ورحلت آخر بنات الملك فاروق فريال ...أميرة هزمـــــــت الأحزان
أطلقت المدفعية 41 طلقة عند ولادتهاجريدة "الوقائع المصرية" أصدرت عددا خاصا ابتهاجا بمولودهاد. لوتس عبد الكريم: الأميرة فريال ورثت
عن والدتها فريدة الطيبة والنقاء والذكاء
د. ماجد فرج : كانت تعشق والدهاولم تكره ثورة يوليو
تعاملت مع الأمر الواقع بشجاعة ولم تعش علي أمجاد الماضي
ما بين نوفمبر 1938ونوفمبر 2009 حياه أشبه بالتراجيديا. لكن صاحبتها لم تجعل منها دراما سوداء بل تعاملت معها كواقع بحلوه ومره .. إنها ولدت كأميرة عرفت رفاهية القصور ورغد العيش وفجأة اضطرت إلي مغادرة موطنها لتنتظرها حياة تملؤها علامات الاستفهام فلا شيء واضح ولا أمل أكيد ولا مستقبل واضح المعالم. حتي الأب الذي فضلت الخروج معه إلي المصير المجهول علي أن تبقي مع والدتها لشدة تعلقها به رحل أو بالأحري قتل كان عليها فجأة أن تكد وتكافح وتعمل بيديها كمدرسة للآلة الكاتبة بعد أن اضطرت فترة إلي جمع ثمار الحدائق المجاورة في سويسرا قررت أن تتجاهل كل النقائص التي نسبت إلي والدها الملك المخلوع .رغم ذلك كله لم يصبها الحنق علي من تسببوا لها في تلك المعاناة.. لم تلعن الأيام ولم تلتفت إلي الوراء. بل حافظت علي هدوئها وإيمانها وتفاؤلها الذي ربما ورثته بحكم الجينات عن والدتها الملكة فريدة.
في قصر المنتزه كانت لحظة الميلاد وفي جامع الرفاعي كان المثوي الأخير لآخر بنات الملك فاروق.. الأميرة فريال.
سقطت الورقة الأخيرة في حياة أميرة كان ميلادها أول مسمار في نعش العلاقة الزوجية ما بين فاروق وفريدة . فقد كان الملك يريد الولد شأنه في ذلك شأن كل المصريين . إلا أن الأمر بالنسبة له كان جد مختلفا، فالعامة يرون الولد عونا في مواجهة الأيام يشد الظهر ويحفظ النسل لكنه بالنسبة للملوك يزيد عن هذا فهو حفاظ علي وراثة العرش فقد نظم الأمر الملكي الصادر في 13 من إبريل سنة 1922 نظام الوراثة في بيت محمد علي بحيث ينتقل الحكم من صاحب العرش إلي أكبر أبنائه ثم إلي أكبر أبناء ذلك الابن الأكبر وإذا توفي أكبر الأبناء قبل أن ينتقل إليه الملك كانت الولاية إلي أكبر أبنائه ولو كان للمنوفي إخوة ويشترط في كل الأحوال أن يولد الأبناء من زوجة شرعية وفي حالة عدم وجود الابن نصت المادة الثالثة علي أن يؤول العرش إلي أكبر أبناء الإخوة الآخرين فإن لم يكن لأكبر أخوته الآخرين حسب ترتيب سن الإخوة عدا النساء
وكانت مخاوف الملك الشاب متعددة فالأمير محمد علي توفيق يضع العرش نصب عينيه فهو أكبر أبناء الأسرة العلوية سنا من الذكور وهو ولي عهد الملك.
ومن ناحية أخري أنه باستثناء ذكر واحد من أبناء الملك فؤاد أنجبه من زوجته الأولي "الأميرة شويكار" توفي وهو طفل صغير فإن الملك الراحل أنجب جملة من الإناث فوقية من زوجته الأولي ثم فوزية وفايزة وفايقة وفتحية شقيقات فاروق ولا شك أنه قد سرت المخاوف داخل قصر عابدين خصوصا عند الملكة الأم أن يكون الولد سر أبيه!
مولد أميرة
في1938/11/18 كتبت الأهرام عن استعدادات القصر لاستقبال المولود الجديد بداية من مشروع كسوة تلاميذ فقراء المدارس الأولية واستعراض عسكري تسير فيه أورطتان من الجيش في شوارع العاصمة الرئيسية، وفي الساعة السادسة من مساء اليوم التالي لإعلان البشري تتلقي طابية صالح كلمة من الياور النوبتجي في القصر العامر فتطلق المدافع تحية للمولود السعيد فإذا كان ذكرا أطلق مئة مدفع وإذا كان أنثي أطلق 41 مدفعا وتطلق مثل هذه المدافع من طابية السلسلة في الوقت ذاته.
كما تقرر إعادة نصف العمال المفصولين في المطبعة الأميرية من جراء أعمال الشغب التي كانت عرفتها خلال شهر سبتمبر السابق في ذات الوقت قررت إدارة المطبعة أن تصدر عددا خاصا من الوقائع المصرية وأن توزعها علي جميع وزارات الحكومة ومصالحها في القاهرة والأقاليم وهي محلاة بصورة صاحبي الجلالة الملكية.
وفي يوم الخميس17 من نوفمبر عام 1938 ووقف أهالي القاهرة والإسكندرية في الطرقات يتسمعون علي عدد طلقات المدافع ليعلموا الخبر اليقين.. واحد، اتنين، تلاتة، أربعة، حتي وصل العدد إلي 41 وتوقفت الطلقات وعرف المصريون أنها أنثي وليست ذكرا وأن الذكر الذي يحل في ولاية العهد محل الأمير محمد علي توفيق لم يصل بعد.
وصدرت الأهرام في اليوم التالي وعلي صدر صفحتها الأولي "أمر ملكي كريم بإعلان ميلاد الأميرة فريال" كان نصه:
"حضرة صاحب المقام الرفيع رئيس مجلس الوزراء
حمدا لله تعالي علي ما أنعم وتفضل، فقد وهب لنا من لدنه في الدقيقة الأولي من الساعة الرابعة من مساء يوم الخميس المبارك الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 1357 الموافق الساعة الثامنة من مساء اليوم السابع عشر من شهر نوفمبر سنة 1938 بقصر المنتزه مولودة أسميناها "فريال".
ومن ثم أصدرنا أمرنا هذا إلي مقامكم الرفيع إعلاما لهيئة حكومتنا بهذا النبأ السار ولإثبات ذلك في السجل الخاص المحفوظ برياسة مجلس الوزراء وتعميم نشره في جميع أنحاء المملكة وإعلانه إلي رجال جيشنا وتبليغه بصفة رسمية إلي من يري لزوم تبليغه والقيام بما ينبغي إجراؤه في هذه المناسبة السعيدة وقد تابع أستاذنا الراحل د. يونان لبيب رزق أعداد الأهرام التي تابعت حدث ميلاد الأميرة فيقول إنه في اليوم التالي مباشرة لإعلان الميلاد كتبت الأهرام عن اسم الأميرة فريال أنه فضلا عما يحمله الاسم من معاني الأمل والنور والاستبشار فمن محاسن الاتفاق أنه ذو معني جميل باللغة الفرنسية أيضا فإن لفظةFERIAL هي النسبة إلي FERIE ومعناها عيد وكان عند قدماء الرومان يوما يجب الانقطاع فيه إلي الراحة وكانت تقدم فيه القرابين وتقام الألعاب العامة.
وتوالت الاجتهادات بعد ذلك حول هذا الموضوع الدكتور مصطفي عزيز بوزارة المالية الكلمة فارسية صميمة إلا أنه ذكر لها مدلولا آخر نقلا عن قاموس "كنز اللغات" وهي تتكون من مقطعين فر: بمعني فضل أو وقار أو أبهة أو زينة يال بمعني أهل ويكون معني "فريال" أهل الفضل والكرامة والرونق قدري عبدالعظيم الكلمة تركية محرفة عن لفظة فينار ومعناها في المعاجم التركية الحديثة "النور" وقد تطلق علي المصباح محمد فوزي بك من هليوبوليس: الكلمة فارسية تركية شطرها الأول فارسي معناه النور والضياء والشطر الثاني تركي معناه الضياء والإشراق وذهب محمد توفيق بمحافظة الإسكندرية إلي رد الاسم إلي أصل إيطالي وهي كلمة ينطق بها سكان تريستا الذين يسمون مصابيح الطرق Feral' واللفظ مدرج بمعجم اللغة الإيطالية بمعني الإضاءة والإشراق.
غير أن أغرب التفسيرات كان ما جاء في عدد الأهرام الصادر يوم15 من ديسمبر تحت عنوان "كلمة فريال- هل هي سودانية الأصل" في مقال قصير تحدث فيه صاحبه أنه قد جاءته رسالة من الأبيض في كردفان يؤكد فيها صاحبها أنه اشتغل طويلا في السودان الجنوبي وأن قبائل "الدنكا" يسمون بناتهم فريال وإن اعترف بأنه لم يتوصل إلي أصل للاسم!!
وكان من أبرز ما تضمنته الأهرام خلال الأيام التالية قصائد الشعر التي لم يكد يخلو منها عدد من أعدادها نختار منها القصيدة التي وضعها الشاعر علي الجارم بك واحتلت نصف مساحة الصفحة الثالثة من عدد الجريدة الصادر في24 من نوفمبر وقد استهلها بقوله: بين صحـو المني وحلم الخيال سبح الشعر في سماء الجمال ومضي سائحـا يهـز جناحيـه علي شاطئ السنين الخوالي لمح الدهر وهـو يحبو من المهـد عليه غدائـر مـن ليالي وأزاح التاريخ عن عينه الحجب فمرت تخوص في الأجيال
وأنهاها بقوله: وإذا المهـد فيـه درة مجـد لكريم الجدود والأخوال وإذا مصـر أعيـنا وقلوبـا تقبس النور من "فريال" فهناء مليك النيل كم فقت للنيل من أمان غوال وهناء مليك مصر المفدي نلت فاشكر الله خير منال عشت وعاشت أميرة الملك واسلم للمعالي وصالح الأعمال.
الملاحظ أيضا أنه للمرة الأولي يتم الاحتفاء إعلاميا بمناسبة من هذا النوع في الإذاعة الحكومية التي كان قد تم افتتاحها قبل أربع سنوات قبيل وفاة الملك فؤاد بفترة غير طويلة والتي أقامت حفلا مناسبا في دار الأوبرا افتتحها الشيخ محمد رفعت بتلاوة بعض آيات الذكر الحكيم عزفت بعدها فرقة الموسيقي الملكية افتتاحية الأميرة السعيدة من تأليف الأستاذ مدحت عاصم وشارك في إحيائها الآنسة أم كلثوم بوصلتين غنائيتين، فأبدعت علي عادتها في الأداء وحسن الترتيل.
وشارك الدكتور محمد حسين هيكل وزير المعارف في الحفل بكلمة ضافية كان مما جاء فيها: إنني لعظيم التفاؤل بالأميرة فريال عظيم الرجاء أن يكون لمولدها ولطفولتها ولشبابها ولحياتها المباركة أبلغ الأثر في حياة مصر بفضل أبويها العظيمين وأسرتها الكريمة العلوية.
وكأنما أراد الرجل أن يخفف من أثر كون المولود أنثي فيما جاء في إشارته إلي أن أميرات الأسرة العلوية الكريمة تركن في حياة مصر الأثر الباقي الصالح وحسبي أن أشير إلي بعض ما لهن من هذا الأثر في حياة مصر العلمية مما لا تزال ولن تزال وزارة المعارف تزدهي به لتروا أني أستمد تفاؤلي من واقع ملموس يشهده أبناؤنا حين تخرجهم بدرجات العلم العليا في جامعتنا جامعة فؤاد الأول والتي تخطت أشد أوقات بأسها بفضل الهبة العظيمة التي حبتها بها الأميرة فاطمة إسماعيل.
وكان من أطرف ما حدث من مظاهر الاحتفال ما قررته وزارة الأوقاف من مكافأة مالية لكل أسرة رزقت بمولود في نفس اليوم، وقد بلغ عدد هؤلاء 1700 أما قيمة المكافأة فقد كانت جنيها مصريا بالتمام والكمال تقبلها هؤلاء بكل سرور.
وكان منها أيضا ما حدث من مشاركة مصلحة السكك الحديدية في المناسبة بأن خفضت أجور السفر في قطاراتها بمقدار 50% لتمكين الراغبين في الاحتفال بسبوع صاحبة السمو الملكي الأميرة فريال من الوفود إلي القاهرة والاشتراك في المناسبة.
وكان منها أخيرا ما يحدث عادة في مثل هذه المناسبات من انتهاز الفرصة للإعلان عن بضاعة راكدة فيما فعله محل إميل هنريش وشركاه بدعوة المصريين إلي الاشتراك في مظاهر الابتهاج باقتناء إحدي الميداليتين المقررتين رسميا والتي تحمل تاريخ القران الملكي السعيد 20 من يناير1938.
بعد الرحيل
عاشت الأميرة فريال سنواتها الأولي في مصر حتي بلغت الثالثة عشرة من عمرها فقد قامت ثورة يوليو وتم خلع والدها الملك فاروق وكان عليهم أن يغادروا البلاد فورا ..كانت الأميرة مع أخواتها في مصيف المنتزه عندما أمر والدهم بتجهيز أنفسهم للسفر سريعا ..لم يكن معهم ما يكفي من الملابس.. وكان أول ما اهتمت به المربيات جمع الكتب الدراسية للأميرات.. ولعل جل المصرين قد تابعوا الأميرة فريال في حوارها مع الزميل أحمد المسلماني في برنامج "الطبعة الأولي" وشاهدوا كيف كانت تحكي تلك اللحظات وكيف أنها لم تكن تدري وهي طفلة أنها ستخرج من مصر بلا عودة.. في هذه الحلقة كشفت الأميرة فريال أن الطائرات التابعة لنظام الثورة لاحقتهم في البحر وهم علي متن سفينة المحروسة حتي تقضي عليهم إلا أن براعة الكابتن جلال علوبة الذي راوغهم في البحر فضلا عن عدم وجود رادار كل هذا مكنهم من الفرار . وقالت الأميرة فريال إنها تكشف عن هذه المعلومات لأول مرة كما أكدت أن مخابرات عبدالناصر دست السم لوالدها في طعامه وهو سم يوحي بأن الوفاة تمت نتيجة أزمة قلبية خوفا أن يعود ثانية ويطالب بعرشه وأكدت فريال أن والدها كان رجلا وطنيا رفض أن يرحل بهدوء حتي لا يقتتل المصريون، ورغم ذلك رفضت الحكومة المصرية السماح بدفنه في مدافن العائلة بالرفاعي وسمحت فقط بدفنه في مقابر أسرة إسماعيل شيرين، وعندما تولي السادات الحكم وافق علي طلب العائلة نقل الجثمان إلي الرفاعي وأعاد إلي الأسرة الجنسية المصرية التي كانت الثورة قد سلبتها منهم ووصفت السادات بأنه كان جنتلمان حقيقيا وشديد الطيبة. كما تحدثت عن علاقة الرئيس مبارك الطيبة بالعائلة وكذلك السيدة سوزان مبارك التي حرصت علي تقديم واجب العزاء في وفاة الملكة فريدة.
ولكن عندما تطرق الحديث إلي حياتها الشخصية سكتت الأميرة عن الكلام المباح واكتفت بالقول إنها تعيش في سويسرا وأنها تزور مصر كثيرا لزيارة ابنتها ياسمين المتزوجة من رجل الأعمال علي شعراوي حفيد هدي شعراوي. وياسمين هي ابنتها من زوجها السويسري جان بيير.
ولعل هذا الحوار الذي أجرته الأميرة فريال في قناة مصرية وحواراتها الأخري مع قنوات أوروبية جعلها تحظي باهتمام غير عادي خصوصا أن شقيقتيها كانتا تحرصان علي الصمت التام ويفضلان عدم التحدث إلي وسائل الإعلام.
المثوي الأخير
كانت الأميرة فريال تعلم أن مصر هي المثوي الأخير وكانت تحرص علي ذلك شأن كل أفراد الأسرة المالكة ربما ليؤكدوا للجميع أنهم مصريون رغم انتزاع الجنسية منهم ذات يوم وربما هذا ما حدا أحدهم علي مواقع النت إلي القول بأن جثمان الأميرة كان ملفوفا في العلم الملكي القديم ذا الهلال الأخضر والنجمات الثلاث. إلا أن الكاتبة الدكتورة لوتس عبدالكريم مؤسسة مجلة " الشموع " صاحبة صالون الشموع الثقافي والصديقة المقربة للملكة فريدة نفت مثل هذا وقد كانت حاضرة للجنازة في الرفاعي حيث تبادلت الحديث طويلا مع الملك السابق أحمد فؤاد وكذلك كانت ضمن القليلين من خارج الأسرة المالكة الذين حضروا العزاء في فندق سميراميس وهم الفنان حسين فهمي وزوجته لقاء سويدان ووزير الخارجية الأسبق أحمد ماهر.. والدكتورة لوتس صدر لها أخيرا كتاب "فريدة مصر" عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة وقد أعلنت أنها ستضمن الكتاب في طبعته الثانية فصلين عن الأميرة فريال. ونظرا للصلة التي جمعت الدكتورة لوتس عبدالكريم بوالدة الأميرة فريال..
سألتها: ما الطباع التي ورثتها الأميرة فريال عن والدتها الملكة فريدة؟
الطيبة الشديدة والبساطة والنقاء والتواضع والذكاء غير العادي
وما طبيعة العلاقة التي كانت تربط بين الأميرة فريال ووالدتها الملكة فريدة ؟
كانت العلاقة عادية لا يغلفها النفور ولا الحميمية وهو أمر طبيعي خصوصا أن الأميرة عاشت بعيدا عن والدتها. كما أن الأميرة وشقيقتيها كن يرين أن أمهن أخطأت في حقهن عندما طلبت الطلاق من والدهن ويعتقدن أنها السبب في تداعي الأحداث علي هذا النحو السيئ. وبالتالي كانت علاقتهن بوالدهن أكثر قوة لذلك عندما أجبرته الثورة علي الخروج اختارت الأميرة فريال الخروج معه وتبعتها شقيقتاها.
في الندوة التي أقامها صالون الشموع حول مسلسل الملك فاروق احتفاء بلأميرة فريال .. اعترضت الأميرة فريال علي بعض التفاصيل في العمل.. هل كانت غير راضية عنه بشكل عام؟
- لم تقل إنها غير راضية ولكن قالت إن أسلوب التفاهم داخل القصر كان يحكمه التأدب الشديد الذي لا يستقيم معه الصوت العالي وقد كانت والدتها الملكة فريدة أيضا تلتزم بالصوت المنخفض التزاما بقواعد الإتيكيت وعندما كنت أتفاوض مع أحد الذين جاءوا لشراء لوحة من لوحاتها كانت تصر علي أن يكون صوتي خفيضا بحيث لا يسمعني من يقف خلفي.. من جانب آخر كانت تري أن هناك جوانب في المسلسل كان ينبغي تغطيتها.
ألم تتحدث لك هي أو الملكة فريدة عن سر غضب والدها من زوجها السويسري؟
- فاروق كان رجعيا للغاية وكان يرفض تماما أن تتعرف بناته علي الشباب.. وأعتقد أنه كان يري فروقا اجتماعية بين الأميرة وهذا الشاب وربما كان اختلاف الديانة سببا آخر.
هل صحيح أن الأميرة فريال طلبت من الحكومة المصرية نفقات العلاج الخاص بها وأن الحكومة لم تستجب؟
- الأميرة فريال كانت تعالج علي حسابها الشخصي ومن أموال التامين الخاصة بها في سويسرا. وهي قد أعلنت أن الحكومة المصرية كانت قد عرضت عليهم نوعا من المعاش إلا أن الأميرات رفضن.
هل فكرت الأميرة فريال يوما أن تنقل حياتها إلي مصر خصوصا أن ابنتها ياسمين تعيش هنا؟
- كان من الصعب أن تغير الأميرة من أسلوب حياتها فقد اعتادت الحياة في أوروبا علي العكس من ياسمين التي رغم أنها سويسرية خالصة فإنها تعشق مصر وقد فضلت الإقامة بها بعد أن أنهت تعليمها وبعد الزواج حصلت علي الجنسية المصرية واستقرت حياتها الشخصية بعد زواجها الثاني من علي شعراوي.
أعتقد أن جنازة الأميرة فريال كان لها مذاق خاص مقارنة بجنازتي شقيقتيها فوزية وفادية؟
- لقد كان الحضور كبيرا وبحضور نائب عن رئاسة الجمهورية بخلاف الجنازتين السابقتين حيث كانت المراسم تتم ليلا وبلا حضور رسمي من الحكومة المصرية
د. ماجد فرج المتخصص في تاريخ العائلة المالكة كان أحد الأشخاص القلائل القريبين من الأسرة المالكة خصوصا أنه تعمق في دراسة تاريخ هذه الأسرة وأجري العديد من الدراسات بشأن هذه الفترة التاريخية تحدثت إليه.
لقد كانت شجاعة في مواجهة الموت فقد كانت تدرك منذ فترة أنها ستموت قريبا حتي إنني عندما تحدثت إليها منذ وقت قريب أخبرتها بأنني سألتقيها في الكريسماس، قالت لي: لن تدركني وقتها.
كانت ودودا طيبة مصرية جدا حتي إنها تقود مثل المصريين وترتكب كما كبيرا من المخالفات مثلهم ..كانت تزور مصر كثيرا لكنها لم تفكر أن تعيش مع ابنتها ياسمين خصوصا أن مصر لم تتصالح مع الفترة التاريخية الملكية إلا أخيرا وكانت الأميرة فريال قد تعدت السبعين من عمرها ولم يكن من الممكن أن تغير من حياتها في هذا العمر.
سألته : وكيف كانت تعيش وتنفق؟
- كان لها معاش فقد كانت تعمل مدرسة للآلة الكاتبة في سويسرا.
لا شك أن المتاعب التي لاقتها في حياتها تركت في حلقها شيئا من المرارة والحسرة؟
- علي الإطلاق.. كانت متقبلة كل ما واجهته في حياتها بصدر رحب.. وعندما كانت تتحدث عن الأمر كانت ترويه كأنه يخص شخصا آخر.. ولم يكن لديها ضيق من رجال الثورة حتي عندما كان البعض يسبهم دفاعا عن العائلة المالكة علي الفيس بوك كانت تغضب جدا وتري أن هذا لا يصح.
هل كانت تشعر بالغضب من والدها خصوصا بعد أن اضطرت إلي ترك نابولي بعد أن جاء بعشيقته الإيطالية لتعيش معه ؟
- هذا مجرد هراء ومحض أكاذيب فالملك لم يكن زير نساء كما حاول رجال الثورة تصويره.. وهي ذهبت إلي سويسرا لتدرس وتعمل. وكانت فريال تحب أباها إلي درجة العبادة وحتي آخر يوم في حياتها.
وماذا عن والدتها ؟
- لم تكن تلتقيها إلا نادرا بسبب الظروف السياسية التي كانت تعوق انتقال اعضاء الاسرة المالكة من والي مصر.
هل كانت تحرص عند زيارته إلي مصر علي زيارة الأماكن الخاصة بالأسرة أو تشعر بالحنين إلي الأماكن التي عرفتها وهي صغيرة ؟
لم يكن الأمر بالنسبة لها نوعا من الحنين بل بغرض السياحة تماما كالملك السابق أحمد فؤاد فعندما جاء لتشييع جثمان شقيقته فريال، قام بزيارة قصر محمد علي في شبرا للمرة الأولي في حياته.
هناك أعداد كثيرة من المصريين ذهبت إلي جامع الرفاعي لتقديم واجب العزاء للملك السابق ..هل تري أن هذا يرجع إلي أن المصريين اكتشفوا أخيرا الظلم الذي تعرضت له هذه الأسرة؟
- لقد اكتشف المصريون أن وزارة التربية والتعليم ضحكت عليهم وهو ما دفعني شخصيا إلي لدراسة تاريخ العائلة العلوية وقررت أن أخرج بها إلي النور وأزيل ما علق بها من أكاذيب.
أنقاض التاريخ
في جامع الرفاعي كان الملك احمد فؤاد الذي كانت الأميرة فريال له بمثابة الأم خصوصا أثناء محنته مع زوجته السابقة فضيلة التي سلبته كل ما كان لديه وياسمين الابنة الوحيدة للأميرة فريال وزوجها رجل الأعمال علي شعراوي والأميرة نيفين بنت النبيل عباس حليم وسيف الدين شاهين ابن الأميرة نعمت بنت الأمير عمرو إبراهيم صاحب القصر الفخم في حي الزمالك والذي أضحي متحفا للخزف إضافة إلي صفية هانم النقراشي رفيقة الأميرة فريال منذ الطفولة وزوجها الدكتور شامل أباظة .. لم يكن الحاضرون فقط من ذوي الدم الأزرق بل توافد المصريون من مختلف الطوائف لتقديم واجب العزاء للملك أحمد فؤاد.
وفي أثناء العزاء في فندق سميراميس حرصت إحدي سيدات العائلة المالكة علي تبادل أرقام الهاتف والبريد الإلكتروني مع سائر أفراد الأسرة حرصا علي التواصل العائلي بين من تبقوا من أسرة محمد علي التي حكمت مصر قرنا ونصف القرن من الزمان وتركت في تاريخ مصر الحديث الكثير من البصمات. وأضحت الفرصة الوحيدة للقاء هي مناسبات العزاء في جامع الرفاعي الذي هو الآخر جزء من تاريخ الأسرة . فقد قررت بناءه خوشيار هانم أو الوالدة باشا والدة الخديو إسماعيل عام1869 واشترت من مالها الخاص كل الأراضي المحيطة به ليبدأ العمل فيه لكن البناء توقف عام 1880 وبعد5 سنوات توفيت الملكة الأم لتدفن في مقصورة خاصة داخله، ليأمر الخديوي عباس حلمي بعد أكثر من 25 عاما باستكمال العمل في المسجد.
وشيد مسجد الرفاعي علي أرض مسجد آخر كان يسمي "مسجد الذخيرة" بني في العصر الأيوبي، ووصفه المقريزي بأنه كان في مقابل مدرسة ومسجد السلطان حسن، وكانت بجواره زاوية عرفت بالزاوية البيضاء أو زاوية الرفاعي، ضمت قبور عدد من المشايخ؛ من بينهم: أبو شباك، ويحيي الأنصاري، وحسن الشيخوني، ورغم أن هذا المسجد يعرف بالرفاعي نسبة للشيخ أحمد الرفاعي شيخ الطريقة الصوفية المعروفة بالرفاعية، إلا أن الشيخ أحمد الرفاعي لم يدفن به، بل إنه لم يدفن في مصر كلها، غير أن هذه التسمية لازمت الزاوية أولا ثم المسجد فيما بعد نسبة للشيخ المدفون به علي أبي شباك، وهو من ذرية الشيخ الرفاعي.
وينقسم المسجد إلي قسمين أساسيين، الأول خلفي يضم مقابر خوشيار هانم وبجوارها قبر ابنها الخديوي إسماعيل وهما في مقصورة واحدة بنيت فوقهما قبة مزينة بزخارف عربية ويوجد أعلي قبريهما قطع من الزمرد الأصلي النادر لا تقدر بثمن، وبجوار المقصورة التي دفن بها الخديو ووالدته، حجرة دفن بها زوجات إسماعيل الثلاث التركيتان شهرت هانم فازة وجشن أخت هانم، والزوجة الثالثة الفرنسية أورسو جوتيل هانم .
وبجوار غرفة زوجات الخديو بمسجد الرفاعي، غرفة أخري تضم قبر السلطان حسين كامل وبجواره قبر زوجته فضلا عن ثلاث مقابر أميرية أخري في حجرة مغلقة لا تفتح، وفي الساحة الخلفية للمسجد ضريح الشيخ علي أبو شباك الرفاعي، حفيد الشيخ أحمد الرفاعي، مؤسس الطريقة الرفاعية.
وفي الجانب الآخر من المسجد مقابر الملك فؤاد والملك فاروق والأخير يعد الأقل فخامة بين كل مقابر العائلة المالكة، وصنع من الرخام الأبيض العادي وبجواره في حجرة مفتوحة عليه توجد مقابر الأميرات وهي التي دفنت فيها الأميرتان فاديه وفوزية وأخيرا الأميرة فريال.
وفي حجرة أخري يوجد قبر شاه إيران محمد رضا بهلوي الذي تزوج من الأميرة فوزية شقيقة الملك فاروق ولم يدم الزواج فقد انتهي بالطلاق والقطيعة بين الشاه والملك، استمرت حتي وفاتهما ويشاء القدر أن تجمعهما المقابر، فعندما مات الشاه في مصر متأثرا بالسرطان أراد الرئيس الراحل أنور السادات أن يكرمه فلم يجد له مكانا أفضل من المقابر الملكية.