الدين
الإسلام
بسملة مزخرفة بشكل إجاصة ترقى لمنتصف القرن الرابع عشر، أي زمن الخلافة العباسية في القاهرة.
يعتبر الدين الإسلامي أحد المقومات الرئيسية التي قامت عليها الدولة العباسية، وقد شهد هذا الدين في كنفها تطورًا كبيرًا كان له الأثر السلبي في بعض الأحيان وأثر إيجابي في أحيان أخرى. فإن انتشار الإسلام بين الشعوب غير المسلمة وفهم هذه الأخيرة للإسلام بطريقتها الخاصة المتأثرة بفلسفاتها ومعتقداتها القديمة، فضلاً عن الاجتهادات الخاصة لبعض الفقهاء، أدى إلى نشوء طوائف ومذاهب عديدة داخل المؤسسة الإسلامية نفسها، بعضها اندثر والبعض الآخر لا يزال حتى اليوم.
[95] من الطوائف الإسلامية التي نشأت خلال العهد العباسي المعتزلة والمرجئة والإباضية وغيرهم، كما نشأت عن الطائفة الشيعية عدة طوائف نتيجة اختلافات فقهية أو اختلاف حول وراثة منصب الإمام الشيعي فنشأت بذلك الطائفة الإسماعيلية والعلوية والدرزية.
[96] أيضًا فإن بدايات الصوفية نشأت في العصر العباسي وترعرعت فيه مدارسها وتقنياتها المختلفة وصيغت أدبياتها.
[97] ولم تكن العلاقة جيدة بين مختلف الطوائف، رغم أن الباحثين يسوقون قيامها إلى الغنى الثقافي والتنوع الحضاري، إذ قامت العديد من الفتن والاقتتالات الطائفية بين مختلف الطوائف وبشكل متواتر طوال تاريخ الدولة ما أثر على وحدتها وولاء مواطنيها.
من أبرز تأثيرات العصر العباسي أيضًا، ظهور وتطور المذاهب والمدارس الفقهية التي حصرت بأربع مدارس كبرى هي الشافعية والمالكية والحنفية والحنبلية، وكانت هذه المدارس شكلاً من أشكال التنوّع في تفسير العقيدة.
[98] وغالبًا ما كان الخلفاء يحيطون أنفسهم بقضاة من المذاهب الأربعة كذلك الحال في الجامعات الكبرى المعنية بالشريعة كالجامعة المستنصرية. وتميّز العهد العباسي أيضًا بالاهتمام بجمع الحديث النبوي وغربلته بقصد التحقق من مدى دقته وصلته بالنبي محمد، وإن أشهر جامعي الحديث قد برزوا خلال العصر العباسي كالبخاري ومسلم والترمذي وأحمد وغيرهم، مما لا يزال فقهاء الإسلام يعتمدون عليهم إلى اليوم، ما يدلّ على التأثير العميق للعصر العباسي في العلوم الشرعية والفقهية.
[99] ونشأت عدة مدراس تختصّ بعلوم الحديث أشهر هذه المدارس مدرسة المدينة المنورة ومدرسة أهل الرأي في العراق، وظهر علم «قراءات القرآن» في العصر العباسي، منعًا لاختلاف القراءات بحكم تعدد اللهجات، واختير في سبيل ذلك سبعة قرّاء اشتهروا بعلمهم وفضلهم.
[100] بل إن العباسيين حتى في الأزمنة التي كفوا فيها عن رعاية العلوم والفنون لم يكفوا قط عن رعاية المدارس الفقهية وتمويلها، وانطلاقًا من هنا فإن الغزو المغولي الذي دمر المدن الكبرى وأتلف محتويات المساجد والمكتبات في بغداد وحلب ودمشق ترك المسلمين في حال تصفها المستشرقة كارين آرمسترونغ باليتم، ففقهاء العصر المملوكي لم يكونوا مهتمين بتطوير الفتاوي والاجتهادات الفقهية بقدر ما كانوا مهتمين بإعادة تجميع ما قد ضاع وفقد منها.
[101] رجل دين درزي، إحدى الطوائف التي نشأت في كنف الدولة العباسية.
على مستوى الطائفة الشيعية، فإن العصر العباسي يعتبر حاسمًا في تكوين معالم هذه الطائفة كما تبدو اليوم. إذ إن الدعوة العباسية وإن قامت على تقارب مع الشيعة إلا أنها سرعان ما انقلبت عليهم،
[102] ورغم أن العباسيين قد حفظوا الإمامة الشيعية قائمة كما تم الاتفاق بين الحسن بن علي ومعاوية بن أبي سفيان إلا أنّ أغلب الأئمة الشيعة إما اغتيلوا أو سمموا من قبل الخلفاء،
[103] وعلى الرغم من أن الإمام السادس جعفر الصادق قد حرّم التدخل في شؤون الدولة على الشيعة إلا أن العلاقة قد ظلت متوترة.
[103] الإمام الثاني عشر محمد المهدي اختفى خلال خلافة المتوكل على الله بظروف غامضة، ويعتقد الشيعة حتى اليوم أن الإمام هو في حالة غيبة بسبب استشراء الظلم والفساد في المجتمع وأنه سيعود قبل موعد يوم القيامة ليقيم الحكم الإسلامي العادل.
[104][105] في الحقيقة إن عقيدة غيبة الإمام التي ظهرت في العصر العباسي ستشكل إحدى الركائز الأساسية للطائفة الشيعية ومعتقداتها.
[106]الجدالات الدينية الإسلامية الفلسفية كانت إحدى سمات العصر العباسي خصوصًا في عهود القوة. أبرز هذه الجدالات الدينية الجدل الذي حصل حول أزلية القرآن أو خلقه، إذ قالت المعتزلة والإباضية بخلق القرآن ودعمهم الخليفة المأمون، في حين قالت الأشاعرة والسنة بأزلية القرآن. الجدل الدائر لم يحسم بعد، إذ إن بعض الفرق لا تزال تقول بخلق القرآن استنادًا إلى عدد من آيات القرآن ذاته منها: ﴿قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْ.﴾
[107][108] في حين أن أغلب المسلمين يرفضون ذلك استنادًا إلى كون القرآن بوصفه كلام الله جزءًا لا يتجزأ عنه، وإن جعل القرآن مخلوقًا يؤثر على حال الألوهية غير القابلة للتبديل.
[109] لطالما قارن المؤرخون وعلماء الدين المقارن بين هذا الجدال والجدال المسيحي في القرن الرابع حول خلق المسيح أو أزليته، وقد عقد مجمع نيقية عام 325 للفصل به وانتهى للقول بأزلية المسيح تمامًا كالقول بأزلية القرآن، بوصف كليهما في دينهما «كلمة الله».
[110] الجدال الثاني كان منبعه تضارب التفسير لآية: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى.﴾
[111] حيث ذهب البعض للقول بالتفسير الرمزي للآية وتمسك البعض بوجود عرش الله، وأغلب المسلمين من سنة وشيعة اليوم يقرون بالتفسير الرمزي أو التأويل لهذه الآية دونما تفسيرها حرفيًا.
[112][113] هناك قضايا أخرى كانت محط جدال في العصر العباسي كالجدال حول رؤية الله في يوم القيامة أو نفيه والجدل المتعلق حول جنس الملائكة والجدل المتعلق بالجبر والاختيار، وغيرهم من القضايا.
ومع كون الإسلام هو دين الدولة، غير أنه لا يمكن تحديد مذهب من مذاهبه أو طوائفه دينًا رسميًا. فخلال خمسة قرون من عمر الخلافة في بغداد، كان دين الدولة يتأثر بطائفة الخليفة، فالمأمون والمعتصم والواثق أعلنوا الاعتزال عقيدة الدولة،
[114] وقام المتوكل بتعيين الشافعية مذهبًا رسميًا، أما المستعصم بالله فكان يميل نحو الشيعة وكذلك الخلفاء الذين تعاقبوا خلال الدولة البويهية،
[115] على عكس الخلفاء الذين تعاقبوا خلال الدولة السلجوقية ومالوا نحو السنة.
إحدى مآذن الجامع الأزهر، أسسه الفاطميون كمدرسة للطائفة الإسماعيلية وحوله صلاح الدين الأيوبي إلى مدرسة للسنة بعد توليه مصر عام 1171، ويعتبر من أهم المراجع الدينية حتى اليوم.