هو أنَّ بيدك أن تحوِّل هذه التجرِبةَ، أو الوضعَ الذي أنت فيه إلى حجرِ عثرة تحملها فوقَ رأسك، ولا تتقدَّم خُطوة في حياتِك، وتشعر بثقله كلَّ لحظة، أو أنْ تضعَه تحتَ قدمِكَ؛ حتى تصلَ للأعلى وترتقي، اخترْ أنتَ: هل أنت مِن العظماء أو مِن البؤساء؟ وبالأخِير هذا خيارٌ نحدِّده نحن لأنفسنا، استمرَّ وكُن أقوى، فمثلك استطاع تحمُّلَ المسؤولية، وحتى الآن قادرٌ على أن تقفزَ مِن حفرة الشقاء الوهمي إلى عالَم سعادة حقيقيَّة، فقط انظرْ ودقِّقْ في تَجرِبتك، واستخرجْ إيجابياتها، وسترى كيف أثَّرتْ إيجابيًّا فيك.إنَّ الفردَ الناجحَ هو مَن يعرف أسبابَ النجاح فيسعى لتحقيقها بنفسِه، ويُحقِّق النجاح - بإذن الله - بإرادتِه وتحمُّلِه وصبْره، كما لمستُ فيكَ ذلك أخي.
وما دمتَ عرَفتَ وضعَك وظروفَ مَن حولك، فادرسْه أكثرَ، وانظرْ كيف تخلق جوًّا مفعمًا بالتقارُب والتفاهُم عن طريقِ المناقشة والحوار، والقراءة والتعلم، والخلق الحسن، وحاول أن تشغلَ نفسك ببعضِ الأنشِطة القرآنيَّة والاجتماعيَّة والرِّياضات الجماعيَّة، مِثل كرة القدم، أو ممارسة أي نشاط تفضِّله، وحاول أن تُشيع في البيتِ ثقافةَ الرحمة والقُرب، والاستماع والصراحة.
نَّ الحياةَ جُبلت على ما فيها مِن حُزن وسرور، وفرَح وترَح، والعاقِل مَن يأخذها بحلوِها ومُرِّها، ولا ينتظر ألاَّ يصيبه منه لأْوَاء أو ضَرَّاء؛ كما قال الشاعر:
جُبِلَتْ عَلَى كَدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيدُهَا صَفْوًا مِنَ الآلاَمِ وَالأَكْدَارِ
وَمُكَلِّفُ الْأَشْيَاءِ ضِدَّ طِبَاعِهَا مُتَطَلِّبٌ فِي الْمَاءِ جَذْوَةَ نَارِ |
لكنَّ المسلم له فلسفةٌ في التعامُل مع الأحزان والأفراح، إنَّه يتعامل معهما على درجةٍ سواء؛ لأنَّ النبيَّ بشَّره بأنَّه في كلٍّ منهما مأجور؛ قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((عجبًا لأمْرِ المؤمنِ! إنَّ أمرَه كلَّه له خير، إنْ أصابته سَرَّاءُ شكَر، فكان خيرًا له، وإنْ أصابتْه ضراءُ صبِر، فكان خيرًا له))، فكل أمرٍ ألَمَّ بك من مكروه يُساعدك على الخروجِ منه أن تؤمِنَ أنَّ الصبرَ عليه أْجر.
واليك بعضَ النقاط الهامَّة أتمنَّى أن تُفيدك:
• انسَ الماضي وأحزانَه، والمستقبل وأوهامَه، واهتمَّ بالحاضر فقط.
• لا تحمِّلْ نفسَك فوقَ طاقتها في تحمُّل المسؤولية، فعندما تشعُر بالعجزِ اطلبِ المساعدة من أحد أخواتِك، وداومْ على تشجيعِ نفسِك ماديًّا ومعنويًّا - ولو بالقليل - عن طريقِ إهداءِ نفسك هديةً يسيرةً؛ مكافأةُ لإنجازك مهمَّة ما.
• اجتهدْ في أن تحلَّ المشاكلَ الأسريَّة مشكلةً مشكلةً، وابدأْ باليسير، وتعايشْ مع ما لا تستطيع أن تُغيِّره.
• قمْ بمشاركةِ والدتك أو أخواتك بما تشعر به إن أمكَن؛ فهُم - مهما حدَث مِن خلاف - أقربُ الناس وأكثرُهم حبًّا وفهمًا لك، وشاركْهم - ولو بالقليلِ - ماديًّا ومعنويًّا في أحزانهم وأفراحهم، وعبِّرْ لهم عن مدَى حبِّك لهم، واتَّفقوا على الترفيهِ عن النفس معًا مرةً في الأسبوع عن طريقِ الخروج للنزهة.
• تذكَّرِ الأشياءَ الجيِّدة في حياتِك، والتي أنعَم الله بها عليك، إنَّ بعض الناس أنعَم اللهُ عليه بأشياءَ كثيرةٍ، لكنَّه لا يذكُرها، ولو خرَج مِن هذه الدائرة، ورَأى نِعمَ الله عليه في الإسلام، أو في الصحَّة أو الذكاء، أو الغِنى أو ما شابَه - لشكر الله على ما أنْعَم به عليه، ولدفَعه ذلك إلى تحمُّل ما ابتُلي به.
• حاولْ أن تكونَ عندك أنشطة، أو أن تُنمِّي هواياتك؛ فيبدو أنَّك تعاني مِن فراغ كبير، ولا أقصد مجرَّد الفراغ الزمني الوقتي، ولكن بداخلك فراغٌ كبير ومشاعِر لم تفرغْ في جوٍّ أُسري؛ فلذلك قد يساعدك وجودُ أنشطة تُكوِّن مِن خلالها مجتمعًا صغيرًا، أو أسرة صغيرة مِن أصدقاء أو زُملاء، وبينكم أمورٌ مشتركة.
• أتوقَّع أنَّك ما زلت تدرُس، فحاولِ التركيز في دِراستك، ولا تُعِر ما يحدُث حولك مِن مشاكل اهتمامًا أكثرَ مِن المطلوب، ولا تجعلْه يؤثِّر على يومك.
• تذكَّرْ باستمرار أنَّ هناك مَن هو أسوءُ حالاً منك، وهذا يجعَل المرءَ يَحمَد اللهَ على ما هو فيه.
• وأمَّا بخصوصِ الأصدقاء، فأنصحُكَ بالحِرص على مصاحبةِ أصدقاء متديِّنين.
• وبالنسبةِ لموضوعِ انقطاع أعمامكم عنكم، أنصحُكَ أن تبْدَأ أنتَ بالسؤالِ عنهم، قد تكون لديهم ظروفٌ خاصَّة أو ما شابه، وحتى لو لم يكُنْ، فلتكن أنتَ الأفضل، ولا تنتظر منهم البَدء.
• ازرعْ في عقلك فِكرة أنَّ الحياة الدنيا قصيرة، فلا تعكِّرها بالهمِّ والحزن.
• أن تكونَ دائمًا متيقِّنًا أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - لطيفٌ بعباده، وأنَّه - سبحانه وتعالى - رحيمٌ بهم، وأنَّه أرحمُ بك مِن أمِّك، بل ومِن نفسِك، وليس بالضرورةِ أن يقضيَ الله - عزَّ وجلَّ - لنا ما نُريده نحنُ ونتمنَّاه، فربَّما كان الخيرُ لنا في خِلاف ما نتمنَّاه، وهذه هي الحقيقةُ الثانية، فإنَّ الله - عزَّ وجلَّ - يقول في كتابه الكريم: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، فنحن قدْ نتمنَّى الشيءَ ونَحرِص عليه؛ لظنِّنا أنَّه في مصلحتِنا، والله - عزَّ وجلَّ - يَصرِفه عنَّا ولا يُقدِّره لنا؛ فاختيارُ الله - عزَّ وجلَّ - لنا خيرٌ مما نختاره لأنفسنا.
• اجلسْ مع نفسك قليلاً، وابْحَثْ عنِ الأسباب المباشِرة لهذا الهمِّ، وحاول حلَّها وَحدكَ، وإذا لم تَستطعْ، فاستشرْ أصدقاءَك الأكْبر منك، أو أخواتِك ذوات الخِبرة الكبرى في الحياة.
• تمارينُ الاسترخاء أيضًا قد تُفيدك كثيرًا، ابحثْ عنها في (الإنترنت)، وقُمْ بها يوميًّا قبلَ النوم.
• وأنصحُك بشيءٍ وصَّانا به الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقتَ الهمِّ، وهو أن تقوم فتتوضَّأ وتُصلي ركعتين، وتدعو الله بهذا الدعاء: دعاء الهم والحزن: ((اللهمَّ إنِّي عبدُك، ابنُ عبدِك، ابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيدِك، ماضٍ فيَّ حُكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكلِّ اسم هو لك؛ سمَّيتَ به نفسَك، أو أنزلته في كتابِك، أو علَّمتَه أحدًا مِن خلقك، أو استأثرتَ به في عِلم الغيب عندك - أن تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلْبي، ونورَ صَدري، وجلاءَ حزني، وذَهاب همِّي))، ((اللهمَّ إنِّي أعوذُ بك من الهمِّ والخزن، والعَجز والكسَل، والبُخل والجُبن، وضَلَع الدَّينِ، وغَلَبة الرِّجال)).
• وأخيرًا: كلَّما اقتربتَ مِن الله، شعرتَ بالسعادة والطُّمأنينة، فاقتربْ منه بالصلاةِ جماعةً في المسجدِ، وقراءة القرآن والذِّكر، وستجِد تغيرًا ملحوظًا في حياتك.