لا القَومَ قَومي وَلا الأَعوانُ أَعواني | إذا وَنى يومَ تحصيلِ العُلا وَاني
|
وَلَستُ إن لم تُؤَيِّدني فَراعِنَةٌ | منكم بِفِرعَون عالي العَرشِ وَالشانِ
|
وَلستُ جبّارَ ذا الوادي إِذا سَلِمَت | جبالُه تلك من غاراتِ أَعواني
|
لا تَقرَبوا النيلَ إن لم تَعمَلوا عملاً | فَماؤهُ العذبُ لم يُخلَق لِكَسلانِ
|
رِدوا المَجرَّةَ كَدّاً دونَ مَورِدِهِ | أو فَاِطلُبوا غَيرَهُ رِيّاً لِظَمآنِ
|
وَاِبنوا كما بَنتِ الأَجيالُ قَبلَكمُ | لا تَترُكوا بعدَكم فخراً لإِنسانِ
|
أَمَرتُكُم فَأَطيعوا أَمرَ رَبِّكُمُ | لا يَثنِ مُستَمِعاً عن طاعةٍ ثاني
|
فَالمُلكُ أمرٌ وَطاعاتٌ تُسابِقهُ | جَنباً لِجَنبٍ إلى غاياتِ إحسانِ
|
لا تَترُكوا مُستَحيلاً في اِستِحالتِهِ | حتّى يُميطَ لكُم عن وجهِ إمكانِ
|
مقالةٌ هبَطَت من عرشِ قائِلِها | على مناكبِ أَبطالٍ وَشُجعانِ
|
مادَت لها الأَرضُ من ذُعرٍ ودانَ لها | ما في المقطَّمِ من صَخرٍ وَصَوّانِ
|
لو غيرُ فِرعَونَ أَلقاها على ملإٍ | في غيرِ مِصرَ لعُدَّت حُلمَ يَقظانِ
|
لكنَّ فِرعَونَ إن نادى بها جَبَلاً | لَبَّت حجارتُه في قَبضَةِ الباني
|
وآزَرَتهُ جماهيرٌ تَسيلُ بها | بِطاحُ وادٍ بماضي القَومِ ملآنِ
|
يَبنونَ ما تَقِفُ الأَجيالُ حائِرَةً | أمامَه بين إعجابٍ وَإذعانِ
|
من كُلِّ ما لَم يَلِد فكرٌ وَلا فُتِحَت | على نَظائِرِهِ في الكَونِ عَينانِ
|
وَيُشبِهونَ إذا طاروا إلى عملٍ | جِنّاً تَطيرُ بِأَمرٍ من سُلَيمانِ
|
بِرّاً بِذي الأَمرِ لا خَوفاً وَلا طَمعاً | لكنَّهُم خُلِقوا طُلّابَ إتقانِ
|
أهرامُهُم تلك حيّ الفَنِّ مُتَّخِذاً | من الصُخورِ بُروجاً فوقَ كيوانِ
|
قَد مرَّ دهرٌ عليها وهيَ ساخرةٌ | بما يُضَعضَعُ من صَرحٍ وَإيوانِ
|
لم يَأخُذِ اللَيلُ منها وَالنَهارُ سِوى | ما يَأخُذُ النَملُ من أَركانِ نَهلانِ
|
كَأنَّها وَالعوادي في جوانِبِها | صَرعى بناءُ شياطينٍ لِشَيطانِ
|
جاءَت إِلَيها وُفودُ الأَرضِ قاطِبةً | تَسعى اشتِياقاً إلى ما خلَّدَ الفاني
|
فَصَغَّرت كلَّ موجودٍ ضَخامَتُها | وَغضَّ بُنيانُها من كلِّ بُنيانِ
|
وعادَ مُنكِرُ فَضلِ القَومِ مُعتَرِفاً | يُثنى على القَومِ في سِرٍّ وَإعلانِ
|
تِلكَ الهَياكِلُ في الأَمصارِ شاهِدَةً | بِأَنَّهُم أهلُ سَبقٍ أهلُ إمعانِ
|
وَأنَّ فِرعَونَ في حولٍ وَمَقدِرَةٍ | وَقومَ فِرعَونَ في الإِقدامِ كُفؤانِ
|
إذا أقامَ عَلَيهم شاهِداً حجرٌ | في هَيكَلٍ قامَتِ الأُخرى بِبُرهانِ
|
كَأنَّما هيَ وَالأَقوامُ خاشِعَةٌ | أمامَها صُحُفٌ من عالمٍ ثاني
|
تَستَقبِلُ العينَ في أَثنائِها صُوَرٌ | فَصيحةُ الرَمزِ دارَت حولَ جُدران
|
لو أَنَّها أُعطِيَت صوتاً لكانَ له | صدىً يُرَوِّعُ صُمَّ الإِنسِ وَالجانِ
|
أَينَ الأُلى سَجَّلوا في الصَخرِ سيرَتَهُم | وَصَغَّروا كلَّ ذي مُلكٍ وَسُلطان
|
بادوا وَبادَت على آثارِهِم دُوَلٌ | وَادرِجوا طَيَّ أخبارٍ وَأكفانِ
|
وَخَلفوا بعدَهُم حرباً مُخَلَّدَةً | في الكونَ ما بينَ أحجارٍ وأزمانِ
|
يا نائِما والقَنا غابٌ تَحُفُّ به | أفِق فَرُبَّ أمانٍ غيرِ مَأمون
|
وَاِنظُر حَوالَيكَ مِن خوفٍ وَمن حذَرٍ | فَالغابُ مُذ خُلِقَت مَأوى السَراحينِ
|
لَم تَأمَن الشَمس وهي الشَمسُ ما خَبَأَت | لها المَقاديرُ في طيِّ الأَحايينِ
|
عبد الحميد سَيُحصى ما صَنَعتَ غداً | بين الأَنامِ وَيُلقى في المَوازينِ
|
إن يَرجَحِ الخيرُ نعمَ الخيرُ من عملٍ | دَخَلتَ في زُمرَةِ الغرِّ المَيامينِ
|
أو يَغلِبِ الشرُّ لا كانَت عصابَتُه | عُدِدتَ في صَرحهِ أقوى الأَساطينِ
|
إن لم تكُن لا ثناكَ الدهرُ عَن أَمدٍ | شَيخَ السَلاطينِ كُن شَيخَ الفَراعين
|
إِنّا عهِدناكَ لا تَرضى إِذا اِستَبَقَت | صيدُ المُلوكِ إلى الغاياتِ بِالدونِ
|
لا يُرهِقَنَّكَ حكمُ الناسِ فهوَ غداً | مُستَأنَفٌ عند سُلطانِ السَلاطين
|
يا قومَ عُثمانَ حَيّوا في معاهِدِكُم | عصرَ الرَشادِ وَريشوا البَأسَ باللينِ
|
إن تَنصُروهُ تَرَوا تحقيقَ ما طَمحَت | إليه أَنفُسُ هاتيكَ المَلايين
|
الحقُّ أَبلَجُ سُلّوا دونَ بَيضَتِه | قبل السُيوفِ سُيوفا مِن بَراهينِ
|
لا تَلبَسوا ثَوبَهُ بين الأَنام غداً | مُلَطَّخاً بِدَمِ القَومِ المَساكين
|
يا مُقفِرَ المُلكِ إِلّا من جلالتِهِ | وَمُلبِسَ القومِ ثوبِ العِزِّ وَالهونِ
|
وَجاعِلَ الأَمرِ وَالأَحكامِ بينَهمُ | سِرَّ الملائكِ أو سِرَّ الشَياطينِ |