مكانة هذا الاسم.
اسم " الله " جلّ جلاله هو الاسم الجامع، وعلم الأعلام، ولهذا كان له خصائص كثيرة، منها:
1- أنّه علم اختصّ به، وحتّى أعتى الجبابرة لم يتسمّ به، كما مرّ معنا.
2- تُضاف الأسماء إليه، ولا يُضاف إليها، فيقال: الرّحمن الرّحيم من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرّحمن الرّحيم، حتّى إنّه قال:{ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } [الأعراف:180] وقال:{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)} [الحشر].
3- أنّه لا يصحّ إسلام أحد من النّاس إلاّ بالنّطق به، فلو قال: لا إله إلاّ الرّحمن، لم يصحّ إسلامه عند جماهير العلماء.
4- ولا تنعقد صلاة أحد من النّاس إلاّ بالتلفّظ به، فلو قال: الرّحمن أكبر ! لم تنعقد صلاته.
5- وهل هو اسم الله الأعظم ؟.
مسألة اسم الله الأعظم.قبل البحث في ذلك، فإنّه لا بدّ أن نعلم أنّ المقصود بالاسم هنا ليس بالضّرورة أن يكون كلمة واحدة أو لفظا واحدا، فإنّ ذلك من اصطلاح النّحويّين، وإنّما المقصود شيء تسمّى به، فقد يكون صفة مركّبة من اسمين فأكثر.
وقد دلّت السنّة على أنّ لله تعالى اسما خصّه بما لو دُعِيَ به أجاب، وقد أنكره طائفة من أهل العلم، كأبي جعفر الطّبري وأبي الحسن الأشعري، وجماعة بعدهما كأبي حاتم ابن حبّان، والقاضي أبي بكر الباقلاني، فقالوا: لا يجوز تفضيل بعض الأسماء على بعض. وأوّلوا أحاديث الباب بأنّ المراد زيادة ثواب الدّاعي بها.
والقول الرّاجح قول من أثبته، وأحاديث الباب حجّة على المنكرين.
نعم، هناك أحاديث كثيرة في هذا الباب، فمنها الموضوع، ومنها الضّعيف، ولذلك كثُرت الأقوال فيها، وما صحّ منها فهو قليل.
ويلحق بذلك في الضّعف من قال: استأثر الله تعالى بعلم الاسم الأعظم، ولم يُطلِع عليه أحدا من خلقه.
وأثبته آخرون معيّنا واضطربوا في ذلك، قال الحافظ ابن حجر:
" وجملة ما وقفت عليه في ذلك أربعة عشر قولا "، وقال الشّوكانيّ رحمه الله في "تحفة الذّاكرين": " قد اختُلِف في تعيين الاسم الأعظم على نحو أربعين قولا، قد أفردها السّيوطي بالتّصنيف".
فذكرها، ومنها:
1-( الله ) لأنّه اسم لم يُطلَق على غيره، ولأنّه الأصل في الأسماء الحسنى، ومن ثَمَّ أُضيفت إليه.
2-ومنها ( الرّحمن الرّحيم، الحيّ القيّوم ) بدليل ما رواه التّرمذي وابن ماجه والدّارميّ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ:{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} وَفَاتِحَةِ آلِ عِمْرَانَ:{اَلَم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}.
وهو الّذي رجّحه ابن القيّم رحمه الله في "زاد المعاد".
3-ومنها "الحيّ" و"القيّوم"، بدليل ما أخرجه ابن ماجه عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: (( اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ فِي سُوَرٍ ثَلَاثٍ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَطه )).
وهذا القول لا يُخالف القول الذي قبله، وقد انتصر ابن القيّم لهذا كثيرا.
4-ومنها: المنّان، بديع السّماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام، الحيّ القيّوم، ودليله ما رواه النّسائي وابن ماجه وأحمد عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم الْمَسْجِدَ وَرَجُلٌ قَدْ صَلَّى وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ فِي دُعَائِهِ " اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الْمَنَّانُ، بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ، ياَ حيُّ ياَ قَيُّومُ !" فَقَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم:
(( أَتَدْرُونَ بِمَ دَعَا اللَّهَ ؟ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ، الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى )).
وهذا في الحقيقة لا يعارض ما سبق، لأنّ لفظ الحي القيّوم ذُكِر.
5- ومنها: الأحد الصّمد الّذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، دليل ذلك ما أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والحاكم من حديث بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: سَمِعَ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم رَجُلًا يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ " قَالَ: فَقَالَ: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى )).
قال الحافظ رحمه الله: وهو أرجح من حيث السند من جميع ما ورد في ذلك انتهى.
6- منها: أنّه " اللّهمّ "، بدليل أنّه تكرّر في الأحاديث.
وهذا ضعيف، لأنّه لم يتكرّر في حديث أسماء بنت يزيد، ثمّ إنّ هناك كثيرا من الأدعية – بل جلّ الأدعية – مبدوءة باللهمّ، ومع ذلك لم يقل عنها النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّها حوت الاسم الأعظم.
ثمّ إنّ الدّعاء باللّهمّ كان معروفا قبل الإسلام، فيبعُدُ أن يكون هو الاسم الأعظم.
الحاصل: أن يقال: إنّ اسم الله الأعظم جنس يشمل عدّة أسماء هي: الرّحمن الرّحيم، والحيّ القيّوم، والأحد الصّمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد.
والله أعلم وأعزّ وأكرم