المصـــــــــــراوية
المصـــــــــــراوية

المصـــــــــــراوية

 
الرئيسيةاليوميةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم)

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3
كاتب الموضوعرسالة
صالح المحلاوى

صالح المحلاوى


اعلام خاصة : رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 192011_md_13005803803
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011
الموقع الموقع : المحلة - مصر المحروسة
العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى
المزاج : متوفي //

رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم)   رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 5 أبريل 2015 - 2:42

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 3dlat.com_06_14wPr3lDOOYgun
مصعب بن عمير
0أول سفير فى الاسلام0ا
م
صعب بن عمير(أو

هذا رجل من أصحاب محمد ما أجمل أن نبدأ به الحديث.
غرّة فتيان قريش, وأوفاهم جمالا, وشبابا..
يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون:" كان أعطر أهل مكة"..
ولد في النعمة, وغذيّ بها, وشبّ تحت خمائلها.
ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به "مصعب بن عمير"..
ذلك الفتى الريّان, المدلل المنعّم, حديث حسان مكة, ولؤلؤة ندواتها ومجالسها, أيمكن أن يتحوّل إلى أسطورة من أساطير الإيمان والفداء..؟
بالله ما أروعه من نبأ.. نبأ "مصعب بن عمير", أو "مصعب الخير" كما كان لقبه بين المسلمين.
انه واحد من أولئك الذين صاغهم الإسلام وربّاهم "محمد" عليه الصلاة والسلام..
ولكن أي واحد كان..؟
إن قصة حياته لشرف لبني الإنسان جميعا..
لقد سمع الفتى ذات يوم, ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه وسلم..
"محمد" الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا. وداعيا إلى عبادة الله الواحد الأحد.
وحين كانت مكة تمسي وتصبح ولا همّ لها, ولا حديث يشغلها إلا الرسول عليه الصلاة والسلام ودينه, كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا الحديث.
ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه, زينة المجالس والندوات, تحرص كل ندوة أن يكون مصعب بين شهودها, ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله كانتا من خصال "ابن عمير التي تفتح له القلوب والأبواب..
ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن آمن معه, يجتمعون بعيدا عن فضول قريش وأذاها.. هناك على الصفا في دار "الأرقم بن أبي الأرقم" فلم يطل به التردد, ولا التلبث والانتظار, بل صحب نفسه ذات مساء إلى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه...
هناك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم القرآن, ويصلي معهم لله العليّ القدير.
ولم يكد مصعب يأخذ مكانه, وتنساب الآيات من قلب الرسول متآلفة على شفتيه, ثم آخذة طريقها إلى الأسماع والأفئدة, حتى كان فؤاد ابن عمير في تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود..!
ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه, وكأنه من الفرحة الغامرة يطير.
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الصدر المتوهج, والفؤاد المتوثب, فكانت السكينة العميقة عمق المحيط.. وفي لمح البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة ما يفوق ضعف سنّه وعمره, ومعه من التصميم ما يغيّر سير الزمان..!!!
--
كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة في شخصيتها, وكانت تهاب إلى حد الرهبة..
ولم يكن مصعب حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة سوى أمه.
فلو أن مكة بل أصنامها وأشرافها وصحرائها, استحالت هولاً  يقارعه ويصارعه, لاستخف به مصعب إلى حين..
أما خصومة أمه, فهذا هو الهول الذي لا يطاق..!
ولقد فكر سريعا, وقرر أن يكتم إسلامه حتى يقضي الله أمرا.
وظل يتردد على دار الأرقم, ويجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو قرير العين بإيمانه, وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر إسلامه خبرا..
ولكن مكة في تلك الأيام بالذات, لا يخفى فيها سر, فعيون قريش وآذانها على كل طريق, ووراء كل بصمة قدم فوق رمالها الناعمة اللاهبة, الواشية..
ولقد أبصر به "عثمان بن طلحة" وهو يدخل خفية إلى دار الأرقم.. ثم رآه مرة أخرى وهو يصلي كصلاة محمد صلى الله عليه وسلم, فسابق ريح الصحراء وزوابعها, شاخصا إلى أم مصعب, حيث ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابها...
ووقف مصعب أمام أمه, وعشيرته, وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليهم في يقين الحق وثباته, القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبهم, ويملؤها به حكمة وشرفا, وعدلا وتقى.
وهمّت أمه أن تسكته بلطمة قاسية, ولكن اليد التي امتدت كالسهم, ما لبثت أن استرخت وتنحّت أمام النور الذي زاد وسامة وجهه وبهاءه جلالا يفرض الاحترام, وهدوءا يفرض الإقناع..
ولكن, إذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى, فان في مقدرتها أن تثأر للآلهة التي هجرها بأسلوب آخر..
وهكذا مضت به إلى ركن قصي من أركان دارها, وحبسته فيه, وأحكمت عليه إغلاقه, وظل رهين محبسه ذاك, حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين إلى أرض الحبشة, فاحتال لنفسه حين سمع النبأ, وغافل أمه وحراسه, ومضى إلى الحبشة مهاجرا أوّابا..
ولسوف يمكث بالحبشة مع إخوانه المهاجرين, ثم يعود معهم إلى مكة, ثم يهاجر إلى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون.
ولكن سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة, فان تجربة إيمانه تمارس تفوّقها في كل مكان وزمان, ولقد فرغ من إعادة صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاهم محمد نموذجه المختار, واطمأن مصعب إلى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها الأعلى, وخالقها العظيم..
خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله, فما إن بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيّا..
ذلك أنهم رأوه.. يرتدي جلبابا مرقعا باليا, وعاودتهم صورته الأولى قبل إسلامه, حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة, وألقا وعطرا..
وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة, شاكرة محبة, وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة, وقال:
" لقد رأيت مصعبا هذا, وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه, ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".!!
لقد منعته أمه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة.. وأبت أن يأكل طعامها إنسان هجر الآلهة وحاقت به لعنتها, حتى ولو يكون هذا الإنسان ابنها..!!
ولقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من الحبشة. فآلى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه..
وإنها لتعلم صدق عزمه إذا همّ وعزم, فودعته باكية, وودعها باكيا..
وكشفت لحظة الوداع عن إصرار عجيب على الكفر من جانب الأم وإصرار أكبر على الإيمان من جانب الابن.. فحين قالت له وهي تخرجه من بيتها: اذهب لشأنك, لم أعد لك أمّا. اقترب منها وقال:"يا أمّه إني لك ناصح, وعليك شفوق, فاشهدي بأنه لا اله إلا الله, وأن محمدا عبده ورسوله"...
أجابته غاضبة مهتاجة:" قسما بالثواقب, لا أدخل في دينك, فيزرى برأيي, ويضعف عقلي"..!!
وخرج مصعب من العتمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة.. وأصبح الفتى المتأنق المعطّر, لا يرى إلا مرتديا أخشن الثياب, يأكل يوما, ويجوع أياما و ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة, والمتألقة بنور الله, كانت قد جعلت منه إنسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة...
--
وآنئذ, اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها: أن يكون سفيره إلى المدينة, يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة, ويدخل غيرهم في دين الله, ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم..
كان في أصحاب رسول الله يومئذ من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاها, وأقرب من الرسول قرابة.. ولكن الرسول اختار مصعب الخير, وهو يعلم أنه يكل إليه بأخطر قضايا الساعة, ويلقي بين يديه مصير الإسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة, ومنطلق الدعوة والدعاة, والمبشرين والغزاة, بعد حين من الزمان قريب..
وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق, ولقد غزا أفئدة المدينة وأهلها بزهده وترفعه وإخلاصه, فدخلوا في دين الله أفواجا..
لقد جاءها يوم بعثه الرسول إليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة, ولكنه لم يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول..!!
وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة, كان مسلمو المدينة يرسلون إلى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم.. وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة.. جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم إليهم "مصعب بن عمير".
لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار..
فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها. وعرف أنه داعية إلى الله تعالى, ومبشر بدينه الذي يدعو الناس إلى الهدى, والى صراط مستقيم. وأنه كرسوله الذي آمن به, ليس عليه إلا البلاغ..
هناك نهض في ضيافة "أسعد بن زرارة" يفشيان معا القبائل والبيوت والمجالس, تاليا على الناس ما كان معه من كتاب ربه, هاتفا بينهم في رفق عظيم بكلمة الله (إنما الله اله واحد)..
ولقد تعرّض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه, لولا فطنة عقله, وعظمة روحه..
 
ذات يوم فاجأه وهو يعظ الإنس "أسيد بن خضير" سيد بني عبد الأشهل بالمدينة, فاجأه شاهرا حربته و يتوهج غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم.. ويدعوهم لهجر آلهتهم, ويحدثهم عن إله واحد لم يعرفوه من قبل, ولم يألفوه من قبل..!
إن آلهتهم معهم رابضة في مجاثمها و إذا احتاجها أحد عرف مكانها وولى وجهه ساعيا إليها, فتكشف ضرّه وتلبي دعاءه... هكذا يتصورون ويتوهمون..
أما إله محمد الذي يدعوهم إليه باسمه هذا السفير الوافد إليهم, فما أحد يعرف مكانه, ولا أحد يستطيع أن يراه..!!
وما إن رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون مصعبا مقدم أسيد بن حضير متوشحا غضبه المتلظي, وثورته المتحفزة, حتى وجلوا.. ولكن مصعب الخير ظل ثابتا وديعا, متهللا..
وقف أسيد أمامه مهتاجا, وقال يخاطبه هو وأسعد بن زرارة:
"ما جاء بكما إلى حيّنا, تسفهان ضعفاءنا..؟ اعتزلانا, إذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة"..!!
وفي مثل هدوء البحر وقوته..
وفي مثل تهلل ضوء الفجر ووداعته.. انفرجت أسارير مصعب الخير وتحرّك بالحديث الطيب لسانه فقال:
"أولا تجلس فتستمع..؟! فان رضيت أمرنا قبلته.. وان كرهته كففنا عنك ما تكره".
الله أكبر. ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام..!!
 
كان أسيد رجلا أعرايبا عاقلا.. وها هو ذا يرى مصعبا يحتكم معه إلى ضميره, فيدعوه أن يسمع لا غير.. فان اقتنع, تركه لاقتناعه وان لم يقتنع ترك مصعب حيّهم وعشيرتهم, وتحول إلى حي آخر وعشيرة أخرى غير ضارّ ولا مضارّ..
هنالك أجابه أسيد قائلا: أنصفت.. وألقى حربته إلى الأرض وجلس يصغي..
ولم يكد مصعب يقرأ القرآن, ويفسر الدعوة التي جاء بها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام, حتى أخذت أسارير أسيد تبرق وتشرق.. وتتغير مع مواقع الكلم, وتكتسي بجماله..!!
ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى هتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائلا:
"ما أحسن هذا القول وأصدقه.. كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين"..؟؟
وأجابوه بتهليلة رجّت الأرض رجّا, ثم قال له مصعب:
"يطهر ثوبه وبدنه, ويشهد أن لا اله إلا الله".
فغاب أسيد عنهم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه, ووقف يعلن أن لا اله إلا الله, وأن محمدا رسول الله..
وسرى الخبر كالضوء.. وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع, وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة, وتمت بإسلامهم النعمة, وأقبل أهل المدينة بعضهم على بعض يتساءلون: إذا كان أسيد بن حضير, وسعد بن معاذ, وسعد بن عبادة قد أسلموا, ففيم تخلفنا..؟ هيا إلى مصعب, فلنؤمن معه, فإنهم يتحدثون أن الحق يخرج من بين ثناياه..!!
--
لقد نجح أول سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم نجاحا منقطع النظير.. نجاحاً هو له أهل, وبه جدير..
وتمضي الأيام والأعوام, ويهاجر الرسول وصحبه إلى المدينة, وتتلمظ قريش بأحقادها.. وتعدّ عدّة باطلها, لتواصل مطاردتها الظالمة لعباد الله الصالحين.. وتقوم غزوة بدر, فيتلقون فيها درسا يفقدهم بقية صوابهم ويسعون إلى الثأر, و تجيء غزوة أحد.. ويعبئ المسلمون أنفسهم, ويقف الرسول صلى الله عليه وسلم وسط صفوفهم يتفرّس الوجوه المؤمنة ليختار من بينها من يحمل الراية.. ويدعو مصعب الخير, فيتقدم ويحمل اللواء..
وتشب المعركة الرهيبة, ويحتدم القتال, ويخالف الرماة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام, ويغادرون موقعهم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين, لكن عملهم هذا, سرعان ما يحوّل نصر المسلمين إلى هزيمة.. ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل, وتعمل فيهم على حين غرّة, السيوف الظامئة المجنونة..
حين رأوا الفوضى والذعر في صفوف المسلمين, ركّزوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينالوه..
وأدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر, فرفع اللواء عاليا, وأطلق تكبيرة كالزئير, ومضى يجول ويتواثب.. وكل همه أن يلفت نظر الأعداء إليه ويشغلهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه, وجرّد من ذاته جيشا بأسره.. أجل, ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزير..
يد تحمل الراية في تقديس..
ويد تضرب بالسيف في عنفوان..
ولكن الأعداء يتكاثرون عليه, يريدون أن يعبروا فوق جثته إلى حيث يلقون الرسول..
لندع شاهد عيان يصف لنا مشهد الخاتم في حياة مصعب العظيم..!!
يقول ابن سعد: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري, عن أبيه قال:
[حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد, فلما جال المسلمون ثبت به مصعب, فأقبل ابن قميئة وهو فارس, فضربه على يده اليمنى فقطعها, ومصعب يقول: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل..
وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه, فضرب يده اليسرى فقطعها, فحنا على اللواء وضمّه بعضديه إلى صدره وهو يقول: وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل..
ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأنفذ الرمح, ووقع مصعب, وسقط اللواء].
وقع مصعب.. وسقط اللواء..!!
وقع حلية الشهادة, وكوكب الشهداء..!!
وقع بعد أن خاض في استبسال عظيم معركة الفداء والإيمان..
كان يظن أنه إذا سقط  فسيصبح طريق القتلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاليا من المدافعين والحماة..
ولكنه كان يعزي نفسه في رسول الله عليه الصلاة والسلام من فرط حبه له وخوفه عليه حين مضى يقول مع كل ضربة سيف تقتلع منه ذراعا:
(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل)
هذه الآية التي سينزل الوحي فيما بعد يرددها, ويكملها, ويجعلها, قرآنا يتلى..
--
وبعد انتهاء المعركة المريرة, وجد جثمان الشهيد الرشيد راقدا, وقد أخفى وجهه في تراب الأرض المضمخ بدمائه الزكية..
لكأنما خاف أن يبصر وهو جثة هامدة رسول الله يصيبه السوء, فأخفى وجهه حتى لا يرى هذا الذي يحاذره ويخشاه..!!
أو لكأنه خجلان إذ سقط شهيدا قبل أن يطمئن على نجاة رسول الله, وقبل أن يؤدي إلى النهاية واجب حمايته والدفاع عنه..!!
لك الله يا مصعب.. يا من ذكرك عطر الحياة..!!
--
وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها..
وعند جثمان مصعب, سالت دموع وفيّة غزيرة..
يقوا خبّاب بن الأرت:
[هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله, نبتغي وجه الله, فوجب أجرنا على الله.. فمنا من مضى, ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا, منهم مصعب بن عمير, قتل يوم أحد.. فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة.. فكنا إذا وضعناها على رأسه تعرّت رجلاه, وإذا وضعناها على رجليه برزت رأسه, فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اجعلوها مما يلي رأسه, واجعلوا على رجليه من نبات الأذخر"..]..
وعلى الرغم من الألم الحزين العميق الذي سببه رزء الرسول صلى الله عليه وسلم في عمه حمزة, وتمثيل المشركين بجثمانه تمثيلا أفاض دموع الرسول عليه السلام, وأوجع فؤاده..
وعلى الرغم من أن أرض المعركة امتلأت بجثث أصحابه وأصدقائه الذين كان كل واحد منهم يمثل لديه عالما من الصدق والطهر والنور..
على الرغم من كل هذا, فقد وقف على جثمان أول سفرائه, يودعه وينعاه..
أجل.. وقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند مصعب بن عمير وقال وعيناه تلفانه بضيائهما وحنانهما ووفائهما:
(من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)
ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي دفن بها وقال لقد رأيتك بمكة, وما بها أرق حلة, ولا أحسن لمّة منك. "ثم ها ذا شعث الرأس في بردة"..؟!
وهتف الرسول عليه الصلاة والسلام وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل من عليها من رفاق مصعب وقال:
"إن رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة".
ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال:
"أيها الناس زوروهم , وأتوهم, وسلموا عليهم, فوالذي نفسي بيده, لا يسلم عليهم مسلم إلى يوم القيامة, إلا ردوا عليه السلام"..
--
السلام عليك يا مصعب..
السلام عليكم يا معشر الشهداء..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
ل سفير فى الاسلام)


عدل سابقا من قبل صالح المحلاوى في الإثنين 6 أبريل 2015 - 0:40 عدل 2 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

كاتب الموضوعرسالة
صالح المحلاوى




عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011

رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم)   رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 5 أبريل 2015 - 3:25

أبو الدرداء(أى حكيم كان)

بينما كانت جيوش الإسلام تضرب في مناكب الأرض.. هادر ظافرة.. كان يقيم بالمدينة فيلسوف عجيب.. وحكيم تتفجر الحكمة من جوانبه في كلمات تناهت نضرة وبهاء...وكان لا يفتأ يقول لمن حوله:
" ألا أخبركم بخير أعمالكم, وأزكاها عند باريكم, وأنماها في درجاتكم, وخير من أن تغزو عدوّكم, فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم, وخير من الدراهم والدنانير".؟؟
وتشرئب أعناق الذين ينصتون له.. ويسارعون بسؤاله:
" أي شيء هو.. يا أبا الدرداء"..؟؟
ويستأنف أبو الدرداء حديثه فيقول ووجهه يتألق تحت أضوء الإيمان والحكمة:
" ذكر الله...
ولذكر الله أكبر"..
  
  لم يكن هذا الحكيم العجيب يبشر بفلسفة انعزالية ولم يكن بكلماته هذه يبشر بالسلبية, ولا بالانسحاب من تبعات الدين الجديد.. تلك التبعات التي يأخذ الجهاد مكان الصدارة منها...
أجل.. ما كان أبو الدرداء ذلك الرجل, وهو الذي حمل سيفه مجاهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم, حتى جاء نصر الله والفتح..
بيد أنه كان من ذلك الطراز الذي يجد نفسه في وجودها الممتلئ الحيّ, كلما خلا إلى التأمل, وأوى إلى محراب الحكمة, ونذر حياته لنشدان الحقيقة واليقين..؟؟
ولقد كان حكيم تلك الأيام العظيمة أبو الدرداء رضي الله عنه إنسانا يتملكه شوق عارم إلى رؤية الحقيقة واللقاء بها..
 
 وإذ قد آمن بالله وبرسوله إيمانا وثيقا, فقد آمن كذلك بأن هذا الإيمان بما يمليه من واجبات وفهم, هو طريقه الأمثل والأوحد إلى الحقيقة..
وهكذا عكف على إيمانه مسلما إلى نفسه, وعلى حياته يصوغها وفق هذا الإيمان في عزم, ورشد, وعظمة..
ومضى على الدرب حتى وصل.. وعلى الطريق حتى بلغ مستوى الصدق الوثيق.. وحتى كان يأخذ مكانه العالي مع الصادقين تماما حين يناجي ربه مرتلا آته..
( إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العلمين).
أجل.. لقد انتهى جهاد أبي الدرداء ضدّ نفسه, ومع نفسه إلى تلك الذروة العالية.. إلى ذلك التفوق البعيد.. إلى ذلك التفاني الرهباني, الذي جعل حياته, كل حياته لله رب العالمين..!!
  
  والآن تعالوا نقترب من الحكيم والقدّيس.. ألا تبصرون الضياء الذي يتلألأ حول جبينه..؟
ألا تشمّون العبير الفوّاح القادم من ناحيته..؟؟
انه ضياء الحكمة, وعبير الإيمان..
ولقد التقى الإيمان والحكمة في هذا الرجل الأوّاب لقاء سعيدا, أيّ سعيد..!!
سئلت أمه عن أفضل ما كان يحب من عمل.. فأجابت:
" التفكر والاعتبار".
أجل لقد وعى قول الله في أكثر من آية:
(فاعتبروا يا أولي الأبصار)...
وكان هو يحضّ إخوانه على التأمل والتفكّر يقول لهم:
" تفكّر ساعة خير من عبادة ليلة"..
لقد استولت العبادة والتأمل ونشدان الحقيقة على كل نفسه.. وكل حياته..
 
  ويوم اقتنع بالإسلام دينا, وبايع الرسول صلى الله عليه وسلم على هذا الدين الكريم, كان تاجرا ناجحا من تجار المدينة  النابهين, وكان قد قضى شطر حياته في التجارة قبل أن يسلم, بل وقبل أن يأتي الرسول والمسلمون المدينة مهاجرين..
بيد أنه لم يمض على إسلامه غير وقت وجيز حتى..
ولكن لندعه هو يكمل لنا الحديث:
" أسلمت مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنا تاجر..
وأردت أن تجتمع لي العبادة والتجارة فلم يجتمعا..
فرفضت التجارة وأقبلت على العبادة.
وما يسرّني اليوم أن أبيع وأشتري  فأربح كل يوم ثلاثمائة دينار, حتى لو يكون حانوتي على باب المسجد..
ألا إني لا أقول لكم: إن الله حرّم البيع..
ولكني أحبّ أن أكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله"..!!
 
  أرأيتم كيف يتكلّم فيوفي القضيّة حقها, وتشرق الحكمة والصدق من خلال كلماته..؟؟
انه يسارع قبل أن نسأله: وهل حرّم الله التجارة يا أبا الدرداء...؟؟
يسارع فينفض عن خواطرنا هذا التساؤل, ويشير إلى الهدف الأسمى الذي كان ينشده, ومن أجله ترك التجارة برغم نجاحه فيها..
لقد كان رجلا ينشد تخصصا روحيا وتفوقا يرنو إلى أقصى درجات الكمال الميسور لبني الإنسان..
 
  لقد أراد العبادة كمعراج يرفعه إلى عالم الخير الأسمى, ويشارف به الحق في جلاله, والحقيقة في مشرقها, ولو أرادها مجرّد تكاليف تؤدّى, ومحظورات تترك, لاستطاع أن يجمع بينها وبين تجارته وأعماله...
فكم من تجار صالحين.. وكم من صالحين تجار...
 
  ولقد كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم تلههم تجارتهم ولا بيعهم عن ذكر الله.. بل اجتهدوا في إنماء تجارتهم وأموالهم ليخدموا بها قضية الإسلام, ويكفوا بها حاجات المسلمين..
ولكن منهج هؤلاء الأصحاب, لا يغمز منهج أبو الدرداء, كما أن منهجه لا يغمز منهجهم, فكل ميسّر لما خلق له..
 
  وأبو الدرداء يحسّ إحساسا صادقا أنه خلق لما نذر له حياته..
التخصص في نشدان الحقيقة بممارسة أقصى حالات التبتل وفق الإيمان الذي هداه إليه ربه, ورسوله والإسلام..
سمّوه إن شئتم تصوّفا..
ولكنه تصوّف رجل توفر له فطنة المؤمن, وقدرة الفيلسوف, وتجربة المحارب, وفقه الصحابي, ما جعل تصوّفه حركة حيّة في بناء الروح, لا مجرّد ظلال صالحة لهذا البناء..!!
 
أجل..
ذلك هو أبو الدرداء, صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلميذه..
وذلكم هو أبو الدرداء, الحكيم, القدّيس..
ورجل دفع الدنيا بكلتا راحتيه, وزادها بصدره..
رجل عكف على نفسه وصقلها وزكّاها, وحتى صارت مرآة صافية انعكس عليها من الحكمة, والصواب, والخير, ما جعل من أبي الدرداء معلما عظيما وحكيما قويما..
سعداء, أولئك الذين يقبلون عليه, ويصغون إليه..
ألا تعالوا نقترب من حكمته يا أولي الألباب..
ولنبدأ بفلسفته تجاه الدنيا وتجاه مباهجها وزخارفها..
انه متأثر حتى أعماق روحه بآيات القرآن الرادعة عن:
( الذي جمع مالا وعدّده.. يحسب أن ماله أخلده)...
ومتأثر حتى أعماق روحه بقول الرسول:
" ما قلّ وكفى, خير مما كثر وألهى"..
ويقول عليه السلام:
" تفرّغوا من هموم الدنيا ما استطعتم, فانه من كانت الدنيا أكبر همّه, فرّق الله شمله, وجعل فقره بين عينيه.. ومن كانت الآخرة أكبر همّه جمع شمله, وجعل غناه في قلبه, وكان الله إليه بكل خير أسرع".
من أجل ذلك, كان يرثي لأولئك الذين وقعوا أسرى طموح الثروة ويقول:
" اللهم إني أعوذ بك من شتات القلب"..
سئل:
وما شتات القلب يا أبا الدرداء..؟؟
فأجاب:
أن يكون لي في كل واد مال"..!!
وهو يدعو الناس إلى امتلاك الدنيا والاستغناء عنها.. فذلك هو الامتلاك الحقيقي لها.. أما الجري وراء أطماعها التي لا تؤذن بالانتهاء, فذلك شر ألوان العبودية والرّق.
هنالك يقول:
" من لم يكن غنيا عن الدنيا, فلا دنيا له"..
والمال عنده وسيلة للعيش القنوع المعتدل ليس غير.
ومن ثم فان على الناس أن يأخذوه من حلال, وأن يكسبوه في رفق واعتدال, لا في جشع وتهالك.
فهو يقول:
" لا تأكل إلا طيّبا..
ولا تكسب إلا طيّبا..
ولا تدخل بيتك إلا طيّبا".
ويكتب لصاحب له فيقول:
".. أما بعد, فلست في شيء من عرض الدنيا, وإلا وقد كان لغيرك قبلك.. وهو صائر لغيرك بعدك.. وليس لك منه إلا ما قدّمت لنفسك... فآثرها على من تجمع المال له من ولدك ليكون له إرثا, فأنت إنما تجمع لواحد من اثنين:
إما ولد صالح يعمل فيه بطاعة الله, فيسعد بما شقيت به..
وإما ولد عاص, يعمل فيه بمعصية الله, فتشقى بما جمعت له,
فثق لهم بما عند الله من رزق, وانج بنفسك"..!
 
  كانت الدنيا كلها في عين أبي الدرداء مجرّد عارية..
عندما فتحت قبرص وحملت غنائم الحرب إلى المدينة رأى الناس أبا الدرداء يبكي... واقتربوا دهشين يسألونه, وتولى توجيه السؤال إليه:" جبير بن نفير":
 
قال له:
" يا أبا الدرداء, ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله"..؟؟
فأجاب أبو الدرداء في حكمة بالغة وفهم عميق:
ويحك يا جبير..
ما أهون الخلق على الله اذا هم تركوا أمره..
بينما هي أمة, ظاهرة, قاهرة, لها الملك, تركت أمر الله, فصارت إلى ما ترى"..!
 
أجل..
 
  وبهذا كان يعلل الانهيار السريع الذي تلحقه جيوش الإسلام بالبلاد المفتوحة, إفلاس تلك البلاد من روحانية صادقة تعصمها, ودين صحيح يصلها بالله..
ومن هنا أيضا, كان يخشى على المسلمين أياما تنحلّ فيها عرى الإيمان, وتضعف روابطهم بالله, وبالحق, وبالصلاح, فتنتقل العارية من أيديهم, بنفس السهولة التي انتقلت بها من قبل إليهم..!!
 
  وكما كانت الدنيا بأسرها مجرّد عارية في يقينه, كذلك كانت جسرا إلى حياة أبقى وأروع..
دخل عليه أصحابه يعودونه وهو مريض, فوجدوه نائما على فراش من جلد..
فقالوا له:" لو شئت كان لك فراش أطيب وأنعم.."
فأجابهم وهو يشير بسبّابته, وبريق عينيه صوب الأمام البعيد:
" إن دارنا هناك..
لها نجمع.. واليها نرجع..
نظعن إليها. ونعمل لها"..!!
وهذه النظرة إلى الدنيا ليست عند أبي الدرداء وجهة نظر فحسب بل ومنهج حياة كذلك..
خطب يزيد بن معاوية ابنته الدرداء فردّه, ولم يقبل خطبته, ثم خطبها واحد من فقراء المسلمين وصالحيهم, فزوّجها أبو الدرداء منه.
وعجب الناس لهذا التصرّف, فعلّمهم أبو الدرداء قائلا:
" ما ظنّكم بالدرداء, اذا قام على رأسها الخدم  وبهرها زخرف القصور..
أين دينها منها يومئذ"..؟!
هذا حكيم قويم النفس, ذكي الفؤاد..
وهو يرفض من الدنيا ومن متاعها كل ما يشدّ النفس إليها, ويولّه القلب بها..
وهو بهذا لا يهرب من السعادة بل إليها..
فالسعادة الحقة عنده هي أن تمتلك الدنيا, لا أن تمتلكك أنت الدنيا..
وكلما وقفت مطالب الناس في الحياة عند حدود القناعة والاعتدال وكلما أدركوا حقيقة الدنيا كجسر يعبرون عليه إلى دار القرار والمآل والخلود, كلما صنعوا هذا, كان نصيبهم من السعادة الحقة أوفى وأعظم..
وانه ليقول:
" ليس الخير أن يكثر مالك وولدك, ولكن الخير أن يعظم حلمك, ويكثر علمك, وأن تباري الناس في عبادة الله تعالى"..
وفي خلافة عثمان رضي الله عنه, وكان معاوية أميرا على الشام نزل أبو الدرداء على رغبة الخليفة في أن يلي القضاء..
وهناك في الشام وقف بالمرصاد لجميع الذين أغرّتهم مباهج الدنيا, وراح يذكّر بمنهج الرسول في حياته, وزهده, وبمنهج الرعيل الأول من الشهداء والصدّيقين..
وكانت الشام يومئذ حاضرة تموج بالمباهج والنعيم..
وكأن أهلها ضاقوا ذرعا بهذا الذي ينغصّ عليهم بمواعظه متاعهم ودنياهم..
فجمعهم أبو الدرداء, وقام فيهم خطيبا:
" يا أهل الشام..
أنتم الإخوان في الدين, والجيران في الدار, والأنصار على الأعداء..
ولكن مالي أراكم لا تستحيون..؟؟
تجمعون ما لا تأكلون..
وتبنون ما لا تسكنون..
وترجون ما لا تبلّغون..
وقد كانت القرون من قبلكم يجمعون, فيوعون..
ويؤمّلون, فيطيلون..
ويبنون, فيوثقون..
فأصبح جمعهم بورا..
وأماهم غرورا..
وبيوتهم قبورا..
أولئك قوم عاد, ملأوا ما بين عدن إلى عمان أموالا وأولادا..".
ثم ارتسمت على شفتيه بسمة عريضة ساخرة, ولوّح بذراعه في الجمع الذاهل, وصاح في سخرية لا فحة:
" من يشتري مني تركة آل عاد بدرهمين"..؟!
 
  رجل باهر, رائع, مضيء, حكمته مؤمنة, ومشاعره ورعة, ومنطقه سديد ورشيد..!!
العبادة عند أبي الدرداء ليست غرورا ولا تأليا. إنما هي التماس للخير, وتعرّض لرحمة الله, وضراعة دائمة تذكّر الإنسان بضعفه. وبفضل ربه عليه:
انه يقول:
التمسوا الخير دهركم كله..
وتعرّضوا لنفحات رحمة الله, فان لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده..
" وسلوا الله أن يستر عوراتكم, ويؤمّن روعاتكم"...
كان ذلك الحكيم مفتوح العينين دائما على غرور العبادة, يحذّر منه الناس.
هذا الغرور الذي يصيب بعض الضعاف في إيمانهم حين يأخذهم الزهو بعبادتهم, فيتألّون  بها على الآخرين ويدلّون..
فلنستمع له ما يقول:
" مثقال ذرّة من برّ صاحب تقوى ويقين, أرجح وأفضل من أمثال الجبال من عبادة النغترّين"..
ويقول أيضا:
"لا تكلفوا الناس ما لم يكلفوا..
ولا تحاسبوهم دون ربهم
عليكم أنفسكم, فان من تتبع ما يرى في الإنس يطل حزنه"..!
انه لا يريد للعابد مهما يعل في العبادة شأوه أن يجرّد من نفسه ديّانا تجاه العبد.
عليه أن يحمد الله على توفيقه, وأن يعاون بدعائه وبنبل مشاعره ونواياه أولئك الذين لم يدركوا مثل هذا التوفيق.
هل تعرفون حكمة أنضر وأبهى من حكمة هذا الحكيم..؟؟
يحدثنا صاحبه أبو قلابة فيقول:
" مرّ أبو الدرداء يوما على رجل قد أصاب ذنبا, والناس يسبّونه, فنهاهم وقال: أرأيتم لو وجدتموه في حفرة.. ألم تكونوا مخرجيه منها..؟
قالوا بلى..
قال: فلا تسبّوه إذن, وحمدوا الله الذي عافاكم.
قالوا: أنبغضه..؟
قال: إنما أبغضوا عمله, فإذا تركه فهو أخي"..!!
 
  وإذا كان هذا أحد وجهي العبادة عند أبي الدرداء, فان وجهها الآخر هو العلم والمعرفة..
إن أبا الدرداء يقدّس العلم تقديسا بعيدا.. يقدّسه كحكيم, ويقدّسه كعابد فيقول:
" لا يكون أحدكم تقيا حتى يكون عالما..
ولن يكون بالعلم جميلا, حتى يكون به عاملا".
أجل..
فالعلم عنده فهم, وسلوك.. معرفة, ومنهج.. فكرة حياة..
ولأن تقديسه هذا تقديس رجل حكيم, نراه ينادي بأن العلم كالمتعلم كلاهما سواء في الفضل, والمكانة, والمثوبة..
ويرى أن عظمة الحياة منوطة بالعلم الخيّر قبل أي شيء سواه..
ها هو ذا يقول:
" مالي أرى العلماء كم يذهبون, وجهّالكم لا يتعلمون؟؟ ألا إن معلّم الخير والمتعلّم في الأجر سواء.. ولا خير في سائر الناس بعدهما"..
ويقول أيضا:
" الناس ثلاثة..
عالم..
ومتعلم..
والثالث همج لا خير فيه".
 
  وكما رأينا من قبل, لا ينفصل العلم في حكمة أبي الدرداء رضي الله عنه عن العمل.
يقول:
"إن أخشى ما أخشاه على نفسي أن يقال لي يوم القيامة على رؤوس الخلائق: يا عويمر, هل علمت؟؟
فأقول نعم..
فيقال لي: فماذا عملت فيما علمت"..؟
وكان يجلّ العلماء العاملين ويوقرهم توقيرا كبيرا, بل كان يدعو ربّه ويقول:
" اللهم إني أعوذ بك أن تلعنني قلوب العلماء.."
قيل له:
وكيف تلعنك قلوبهم؟
قال رضي الله عنه:
" تكرهني"..!
أرأيتم؟؟
انه يرى في كراهيّة العالم لعنة لا يطيقها.. ومن ثمّ فهو يضرع إلى ربه أن يعيذه منها..
 
  وتستوصي حكمة أبي الدرداء بالإخاء خيرا, وتبنى علاقة الإنسان بالإنسان على أساس من واقع الطبيعة الإنسانية ذاتها فيقول:
" معاتبة الأخ خير لك من فقده, ومن لك بأخيك كله..؟
أعط أخاك ولن له..
ولا تطع فيه حاسدا, فتكون مثله.
غدا يأتيك الموت, فيكفيك فقده..
وكيف تبكيه بعد الموت, وفي الحياة ما كنت أديت حقه"..؟؟
ومراقبة الله في عباده قاعدة صلبة يبني عليها أبو الدرداء حقوق الإخاء..
يقول رضي الله عنه وأرضاه:
" إني أبغض أن أظلم أحدا.. ولكني أبغض أكثر وأكثر, أن أظلم من لا يستعين عليّ إلا بالله العليّ الكبير"..!!
يل لعظمة نفسك, وإشراق روحك يا أبا الدرداء..!!
انه يحذّر الناس من خداع الوهم, حين يظنون أن المستضعفين العزّل أقرب منالا من أيديهم, ومن بأسهم..!
ويذكّرهم أن هؤلاء في ضعفهم يملكون قوّة ماحقة حين يتوسلون إلى الله عز وجل بعجزهم, ويطرحون بين يديه قضيتهم, وهو أنهم على الناس..!!
هذا هو أبو الدرداء الحكيم..!
هذا هو أبو الدرداء الزاهد, العابد, الأوّاب..
هذا هو أبو الدرداء الذي كان اذا أطرى الناس تقاه, وسألوه الدعاء, أجابهم في تواضع وثيق قائلا:
" لا أحسن السباحة.. وأخاف الغرق"..!!
 
   كل هذا, ولا تحسن السباحة يا أبا الدرداء..؟؟
ولكن أي عجب, وأنت تربية الرسول عليه الصلاة والسلام... وتلميذ القرآن.. وابن الإسلام الأوّل وصاحب أبي بكر وعمر, وبقيّة الرجال..!؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى




عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011

رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم)   رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 5 أبريل 2015 - 3:28

أبو أيوب الأنصارى(انفروا خفافا وثقالا)

كان الرسول عليه السلام يدخل المدينة مختتما بمدخله هذا رحلة هجرته الظافرة, ومستهلا أيامه المباركة في دار الهجرة التي ادّخر لها القدر ما لم يدخره لمثلها في دنيا الناس..
وسار الرسول وسط الجموع التي اضطرمت صفوفها وأفئدتها حماسة, ومحبة وشوقا... ممتطيا ظهر ناقته التي تزاحم الناس حول زمامها كل يريد أن يستضيف رسول الله..
وبلغ الموكب دور بني سالم بن عوف, فاعترضوا طريق الناقة قائلين:
" يا رسول الله, أقم عندنا, فلدينا العدد والعدة والمنعة"..
ويجيبهم الرسول وقد قبضوا بأيديهم على زمام الناقة:
" خلوا سبيلها فإنها مأمورة".
ويبلغ الموكب دور بني بياضة, فحيّ بني ساعدة, فحي بني الحارث بن الخزرج, فحي عدي بن النجار.. وكل بني قبيل من هؤلاء يعترض سبيل الناقة, وملحين أن يسعدهم النبي عليه الصلاة والسلام بالنزول في دورهم.. والنبي يجيبهم وعلى شفتيه ابتسامة شاكرة:
" خلوا سبيلها فإنها مأمورة..
 
  لقد ترك النبي للمقادير اختيار مكان نزوله حيث سيكون لها المنزل خطره وجلاله.. ففوق أرضه سينهض المسجد الذي تنطلق منه إلى الدنيا بأسرها كلمات الله ونوره.. وإلى جواره ستقوم حجرة أو حجرات من طين وطوب.. ليس بها من متاع الدنيا سوى كفاف, أو أطياف كفاف!! سيسكنها معلم, ورسول جاء لينفخ الحياة في روحها الهامد. وليمنح كل شرفها وسلامها للذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا.. للذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم.. وللذين أخلصوا دينهم لله.. للذين يصلحون في الأرض ولا يفسدون.
أجل كان الرسول عليه الصلاة والسلام ممعنا في ترك هذا الاختيار للقدر الذي يقود خطاه..
من اجل هذا, ترك هو أيضا زمام ناقته وأرسله, فلا هو يثني به عنقها ولا يستوقف خطاها.. وتوجه إلى الله بقلبه, وابتهل إليه بلسانه:
" اللهم خر لي, واختر لي"..
وأمام دار بني مالك بن النجار بركت الناقة.. ثم نهضت وطوّفت بالمكان, ثم عادت إلى مبركها الأول, وألقت جرانها. واستقرت في مكانها ونزل الرسول للدخول.. وتبعه رسول الله يخف به اليمن والبركة..
أتدرون من كان هذا السعيد الموعود الذي بركت الناقة أمام داره, وصار الرسول ضيفه, ووقف أهل المدينة جميعا يغبطونه على حظوظه الوافية..؟؟
انه بطل حديثنا هذا.. أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد, حفيد مالك بن النجار..
لم يكن هذا أول لقاء لأبي أيوب مع رسول الله..
فمن قبل, وحين خرج وفد المدينة لمبايعة الرسول في مكة تلك البيعة المباركة المعروفة بـبيعة العقبة الثانية.. كان أبو أيوب الأنصاري بين السبعين مؤمنا الذين شدّوا أيمانهم على يمين الرسول مبايعين, مناصرين.
 
  والآن رسول الله يشرف المدينة, ويتخذها عاصمة لدين الله, فان الحظوظ الوافية لأبي أيوب جعلت من داره أول دار يسكنها المهاجر العظيم, والرسول الكريم.
ولقد آثر الرسول أن ينزل في دورها الأول.. ولكن ما كاد أبو أيوب يصعد إلى غرفته في الدور العلوي حتى أخذته الرجفة, ولم يستطع أن يتصوّر نفسه قائما أو نائما, وفي مكان أعلى من المكان الذي يقوم فيه رسول الله وينام..!!
وراح يلح على النبي ويرجوه إن ينتقل إلى طابق الدور الأعلى فاستجاب النبي لرجائه..
ولسوف يمكث النبي بها حتى يتمّ المسجد, وبناء حجرة له بجواره..
ومنذ بدأت قريش تتنمّر للإسلام وتشن غاراتها على دار الهجرة بالمدينة, وتؤلب القبائل, وتجيش الجيوش لتطفئ نور الله..
منذ تلك البداية, واحترف أبو أيوب صناعة الجهاد في سبيل الله.
ففي بدر, وأحد والخندق, وفي كل المشاهد والمغازي, كان البطل هناك بائعا نفسه وماله لله ربو العالمين..
وبعد وفاة الرسول, لم يتخلف عن معركة كتب على المسلمين أن يخوضوها, مهما يكن بعد الشقة, وفداحة المشقة..!
وكان شعاره الذي يردده دائما, في ليله ونهاره.. في جهره وإسراره.. قول الله تعالى:
( انفروا خفافا وثقالا)..
مرة واحدة.. تخلف عن جيش جعل الخليفة أميره واحدا من شباب المسلمين, ولم يقتنع أبو أيوب بإمارته.
مرة واحدة لا غير.. مع هذا فان الندم على موقفه هذا ظل يزلزل نفسه, ويقول:
" ما عليّ من استعمل عليّ"..؟؟
ثم لم يفته بعد ذلك قتال!!
 
  كان حسبه أن يعيش جنديا في جيش الإسلام, يقاتل تحت رايته, ويذود عن حرمته..
ولما وقع الخلاف بين علي ومعاوية, وقف مع علي في غير تردد, لأنه الإمام الذي أعطي بيعة المسلمين.. ولما استشهد وانتهت الخلافة لمعاوية وقف أبو أيوب بنفسه الزاهدة, الصامدة التقية لا يرجو من الدنيا سوى أن يجد له مكان فوق أرض الوغى, وبين صفوف المجاهدين..
وهكذا, لم يكد يبصر جيش الإسلام يتحرك صوب القسطنطينية حتى ركب فرسه, وحمل سيفه, وراح يبحث عن استشهاد عظيم طالما حنّ إليه واشتاق..!!
 
  وفي هذه المعركة أصيب.
وذهب قائد جيشه ليعوده, وكانت أنفاسه تسابق أشواقه إلى لقاء الله..
فسأله القائد, وكان يزيد بن معاوية:
" ما حاجتك أبا أيوب"؟
ترى, هل فينا من يستطيع أن يتصوّر أو يتخيّل ماذا كانت حاجة أبا أيوب..؟
كلا.. فقد كانت حاجته وهو يجود بروحه شيئا يعجز ويعيي كل تصوّر, وكل تخيّل لبني الإنسان..!!
لقد طلب من يزيد, إذا هو مات أن يحمل جثمانه فوق فرسه, ويمضي به إلى أبعد مسافة ممكنة في أرض العدو, وهنالك يدفنه, ثم يزحف بجيشه على طول هذا الطريق, حتى يسمع وقع حوافر خيل المسلمين فوق قبره, فيدرك آنئذ ـنهم قد أدركوا ما يبتغون من نصر وفوز..!!
أتحسبون هذا شعرا..؟
لا.. ولا هو بخيال, بل واقع, وحق شهدته الدنيا ذات يوم, ووقفت تحدق بعينيها, وبأذنيها, لا تكاد تصدق ما تسمع وترى..!!
ولقد أنجز يزيد وصيّة أبي أيوب..
وفي قلب القسطنطينية, وهي اليوم استانبول, ثوى جثمان رجل عظيم, جدّ عظيم..!!
 
  وحتى قبل أن يغمر الإسلام تلك البقاع, كان أهل القسطنطينية من الروم, ينظرون إلى أبي أيوب في قبره نظرتهم إلى قدّيس...
وانك لتعجب إذ ترى جميع المؤرخين الذين يسجلون تلك الوقائع ويقولون:
" وكان الروم يتعاهدون قبره, ويزورونه.. ويستسقون به إذا قحطوا"..!!
 
  وعلى الرغم من المعارك التي انتظمت حياة أبي أيول, والتي لم تكن تمهله ليضع سيفه ويستريح, على الرغم من ذلك, فان حياته كانت هادئة, نديّة كنسيم الفجر..
 
  ذلك انه سمع من الرسول صلى الله عليه وسلم حديثا فوعاه:
" وإذا صليت فصل صلاة مودّع..
ولا تكلمن الناس بكلام تعتذر منه..
والزم اليأس مما في أيدي الناس"...
وهكذا لم يخض في لسانه فتنة..
ولم تهف نفسه إلى مطمع..
وقضى حياته في أشواق عابد, وعزوف مودّع..
فلما جاء أجله, لم يكن له في طول الدنيا وعرضها من حاجة سوى تلك الأمنية لتي تشبه حياته في بطولتها وعظمتها:
" اذهبوا بجثماني بعيدا.. بعيدا.. في ارض الروم ثم ادفنوني هناك"...
كان يؤمن بالنصر, وكان يرى بنور بصيرته هذه البقاع, وقد أخذت مكانها بين واحات الإسلام, ودخلت  مجال نوره وضيائه..
ومن ثمّ أراد أن يكون مثواه الأخير هناك, في عاصمة تلك البلاد, حيث ستكون المعركة الأخيرة الفاصلة, وحيث يستطيع تحت ثراه الطيّب, أن يتابع جيوش الإسلام في زحفها, فيسمع خفق أعلامها, وصهيل خيلها, ووقع أقدامها, وصصلة سيوفها..!!
وانه اليوم لثاو هناك..
لا يسمع صلصلة السيوف, ولا صهيل الخيول..
قد قضي الأمر, واستوت على الجوديّ من أمد بعيد..
لكنه يسمع كل يوم من صبحه إلى مسائه, روعة الأذان المنطلق من المآذن المشرّعة في الأفق..
أن:
الله أكبر..
الله أكبر..
وتجيب روحه المغتبطة في دار خلدها, وسنا مجدها:
هذا ما وعدنا الله ورسوله
وصدق الله ورسوله....
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى




عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011

رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم)   رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 5 أبريل 2015 - 3:30

أبو هريرة(ذاكرة عصر الوحى)
  صحيح إن ذكاء المرء محسوب عليه..
وأصحاب المواهب الخارقة كثيرا ما يدفعون الثمن في نفس الوقت الذي كان ينبغي إن يتلقوا فيه الجزاء والشكران..!!
والصحابي الجليل أبو هريرة واحد من هؤلاء..
فقد كان ذا موهبة خارقة في سعة الذاكرة وقوتها..
كان رضي الله عنه يجيد فنّ الإصغاء, وكانت ذاكرته تجيد فن الحفظ والاختزان..
يسمع فيعي, فيحفظ, ثم لا يكاد ينسى مما وعى كلمة ولا حرفا مهما تطاول العمر, وتعاقبت الأيام..!!
من أجل هذا هيأته موهبته ليكون أكثر أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم حفظا لأحاديثه, وبالتالي أكثرهم رواية لها.
 
  فلما جاء عصر الوضّاعين الذين تخصصوا في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, اتخذوا أبا هريرة غرضا مستغلين أسوأ استغلال سمعته العريضة في الرواية عن رسول الله عليه السلام موضع الارتياب والتساؤل. لولا تلك الجهود البارة والخارقة التي بذلها أبرار كبار نذور حياتهم وكرّسوها لخدمة الحديث النبوي ونفي كل زيف ودخيل عنه.
هنالك نجا أبو هريرة رضي الله عنه من إخطبوط الأكاذيب والتلفيقات التي أراد المفسدون إن يتسللوا بها إلى الإسلام عن طريقه, وإن يحمّلوه وزرها وإذاها..!!
 
  والآن.. عندما نسمع واعظا, أو محاضرا, أو خطيب جمعة يقول تلك العبارة المأثورة:" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم..".
أقول: عندما تسمع هذا الاسم على هذه الصورة, أ, عندما تلقاه كثيرا, وكثيرا جدّا في كتب الحديث, والسيرة والفقه والدين بصفة عامة, فاعلم إنك تلقى شخصية من أكثر شخصيات الصحابة إغراء بالصحبة والإصغاء..
ذلك إن ثروته من الأحاديث الرائعة, والتوجيهات الحكيمة التي حفظها عن النبي عليه السلام, قلّ إن يوجد لها نظير..
وإنه رضي الله عنه بما يملك من هذه الموهبة, وهذه الثروة, لمن أكثر الأصحاب مقدرة على نقلك إلى تلك الأيام التي عاشها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم, وإلى التحليق بك, إذا كنت وثيق الإيمان مرهف النفس, في تلك الآفاق التي شهدت روائع محمد وأصحابه, تعطي الحياة معناها, وتهدي إليها رشدها ونهاها.
وإذا كانت هذه السطور قد حرّكت أشواقك لأن تتعرّف لأبي هريرة وتسمع من أنبائه نبأ, فدونك الآن وما تريد..
إنه واحد من الذين تنعكس عليهم ثروة الإسلام بكل ما أحدثته من تغيرات هائلة.
فمن أجير إلى سيّد..
ومن تائه في الزحام, إلى علم وإمام..!!
ومن ساجد أمام حجارة مركومة, إلى مؤمن بالله الواحد القهار..
وهاهو ذا يتحدّث ويقول:
" نشأت يتيما, وهاجرت مسكينا.. وكنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني..!!
كنت أخدمهم إذا نزلوا, وأحدو لهم إذا ركبوا..
وهأنذا وقد زوّجنيها الله, فالحمد لله الذي جعل الدين قواما, وجعل أبا هريرة إماما"..!
قدم على النبي عليه الصلاة والسلام سنة سبع وهو بخيبر, فأسلم راغبا مشتاقا..
ومنذ رأى النبي عليه الصلاة والسلام وبايعه لم يكد يفارقه قط إلا في ساعات النوم..
وهكذا كانت السنوات الأربع التي عاشها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلم إلى إن ذهب النبي إلى الرفيق الأعلى.
نقول: كانت تلك السنوات الأربع عمرا وحدها.. كانت طويلة عريضة, ممتلئة بكل صالح من القول, والعمل, والإصغاء.
  
  أدرك أبو هريرة بفطرته السديدة الدور الكبير الذي يستطيع إن يخدم به دين الله.
إن أبطال الحرب في الصحابة كثيرون..
والفقهاء والدعاة والمعلمون كثيرون.
ولكن البيئة والجماعة تفتقد الكتابة والكتّاب.
ففي تلك العصور, وكانت الجماعة الإنسانية كلها, لا العرب وحدهم, لا يهتمون بالكتابة, ولم تكن الكتابة من علامات التقدم في مجتمع ما..
بل إن أوروبا نفسها كانت كذلك منذ عهد غير بعيد.
وكان أكثر ملوكها وعلى رأسهم شارلمان أميّين لا يقرؤون ولا يكتبون, مع إنهم في نفس الوقت كانوا على حظ كبير من الذكاء والمقدرة..
 
  نعود إلى حديثنا لنرى أبا هريرة يدرك بفطرته حاجة المجتمع الجديد الذي يبنيه الإسلام إلى من يحفظن تراثه وتعاليمه, كان هناك يومئذ من الصحابة كتّاب يكتبون ولكنهم قليلون, ثم إن بعضهم لا يملك من الفراغ ما يمكّنه من تسجيل كل ما ينطق به الرسول من حديث.
لم يكن أبا هريرة كاتبا, ولكنه كان حافظا, وكان يملك هذا الفراغ, أو هذا الفراغ المنشود, فليس له أرض يزرعها ولا تجارة يتبعها!!
وهو إذا رأى نفسه وقد أسلم متأخرا, عزم على إن يعوّض ما فاته, وذلك بأن يواظب على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى مجالسته..
ثم إنه يعرف من نفسه هذه الموهبة التي أنعم الله بها عليه, وهي ذاكرته الرحبة القوية, والتي زادت مضاء ورحابة وقوة, بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبها إن يبارك الله له فيها..
فلماذا إذن لا يكون واحدا من الذين يأخذون على عاتقهم حفظ هذا التراث ونقله للأجيال..؟؟
أجل.. هذا دوره الذي تهيئه للقيام به مواهبه, وعليه إن يقوم به في غير توان..
 
 ولم يكن أبو هريرة ممن يكتبون, ولكنه كان كما ذكرنا سريع الحفظ قوي الذاكرة..
ولم تكن له أرض يزرعها, ولا تجارة تشغله, ومن ثمّ لم يكن يفارق الرسول في سفر ولا في حضر..
وهكذا راح يكرّس نفسه ودقة ذاكرته لحفظ أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام وتوجيهاته..
فلما انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى, راح أبو هريرة يحدث, مما جعل بعض أصحابه يعجبون: إني له كل هذه الأحاديث, ومتى سمعها ووعاها..
ولقد ألقى أبوهريرة رضي الله عنه الضوء على هذه الظاهرة, وكأنه يدفع عن نفسه مغبة تلك الشكوك التي ساورت بعض أصحابه فقال:
" إنكم لتقولون أكثر أبو هريرة في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم..
وتقولون: إن المهاجرين الذين سبقوه إلى الإسلام لا يحدثون هذه الأحاديث..؟؟
ألا إن أصحابي من المهاجرين, كانت تشغلهم صفقاتهم بالسوق, وإن أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضهم..
وإني كنت أميرا مسكينا, أكثر مجالسة رسول الله, فأحضر إذا غابوا, وأحفظ إذا نسوا..
وإن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا يوما فقال: من يبسط رداءه حتى يفرغ من حديثي ثم يقبضه إليه فلا ينسى شيئا كان قد سمعه مني..! فبسطت ثوبي فحدثني ثم ضممته إليّ فو الله ما كنت نسيت شيئا سمعته منه..
وأيم والله, لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدا, وهي:
( إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب, أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون)..".
 
  هكذا يفسر أبو هريرة سر تفرّده بكثرة الرواية عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
فهو أولا كان متفرغا لصحبة النبي أكثر من غيره..
وهو ثانيا كان يحمل ذاكرة قوية, باركها الرسول فزادت قوة..
وهو ثالثا لا يحدّث رغبة في إن يحدّث, بل لأن إفشاء هذه الأحاديث مسؤولية دينه وحياته, وإلا كان كاتما للخير والحق, وكان مفرطا ينتظره جزاء المفرّطين..
من أجل هذا راح يحدّث ويحدّث, لا يصدّه عن الحديث صادّ, ولا يعوقه عائق.. حتى قال له عمر يوما وهو أمير المؤمنين:
" لتتركنّ الحديث عن رسول الله,أو لألحقنك بأرض دوس"..
أي أرض قومه وأهله..
على إن هذا النهي من أمير المؤمنين لا يشكل اتهاما لأبي هريرة, بل هو دعم لنظرية كان عمر يتبنّاها ويؤكدها, تلك هي: إن على المسلمين في تلك الفترة بالذات ألا يقرؤوا, وألا يحفظوا شيئا سوى القرآن حتى يقرّ وثبت في الأفئدة والعقول..
فالقرآن كتاب الله, ودستور الإسلام, وقاموس الدين, وكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا سيما في تلك التي أعقبت وفاته عليه الصلاة والسلام, والتي يجمع القرآن خلالها قد تسبب بلبلة لا داعي لها ولا جدوى منها..
من أجل هذا كان عمر يقول:
" اشتغلوا بالقرآن, فإن القرآن كلام الله"..
ويقول:
" أقلوا الرواية عن رسول الله إلا فيما يعمل به"..
وحين أرسل أبو موسى الأشعري إلى العراق قال له:
" إنك تأتي قوما لهم في مساجدهم دويّ القرآن كدويّ النحل, فدعهم على ما هم عليه, ولا تشغلهم بالحديث, وإنا شريكك في ذلك"..
كان القرآن قد جمع بطريقة مضمونة  دون إن يتسرب إليه ما ليس منه..
أما الأحاديث فليس يضمن عمر إن تحرّف أو تزوّر, أو تخذ سبيل للكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, والنيل من الإسلام..
وكان أبو هريرة يقدّر وجهة نظر عمر, ولكنه أيضا كان واثقا من نفسه ومن  أمانته, وكان لا يريد إن يكتم من الحديث والعلم ما يعتقد إن كتمانه إثم وبوار.
وهكذا.. لم يكن يجد فرصة لإفراغ ما في صدره من حديث سمعه ووعاه إلا حدّث وقال..
 
  على إن هناك سببا هامّا, كان له دور في إثارة المتاعب حول أبي هريرة لكثرة تحدثه وحديثه.
ذلك إنه كان هناك يومئذ محدّث آخر يحدّث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويكثر ويسرف, ولم يكن المسلمون الأصحاب يطمئنون كثيرا لأحاديثه ذلكم هو كعب الأحبار الذي كان يهوديا وأسلم.
 
  أراد مروان بن الحكم يوما أن يبلوا مقدرة أبي هريرة على الحفظ, فدعاه إليه وأجلسه معه, وطلب منه إن يحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, في حين أجلس كاتبه وراء حجاب, وأمره إن يكتب كل ما يقول أبو هريرة..
وبعد مرور عام, دعاه مروان  بن الحكم مرة أخرى, أخذ يستقرئه نفس الأحاديث التي كان كاتبه قد سطرها, فما نسي أبو هريرة كلمة منها!!
وكان يقول عن نفسه:
" ما من أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثا عنه مني, إلا ما كان من عبدالله بن عمرو بن العاص, فإنه كان يكتب, ولا أكتب"..
وقال عنه الإمام الشافعي أيضا:
" أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره".
وقال البخاري رضي الله عنه:
" روي عن أبو هريرة مدرسة كبيرة يكتب لها البقاء والخلود..
وكان أبو هريرة رضي الله عنه من العابدين الأوّابين, يتناوب مع زوجته وابنته قيام الليل كله.. فيقوم هو ثلثه, وتقوم زوجته ثلثه, وتقوم ابنته ثلثه. وهكذا لا تمر من الليل ساعة إلا وفي بيت أبي هريرة عبادة وذكر وصلاة!!
وفي سبيل إن يتفرّغ لصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عانى من قسوة الجوع ما لم يعاني مثله أحد..
وإنه ليحدثنا: كيف كان الجوع يعض أمعاءه فيشدّ على بطنه حجرا ويعتصر كبده بيديه, ويسقط في المسجد وهو يتلوى حتى يظن بعض أصحابه إن به صرعا وما هو بمصروع..!
ولما أسلم لم يكن يئوده ويضنيه من مشاكل حياته سوى مشكلة واحدة لم يكن رقأ له بسببها جفن..
كانت هذه المشكلة أمه: فإنها يومئذ رفضت أن تسلم..
ليس ذلك وحسب, بل كانت تؤذي ابنها في رسول الله صلى الله عليه وسلم وتذكره بسوء..
وذات يوم أسمعت أبا هريرة في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكره, فانفضّ عنها باكيا محزونا, وذهب إلى مسجد الرسول..
 
  ولنصغ إليه وهو يروي لنا بقيّة النبأ:
".. فجئت إلى رسول الله وإنا أبكي, فقلت: يا رسول الله, كنت أدعو أم أبي هريرة إلى الإسلام فتأبى علي, وإني دعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره, فادع الله إن يهدي أم أبا هريرة إلى الإسلام..
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اهد أم أبي هريرة..
فخرجت أعدو أبشرها بدعاء رسول الله, فلما أتيت الباب إذا هو مجاف, أي مغلق, وسمعت خضخضة ماء, ونادتني يا أبا هريرة مكانك..
ثم لبست درعها, وعجلت عن خمارها وخرجت وهي تقول: أشهد إن لا اله إلا الله, وأِهد إن محمدا عبده ورسوله..
فجئت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبكي من الفرح, كما بكيت من الحزن, وقلت: أبشر يا رسول الله, فقد أجاب الله دعوتك..
قد هدى أم أبي هريرة إلى الإسلام..
ثم قلت يا رسول الله: ادع الله إن يحبّبني وأمي إلى المؤمنين والمؤمنات..
فقال: اللهم حبّب عبيدك هذا وأمه إلى كل مؤمن ومؤمنة"..
 
  وعاش أبو هريرة عابدا, ومجاهدا.. لا يتخلف عن غزوة ولا عن طاعة.
وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولاه إمارة البحرين.
وعمر كما نعلم شديد المحاسبة لولاته.
إذا ولّى أحدهم وهو يملك ثوبين, فيجب إن يترك الولاية وهو لا يملك من دنياه سوى ثوبيه.. ويكون من الأفضل إن يتركها وله ثوب واحد..!!!
أما إذا خرج من الولاية وقد ظهرت عليه أعراض الثراء, فإنه يومئذ لا يفلت من حساب عمر, مهما يكن مصدر ثرائه حلالا مشروعا!
 
  دنيا أخرى.. ملاها عمر روعة وإعجازا..!!
وحين وليّ أبو هريرة البحرين ادّخر مالا, من مصادره الحلال, وعلم عمر فدعاه إلى المدينة..
 
   ولندع أبو هريرة يروي لنا ما حدث بينهما من حوار سريع:
" قال لي عمر:
يا عدو الله وعدو كتابه, أسرقت مال الله..؟؟
قلت:
ما إنا بعدو لله ولا عدو لكتابه,.. لكني عدو من عاداهما..
ولا إنا من يسرق مال الله..!
قال:
فمن أين اجتمعت لك عشرة آلاف..؟؟
قلت:
خيل لي تناسلت, وعطايا تلاحقت..
قال عمر: فادفعها إلى بيت مال المسلمين"..!!
ودفع أبو هريرة المال إلى عمر ثم رفع يديه إلى السماء وقال:
اللهم اغفر لأمير المؤمنين"..
 
  وبعد حين دعا عمر أبا هريرة, وعرض عليه الولاية من حديد, فأباها واعتذر عنها..
قال له عمر: ولماذا؟
قال أبو هريرة:
حتى لا يشتم عرضي, ويؤخذ مالي, ويضرب ظهري..
ثم قال:
وأخاف إن أقضي بغير علم
وأقول بغير حلم..
 
  وذات يوم اشتد شوقه إلى لقاء الله..
وبينما كان عوّاده يدعون له بالشفاء من مرضه, كان هو يلحّ على الله قائلا:
" اللهم إني أحب لقاءك, فأحب لقائي"..
وعن ثماني وسبعين سنة مات في العام التاسع والخمسين للهجرة.
وبين ساكني البقيع الأبرار يتبوأ جثمانه الوديع مكانا مباركا..
وبينما كان مشيعوه عائدين من جنازته, كانت ألسنتهم ترتل الكثير من الأحاديث التي حفظها لهم عن رسولهم الكريم.
ولعل واحدا من المسلمين الجدد كان يميل على صاحبه ويسأله:
لماذا كنّى شيخنا الراحل بأبي هريرة..؟؟
 
  فيجيبه صاحبه وهو الخبير بالأمر:
لقد كان اسمه في الجاهلية عبد شمس, ولما أسلك سمّاه الرسول عبدالرحمن.. ولقد كان عطوفا على الحيوان, وكانت له هرة, يطعمها, ويحملها, وينظفها, ويؤويها.. وكانت تلازمه كظله..
وهكذا دعي: أبا هريرة رضي الله عنه وأرضاه..  
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى




عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011

رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم)   رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 5 أبريل 2015 - 3:33

أبو جابر  عبد الله بن عمرو
بن حرام(ظليل الملائكة)



عندما كان الأنصار السبعون يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية, كان عبدالله بن عمرو بن حرام, أبو جابر بن عبدالله أحد هؤلاء الأنصار..
ولما اختار الرسول صلى الله عليه وسلم منهم نقباء, كان عبدالله بن عمرو أحد هؤلاء النقباء.. جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم نقيبا على قومه من بني سلمة..
ولما عاد إلى المدينة وضع نفسه, وماله, وأهله في خدمة الإسلام..
وبعد هجرة الرسول إلى المدينة, كان أبو جابر قد وجد كل حظوظه السعيدة في مصاحبة النبي عليه السلام ليله ونهاره..
 
  وفي غزوة بدر خرج مجاهدا, وقاتل قتال الأبطال..
وفي غزوة أحد تراءى له مصرعه قبل أن يخرج المسلمون للغزو..
وغمره إحساس صادق بأنه لن يعود, فكاد قلبه يطير من الفرح!!
ودعا إليه ولد جابر بن عبدالله الصحابي الجليل, وقال له:
" إني لا أرى إلا مقتولا في هذه الغزوة..
بل لعلي سأكون أول شهدائها من المسلمين..
واني والله, لا أدع أحدا بعدي أحبّ إليّ منك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وان عليّ دبنا, فاقض عني ديني, واستوص بإخوتك خيرا"..
  
  وفي صبيحة اليوم التالي, خرج المسلمون للقاء قريش..
قريش التي جاءت في جيش لجب تغزو مدينتهم الآمنة..
ودارت معركة رهيبة, أدرك المسلمون في بدايتها نصرا سريعا, كان يمكن أن يكون نصرا حاسما, لولا أن الرماة الذين أمرهم الرسول عليه السلام بالبقاء في مواقعهم وعدم مغادرتها أبدا أغراهم هذا النصر الخاطف على القرشيين, فتركوا مواقعهم فوق الجبل, وشغلوا بجمع غنائم الجيش المنهزم..
هذا الجيش الذي جمع فلوله سريعا حين رأى ظهر المسلمين قد انكشف تماما, ثم فاجأهم بهجوم خاطف من وراء, فتحوّل نصر المسلمين إلى هزيمة..
 
  في هذا القتال المرير, قاتل عبدالله بن عمرو قتال مودّع شهيد..
ولما ذهب المسلمون بعد نهاية القتال ينظرون شهدائهم.. ذهب جابر ابن عبدالله يبحث عن أبيه, حتى ألفاه بين الشهداء, وقد مثّل به المشركون, كما مثلوا يغيره من الأبطال..
ووقف جابر وبعض أهله يبكون شهيد الإسلام عبدالله بن عمرو بم جرام, ومرّ بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكونه, فقال:
" ابكوه..
أ,لا تبكوه..
فان الملائكة لتظلله بأجنحتها"..!!
 
  كان إيمان أبو جابر متألقا ووثيقا..
وكان حبّه بالموت في سبيل الله منتهى أطماحه وأمانيه..
ولقد أنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فيما بعد نبأ عظيم, يصوّر شغفه بالشهادة..
قال عليه السلام لولده جابر يوما:
" يا جابر..
ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب..
ولقد كلّم كفاحا _أي مواجهة_
فقال له: يا عبدي, سلني أعطك..
فقال: يا رب, أسألك أن تردّني إلى الدنيا, لأقتل في سبيلك ثانية..
قال له الله:
انه قد سبق القول مني: إنهم إليها لا يرجعون.
قال: يا رب فأبلغ من ورائي بما أعطيتنا من نعمة..
فأنزل الله تعالى:
(ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا, بل أحياء عند ربهم يرزقون, فرحين بما أتاهم الله من فضله, ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم. ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون)".
 
  وعندما كان المسلمون يتعرفون على شهدائهم الأبرار, بعد فراغ القتال في أحد..
وعندما تعرف أهل عبدالله بن عمرو على جثمانه, حملته زوجته على ناقتها وحملت معه أخاها الذي استشهد أيضا, وهمّت بهما راجعة إلى المدينة لتدفنهما هناك, وكذلك فعل بعض المسلمين بشهدائهم..
بيد أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم لحق بهم وناداهم بأمر رسول الله أن:
" أن ادفنوا القتلى في مصارعهم"..
فعاد كل منهم بشهيده..
ووقف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يشرف على دفن أصحابه الشهداء, الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه, وبذلوا أرواحهم الغالية قربانا متواضعا لله ولرسوله.
ولما جاء دور عبدالله بن حرام ليدفن, نادى رسول الله صلى اله عليه وسلم:
" ادفنوا عبدالله بن عمرو, وعمرو بن الجموح في قبر واحد, فإنهما كانا في الدنيا متحابين, متصافين"..
 والآن..
في خلال اللحظات التي يعدّ فيها القبر السعيد لاستقبال الشهيدين الكريمين, تعالوا نلقي نظرة محبّة على الشهيد الثاني عمرو بن الجموح...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى




عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011

رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم)   رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 5 أبريل 2015 - 3:36

أبو موسى الأشعرى(الاخلاص...وليكن ما يكون)

عندما بعثه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى البصرة, ليكون أميرها وواليها, جمع أهلها وقام فيهم خطيبا فقال:
" إن أمير المؤمنين عمر بعثني إليكم, أعلمكم كتاب ر بكم, وسنة نبيكم, وأنظف لكم طرقكم"..!!
وغشي الإنس من الدهشة والعجب ما غشيهم,  فإنهم ليفهمون كيف يكون تثقيف الناس وتفقيههم في دينهم من واجبات الحاكم والأمير, أما إن يكون من واجباته تنظيف طرقاتهم, فذاك شيء جديد عليهم بل مثير وعجيب..
فمن هذا الوالي الذي قال عنه الحسن رضي الله عنه:
" ما أتى البصرة راكب خير لأهلها منه"..؟
 
  إنه عبدالله بن قيس المكنّى بـأبي موسى الأشعري..
غادر اليمن بلده ووطنه إلى مكة فور سماعه برسول ظهر هناك يهتف بالتوحيد ويدعو إلى الله على بصيرة, ويأمر بمكارم الأخلاق..
وفي مكة, جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقى منه الهدى واليقين..
وعاد إلى بلاده يحمل كلمة الله, ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقى منه الهدى واليقين..
وعاد إلى بلاده يحمل كلمة الله, ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم اثر فراغه من فتح خيبر..
ووافق قدومه قدوم جعفر بن أبي طالب مقبلا مع أصحابه من الحبشة فأسهم الرسول لهم جميعا..
وفي هذه المرّة لم يأت أبو موسى الأشعري وحده, بل جاء معه بضعة وخمسون رجلا من أهل اليمن الذين لقنهم الإسلام, وأخوان شقيقان له, هم, أبو رهم, وأبو بردة..
وسمّى الرسول هذا الوفد.. بل سمّى قومهم جميعا بالأشعريين..
ونعتهم الرسول بأنهم أرق الناس أفئدة..
وكثيرا ما كان يضرب المثل الأعلى لأصحابه, فيقول فيهم وعنهم:
" إن الأشعريين اذا أرملوا في غزو, أو قلّ في أيديهم الطعام, جمعوا ما عندهم في ثوب واحد, ثم اقتسموا بالسويّة.
" فهم مني.. وإنا منهم"..!!
ومن ذلك اليوم أخذ أبو موسى مكانه الدائم والعالي بين المسلمين والمؤمنين, الذين قدّر لهم إن يكونوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلامذته, وإن يكونوا حملة الإسلام إلى الدنيا في كل عصورها ودهورها..
 
  أبو موسى مزيج عجيب من صفات عظيمة..
فهو مقاتل جسور, ومناضل صلب اذا اضطر لقتال..
وهو مسالم طيب, وديع إلى أقصى غايات الطيبة والوداعة..!!
وهو فقيه, حصيف, ذكي يجيد تصويب فهمه إلى مغاليق الأمور, ويتألق في الإفتاء والقضاء, حتى قيل:
" قضاة هذه الأمة أربعة:
" عمر وعلي وأبو موسى وزيد بن ثابت"..!!
ثم هو مع هذا, صاحب فطرة بريئة, من خدعه في الله, انخدع له..!!
وهو عظيم الولاء والمسؤولية..
وكبير الثقة بالناس..
لو أردنا إن نختار من واقع حياته شعارا, لكانت هذه العبارة:
" الإخلاص وليكن ما يكون"..
في مواطن الجهاد, كان الأشعري يحمل مسؤولياته في استبسال مجيد مما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عنه:
" سيّد الفوارس, أبو موسى"..!!
وإنه ليرينا صورة من حياته كمقاتل فيقول:
" خرجنا مع رسول الله في غزاة, نقبت فيها أقدامنا, ونقّبت قدماي, وتساقطت أظفاري, حتى لففنا أقدامنا بالخرق"..!!
وما كانت طيبته وسلامة طويته ليغريا به عدوّا في قتال..
فهو في موطن كهذا يرى الأمور في وضوح كامل, ويحسمها في عزم أكيد..
 
  ولقد حدث والمسلمون يفتحون بلاد فارس إن هبط الأشعري بجيشه على أهل أصبهان الذين صالحوه على الجزية فصالحهم..
بيد إنهم في صلحهم  ذاك لم يكونوا صادقين.. إنما أرادوا إن يهيئوا لأنفسهم الإعداد لضربة غادرة..
ولكن فطنة أبي موسى التي لا تغيب في مواطن الحاجة إليها كانت تستشف أمر أولئك وما يبيّتون.. فلما همّوا بضربتهم لم يؤخذ القائد على غرّة, وهنالك بارزهم القتال فلم ينتصف النهار حتى كان قد انتصر انتصارا باهرا..!!
 
   وفي المعارك التي خاضها المسلمون ضدّ إمبراطورية الفرس, كان لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه, بلاؤه العظيم وجهاده الكريم..
وفي موقعة تستر بالذات, حيث انسحب الهرزمان بجيشه إليها وتحصّن بها, وجمع فيها جيوشا هائلة, كان أبو موسى بطل هذه الموقعة..
ولقد أمدّه أمير المؤمنين عمر يومئذ بأعداد هائلة من المسلمين, على رأسهم عمار بن ياسر, والبراء بن مالك, وإنس بن مالك, ومجزأة البكري وسلمة بن رجاء..
واتقى الجيشان..
جيش المسلمين بقيادة أبو موسى.. وجيش الفرس بقيادة الهرزمان في معركة من أشد المعارك ضراوة وبأسا..
وانسحب الفرس إلى داخل مدينة تستر المحصنة..
وحاصرها المسلمون أياما طويلة, حتى أعمل أبو موسى عقله وحيلته..
وأرسل مائتي فارس مع عميل فارسي, أغراه أبو موسى بأن يحتال حتى يفتح باب المدينة, أمام الطليعة التي اختارها لهذه المهمة.
ولم تكد الأبواب تفتح, وجنود الطليعة يقتحمون الحصن حتى انقض أبو موسى بجيشه انقضاضا مدمدما.
واستولى على المعقل الخطير في ساعات. واستسلم قادة الفرس, حيث بعث بهم أبو موسى إلى المدينة ليرى أمير المؤمنين فيهم رأيه..
 
  على إن هذا المقاتل ذا المراس الشديد, لم يكن يغادر أرض المعركة حتى يتحوّل إلى أوّاب, بكّاء وديع كالعصفور...
يقرأ القرآن بصوت يهز أعماق من سمعه.. حتى لقد قال عنه الرسول:
" لقد أوتي أبو موسى مزمارا من مزامير آل داود"..!
كان عمر رضي الله عنه كلما رآه دعاه ليتلو عليه من كتاب الله.. قائلا له:
" شوّقنا إلى ربنا يا أبا موسى"..
كذلك لم يكن يشترك في قتال إلا إن يكون ضد جيوش مشركة, جيوش تقاوم الدين وتريد أن تطفئ نور الله..
أما حين يكون القتال بين مسلم ومسلم, فإنه يهرب منه ولا يكون له دور أبدا.
ولقد كان موقفه هذا واضحا في نزاع عليّ ومعاوية, وفي الحرب التي استعر بين المسلمين يومئذ أوراها.
ولعل هذه النقطة من الحديث تصلنا بأكثر مواقف حياته شهرة, وهو موقفه من التحكيم بين الإمام علي ومعاوية.
هذا الموقف الذي كثيرا ما يؤخذ آية وشاهدا على إفراط أبي موسى في الطيبة إلى حد يسهل خداعه.
بيد إن الموقف كما سنراه, وبرغم ما عسى إن يكون فيه تسرّع أو خطأ, إنما يكشف عن عظمة هذا الصحابي الجليل, عظمة نفسه, وعظمة إيمانه بالحق, وبالناس, إن رأى أبي موسى في قضية التحكيم يتلخص في إنه وقد رأى المسلمين يقتل بعضهم بعضا, كل فريق يتعصب لإمام وحاكم.. كما رأى الموقف بين المقاتلين قد بلغ في تأزمه واستحالة تصفيته المدى الذي يضع مصير الأمة المسلمة كلها على حافة الهاوية.
نقول: إن رأيه وقد بلغت الحال من السوء هذا المبلغ, كان يتلخص في تغيير الموقف كله والبدء من جديد.
إن الحرب الأهلية القائمة يوم ذاك إنما تدور بين طائفتين من المسلمين تتنازعان حول شخص الحاكم, فليتنازل الإمام علي عن الخلافة مؤقتا, وليتنازل عنها معاوية, على أن يرد الأمر كله من جديد إلى المسلمين يختارون بطريق الشورى الخليفة الذي يريدون.
هكذا ناقش أبو موسى القضية, وهكذا كان حله.
صحيح إن عليّا بويع بالخلافة بيعة صحيحة.
وصحيح إن كل تمرد غير مشروع لا ينبغي إن يمكّن من غرضه في إسقاط الحق المشروع. بيد إن الأمور في النزاع  بين الإمام ومعاوية وبين أهل العراق وأهل الشام, في رأي أبي موسى, قد  بلغت المدى الذي يفرض نوعا جديدا من التفكير والحلول.. فعصيان معاوية, لم يعد مجرّد عصيان.. وتمرّد أهل الشام لم يعد مجرد تمرد.. والخلاف كله يعود مجرد خلاف في الرأي ولا في الاختيار..
بل إن ذلك كله تطوّر إلى حرب أهلية ضارية ذهب ضحيتها آلاف القتلى من الفريقين.. ولا تزال تهدد الإسلام والمسلمين بأسوأ العواقب.
فإزاحة أسباب النزاع والحرب, وتنحية أطرافه, مثّلا في تفكير أبي موسى نقطة البدء في طريق الخلاص..
ولقد كان من رأي الإمام علي حينما قبل مبدأ التحكيم, أن يمثل جبهته في التحكيم عبدالله بن عباس, أو غيره من الصحابة. لكن فريقا كبيرا من ذوي البأس في جماعته وجيشه فرضا عليه أبا موسى الأشعري فرضا.
وكانت حجتهم في اختيار أبا موسى أنه لم يشترك قط في النزاع بين علي ومعاوية, بل اعتزل كلا الفريقين بعد أن يئس من حملهما على التفاهم والصلح ونبذ القتال. فهو بهذه المثابة أحق الناس بالتحكيم..
ولم يكن في دين أبي موسى, ولا في إخلاصه وصدقه ما يريب الإمام.. لكنه كان يدرك نوايا الجانب الآخر ويعرف مدى اعتمادهم على المناورة والخدعة. وأبو موسى برغم فقهه وعلمه يكره الخداع والمناورة, ويحب إن يتعامل مع الناس بصدقه لا بذكائه. ومن ثم خشي الإمام علي إن ينخدع  أبو موسى للآخرين, ويتحول التحكيم إلى مناورة من جانب واحد, تزيد الأمور سوءا...
 
  بدأ التحيكم بين الفريقين..
أبو موسى الأشعري يمثل  جبهة الإمام علي..
وعمرو بن العاص, يمثل جانب معاوية.
والحق إن عمرو بن العاص اعتمد على ذكائه الحاد وحيلته الواسعة في أخذ الراية لمعاوية.
ولقد بدأ الاجتماع بين الرجلين, الأشعري, وعمرو باقتراح طرحه أبو موسى وهو إن يتفق الحكمان على ترشيح عبدالله بن عمر بل وعلى إعلانه خليفة للمسلمين, وذلك لما كان ينعم به عبدالله بن عمر من إجماع رائع على حبه وتوقيره وإجلاله.
ورأى عمرو بن العاص في هذا الاتجاه من أبي موسى فرصة هائلة فانتهزها..
إن مغزى اقتراح أبي موسى, إنه لم يعد مرتبطا بالطرف الذي يمثله وهو الإمام علي..
ومعناه أيضا إنه مستعد لإسناد الخلافة إلى آخرين من أصحاب الرسول بدليل إنه اقترح عبدالله بن عم..
وهكذا عثر عمرو بدهائه على مدخل فسيح إلى غايته, فراح يقترح معاوية.. ثم اقترح ابنه عبدالله بن عمرو وكان ذا مكانة عظيمة بين أصحاب رسول الله.
ولك يغب ذكاء أبي موسى أمام دهاء عمرو.. فإنه لم يكد يرى عمرا يتخذ مبدأ الترشيح قاعدة الترشيح للحديث والتحكيم حتى لوى الزمام إلى وجهة أسلم, فجابه عمرا بأن اختيار الخليفة حق للمسلمين جميعا, وقد جعل الله أمرهم شورى بينهم, فيجب إن يترك الأمر لهم وحدهم وجميعهم لهم الحق في هذا الاختيار..
وسوف نرى كيف استغل عمرو هذا المبدأ الجلي لصالح معاوية..
ولكن قبل ذلك لنقرأ نص الحوار التاريخي الذي دار بين أبي موسى وعمرو بن العاص في بدء اجتماعهما:
أبو موسى: يا عمرو, هل لك في صلاح الأمة ورضا الله..؟
عمرو: وما هو..؟
أبو موسى: نولي عبدالله بن عمر, فإنه لم يدخل نفسه في شيء من هذه الحرب.
عمرو: وأين أنت من معاوية..؟
أبو موسى: ما معاوية بموضع لها ولا يستحقها.
عمرو: ألست تعلم إن عثمان قتل مظلوما..؟
أبو موسى: بلى..
عمرو: فإن معاوية وليّ دم عثمان, وبيته في قريش ما قد علمت. فإن قال الناس لم أولي الأمر ولست سابقة؟ فإن لك في ذلك عذرا. تقول: إني وجدته ولي عثمان, والله تعالى يقول: ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا).. وهو مع هذا, اخو أم  حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم, وهو أحد أصحابه..
أبو موسى: اتق الله يا عمرو..
أمّا ما ذكرت من شرف معاوية, فلو كانت الخلافة تستحق بالشرف لكان أحق الناس بها أبرهة بن الصبّاح فإنه من أبناء ملوك اليمن التباعية الذين ملكوا شرق الأرض ومغربها.. ثم أي شرف لمعاوية مع علي بن أبي طالب..؟؟
وأما قولك: إن معاوية ولي عثمان, فأولى منه عمرو بن عثمان..
ولكن إن طاوعتني أحيينا سنة عمر بن الخطاب وذكره, بتوليتنا ابنه عبدالله الحبر..
عمرو: فما يمنعك من ابني عبدالله مع فضله وصلاحه وقديم هجرته وصحبته..؟
أبو موسى: إن ابنك رجل صدق, ولكنك قد غمسته في هذه الحروب غمسا, فهلم نجعلها للطيّب بن الطيّب.. عبدالله بن عمر..
عمرو: يا أبا موسى, إنه لا يصلح لهذا الأمر إلا رجل له ضرسان يأكل بأحدهما, ويطعم بالآخر..!!
أبو موسى: ويحك يا عمرو.. إن المسلمين قد أسندوا إلينا الأمر بعد إن تقارعوا السيوف, وتشاكوا بالرماح, فلا نردهم في فتنة.
عمرو: فماذا ترى..؟أبو موسى: أرى إن نخلع الرجلين, عليّا ومعاوية, ثم نجعلها شورى بين المسلمين, يختارون لأنفسهم من يحبوا..
عمرو: رضيت بهذا الرأي فإن صلاح النفوس فيه..
إن هذا الحوار يغير تماما وجه الصورة التي تعوّدنا إن نرى بها أبا موسى الأشعري كلما ذكرنا واقعة التحكيم هذه..
إن أبا موسى كان أبعد ما يكون عن الغفلة..
بل إنه في حواره هذا كان ذكاؤه أكثر حركة من ذكاء عمرو بن العاص المشهور بالذكاء والدهاء..
فعندما أراد عمرو إن يجرّع أبا موسى خلافة معاوية بحجة حسبه في قريش, وولايته لدم عثمان, جاء رد  أبي موسى حاسما لامعا كحد السيف..
اذا كانت الخلافة بالشرف, فأبرهة بن الصباح سليل الملوك أولى بها من معاوية..
وإذا كانت بدم عثمان والدفاع عن حقه, فابن عثمان رضي الله عنه, أولى بهذه الولاية من معاوية..
 
  لقد سارت قضية التحكيم بعد هذا الحوار في طريق يتحمّل مسؤوليتها عمرو بن العاص وحده..
فقد أبرأ أبو موسى ذمته بردّ الأمر إلى الأمة, تقول كلمتها وتختار خليفتها..
ووافق عمرو والتزم بهذا الرأي..
ولم يكن يخطر ببال أبي موسى إن عمرو في هذا الموقف  الذي يهدد الإسلام والمسلمين بشر بكارثة, سيلجأ إلى المناورة, هما يكن اقتناعه بمعاوية..
ولقد حذره ابن عباس حين رجع إليهم يخبرهم بما تم الاتفاق عليه..
حذره من مناورات عمرو وقال له:
" أخشى والله إن يكون عمرو قد خدعك, فإن كنتما قد اتفقتما على شيء فقدمه قبلك ليتكلم, ثم تكلم أنت بعده"..!
لكن أبا موسى كان يرى الموقف أكبر وأجل من إن يناور فيه عمرو, ومن ثم لم يخالجه أي ريب أوشك في التزام عمرو بما اتفقنا عليه..
واجتمعا في اليوم التالي.. أبو موسى ممثلا لجبهة الإمام علي, وعمرو بن العاص ممثلا لجبهة معاوية..
ودعا أبو موسى عمرا ليتحدث.. فأبى عمرو وقال له:
 
" ما كنت لأتقدمك وأنت أكثر مني فضلا.. وأقدم هجرة.. وأكبر سنا"..!!
وتقد أبو موسى واستقبل الحشود الرابضة من كلا الفريقين.
وقال:
" أيها الناس.. إنا قد نظن فيما يجمع الله به ألفة هذه الأمة, ويصلح أمرها, فلم نر شيئا أبلغ من خلع الرجلين علي ومعاوية, وجعلها شورى يختار الناس لأنفسهم من يرونه لها..
وإني قد خلعت عليا ومعاوية..
فاستقبلوا أمركم وولوا عليكم من أحببتم"...
وجاء دور عمرو بن العاص ليعلن خلع معاوية, كما خلع أبو موسى عليا, تنفيذا  للاتفاق المبرم بالأمس...
وصعد عمرو المنبر, وقال:
" أيها الناس, إن أبا موسى قد قال كما سمعتم وخلع صاحبه,
ألا وإني قد خلعت صاحبه كما خلعه, وأثبت صاحبي معاوية, فإنه ولي أمير المؤمنين عثمان والمطالب بدمه, وأحق الناس بمقامه.."!!
ولم يحتمل أبو موسى وقع المفاجأة, فلفح عمرا بكلمات غاضبة ثائرة..
وعاد من جديد إلى عزلته, وأغذّ خطاه إلى مكة.. إلى جوار البيت الحرام, يقضي هناك ما بقي له من عمر وأيام..
كان أبو موسى رضي الله عنه موضع ثقة الرسول وحبه, وموضع ثقة خلفائه وأصحابه وحبهم...
ففي حياته عليه الصلاة والسلام ولاه مع معاذ بن جبل أمر اليمن..
وبعد وفاة الرسول عاد إلى المدينة ليجمل مسؤولياته في الجهاد الكبير الذي خاضته جيوش الإسلام ضد فارس والروم..
وفي عهد عمر ولاه أمير المؤمنين البصرة..
وولاه الخليفة عثمان الكوفة..
 
  وكان من أهل القرآن, حفظا, وفقها, وعملا..
ومن كلماته المضيئة عن القرآن:
" اتبعوا القرآن..
ولا تطمعوا في إن يتبعكم القرآن"..!!
وكان من أهل العبادة المثابرين..
وفي الأيام القائظة التي يكاد حرّها يزهق الأنفاس, كنت تجد أبا موسى يلقاها لقاء مشتاق ليصومها ويقول:
" لعل ظمأ الهواجر يكون لنا ريّا يوم القيامة"..
   
  وذات يوم رطيب جاءه أجله..
وكست محيّاه إشراقة من يرجو رحمة الله وحسن ثوابه.ز
والكلمات التي كان يرددها دائما طوال حياته المؤمنة, راح لسانه الآن وهو في لحظات الرحيل يرددها:
تلك هي:
" اللهم أنت السلام..ومنك السلام"...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى




عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011

رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم)   رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 5 أبريل 2015 - 5:12

طلحة بن عبيد الله (صقر يوم أحد)


( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا {23}الأحزاب)...
تلا الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآية الكريمة, ثم استقبل وجوه أصحابه, وقال وهو يشير إلى طلحة:
" من سرّه أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض, وقد قضى نحبه, فلينظر إلى طلحة"..!!
ولم تكن ثمة بشرى يتمنّاها أصحاب رسول الله, وتطير قلوبهم شوقا إليها أكثر من هذه التي قلّدها النبي طلحة بن عبيد الله..
لقد اطمأن إذن إلى عاقبة أمره ومصير حياته.. فسيحيا, ويموت, وهو واحد من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولن تناله فتنة, ولن يدركه لغوب..
ولقد بشّره الرسول بالجنة, فماذا كانت حياة هذا المبشّر الكريم..؟؟
  

  لقد كان في تجارة له بأرض بصرى حين لقي راهبا من خيار رهبانها, وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من بلاد الحرم, والذي تنبأ به الأنبياء الصالحون قد أهلّ عصره وأشرقت أيامه..
وحّر طلحة أن يفوته موكبه, فانه موكب الهدى والرحمة والخلاص..
وحين عاد طلحة إلى بلده مكة بعد شهور قضاها في بصرى وفي السفر, ألفى بين أهلها ضجيجا.. وسمعهم يتحدثون كلما التقى بأحدهم, أو بجماعة منهم عن محمد الأمين.. وعن الوحي الذي يأتيه.. وعن الرسالة التي يحملها إلى العرب خاصة, وإلى الناس كافة..
وسأل طلحة أول ما سأل أبي بكر فعلم أنه عاد مع قافلته وتجارته من زمن غير بعيد, وأنه يقف إلى جوار محمد مؤمنا منافحا, أوّابا..
وحدّث طلحة نفسه: محمد, وأبو بكر..؟؟
تالله لا يجتمع الاثنان على ضلالة أبدا.!!
ولقد بلغ محمد الأربعين من عمره, وما عهدنا عليه خلال هذا العمر كذبة واحدة.. أفيكذب اليوم على الله, ويقول: أنه أرسلني وأرسل إليّ وحيا..؟؟
 

  وهذا هو الذي يصعب تصديقه..
وأسرع طلحة الخطى ميمما وجهه شطر دار أبي بكر..
ولم يطل الحديث بينهما, فقد كان شوقه إلى لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم ومبايعته أسرع من دقات قلبه..
فصحبه أبو بكر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام, حيث أسلم وأخذ مكانه في القافلة المباركة..
وهكذا كان طلحة من المسلمين المبكرين.
  

  وعلى الرغم من جاهه في قومه, وثرائه العريض, وتجارته الناجحة فقد حمل حظه من اضطهاد قريش, إذ وكل به وبأبي بكر نوفل بن خويلد, وكان يدعى أسد قريش, بيد أن اضطهادهما لم يطل مداه, إذ سرعان ما خجلت قريش من نفسها, وخافت عاقبة أمرها..
وهاجر طلحة إلى المدينة حين أمر المسلمون بالهجرة, ثم شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, عدا غزوة بدر, فان الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد ندبه ومعه سعيد بن زيد لمهمة خارج المدينة..
ولما أنجزاها ورجعا قافلين إلى المدينة, كان النبي وصحبه عائدين من غزوة بدر, فآلم نفسيهما أن يفوتهما أجر مشاركة الرسول صلى الله عليه وسلم بالجهاد في أولى غزواته..
بيد أن الرسول أهدى إليهما طمأنينة سابغة, حين أنبأهما أن لهما من المثوبة والأجر مثل ما للمقاتلين تماما, بل وقسم لهما من غنائم المعركة مثل من شهدوها..
وتجيء غزوة أحد لتشهد كل جبروت قريش وكل بأسها حيث جاءت تثأر ليوم بدر وتؤمّن مصيرها بإنزال هزيمة نهائية بالمسلمين, هزيمة حسبتها قريش أمرا ميسورا, وقدرا مقدورا..!!
ودارت حرب طاحنة سرعان ما غطّت الأرض بحصادها الأليم.. ودارت الدائرة على المشركين..
 

  ثم لما رآهم المسلمون ينسحبون وضعوا أسلحتهم, ونزل الرماة من مواقعهم ليحوزوا نصيبهم من الغنائم..
وفجأة عاد جيش قريش من الوراء على حين بغتة, فامتلك ناصية الحرب زمام المعركة..
واستأنف القتال ضراوته وقسوته وطحنه, وكان للمفاجأة أثرها في تشتيت صفوف المسلمين..
وأبصر طلحة جانب المعركة التي يقف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فألفاه قد صار هدفا لقوى الشرك  والوثنية, فسارع نحو الرسول..
وراح رضي الله عنه يجتاز طريقا ما أطوله على قصره..! طريقا تعترض كل شبر منه عشرات السيوف المسعورة وعشرات  من الرماح المجنونة!!
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعيد يسيل من وجنته الدم  ويتحامل على نفسه, فجنّ جنونه, وقطع طريق الهول في قفزة أو قفزتين وأمام الرسول وجد ما يخشاه.. سيوف المشركين تلهث نحوه, وتحيط به تريد أن تناله بسوء..
 

  ووقف طلحة كالجيش اللجب, يضرب بسيفه البتار يمينا وشمالا..
ورأى دم الرسول الكريم ينزف, وآلامه تئن, فسانده وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه..
كان يساند الرسول عليه الصلاة والسلام بيسراه وصدره, متأخرا به إلى مكان آمن, بينما بيمينه, بارك الله يمينه, تضرب بالسيف وتقاتل المشركين الذين أحاطوا بالرسول, وملؤوا دائرة القتال مثل الجراد..!!
ولندع الصدّيق أبا بكر رضي الله عنه يصف لنا المشهد..
تقول عائشة رضي الله عنها:
" كان أبو بكر إذا ذكر يوم أحد يقول: ذلك كله كان يوم طلحة.. كنت أول من جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال لي الرسول صلى الله عليه وسلم ولأبي عبيدة بن الجرّاح: دونكم أخاكم.. ونظرنا وإذا به بضع وسبعون بين طعنة.. وضربة ورمية.. وإذا أصبعه مقطوع. فأصلحنا من شانه" .
 

  وفي جميع المشاهد والغزوات, كان طلحة في مقدّمة الصفوف يبتغي وجه الله, ويفتدي راية رسوله.
ويعيش طلحة وسط الجماعة المسلمة, يعبد الله مع العابدين, ويجاهد في سبيله مع المجاهدين, ويرسي بساعديه مع سواعد إخوانه قواعد الدين الجديد الذي جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور..
فإذا قضى حق ربه, راح يضرب في الأرض, ويبتغي من فضل الله منمّيا تجارته الرابحة, وأعماله الناجحة.
فقد كان طلحة رضي الله عته من أكثر المسلمين ثراء, وأنماهم ثروة..
وكانت ثروته كلها في خدمة الدين الذي حمل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته...
كان ينفق منها بغير حساب..
وكان اله ينمّيها له بغير حساب!
 

  لقد لقّبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بـطلحة الخير, وطلحة الجود, وطلحة الفيّاض إطراء لجوده المفيض.
وما أكثر ما كان يخرج من ثروته مرة واحدة, فإذا الله الكريم يردها إليه مضاعفة.
 

  تحدّثنا زوجته سعدى بنت عوف فتقول:
" دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما, فسألته ما شانك..؟
فقال المال الذي عندي.. قد كثر حتى أهمّني وأكربني..
وقلت له ما عليك.. اقسمه..
فقام ودعا الناس, واخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه درهم"...
ومرّة أخرى باع أرضا له بثمن مرتفع, ونظر إلى كومة المال ففاضت عيناه من الدمع ثم قال:
" إن رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري  ما يطرق من أمر, لمغرور بالله"...
ثم دعا بعض أصحابه وحمل معهم أمواله هذه, ومضى في شوارع المدينة وبيوتها يوزعها, حتى أسحر وما عنده منها درهم..!!
ويصف جابر بن عبدالله جود طلحة فيقول:
" ما رأيت أحد أعطى لجزيل مال من غير مسألة, من طلحة بن عبيد الله".وكان أكثر الناس برّا بأهله وبأقربائه, فكان يعولهم جميعا على كثرتهم..
وقد قيل عنه في ذلك:
".. كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا إلا كفاه مؤنته, ومؤنة عياله..
وكان يزوج أيامهم, ويخدم عائلهم, ويقضي دين غارمهم"..
 

  ويقول السائب بن زيد:
" صحبت طلحة بن عبيدالله في السفر والحضر فما وجدت أحدا, أعمّ سخاء على الدرهم, والثوب والطعام من طلحة"..!!
 

   وتنشب الفتنة المعروفة في خلافة عثمان رضي الله عنه..
ويؤيد طلحة حجة المعارضين لعثمان, ويزكي معظمهم فيما كانوا ينشدونه من تغيير وإصلاح..
أكان بموقفه هذا, يدعو إلى قتل عثمان, أو يرضى به..؟؟ كلا...
ولو كان يعلم أن الفتنة ستتداعى حتى تتفجر آخر الأمر حقدا مخبولا, ينفس عن نفسه في تلك الجناية البشعة التي ذهب ضحيتها ذو النورين عثمان رضي الله عنه..
نقول: لو كان يعلم أن الفتنة ستتمادى إلى هذا المأزق والمنتهى لقاومها, ولقاومها معه بقية الأصحاب الذين آزروها أول أمرها باعتبارها حركة معارضة وتحذير, لا أكثر..
 

  على أن موقف طلحة هذا, تحوّل إلى عقدة حياته بعد الطريقة البشعة التي حوصر بها عثمان وقتل, فلم يكد الإمام عليّ يقبل بيعة المسلمين بالمدينة ومنهم طلحة والزبير, حتى استأذن الاثنان في الخروج إلى مكة للعمرة..
ومن مكة توجها إلى البصرة, حيث كانت قوات كثيرة تتجمّع للأخذ بثأر عثمان..
وكانت وقعة الجمل حيث التقى الفريق المطالب بدم عثمان, والفريق الذي يناصر عليّا..
وكان عليّ كلما أدار خواطره على الموقف العسر الذي يجتازه الإسلام والمسلمون في هذه الخصومة الرهيبة, تنتفض همومه, وتهطل دموعه, ويعلو نشيجه..!!
 

  لقد اضطر إلى المأزق الوعر..
فبوصفه خليفة المسلمين لا يستطيع, وليس من حقه أن يتسامح تجاه أي تمرّد على الدولة, أو أي مناهضة مسلحة للسلطة المشروعة..
وحين ينهض لقمع تمرّد من هذا النوع, فان عليه أن يواجه إخوانه وأصحابه وأصدقاءه, وأتباع رسوله ودينه, أولئك الذين طالما قاتل معهم  جيوش الشرك, وخاضوا معا تحت  راية التوحيد معارك صهرتهم وصقلتهم, وجعلت منهم إخوانا بل إخوة متعاضدين..
فأي مأزق هذا..؟ وأي ابتلاء عسير..؟
وفي سبيل التماس مخرج من هذا المأزق, وصون دماء المسلمين لم يترك الإمام علي وسيلة إلا توسّل بها, ولا رجاء إلا تعلق به.
ولكن العناصر التي كانت تعمل ضدّ الإسلام, وما أكثرها, والتي لقيت مصيرها الفاجع على يد الدولة المسلمة, أيام عاهلها العظيم عمر, هذه العناصر كانت قد أحكمت نسج الفتنة, وراحت تغذيها وتتابع سيرها وتفاقمها...
 

  بكى عليّ بكاء غزيرا, عندما أبصر أم المؤمنين عائشة في هودجها على رأس الجيش الذي يخرج الآن لقتاله..
وعندما أبصر وسط الجيش طلحة والزبير, حوراييّ رسول الله..
فنادى طلحة والزبير ليخرجا إليه, فخرجا حتى اختلفت أعناق أفراسهم..
فقال لطلحة:
" يا طلحة, أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها. وخبأت عرسك في البيت"..؟؟
ثم قال للزبير:
" يا زبير, نشدتك الله, أتذكر يوم مرّ بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمكان كذا, فقال لك: يا زبير, ألا تحبّ عليّا..؟
فقلت: ألا أحب ابن خالي, وابن عمي, ومن هو على ديني..؟؟
فقال لك: يا زبير, أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم"..!!
قال الزبير رضي الله عنه: نعم أذكر الآن, وكنت قد نسيته, والله لا أقاتلك..
وأقلع الزبير وطلحة عن الاشتراك في هذه الحرب الأهلية..
أقلعا فور تبيّنهما الأمر, وعندما أبصرا عمار بن ياسر يحارب في صف عليّ, تذكرا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمّار:
 

" تقتلك الفئة الباغية"..
فان قتل عمّار إذن في هذه المعركة التي يشترك فيها طلحة, فسيكون طلحة باغيا...
  

  انسحب طلحة والزبير من القتال, ودفعا ثمن ذلك الانسحاب حياتهما, ولكنهما لقيا الله قريرة أعينهما بما منّ عليهما من بصيرة وهدى..
أما الزبير فقد تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غيلة وغدرا وهو يصلي..!!
وأما طلحة فقد رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته..
  

  كان مقتل عثمان قد تشكّل في نفسية طلحة, حتى صار عقدة حياته..
كل هذا, مع أنه لم يشترك بالقتل, ولم يحرّض عليه, وإنما ناصر المعارضة ضدّه, يوم لم يكن يبدو أن المعارضة ستتمادى وتتأزم حتى تتحول إلى تلك الجريمة البشعة..
 

  وحين أخذ مكانه يوم الجمل مع الجيش المعادي لعلي بن أبي طالب والمطالب بدم عثمان, كان يرجو أن يكون في موقفه هذا كفّارة تريحه من وطأة ضميره..
وكان قبل بدء المعركة يدعو ويتضرع بصوت تخنقه الدموع, ويقول:
" اللهم خذ مني لعثمان اليوم حتى ترضى"..
 

  فلما واجهه عليّ هو والزبير, أضاءت كلمات عليّ جوانب نفسيهما, فرأيا الصواب وتركا أرض القتال..
بيد أن الشهادة من حظ طلحة يدركها وتدركه أيّان  يكون..
ألم يقل الرسول عنه:
" هذا ممن قضى نحبه, ومن سرّه أن يرى شهيدا يمشي على الأرض, فلينظر إلى طلحة"..؟؟
لقي الشهيد إذن مصيره المقدور والكبير, وانتهت وقعة الجمل.
وأدركت أم المؤمنين أنها تعجلت الأمور فغادرت البصرة  إلى البيت الحرام فالمدينة, نافضة يديها من هذا الصراع, وزوّدها الإمام علي في رحلتها بكل وسائل الراحة والتكريم..
وحين كان عليّ يستعرض شهداء المعركة راح يصلي عليهم جميعا, الذين كانوا معه, والذين كانوا ضدّه..
ولما فرغ من دفن طلحة, والزبير, وقف يودعهما بكلمات جليلة, اختتمها قائلا:
" إني لأرجو أن أكون أنا, وطلحة والزبير وعثمان من الذين قال الله فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ {47}الحجر )"..
ثم ضمّ قبريهما بنظراته الحانية الصافية الآسية وقال:
" سمعت أذناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" طلحة والزبير, جاراي في الجنّة"...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى




عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011

رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم)   رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 5 أبريل 2015 - 5:14

ثابت بن قيس (خطيب رسول الله)
  كان حسّان بن ثابت شاعر رسول الله والإسلام..
وكان ثابت خطيب  خطيب رسول الله والإسلام..
وكانت الكلمات تخرج من فمه قوية, صادعة, جامعة رائعة..
وفي عام الوفود, وفد على لمدينة وفد بني تميم وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
" جئنا نفاخرك, فأذن لشاعرنا وخطيبنا"..
فابتسم الرسول صلى الله عليه وسلم وقال لهم:
" قد أذنت لخطيبكم, فليقل"..
وقام خطيبهم عطارد بن حاجب ووقف يزهو بمفاخر قومه..
ولما آذن بانتهاء, قال النبي صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس: قم فأجبه..
ونهض ثابت فقال:
" الحمد لله, الذي في السموات والأرض خلقه, قضى فيهنّ أمره, ووسع كرسيّه علمه, ولم يك شيء قط إلا من فضله..
ثم كان من قدرته أن جعلنا أئمة. واصطفى من خير خلقه رسولا.. أكرمهم نسبا. وأصدقهم حديثا. وأفضلهم حسبا, فأنزل عليه كتابه, وائتمنه على خلقه, فكان خيرة الله من العالمين..
ثم دعا الناس إلى الإيمان به, فآمن به المهاجرون من قومه وذوي رحمه.. أكرم الناس أحسابا, وخيرهم فعالا..
ثم كنا نحن الأنصار أول الخلق إجابة..
فنحن أنصار الله, ووزراء رسوله"..
  
  شهد ثابت بن قيس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة أحد, والمشاهد بعدها.
وكانت فدائيته من طراز عجيب.. جد عجيب..!!
في حروب الردّة, كان في الطليعة دائما, يحمل راية الأنصار, ويضرب بسيف لا يكبو, ولا ينبو..
وفي موقعة اليمامة, التي سبق الحديث عنها أكثر من مرة, رأى ثابت وقع الهجوم الخاطف لذي شنّه جيش مسيلمة الكذاب على المسلمين أول المعركة, فصاح بصوته النذير الجهير:
" والله, ما هذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"..
ثم ذهب بغير بعيد, وعاد وقد تحنّط, ولبس أكفانه, وصاح مرة أخرى:
" إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء..
يعني جيش مسيلمة..
وأعتذر إليك مما صاع هؤلاء..
يعني تراخي المسلمين في القتال"..
وانضم إليه سالم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان يحمل راية المهاجرين..
وحفر الاثنان لنفسيهما حفرة عميقة ثم نزلا فيها قائمين, وأهالا الرمال عليهما حتى غطت وسط كل منهما..
وهكذا وقفا..طودين شامخين, نصف كل منهما غائص في الرمال مثبت في أعماق الحفرة.. في حين نصفهما الأعلى, صدرهما وجبهتهما وذراعهما يستقبلان جيوش الوثنية والكذب..
وراحا يضربان بسيفهما كل من يقترب منهما من جيش مسيلمة حتى استشهدا في مكانهما, ومالت شمس كل منهما للغروب..!!
وكان مشهدهما رضي الله عنهما هذا أعظم صيحة أسهمت في ردّ المسلمين إلى مواقعهم, حيث جعلوا من جيش مسيلمة الكذاب ترابا تطؤه الأقدام..!!
   
وثابت بن قيس.. هذا الذي تفوّق خطيبا, وتفوّق محاربا كان يحمل نفسا أوابة, وقلبا خاشعا مخبتا, وكان من أكثر المسلمين وجلا من الله, وحياء منه..
  
  لما نزلت الآية الكريمة:
( إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا {36}النساء)..
أغلق ثابت باب داره, وجلس يبكي..وطال مكثه على هذه الحال, حتى نمى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره, فدعاه وسأله.
فقال ثابت:
" يا رسول الله, إني أحب الثوب الجميل, والنعل الجميل, وقد خشيت أن أكون بهذا من المختالين"..
فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضحك راضيا:
" انك لست منهم..
بل تعيش بخير..
وتموت بخير..
وتدخل الجنة".
ولما نزل قول الله تعالى:
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ {2}الحجرات )..
أغلق ثابت عليه داره, وطفق يبكي..
وافتقده الرسول فسأل عنه, ثم أرسل من يدعوه...
وجاء ثابت..
وسأله الرسول عن سبب غيابه, فأجابه:
" إني امرؤ جهير الصوت..
وقد كنت أرفع صوتي فوق صوتك يا رسول الله..
وإذن فقد حبط عملي, وأنا من أهل النار"..!!
وأجابه الرسول عليه الصلاة والسلام:
" انك لست منهم..
بل تعيش حميدا..
وتقتل شهيدا..
ويدخلك الله الجنة".
  
  بقي في قصة ثابت واقعة, قد لا يستريح إليها أولئك الذين حصروا تفكيرهم  وشعورهم ورؤاهم داخل عالمهم الماديّ الضيّق  الذي يلمسونه, أو يبصرونه, أو يشمّونه..!
ومع هذا, فالواقعة صحيحة, وتفسيرها مبين وميّسر لكل من يستخدم مع البصر, البصيرة..
بعد أن استشهد ثابت في المعركة, مرّ به واحد من المسلمين الذين كانوا حديثي عهد بالإسلام ورأى على جثمان ثابت دعه الثمينة, فظن أن من حقه أن يأخذها لنفسه, فأخذها..
ولندع راوي الواقعة يرويها بنفسه:
".. وبينما رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه.
فقال له: إني أوصيك بوصية, فإياك أن تقول: هذا حلم فتضيعه.
إني لما استشهدت بالأمس, مرّ بي رجل من المسلمين.
فأخذ درعي..
وان منزله في أقصى الناس, وفرسه يستنّ في طوله, أي في لجامه وشكيمته.
وقد كفأ على الدرع برمة, وفوق الأبرمة رحل..
فأت خالدا, فمره أن يبعث فيأخذها..
فإذا قدمت المدينة على خليفة رسول الله أبي بكر, فقل له: إن عليّ من الدين كذا كذا..
فليقم بسداده..
فلما استيقظ الرجل من نومه, أتى خالد بن الوليد, فقصّ عليه رؤياه..
فأرسل خالد من يأتي بالدرع, فوجدها كما وصف ثابت تماما..
ولما رجع المسلمون إلى المدينة, قصّ المسلم على الخليفة الرؤيا, فأنجز وصيّة ثابت..
وليس في الإسلام وصيّة ميّت أنجزت بعد موته على هذا النحو, سوى وصيّة ثابت بن قيس..
 
  حقا إن الإنسان لسرّ كبير..
( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ {169}آل عمران )
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى




عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011

رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم)   رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 5 أبريل 2015 - 5:16

زييد بن حارثة (لم يحب حبة أحد)


وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يودع جيش الإسلام الذاهب لملاقاة الروم في غزوة مؤتة ويعلن أسماء أمراء الجيش الثلاثة, قائلا:
" عليكم زيد بن حارثة.. فان أصيب زيد فجعفر بن أبي طاب.. فان أصيب جعفر, فعبدالله بن رواحة".
فمن هو زيد بن حارثة"..؟؟
من هذا الذي حمل دون سواه لقب الحبّ.. حبّ رسول الله..؟
أما مظهره وشكله, فكان كما وصفه المؤرخون والرواة:
" قصير, آدم, أي أسمر, شديد الأدمة, في أنفه فطس"..
أمّا نبؤه, فعظيم جدّ عظيم..!!
  

  أعدّ حارثة أبو زيد الراحلة والمتاع لزوجته سعدى التي كانت تزمع زيارة أهلها في بني معن.
وخرج يودع زوجته التي كانت تحمل بين يديها طفلهما الصغير زيد بن حارثة, وكلما همّ أن يستودعهما القافلة التي خرجت الزوجة في صحبتها ويعود هو إلى داره وعمله, ودفعه حنان خفيّ وعجيب لمواصلة السير مع زوجته وولده..
لكنّ الشقّة بعدت, والقافلة أغذّت سيرها, وآن لحارثة أن يودّع الوليد وأمّه, ويعود..
وكذا ودّعهما ودموعه تسيل.. ووقف طويلا مسمرا في مكانه حتى غابا عن بصره, وأحسّ كأن قلبه لم يعد في مكانه.. كأنه رحل مع الراحلين..!!
 

  ومكثت سعدى في قومها ما شاء الله لها أن تمكث..
وذات يوم فوجئ الحيّ, حي بني معن, بإحدى القبائل المناوئة له تغير عليه, وتنزل الهزيمة ببني معن, ثم تحمل فيما حملت من الأسرى ذلك الطفل اليافع, زيد بن حارثة..
وعادت الأم إلى زوجها وحيدة.
ولم يكد حارثة يعرف النبأ حتى خرّ صعقا, وحمل عصاه على كاهله, ومضى يجوب الديار, ويقطع الصحارى, ويسائل القبائل والقوافل عن ولده وحبّة قلبه زيد, مسليّا نفسه, وحاديا ناقته بهذا الشعر الذي راح ينشده من بديهته ومن مآقيه:
بكيــت على زيد ولم ادر ما فعل                     أحيّ فترجى؟ أم أتى دونـــــه الأجل

فوالله ما أدري, واني لسائـــــل                     أغالك بعدي السهل؟ أم غالك الجبل

 تذكرينه الشمس عند طلوعها                      وتعرض ذكراه إذا غروبــــــــها أفل

وان هبّـت الأرواح هيّجن ذكره                      فيا طول حزني عليــــــــه, ويا وجل

  

  كان الرّق في ذلك الزمان البعيد يفرض نفسه كظرف اجتماعي يحاول أن يكون ضرورة..
كان ذلك في أثينا, حتى في أزهى عصور حريّتها ورقيّها..
وكذلك كان في روما..
وفي العالم القديم كله.. وبالتالي في جزيرة العرب أيضا..
وعندما اختطفت القبيلة المغيرة على بني معن نصرها, وعادت  حاملة أسراها, ذهبت إلى سوق عكاظ التي كانت منعقدة أنئذ, وباعوا الأسرى..
 
ووقع الطفل زيد في يد حكيم بن حزام الذي وهبه بعد أن اشتراه لعمته خديجة.
وكانت خديجة رضي الله عنها, قد صارت زوجة لمحمد بن عبدالله, الذي لم يكن الوحي قد جاءه بعد. بيد أنه كان يحمل كل الصفات العظيمة التي أهلته بها الأقدار ليكون غدا من المرسلين..
 

ووهبت خديجة بدورها خادمها زيد  لزوجها رسول اله فتقبله مسرورا وأعتقه من فوره,وراح يمنحه من نفسه العظيمة ومن قلبه الكبير كل عطف ورعاية..
وفي أحد مواسم الحج. التقى تفر من حيّ حارثة بزيد في مكة, ونقلوا إليه لوعة والديه, وحمّلهم زيد سلامه وحنانه وشوقه لأمه وأبيه, وقال للحجّاج من قومه"
" أخبوا أبي أني هنا مع أكرم والد"..
 

  ولم يكن والد زيد يعلم مستقر ولده حتى أغذّ السير إليه, ومعه أخوه..
وفي مكة مضيا يسألان عن محمد الأمين.. ولما لقياه قالا له:
"يا بن عبدالمطلب..
يا بن سيّد قومه, أنتم أهل حرم, تفكون العاني, وتطعمون الأسير.. جئناك في ولدنا, فامنن علينا وأحسن في فدائه"..
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم تعلق زيد به, وكان في نفس الوقت يقدّر حق أبيه فيه..
 

  هنالك قال حارثة:
"ادعوا زيدا, وخيّروه, فإن اختاركم فهو لكم بغير فداء.. وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء"..!!
وتهلل وجه حارثة الذي لك يكن يتوقع كل هذا السماح وقال:
" لقد أنصفتنا, وزدتنا عن النصف"..
ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى زيد, ولما جاء سأله:
" هل تعرف هؤلاء"..؟
قال زيد: نعم.. هذا أبي.. وهذا عمّي.
وأعاد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ما قاله لحارثة.. وهنا قال زيد:
" ما أنا بالذي أختار عليك أحدا, أنت الأب والعم"..!!
ونديت عينا رسول الله بدموع شاكرة وحانية, ثم أمسك بيد زيد, وخرج به إلى فناء الكعبة, حيث قريش مجتمعة هناك, ونادى الرسول:
" اشهدوا أن زيدا ابني.. يرثني وأرثه"..!!
وكاد قلب حارثة يطير من الفرح.. فابنه لم يعد حرّا فحسب, بل وابنا للرجل الذي تسمّيه قريش الصادق الأمين سليل بني هاشم وموضع حفاوة مكة كلها..
وعاد الأب والعم إلى قومهما, مطمئنين على ولدهما والذي تركاه سيّدا في مكة, آمنا معافى, بعد أن كان أبوه لا يدري: أغاله السهل, أم غاله الجبل..!!
 

   تبنّى الرسول زيدا.. وصار لا يعرف في مكة كلها إلا باسمه هذا زيد بن محمد..
وفي يوم باهر الشروق, نادى الوحي محمدا:
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ {5}العلق )...
ثم تتابعت نداءاته وكلماته:
( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ {1} قُمْ فَأَنذِرْ {2} وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ {3}المدثر)...
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {67}المائدة )...
وما إن حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعة الرسالة حتى كان زيد ثاني المسلمين.. بل قيل انه كان أول المسلمين...!!
 

   أحبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا عظيما, وكان بهذا الحب خليقا وجديرا.. فوفاؤه الذي لا نظير له, وعظمة روحه, وعفّة ضميره ولسانه ويده...
كل ذلك وأكثر من ذلك كان يزين خصال زيد بن حارثة أو زيد الحبّ كما كان يلقبه أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام..
تقول السيّدة عائشة رضي الله عنها:
" ما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم في جيش قط إلا أمّره عليهم, ولو بقي حيّا بعد رسول الله لاستخلفه...
إلى هذا المدى كانت منزلة زيد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فمن كان زيد هذا..؟؟
إنه كما قلنا ذلك الطفل الذي سبي, ثم بيع, ثم حرره الرسول وأعتقه..
وانه ذلك الرجال القصير, الأسمر, الأفطس الأنف, بيد أنه أيضا ذلك الإنسان الذي" قلبه جميع وروحه حر"..
ومن ثم وجد له في الإسلام, وفي قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى منزلة وأرفع مكان, فلا الإسلام ولا رسوله من يعبأ لحظه بجاه النسب, ولا بوجاهة المظهر.
ففي رحاب هذا الدين العظيم, يتألق بلال, ويتألق صهيب, ويتألق عمار وخبّاب وأسامة وزيد...
يتألقون جميعا كأبرا, وقادة..
لقد صحح الإسلام قيم الإسلام, قيم الحياة حين قال في كتابه الكريم:
( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {13}الحجرات )...
وفتح الأبواب والرحاب للمواهب الخيّرة, وللكفايات النظيفة, الأمينة, المعطية..
وزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا من ابنة عمته زينب, ويبدو أن زينب رضي الله عنها قد قبلت هذا الزواج تحت وطأة حيائها أن ترفض شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو ترغب بنفسها عن نفسه..
ولكن الحياة الزوجية أخذت تتعثر, وتستنفد عوامل بقائها, فانفصل زيد عن زينب.
وحمل الرسول صلى الله عليه وسلم مسؤوليته تجاه هذا الزواج الذي كان مسؤولا عن إمضائه, والذي انتهى بالانفصال, فضمّ ابنة عمته إليه واختارها زوجة له, ثم اختار لزيد زوجة جديدة هي أم كلثوم بنت عقبة..
 

  وذهب الشنئون يرجفون المدينة: كيف يتزوّج محمد مطلقة ابنه زيد؟؟
فأجابهم القرآن مفرّقا بين الأدعياء والأبنياء.. بين التبني والبنّوة, ومقررا إلغاء عادة التبني, ومعلنا:
( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم, ولكن رسول الله, وخاتم النبين).
وهكذا عاد لزيد اسمه الأول:" زيد بن حارثة".
 

  والآن..
هل ترون هذه أقوات المسلمة الخارجة إلى معارك, الطرف, أو العيص, وحسمي, وغيرها..
إن أميرها جميعا, هو زيد بن حارثة..
فهو كما سمعنا السيدة عائشة رضي الله عنها تقول:" لم يبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في جيش قط, إلا جعله أميرا على هذا الجيش"..
 

  حتى جاءت غزوة مؤتة..
كان الروم بإمبراطوريتهم  الهرمة, قد بدأوا يوجسون من الإسلام خيفة..بل صاروا يرون فيها خطرا يهدد وجودهم, ولا سيما في بلاد الشام التي يستعمرونها, والتي تتاخم بلاد هذا الدين الجديد, المنطلق في عنفوان واكتساح..
وهكذا راحوا يتخذون من الشام نقطة وثوب على الجزيرة العربية, وبلاد الإسلام...
  

  وأدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم هدف المناوشات التي بدأها الروم ليعجموا بها عود الإسلام, فقرر أن يبادرهم, ويقنعهم بتصميم الإسلام إلى أرض البلقاء بالشام, حتى إذا بلغوا تخومها لقيتهم جيوش هرقل من الروم ومن القبائل المستعربة التي كانت تقطن الحدود..
ونزل جيش الروم في مكان يسمّى مشارف..
في حين نزل جيش الإسلام بجوار بلدة تسمّى مؤتة, حيث سمّيت الغزوة باسمها...
  

  كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدرك أهمية هذه الغزوة وخطرها فاختار لها ثلاثة من الرهبان في الليل, والفرسان في النهار..
ثلاثة من الذين باعوا أنفسهم لله فلم يعد لهم مطمع ولا أمنية الا في استشهاد عظيم يصافحون إثره رضوان الله تعالى, ويطالعون وجهه الكريم..
وكان هؤلاء الثلاثة وفق ترتيبهم في إمارة الجيش هم:
زيد بن حارثة,
جعفر بن أبي طالب,
عبدالله بن رواحة.
رضي الله عنهم وأرضاهم, ورضي الله عن الصحابة أجمعين...
وهكذا رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وقف يودّع الجيش يلقي أمره السالف:
" عليكم زيد بن حارثة..
فان أصيب زيد,  فجعفر بن أبي طالب,...
فان أصيب جعفر, فعبدالله بن رواحة"...
وعلى الرغم من أن جعفر بن أبي طالب كان من أقرب الناس الى قلب ابن عمّه رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وعلى الرغم من شجاعته, وجسارته, وحسبه ونسبه, فقد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمير التالي لزيد, وجعل زيدا الأمير الأول للجيش...
وبمثل هذا, كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرر دوما حقيقة أن الإسلام دين جديد جاء يلغي العلاقات الإنسانية الفاسدة, والقائمة على أسس من التمايز الفارغ الباطل, لينشئ مكانها علاقات جديدة, رشيدة, قوامها إنسانية الإنسان...!!
  

  ولكأنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ غيب المعركة المقبلة حين وضع أمراء الجيش على هذا الترتيب: زيد فجعفر, فابن رواحة.. فقد لقوا ربّهم جميعا وفق هذا الترتيب أيضا..!!
 

  ولم يكد المسلمون يطالعون جيش الروم الذي حزروه بمائتي ألف مقاتل حتى أذهلهم العدد الذي لم يكن لهم في حساب..
ولكن متى كانت معارك الإيمان معارك كثرة..؟؟
هنالك أقدموا ولم يبالوا.. وأمامهم قائدهم زيد حاملا راية رسول الله صلى الله عليه وسلم, مقتحما رماح العدو نباله وسيوفه, لا يبحث عن النصر, بقدر ما يبحث عن المضجع الذي ترسو عنده صفقته مع الله الذي اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة.
لم يكن زيد يرى حواليه رمال البلقاء, ولا جيوش الروم بل كانت روابي الجنة, ورفرفها الأخضر, تخفق أمام عينيه كالأعلام, تنبئه أن اليوم يوم زفافه..
وكان هو يضرب, ويقاتل, لا يطوّح رؤوس مقاتليه, إنما يفتح الأبواب, ويفضّ الإغلاق التي تحول بينه وبين الباب الكبير الواسع, إلي سيدلف منه إلى دار السلام, وجنات الخلد, وجوار الله..
 

  وعانق زيد مصيره...
وكانت روحه وهي في طريقها إلى الجنة تبتسم محبورة وهي تبصر جثمان صاحبها, لا يلفه الحرير الناعم, بل يضخّمه دم طهور سال في سبيل الله..
ثم تتسع ابتساماتها المطمئنة الهانئة, وهي تبصر ثاني الأمراء جعفراً يندفع كالسهم صوب الراية ليتسلمها, وليحملها قبل أن تغيب في التراب....
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى




عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011

رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم)   رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 5 أبريل 2015 - 5:17

زيد بن ثابت (جامع القرآن)


إذا حملت المصحف بيمينك, واستقبلته بوجهك, ومضيت تتأنق في روضاته اليانعات, سورة سورة, وآية آية, فاعلم أن من بين الذين يدينونك بالشكر والعرفان على هذا الصنع العظيم, رجل كبير اسمه: زيد بن ثابت...!!
وان وقائع جمع القرآن في مصحف, لا تذكر إلا ويذكر معها هذا الصحابي الجليل..
وحين تنثر زهور التكريم على ذكرى المباركين الذين يرجع إليهم فضل جمع القرآن وترتيبه وحفظه, فان حظ زيد بن ثابت من تلك الزهور, لحظ عظيم..
  

  هو أنصاري من المدينة..
وكان سنّه يوم قدمها النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا, إحدى عشرة سنة, وأسلم الصبي الصغير مع المسلمين من أهله, وبورك بدعوة من الرسول له..
وصحبه آباؤه معهم إلى غزوة بدر, لكن رسول الله ردّه لصغر سنه وحجمه, وفي غزوة أحد ذهب مع جماعة من أترابه إلى الرسول يحملون إليه ضراعتهم كي يقبلهم في أي مكان من صفوف المجاهدين..
وكان أهلوهم أكثر ضراعة وإلحاحا ورجاء..
ألقى الرسول على الفرسان الصغار نظرة شاكرة, وبدا كأنه سيعتذر عن تجنيدهم في هذه الغزوة أيضا..
لكن أحدهم وهو رافع بن خديج, تقدم بين يدي رسول الله, يحمل حربة, ويحركها بيمينه حركات بارعة,وقال للرسول عليه الصلاة والسلام:
" إني كما ترى رام, أجيد الرمي فأذن لي"..
وحيا الرسول هذه البطولة الناشئة, النضرة, بابتسامة راضية, ثم أذن له..
وانتفضت عروق أترابه..
وتقد ثانيهم وهو سمرة بن جندب, وراح يلوّح في أدب بذراعيه المفتولين, وقال بعض أهله للرسول:
" إن سمرة يصرع رافعا"..
وحيّاه الرسول بابتسامته الحانية, وأذن له..
 

  كانت سن كل من رافع وسمرة قد بلغت الخامسة عشرة, إلى جانب نموهما الجسماني القوي..
وبقي من الأتراب ستة أشبال, منهم زيد بن ثابت, وعبدالله بن عمر..
ولقد راحوا يبذلون جهدهم وضراعتهم بالرجاء تارة, وبالدمع تارة, وباستعراض عضلاتهم تارة..
لكن أعمارهم كانت باكرة, وأجسامهم غضة, فوعدهم الرسول بالغزوة المقبلة..
بدأ زيد مع إخوانه دوره كمقاتل في سبي الله بدءا من غزوة الخندق, سنة خمس من الهجرة.
 

  كانت شخصيته المسلمة المؤمنة تنمو نموّا سريعا وباهرا, فهو لم يبرع كمجاهد فحسب, بل كمثقف متنوع المزايا أيضا, فهو يتابع القرآن حفظا, ويكتب الوحي لرسوله, ويتفوق في العلم والحكمة, وحين يبدأ رسول الله في إبلاغ دعوته للعالم الخارجي كله, وإرسال كتبه لملوك الأرض وقياصرتها, يأمر زيدا أن يتعلم بعض لغاتهم فيتعلمها في وقت وجيز..
وهكذا تألقت شخصية زيد بن ثابت وتبوأ في المجتمع مكانا عليّا, وصار موضع احترام المسلمين وتوقيرهم..
يقول الشعبي:
" ذهب زيد بن ثابت ليركب, فأمسك ابن عباس بالرّكاب.
فقال له زيد: تنحّ يا ابن عم رسول الله.. فأجابه ابن عباس: لا, هكذا نصنع بعلمائنا"..
ويقول قبيصة:
" كان زيدا رأسا بالمدينة في القضاء, والفتوى والقراءة, والفرائض"..
ويقول ثابت بن عبيد:
" ما رأيت رجلا أفكه في بيته, ولا أوقر في مجلسه من زيد".
ويقول ابن عباس:
" لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد أن زيد بن ثابت كان من الراسخين في العلم"..
إن هذه النعوت التي يرددها عنه أصحابه لتزيدنا معرفة بالرجل الذي تدّخر له المقادير شرف مهمة من أنبل المهام في تاريخ الإسلام كله..
مهمة جمع القرآن..
  

  منذ بدأ الوحي يأخذ طريقه إلى رسول الله ليكون من المنذرين, مستهلا موكب القرآن والدعوة بهذه الآيات الرائعة..
( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ {1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ {2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ {3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ {4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ {5}العلق)..
منذ تلك البداية, والوحي يصاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام, ويخف إليه كلما ولّى وجهه شطر الله راجيا نوره وهداه..
وخلال سنوات الرسالة كلها, حيث يفرغ النبي من غزوة ليبدأ بأخرى, وحيث يحبط مكيدة وحربا, ليواجه خصومة بأخرى, وأخرى. وحيث يبني عالما جديدا بكل ما تحمله من الجدّة من معنى..
 

  كان الوحي يتنزل, والرسول يتلو, ويبلّغ, وكان هناك ثلة مباركة تحرّك حرصها على القرآن من أول يوم, فراح بعضهم يحفظ منه ما استطاع, وراح البعض الآخر ممن يجيدون الكتابة, يحتفظون بالآيات مسطورة.
وخلال إحدى وعشرين سنة تقريبا, نزل القرآن خلالها آية آية, أو آيات, تلو آيات, ملبيا مناسبات النزول وأسبابها, كان أولئك الحفظة, والمسجلون, يوالون عملهم في توفيق من الله كبير..
ولم يجئ القرآن مرة واحدة وجملة واحدة, لأنه ليس كتابا مؤلفا, ولا موضوعا.
إنما هو دليل أمة جديدة تبني على الطبيعة, لبنة لبنة, ويوما يوما, تنهض عقيدتها, ويتشكل قلبها, وفكرها, وإرادتها وفق مشيئة إلهية, لا تفرض نفسها من عل, وإنما تقود التجربة البشرية لهذه الأمة في طريق الاقتناع الكامل بهذه المشيئة..
ومن ثمّ, كان لا بد للقرآن أن يجيء منجّما, ومجزأ, ليتابع التجربة في سيرها النامي, ومواقفها المتجددة. وأزماتها المتصديّة.
توافر الحفاظ, والكتبة, كما ذكرنا من قبل, على حفظ القرآن وتسجيله,وكان على رأسهم علي بن أبي طالب, وأبيّ بن كعب, وعبدالله ابن مسعود, وعبدالله بن عباس, وصاحب الشخصية الجليلة التي نتحدث عنها الآن زيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين..
  

  وبعد أن تمّ نزولا, وخلال الفترة الأخيرة من فترات تنزيله, كان الرسول يقرؤه على المسلمين.. مرتبا سوره وآياته.
وبعد وفاته عليه الصلاة والسلام شغل المسلمون من فورهم بحروب الردّة..
وفي معركة اليمامة.. التي تحدثنا عنها من قبل خلال حديثنا عن خالد بن الوليد وعن زيد بن الخطاب كان عدد الشهداء من قرّاء القرآن وحفظته كبيرا.. فما كادت نار الردّة تخبو وتنطفئ حتى فزع عمر إلى الخليفة أبي بكر رضي الله عنهما راغبا إليه في إلحاح أن يسارعوا إلى جمع القرآن قبلما يدرك الموت والشهادة بقية القرّاء والحفاظ.
واستخار الخليفة ربه.. وشاور صحبه.. ثم دعا زيد بن ثابت وقال له:
" إنك شاب عاقل لا نتهمك".
وأمره أن يبدأ بجمع القرآن الكريم, مستعينا بذوي الخبرة في هذا الموضوع..
ونهض زيد بالعمل الذي توقف عليه مصير الإسلام كله كدين..!
وأبلى بلاء عظيما في انجاز أشق المهام وأعظمها, فمضى يجمع الآيات والسور من صدور الحفاظ, ومن مواطنها المكتوبة, ويقابل, ويعارض, ويتحرّى, حتى جمع القرآن مرتبا ومنسقا..
ولقد زكّى عمله إجماع الصحابة رضي الله عنهم الذين عاشوا يسمعونه من رسولهم صلى الله عليه وسلم خلال سنوات الرسالة جميعها, لا سيّما العلماء منهم والحفاظ والكتبة..
وقال زيد وهو يصوّر الصعوبة الكبرى التي شكلتها قداسة المهمة وجلالها..
" والله لو كلفوني نقل جبل من مكانه, لكان أهون عليّ مما أمروني به من جمع القرآن"..!!
أجل..
فلأن يحمل زيد فوق كاهله جبلا, أو جبالا, أرضى لنفسه من أن يخطئ أدنى خطأ, في نقل آية أو إتمام سورة..
كل هول يصمد له ضميره ودينه.. إلا خطأ كهذا مهما يكن ضعيفا وغير مقصود..
ولكن توفيق الله كان معه, كان معه كذلك وعده القائل:
( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {9}الحجر)..
فنجح في مهمته, وأنجز على خير وجه مسؤوليته وواجبه.
 

   كانت هذه هي المرحلة الأولى في جمع القرآن..
بيد أنه جمع هذه المرة مكتوبا في أكثر من مصحف..
 

  وعلى الرغم من أن مظاهر التفاوت والاختلاف بين هذه المصاحف كانت شكلية, فإن التجربة أكّدت لأصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام وجوب توحيدها جميعها في مصحف واحد.
ففي خلافة عثمان رضي الله عنه, والمسلمون يواصلون فتوحاتهم وزحفهم, مبتعدين عن المدينة, مغتربين عنها..
في تلك الأيام, والإسلام يستقبل كل يوم أفواجا تلو أفواج من الداخلين فيه, المبايعين إياه, ظهر جليّا ما يمكن أن يفضي إليه تعدد المصاحف من خطر حين بدأت الألسنة تختلف على القرآن حتى بين الصحابة الأقدمين والأولين..
هنالك تقدم إلى الخليفة عثمان فريق من الأصحاب رضي الله عنهم على رأسهم حذيفة بن اليمان مفسرين الضرورة التي تحتم توحيد المصحف..
 

  واستخار الخليفة ربه وشاور صحبه..
وكما استنجد أبو بكر الصديق من قبل بزيد بن ثابت, استنجد به عثمان أيضا..
فجمع زيد أصحابه وأعوانه, وجاؤوا بالمصاحف من بيت حفصة بنت عمر رضي الله عنها, وكانت محفوظة لديها, وباشر زيد وصحبه مهمتهم العظيمة الجليلة..
كان كل الذين يعاونون زيدا من كتاب الوحي, ومن حفظة القرآن..
ومع هذا فما كانوا يختلفون , وقلما كانوا يختلفون, إلا جعلوا رأي زيد وكلمته هي الحجة والفيصل.
  

  والآن نحن نقرأ القرآن العظيم ميسّرا, أو نسمعه مرتلا, فإن الصعوبات الهائلة التي عاناها الذين اصطنعهم الله لجمعه وحفظه لا تخطر لنا على بال..!!
تماما مثل الأهوال التي كابدوها, والأرواح التي بذلوها, وهم يجاهدون في سبيل الله, ليقرّوا فوق الأرض دينا قيّما, وليبددوا ظلامها بنوره المبين.. 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صالح المحلاوى

صالح المحلاوى


اعلام خاصة : رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 192011_md_13005803803
الجنس : ذكر عدد المساهمات : 18119
تاريخ التسجيل : 15/11/2011
الموقع الموقع : المحلة - مصر المحروسة
العمل/الترفيه : اخضائى اجتماعى
المزاج : متوفي //

رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم)   رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم) - صفحة 3 I_icon_minitimeالأحد 5 أبريل 2015 - 5:20

زيد بن الخطاب (صقر يوم اليمامة)

جلس النبي صلى الله عليه وسلم يوما, وحوله جماعة من المسلمين وبينما الحديث يجري, أطرق الرسول لحظات, ثم وجّه الحديث لمن حوله قائلا:
" إن فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم من جبل أحد"..
وظل الخوف بل لرعب من الفتنة في الدين, يراود ويلحّ على جميع الذين شهدوا هذا المجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم... كل منهم يحاذر ويخشى أن يكون هو الذي يتربّص به سوء المنقلب وسوء الختام..
ولكن جميع الذين وجّه إليهم الحديث يومئذ ختم لهم بخير, وقضوا نحبهم شهداء في سبيل الله. وما بقي منهم حيّا سوى أبي هريرة والرّجّال بن عنفوة.
 
  ولقد ظلّ أبو هريرة ترتعد فرائصه خوفا من أن تصيبه تلك النبوءة. ولم يرقأ له جفن, وما هدأ له بال حتى دفع القدر الستار عن صاحب الحظ التعس. فارتدّ الرّجّال عن الإسلام ولحق بمسيلمة الكذاب, وشهد له بالنبوّة.
هنالك استبان الذي تنبأ له الرسول صلى الله عليه وسلم بسوء المنقلب وسوء المصير..
والرّجّال بن عنفوة هذا, ذهب ذات يوم إلى الرسول مبايعا ومسلما, ولما تلقّى منه الإسلام عاد إلى قومه.. ولم يرجع إلى المدينة إلا اثر وفاة الرسول واختيار الصدّيق خليفة على المسلمين.. ونقل إلى أبي بكر أخبار أهل اليمامة والتفافهم حول مسيلمة, واقترح على الصدّيق أن يكون مبعوثه إليهم يثبّتهم على الإسلام, فأذن له الخليفة..
وتوجّه الرّجّال إلى أهل اليمامة.. ولما رأى كثرتهم الهائلة ظنّ أنهم الغالبون, فحدّثته نفسه الغادرة أن يحتجز له من اليوم مكانا في دولة الكذّاب التي ظنّها مقبلة وآتية, فترك الإسلام, وانضمّ لصفوف مسيلمة الذي سخا عليه بالوعود.
 
  وكان خطر الرّجّال على الإسلام أشدّ من خطر مسيلمة ذاته.
ذلك, لأنه استغلّ إسلامه السابق, والفترة التي عاشها بالمدينة أيام الرسول, وحفظه لآيات كثيرة من القرآن, وسفارته لأبي بكر خليفة المسلمين.. استغلّ ذلك كله استغلالا خبيثا في دعم سلطان مسيلمة وتوكيد نبوّته الكاذبة.
لقد سار بين الناس يقول لهم: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إنه أشرك مسيلمة بن حبيب في الأمر".. وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات, فأحق الناس بحمل راية النبوّة والوحي بعده, هو مسيلمة..!!
ولقد زادت أعين الملتفين حول مسيلمة زيادة طافحة بسبب أكاذيب الرّجّال هذا. وبسبب استغلاله الماكر لعلاقاته السابقة بالإسلام وبالرسول.
وكانت أنباء الرّجّال تبلغ المدينة, فيتحرّق المسلمون غيظا من هذا المرتدّ الخطر الذي يضلّ الناس ضلالا بعيدا, والذي يوسّع بضلاله دائرة الحرب التي سيضطر المسلمون أن يخوضوها.
وكان أكثر المسلمين تغيّظا, وتحرّقا للقاء الرّجّال صحابي جليل تتألق ذكراه في كتب السيرة والتاريخ تحت هذا الاسم الحبيب زيد بن الخطّاب..!!
زيد بن الخطّاب..؟
لا بد أنكم عرفتموه..
إنه أخو عمر بن الخطّاب..
أجل أخوه الأكبر, والأسبق..
جاء الحياة قبل عمر, فكان أكبر منه سنا..
وسبقه إلى الإسلام.. كما سبقه إلى الشهادة في سبيل الله..
وكان زيد بطلا باهر البطولة.. وكان العمل الصامت. الممعن في الصمت جوهر بطولته.
وكان إيمانه بالله وبرسوله وبدينه ايمانا وثيقا, ولم يتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد ولا في غزاة.
وفي كل مشهد لم يكن يبحث عن النصر, بقدر ما يبحث عن الشهادة..!
يوم أحد, حين حمي القتال بين المسلمين والمشركين والمؤمنين. راح زيد بن الخطاب يضرب ويضرب..
وأبصره أخوه عمر بن الخطّاب, وقد سقط درعه عنه, وأصبح أدنى منالا للأعداء, فصاح به عمر.
" خذ درعي يا زيد فقاتل بها"..
فأجابه زيد:
" إني أريد من الشهادة ما تريد يا عمر"..!!!
وظل يقاتل بغير درع في فدائية باهرة, واستبسال عظيم.
  
  قلنا إنه رضي الله عنه, كان يتحرّق شوقا للقاء الرّجّال متمنيّا أن يكون الإجهاز على حياته الخبيثة من حظه وحده.. فالرّجّال في رأي زيد, لم يكن مرتدّا فحسب.. بل كان كذّابا منافقا, وصوليا.
لم يرتدّ عن اقتناع.. بل عن وصولية حقيرة, ونفاق بغيض هزيل.
وزيد في بغضه النفاق والكذب, كأخيه عمر تماما..!
كلاهما لا يثير اشمئزازه, مثل النفاق الذي تزجيه النفعيّة الهابطة, والأغراض الدنيئة.
ومن أجل تلك الأغراض المنحطّة, لعب الرّجّال دوره الآثم, فأربى عدد الملتفين حول مسيلمة إرباء فاحشا, وهو بهذا يقدّم بيديه إلى الموت والهلاك أعدادا كثيرة ستلاقي حتفها في معارك الردّة..
أضلّها أولا, وأهلكها أخيرا.. وفي سبيل ماذا..؟ في سبيل أطماع لئيمة زيّنتها له نفسه, وزخرفها له هواه, ولقد أعدّ زيد نفسه ليختم حياته المؤمنة بمحق هذه الفتنة, لا في شخص مسيلمة بل في شخص من هو أكبر منه خطرا, وأشدّ جرما الرّجّال بن عنفوة.
  
  وبدأ يوم اليمامة مكفهرّا شاحبا.
وجمع خالد بن الوليد جيش الإسلام, ووزعه على مواقعه ودفع لواء الجيش إلى من..؟؟
إلى زيد بن الخطّاب.
وقاتل بنو حنيفة أتباع مسيلمة قتالا مستميتا ضاريا..
ومالت المعركة في بدايتها على المسلمين, وسقط منهم شهداء كثيرون.
ورأى زيد مشاعر الفزع تراود بعض أفئدة المسلمين, فعلا ربوة هناك, وصاح في إخوانه:
" أيها الناس.. عضوا على أضراسكم, واضربوا في عدوّكم, وامضوا قدما.. والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله, أو ألقاه سبحانه فأكلمه بحجتي"..!!
ونزل من فوق الربوة, عاضّا على أضراسه, زامّا شفتيه لا يحرّك لسانه بهمس.
وتركّز مصير المعركة لديه في مصير الرّجّال, فراح يخترق الخضمّ المقتتل كالسهم, باحثا عن الرّجّال حتى أبصره..
 
  وهناك راح يأتيه من يمين, ومن شمال, وكلما ابتلع طوفان المعركة غريمه وأخفاه, غاص زيد وراءه حتى يدفع الموج إلى السطح من جديد, فيقترب منه زيد ويبسط إليه سيفه, ولكن الموج البشري المحتدم يبتلع الرّجّال مرّة أخرى, فيتبعه زيد ويغوص وراءه كي لا يفلت..
وأخيرا يمسك بخناقه, ويطوح بسيفه رأسه المملوء غرورا, وكذبا, وخسّة..
وبسقوط الأكذوبة, أخذ عالمها كله يتساقط, فدبّ الرعب في نفس مسيلمة في روع المحكم بن الطفيل ثم في جيش مسيلمة الذي طار مقتل الرّجّال فيه كالنار في يوم عاصف..
لقد كان مسيلمة يعدهم بالنصر المحتوم, وبأنه هو والرّجّال بن عنفوة, والمحكم بن طفيل سيقومون غداة النصر بنشر دينهم وبناء دولتهم..!!
وها هو ذا الرّجّال قد سقط صريعا.. إذن فنبوّة مسيلمة كلها كاذبة..
وغدا سيسقط المحكم, وبعد غد مسيلمة..!!
هكذا أحدثت ضربة زيد بن الخطاب كل هذا المدار في صفوف مسيلمة..
أما المسلمون, فما كاد الخبر يذيع بينهم حتى تشامخت عزماتهم كالجبال, ونهض جريحهم من جديد, حاملا سيفه, وغير عابئ بجراحه..
حتى الذين كانوا على شفا الموت, لا يصلهم بالحياة سوى بقية وهنانة من رمق غارب, مسّ النبأ أسماعهم كالحلم الجميل, فودّوا لو أنّ بهم قوّة يعودون بها إلى الحياة ليقاتلوا, وليشهدوا النصر في روعة ختامه..
ولكن أنّى لهم هذا, وقد تفتح أبواب الجنّة لاستقبالهم وإنهم الآن ليسمعون أسماءهم وهم ينادون للمثول..؟؟!!
  
  رفع زيد بن الخطاب ذراعيه إلى السماء مبتهلا لربّه, شاكرا نعمته..
ثم عاد إلى سيفه وإلى صمته, فلقد أقسم بالله من لحظات ألا يتكلم حتى يتم النصر أو ينال الشهادة..
ولقد أخذت المعركة تمضي لصالح المسلمين.. وراح نصرهم المحتوم يقترب ويسرع..
 
  هنالك وقد رأى زيد رياح النصر مقبلة, لم يعرف لحياته ختاما أروع من هذا الختام, فتمنّى لو يرزقه الله الشهادة في يوم اليمامة هذا..
وهبّت رياح الجنة فملأت نفسه شوقا, ومآقيه دموعا,وعزمه إصرارا..
وراح يضرب ضرب الباحث عن مصيره العظيم..
وسقط البطل شهيدا..
بل قولوا: صعد شهيدا..
صعد عظيما, ممجّدا, سعيدا..
وعاد جيش الإسلام إلى المدينة ظافرا..
وبينما كان عمر, يستقبل مع الخليفة أبي بكر أولئك العائدين الظافرين, راح يرمق بعينين مشتاقين أخاه العائد..
وكان زيد طويل بائن الطول, ومن ثمّ كان تعرّف العين عليه أمرا ميسورا..
ولكن قبل أن يجهد بصره, اقترب إليه من المسلمين العائدين من عزّاه في زيد..
وقال عمر:
" رحم الله زيدا..
سبقني إلى الحسنيين..
أسلم قبلي..
واستشهد قبلي".
  
  وعلى كثرة الانتصارات التي راح الإسلام يظفر بها وينعم, فان زيدا لم يغب عن خاطر أخيه الفاروق لحظة..
ودائما كان يقول:
" ما هبّت الصبا, إلا وجدت منها ريح زيد".
أجل..
إن الصبا لتحمل ريح زيد, وعبير شمائله المتفوقة..
ولكن, إذا إذن أمير المؤمنين, أضفت لعبارته الجليلة هذه, كلمات تكتمل معها جوانب الإطار.
تلك هي:
" .. وما هبّت رياح النصر على الإسلام منذ يوم اليمامة إلا وجد الإسلام فيها ريح زيد.. وبلاء زيد.. وبطولة زيد.. وعظمة زيد..!!"
  
  بورك آل الخطّاب تحت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم..
بوركوا يوم أسلموا.. وبوركوا أيام جاهدوا, واستشهدوا.. وبوركوا يوم يبعثون..!! 
عودة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 3 من اصل 3انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3
 مواضيع مماثلة
-
» رجال حول الرسول(صلى الله علية وسلم)
» من قول الرسول-صلى الله علية وسلم
» من أقوال الرسول\صلى الله علية وسلم.....
» من أقوال الرسول-صلى الله علية وسلم
» ولد الهدى(مدح الرسول صلى الله علية وسلم)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المصـــــــــــراوية :: المنتديات الدينية :: السيرة النبوية { حبيبي يارسول الله } صل الله عليه وسلم-
انتقل الى: