أن الأرض مربوطة بالشمس، بقوى تجاذب، هذه القوى قُدِّرت، لو أننا ربطنا الأرض بحبال فولاذية، مليون مليون حبل، كل حبل قطره خمسة أمتار، وكل حبل يقاوم مليوني طن، يحمل مليوني طن، معنى ذلك أن الأرض مربوطة بالشمس بقوة تساوي مليون مليون ضرب اثنين مليار، يعني اثنين مليون، اثنان أمامها ستة أصفار، وأمامها اثنا عشر صفرا، يعني اثنان مع ثمانية عشر صفرا، هذه قوة جذب الشمس للأرض، لو أن الأرض في مسارها حول الشمس تسير في مسار إهليلجي بيضوي، وهذا الشكل مثل البيضة، لها قطر أصغر، وقطر أكبر، فالأرض إذا اقتربت من الشمس لا بد من أن تزيد سرعتها لئلا تنجذب إلى الشمس، حينما تزداد سرعتها ينشأ عن هذا الازدياد قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة، فتبقى في مسارها، وحينما تأتي إلى القطر الأعظم لا بد من أن تبطّئ من سرعتها، لئلا تتفلّت من مسارها حول الشمس، فتارة تسرّع وتارة تبطئ، وهذا التسريع والتبطيء بتباطؤ أيضا، نحن عندنا مصطلح التسارع والتباطؤ، التسارع بطيء والتباطؤ بطيء، لئلا ينهدم ما على الأرض، لو كان التسارع سريعا كل شيء على الأرض ينهدم، وهذا من لطف الله بنا، تأتي الآية:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾
(سورة فاطر)
أي أن تزولا عن مسارها، لئلا تزول الأرض عن مسارها تسرع تارة بتباطؤ، وتبطئ تارة بتباطؤ، فرضا هذه الأرض تفلتت عن مسارها حول الأرض، وأردنا أن نعيدها، قال: لا بد من أن نربطها بمليون مليون حبل فولاذي، كل حبل يقاوم مليوني طن، كي تعود، لو أننا أردنا أن نزرع هذه الحبال على وجه الأرض المقابل للشمس، مليون مليون، المفاجأة أننا أمام غابة من الحبال، بين كل حبلين مسافة حبل واحد، فلا زراعة، ولا بناء، ولا مواصلات ولا طرق، ولا بحار، انظر إلى هذه الآية:
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾
(سورة الرعد)
أي بعمد لا ترونها، قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾
(سورة فاطر)
إن زالت زالت، الزوال الأول انحرافها عن مسيرها، والزوال الثاني التلاشي، إذا زالت زالت :
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾
(سورة الرعد)
فهذه قوة التجاذب التي كشفها العلماء شيء لا يصدق، مرة ضربت مثلا ؛ لو جئنا بأكبر عالم فيزياء، أعطيناه كتلتين مغناطيسيتين على سطح أملس، وجئنا بكرة حديدية، وقلنا له: ضع هذه الكرة في نقطة بحيث لا تنجذب لا إلى هنا ولا إلى هنا، لاحتاج إلى حسابات الميكرون، فكيف إذا كانت الكتلتان مختلفتين ؟ كبيرة و صغيرة، حسابات أشق، لو ثلاث كتل متفاوتة الحجم، لو أرع كتل، لو خمس كتل، لو أن هناك كتل في فراغ، فرضنا أولاً على سطح أملس، الآن الكرة في فراغ، الكرة الثانية، والكرة الثالثة، الأحجام مختلفة، والمسافات مختلفة و لمجال فراغ، لا سطح، ومحصلة هذا النظام أن هناك توازنا حركيا، حركي مع نظام، لمجرد أن تقف هذه الكواكب عن الحركة يصبح الكون كله كتلة واحدة، الكون كله، لأن كل جرم ينجذب إلى الأكبر، قانون الجاذبية يساوي الكتلة مع مربع المسافة، فكل كوكب ينجذب إلى الأكبر، وهكذا ينتهي الكون إذا توقف عن الحركة، الحركة بشكل عام تنشأ منها قوة تكافئ قوة الجذب للتوازن، لكن هل يقدر الإنسان على الأرض أن يعلق خمس أو ستّ كتل مغناطيسية في الهواء، من دون حبال، محصلة التجاذب يكون التجاذب ؟ هذا شيء يفوق حد الخيال، فربنا عز وجل لفت نظرنا إلى هذا، قال تعالى:
﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)﴾
(سورة الرعد)
هذه للتعليل:
﴿ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)﴾
(سورة الرعد)
أي لعلكم تتفكرون، لا يعقل أن يخلق اللهُ السماوات والأرض بهذا الإعجاز ثم تكون حياة الإنسان سنوات معدودة، ليس هناك تناسب، أنا أحيانا أقول طريق الطب طويل كثير، ست سنوات ابتدائي، وثلاث إعدادي، إذا الطالب أولي متفوق وله ذكاء عالٍ جدا، دخل الطب سبع سنوات، اثنا عشر و سبع تسعة عشر، يحتاج إلى سبع أو ثماني سنوات أخرى حتى ينهي دراسته الاختصاصية، كان عمره ست سنوات، وتسعة عشر، خمس وعشرون، وسبع اثنان وثلاثون، حتى يقدر أن يؤمن عيادة و أدوات وحاجات ويؤسس حاله في الأربعين تقريبا، وموتُ الناس في الخمسين أو الخامسة و الخمسين، معقول أربعون سنة في عسر سنوات، لا يتسع، معظم الناس لما يستقر تتنامى خبراته، وتتنامى أذواقه، عنده كثير من الحكمة، يعرف الأصول يكون قد أتى أجله، حينما ينضج يأتيه ملك الموت، لو ليس هناك آخرة هناك سؤال كبير جدا، ما معنى الحياة ؟ لعلكم الذي خلق السماوات والأرض بهذه العظمة لا يُعقل أن يكون الخلق هذه الحياة الدنيا، مستحيل، هذه حياة ابتدائية إعدادية لحياة أبدية، لأن كمال الخلق يدل على كمال التصرف، ونحن في عقيدتنا أن الإيمان باليوم الآخر إيمان إخباري، وعندنا إيمان حسّي عن طريق الحياة، وعندنا إيمان عن طريق الحواس، الشيء الذي ظهرت عينه وآثاره معا نؤمن به بالحواس، كهذه الطاولة وهذا القلم وهذه الثريا وهذا المسجد، والذي غابت عينه و بقيت آثاره كذات الله عز وجل نؤمن به عن طريق العقل، الأثر يدل على المؤثر، و الخلق يدل على الخالق، والنظام على المنظم، والتسيير على المسير، و الحكمة على الحكيم، والعلم على العليم، أما إذا الشيء غاب عنا عينه وأثره معا لا سبيل إلى الإيمان به إلا الخبر الصادق، فالإيمان بالجن والملائكة و الميزان و يوم الحساب والحشر نشرت، و الصراط المستقيم و الجنة و النار وخلق آدم، و الماضي السحيق، والمستقبل، هذا كله لا طريق للإيمان به إلا الخبر الصادق، غلا أن أحد كبار العلماء وهو ابن القيم يرى أن الإيمان باليوم الآخر عن طريق العقل، لأن هذا العقل لا يقبل، أنت مثلا لا تقبل رافعة في الميناء ترفع مائتي طن من أجل علبة محارم، لا تتناسب، هذه الرافعة الضخمة تتناسب مع قطار، مع باص كبير، مع كونتنر ضخم، لا تتناسب، لا يعقل أن تُصمم رافعة لمائتي طن لنقل علبة محارم، هذا شيء يرده العقل، كذلك لا يعقل أن يخلق الله هذا الكون بعظمته اللامتناهية لسنوات معدودة مقرونة بالهموم والأحزان، هل هناك واحد ليس له مشكلة ممن حوالينا ؟ على الإطلاق، ليس هناك من ليس له مشكلة، كذلك على الاثنين والثلاثة والأربعة، فلماذا شاء الله أن يكون الغنى والفقر ؟ معقول إنسان يكاد يضخم من الطعام، وإنسان يتمنى أن يأكل لقمة طعام واحدة، معقول إنسان قوي يتحكم في الملايين، وإنسان ضعيف لا يملك أمره، معقول إنسان يعيش مائة و سبع سنوات، وواحد يموت في الثامنة عشر، كيف انتهى عمره مبكرا، معقول امرأة رائعة الجمل يأتيها أكبر خاطب، وامرأة وسط تفشل، الجمال موزع، والقوة موزعة، والمال موزع، و الذكاء موزع، معنى ذلك هناك قوي وفقير وغني، ومستغل، لو لم يكن هناك آخرة هناك ظلم، يقول هذا الفقير: يا ربي ما ذنبي أنا، لماذا جعلتني في الدنيا فقيرا أتمنى الطعام و الشراب، يقول الضعيف: لماذا جعلتني ضعيفا يا ربي لا أملك أمري، أما الله عز وجل فلا بد من يوم الآخر، تصفى فيه الحسابات، يؤخذ حقّ الضعيف من القوي، قال تعالى:
﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)﴾
(سورة الرعد)
هذا العقل لا يقبل أن تكون الدنيا فقط بلا آخرة، ينشأ عن ذلك مليار سؤال، أسئلة كبيرة جدا، أما حينما نؤمن بالآخرة:
﴿ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾
(سورة فصلت)
فالغنى والفقر بعد العرض على الله، الغنى غنى العمل الصالح، و الفقر فقر العمل الصالح،
(( عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ ))
(رواه الترمذي)
فالإيمان بالآخرة، فالأصل هو النقل، أما عند ابن القيم عقل، أما التفاصيل فالنقل، كون هناك صراط، وهناك عرش، وهناك كرسي،...إلخ، التفاصيل بالنقل، أما أصل اليوم الآخر بالعقل.
أحيانا يدخل الواحد، عامة الناس إلى مسرحية، يرفع الستار يبدأ التمثيل، واحد يقتل الثاني مثلا، تمثيلا، يلقى الستار لا أحد يقوم من مكانه، لا تمشوا، لم تتم، هناك مشكلة، كيف تحل هذه المشكلة، الفطرة، هناك مليار مليار مشكلة في الأرض، ليس هناك مغتصِب و مغتصَب، الذين اغتصبوا خمسا و ثلاثين ألف فتاة في البوسنة لن يحاسبوا ؟ الذين يعيشون على أنقاض البشر، والذين عندهم ثروات العالم كلها، وشعوب تموت من الجوع لن يحاسَبوا ؟ قلت لهم: إذا لم يكن هناك آخرة فأنتم أذكى شعب على الأرض، أما لو هناك آخرة نحن أذكى منكم، طبعا.
فيا أيها الأخوة ؛
﴿ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)﴾
(سورة الرعد)
انظر الربط بين الآية الكونية مع الآخرة:
﴿ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)﴾
(سورة الرعد)
أي لعلكم توقنون أن الله لم يخلق هذا الكون عبثا:
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾
(سورة المؤمنون)
قال تعالى
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37)﴾
(سورة القيامة)
هذه النطفة مؤلفة من غشاء، ومن هيولة ونوية، وعن النوية الرقم أنا متأكد منه، و لكن هناك أقوال أخرى، خمسة آلاف مليون معلومة مبرمجة على هذه النوية، تسهم في تخليق الإنسان وفق برنامج زمني محدد، هذا الآن علم المورثات، الهندسة الوراثية، يقول لك جين خاص باللون، وجين خاص بالشعر، و جين خاص...إلى، اكتشفوا ألفي جين تقريبا، فهذه النطفة في اللقاء الزوجي، هناك خمسمائة مليون تحتاج البويضة إلى واحدة فقط، هذا التزاوج و التلاقح و التنامي، و الإنسان في الرحم، هذه الآيات الصارخة لماذا خلقت هكذا ؟
الآية الثانية:
﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)﴾
(سورة الرعد)
من أجل أن نتفكر:
﴿ وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ﴾
(سورة الرعد)
أنت تقدر تشرح لي كلمة تفاح من دون كلمة تفاح، وعن الدراق، وعن الأجاص و العنب، وعن التمر، وعن المشمش، وعن السفرجل، من دون اسم، قل لي: هناك فاكهة طعمها كذا وكذا أعطيها رقما، هل تقدر ؟
﴿ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾
(سورة الرعد)
التفاح فيه ثلاثمائة نوع، العنب ثلاثمائة نوع، كل فاكهة أنواع منوعة، القمح خمسة وأربعون ألف نوع:
﴿ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)﴾
(سورة الرعد)
انظر
﴿ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (2)﴾
(سورة الرعد)
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)﴾
(سورة الرعد)
﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)﴾
(سورة الرعد)
يا إخوان ليس هناك حل للمسلمين الآن إلا أن يؤمنوا، أبدا:
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
(سورة الرعد)
المسلمون اليوم بسذاجة لا تعقل، ينتظرون أن يغيّر الله سننهم، وهم ليسوا مستعدين أن يغيروا شيئا، هم على ما هم عليه، على تقصيرهم ومخالفاتهم، وأكلهم المال الحرام، والعداوة والبغضاء بينهم، وعلى تفلت نسائهم، وعلى كسبهم الحرام، ليسوا مستعدين أن يغيروا شيئا من حياتهم، ويتأملون أن يغير الله قوانينه الثابتة، التغيير يجب أن يكون من عندنا وليس من الله، الله قوانينه ثابتة، إذا غيرنا يغيّر، أما إذا لم نغيّر لم يغيّر، هذا الكلام قد يكون قاسيا، تقول: يا ربي انصرنا، مهما أعليت صوتك ليس هناك نصر، رافع صوتك قدر ما تريد، و تفاصح في الدعاء، إذا لم تغير واقعك، وما غيرت في بيتك، و في عملك، وما انضبطت بالشرع، وما كنت أمينا صادقا عفيفا، محسنا لن يغير الله ما بك، غيِّرْ يغيِّر، لا تغيّر لا يغيّر.
انظر إلى الآية:
﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ﴾
(سورة الرعد)
أي لا دعوة في الأرض يمكن أن تكون صحيحة إلا إلى الله، الله عز وجل أزلي أبدي، باق على الدوام، بيده مقاليد السماوات والأرض، إليه يرجع الأمر كله.
مرة الحجَّاج هدّد أحد التابعين بالقتل، قال له: لو علمت أن قتلي بيدك لعبدتك "، لا يمكن أن يسلمك الله إلى أحد، ولو أسلمك الله إلى أحد لا يستحق أن تعبده، يجب أن تعبد هذا الذي أسلمك إليه:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾
(سورة هود)
ما أمرك أن تعبده إلا بعد أن طمأنك، أن أمرك كله بيد الله عز وجل، هذا التوحيد، لذلك:
﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ﴾
(سورة الرعد)
الآن تصور أيّة دعوة إلى غير الله دعوة باطلة، غير الله ليس عنده شيء، عبد فقير مثلك، يخاف كما تخاف، ويتألم، و يحرص، أيّة دعوة غلى غير الله دعوة باطلة، و لا يليق بك إلا أن تدعو إلى الله، ولا يليق بك إلا أن تكون محسوبا على الله، أما إذا كنت مجيرا لمخلوق ما أتعسك، وما أصغر عقلك، و ما أحقر اختيارك، أنت لله، هل يعقل أن تكون لغير الله ؟ أن تكون تابعا لمخلوق.
قال تعالى:
﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (14)﴾
(سورة الرعد)
دعوتهم إلى لا شيء، في ضلال:
﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39)﴾
(سورة النور)
مرة هارون الرشيد غضب من زوجته زبيدة، حلف عليها بالطلاق إن لم تبت في مكان لا يضله حكمه فهي طالق، هارون الرشيد أينما ذهبت السحابة يأتيه خرجها، بلاده واسعة جدا، فهذه الزوجة وقعت في مشكلة، أين تبيت، البلاد كلها ملك هذا الخليفة، فسألت الإمام أبا يوسف، فأشار لها أن تبيت في المسجد، لأن المساجد لله، فباتت، أكرمته إكراما منقطع النظير، لأنها حُلت مشكلتها بهذه الفتوى:
﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (18)﴾
(سورة الجن)
بيت الله لا يملكه أحد، هذا بيت الله بيت الله، إن بيوتي في الأرضى المساجد، وإن زوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، وحقّ على المزور أن يكرم الزائر ".
يقول أخ كريم: قرنتم بين عظمة خلق السماوات و الأرض و بين خلق الإنسان التي لا يمكن أن تكون على هذا النحو الحسي من حيث الضآلة، كيف نفهم ذلك في ضوء انهيار هذا الخلق في الحياة الدنيا ؟
يروى أن سيدنا علي قال:
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
الإنسان أكرم مخلوقات الله إطلاقا، أحيانا رأيت الماسة في استنبول في متحف ثمنها مائة و خمسون مليون دولار، و الألماس أساسه فحم، لو جئنا بفحمة بوزنها فكم تساوي ؟ فالإنسان مخلوق أول، خلقت لك السماوات والأرض فلا تتعب، وخلقتك من أجلي فلا تلعب، فبحقي عليك لا تتشاغل بما ضمنته لك، طيب معقول خالق الكون يقسم بحياة إنسان، إنها حياة النبي، قال:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)﴾
(سورة الحجر)
وقال تعالى:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)﴾
(سورة البينة)
والإنسان ما حجمه، وزنه كله سبعون أو ثمانون كيلو، يكون مهيمنا على خمسمائة مليون، وأمره نافذ فيهم، القضية ليست بالحجم، الإنسان مخلوق متميز، قال تعالى:
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾
(سورة الأحزاب)
لو عرفنا قيمتنا عند الله عز وجل لكنا أناسا آخرين، أنت مخلوق أول، أنت مخلوق مكلف مكرم، أنت أول مخلوقات الله عز وجل، خلقك للجنة، أنت سخر الله لك السماوات والأرض ممكن ؟ ممكن مائة ألف مليون مجرة هذا الذي عرفناه حتى الآن، وفي كل مجرة تقريبا مائة ألف مليون نجم، وكل هذا الكون مسخر بنص القرآن لك:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ﴾
(سورة الجاثية)
أيهما أكرم الله على الله المسخَّر أم المسخر له ؟ المسخر له، فكما أن هذا الكون عظيم الإنسان مؤهل أن يكون مخلوقا أولا وأن يستحق جنات ربه إلى أبد الآبدين، لذلك:
﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)﴾
(سورة الزمر)
يعني أكبر خسارة على الإطلاق أن تنسى مهمتك التي أنت خُلقت من أجلها.