ الجنين بالانتقال من مرحلة المضغه الى مرحلة العظام.


- طور الكساء باللحم : 
 وتبدأ هنا العضلات بالتكون حول العظام وتبدأ صورة بالتغير وتنتهي هذه المرحله بالاسبوع الثامن ويكتسي العظام باللحم وهنا يطلق العلماء صفة الجنين على هذه الاجنه فقد انتهت مرحلة اللحم وبدأ الجنين بالنشأه .


- مرحلة النشأه : 
يبدأ في الاسبوع التاسع عمليات هامه في جسم الجنين فينمو بشكل سريع مقارنه بالاسابيع الماضيه وتبدأ احجام الرأس والجسم والاطراف بالازدياد ويتضح جنس الجنين ويظهر الشعر وتصبح الاعضاء جاهزه للقيام بوظائفها . وفي هذه المرحله يتم نفخ الروح


- طور القابليه للحياه :
 وعندما يصل الجنين الى الاسبوع السادس والعشرين يمكنه العيش خارج الرحم وذلك عندما يكتمل جهازع التنفسي والعصبي وقد قدر القرآن الكريم مرحلة الحمل والحضانه بثلاثين شهرا فقال تعالى " َحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا " الاحقاف 15 ، والحضانه بينها بأنها عامين " وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ " لقمان 14 ، وبهذا نتأكد بأن الجنين الذي يكمل يكمل الاسبوع السادس والعشرن يمكنه العيش خارج الرحم .



- طور الحضانه في الرحم :

 وفيها يدخل الجنين الشهر السادس فلا يوجد اي اعضاء او اجهزه ستنشأ بل كلها موجوده واصبحت مؤهله للعمل الا انها وحتى الشهر التاسع ستعمل وتستقبل الغذاء من الام حتى ينمو الجنين ويزداد وزنه ويصبح جاهزا للخروج من رحم امه .


- طور المخاض :
 وهو بعد ان تتم المرأه التسع اشهر تبدأ عملية المخاض والولاده ويتخلى الرحم عن الجنين ودفعه لخارج الجسم قال تعالى " ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ " عبس 20
ملخص
الله سبحانه وتعالى خلق الانسان في احسن تقويم ، كما ان الله سبحانه وتعالى ميز الانسان عن غيره من المخلوقات فقد اعطاه العقل ، واعطاه الحكمة كما ان الانسان خلق ليعبد الله تعالى بالاضافة الى المحافظة والاعتناء بالحيوانات والنباتات على الارض بعكس الحيوانات التي غريزتها الاكل والنوم والجنس فقط ، كما ان الله سبحانه وتعالى خلق الانسان في مراحل عدة وقد تم ذكرها في القرآن الكريم ، حيث ا ناول مرحلة لتكون الانسان هي النطفة وهي مرحلة الجماع بين الزوجين حين انتقال حيوان منوي من الجنس الذكر الى بويضة في رحم الانثى لتلقيحها ، والمرحلة الثانية هي طور العلقة وهي المرحلة التي تتكاثر الخلايا وتنقسم بالاضافة الى ان الجنين يتصلب على شكل علقة ، ومن ثم تكون المرحلة الثالثة وما هي الا طور المضغة والتي تظهر به الكتل البدنية والتي تكون في اليوم 24 و 25 من الشهر ، ومن ثم المرحلة التي تليها تكون الجسد الفاصل ومن ثم طور الكساء باللحم وبعدها تكون مرحلة النشأة ومن ثم مرحلة جديدة تسمى طور القابلية للحياة ، ومن ثم مرحلة طور الحضانة في الرحم ، واخر مرحلة هي طور المحاض .
مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم %D9%85%D8%B1%D8%A7%D8%AD%D9%84_%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%8A%D9%86_%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D8%B5%D9%8A%D9%84
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مفهوم الاعجاز العلمى فى القآن الكريم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-
» من آيات الاعجاز الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم
» **الاعجاز العلمى للقرآن الكريم**
» الاعجاز العلمى فى خلق العين ..
» **الاعجاز العلمى للقرآن الكريم**
» دلائل الاعجاز العلمى فى القرآن الكريم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المصـــــــــــراوية :: المنتديات الدينية :: المنتدى الاسلامي العام-
انتقل الى: