يا نَسِيم البَحرِ البَليلَ سَلامُ | زارَكَ اليومَ صَبُّكَ المُسْتَهامُ |
إنْ تَكُنْ ما عَرَفْتَني فَلَكَ | العُذْرُ فقدْ غَيَّرَ المُحِبَّ السِّقامُ |
أَوَلا تَذْكُرُ الغُلامَ رَشيداً | إننّي يا نَسيمُ ذاكَ الغلامُ |
طالَمازُرْتَني إذا انْتَصَفَ | الليلُ بِلُبنانَ والأَنامُ نِيامُ |
ورَفَعْتَ الغِطاءَ عنّي قليلاً | فأَحَسَّتْ بِمَزْحِكَ الأَقدامُ |
وتَنَبَّهْتُ فاتِحاً لكَ صَدْراً | شبَّ فيهِ إلى لِقاكَ ضِرامُ |
فَتَغَلْغَلْتَ في الأَضالِعِ أَنفاساً | لِطافاً تَهْفو إليها العِظامُ |
ولَثَمْتَ الفُؤادَ ثَغْراً لِثغرٍ | ولكَمْ حَجَّبَ الثُّغورَ لِثامُ |
يا نسيمَ المُحيطِ ما هكذا في | ساحِلِ البَحْرِ عندَنا الأنْسامُ |
أنتَ إن زُرْتَ في المَنامِ صَحيحاً | غَلْغَلَتْ في عِظامِهِ الأَسْقام |
مُشْبَعٌ بالبُخارِ روحٌ ثَقيلٌ | بارِدٌ تَسْتَعيذُ منكَ المَسامُ |
لستَ ذاكَ الذي عَهِدْتُ يَفوحُ | الشِّيحُ إنْ جَرَّ ذَيلَهُ والثُّمامُ |
ذاكَ أَزْكى شَمّاً وأَلْطَفُ ضَمّاً | ذاك تُشْفى بِلَمْسِهِ الأَجْسامُ |
كَم شَفَتْ لي عُيونُ والِدِهِ | البحرِ أُواماً، يا حَبَّذاكَ الأُوامُ |
كارِعاً من زُلالِها لا بِجامٍ | فهي ساقٌ وسَلْسَبيلٌ وجامُ |
سارِحاً مارِحاً خَفيفاً لَطيفاً | كَمَلاكٍ جَناحُهُ الأحلامُ |
أَسْبِقُ الفجرَ في الهُبوطِ إلى البحرِ | وكَم طابَ لي بهِ اسْتِحْمامُ |
سابِحاً كالإِوَزِّ أَنْطَحُ | صَدْرَ المَوجِ زاخِرٌ لَطَّامُ |
صاعِداً من جيوشِهِ في إكامٍ | تَتَجَلَّى في البرِّ منها الاكامُ |
كلَّما ازْدَدْنَ هَيْبَةً وعلاءً | طابَ لي في صُفوفِهِنَّ اقْتِحامُ |
طاهِرَ القلبِ لستُ أُوجِسُ شَرّاً | جاهِلاً ما تُخْبِئُ الأيامُ |
شادِياً في النهارِ والليلِ حتى | أَدْهَشَ النّاسَ بُلْبُلٌ لا يَنامُ |
غُرْفَتي السَّطْحُ زَيَّنَتْها سَماءٌ | تَتَدَلّى من سَقْفِها الأَجْرامُ |
فكأَنَّ الفَضاءَ صدرٌ رَحيبٌ | وكأَنّ الهِلالَ فيهِ وِسامُ |
وكأَنّ النّجومَ شِعرٌ بَديعٌ | لا غُموضٌ فيهِ و لا إبْهامُ |
يا بَرازيلُ لو أَفَضْتِ عليَّ المالَ | فيضاً ما طابَ لي فيكِ المُقامُ |
أينَ زَهرُ النُّجومِ فيكِ وأينَ الشَّمسُ، | أينَ الهِلالُ، أين التَّمامُ؟ |
أجميعُ الشُّهورِ فيكِ شباطٌ | أَو ما للشِّتاءِ عَنْكِ انْصِرامُ |
أنتِ نِعمَ البِلادُ خصْباً وجوداً | غيرَ أَنَّ الهَناءَ فيكِ حَرامُ |
مِثْلَما تَنْقَضي اللّيالي سِراعاً | هكذا تَنْقَضي بكِ الأعوامُ |
نَصْرِفُ الخَمْسَ فيكِ والعَشْرَ | لا يَعْلَمُ إلاّ المُهَيْمِنُ العَلاّمُ |
وكَأَنَّ الوَرى وُحوشٌ بِآجامٍ | وتِلكَ الشَّوارِعُ الآجامُ |
مَنْكِبٌ حَكَّ مَنْكِباً وجَبينٌ | شَجَّ رَأْساً، عَلامَ هذا الزِّحامُ |
جيَفٌ تلكَ أَمْ لَفائِفُ خامٍ | كثُرَ السَّبُّ حولَها والخِصامُ |
خِرَقٌ في دَنِيءِ هَياكِلِها صَلُّوا ولو | لم يَسْتَرْ خِصوا المَوزَ صاموا |
يُنْفِقونَ الحَياةَ في جَمْعِها | للمَوتِ والمَوتُ طارِحٌ قَسَّامُ |
يا لَشَوْقي إلى مَحاسِنِ قُطْرٍ | هَبَطَ الوَحْيُ فيهِ والإلْهامُ |
وكُرومٍ إنْ مَرَّ فيها غَريبٌ | يَتَوارى من وجْهِهِ الكَرَّامُ |
لَو قَضَمْتُ الرَّغيفَ فيهِ قَفاراً | فالرّضى والسّرورُ نِعمَ الادامُ |
أَيُّها النَّازِحونَ عَوْداً إليهِ | حالَما يَسْتَتِبُّ فيهِ السّلامُ |
كلُّ حَيِّ إلى الشَّآمِ سَيَمْضي | حينَ يُقْضى، إنَّ السَّماءَ الشَّآمُ |