بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
الحق في اللغة هو الشيء الثابت دون ريب، وهو النصيب الواجب سواء كان للفرد أو للجماعة. ويعرف الحق بأنه ما قيم على العدالة والإنصاف ومباديء الأخلاق. والحق في الشريعة الإسلامية لفظ يشير إلى الله عز وجل وهو اسم من أسمائه الحسني جل شأنه.
وفي تحليل علاقة الإسلام بمفهوم حقوق الإنسان، ينبغي أن نعلم أن الإسلام كعقيدة وردت في مصدرين شريفين وهما القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
تقوم العقيدة الإسلامية على مبدأ وحدة الجنس البشري. وأن الاختلاف بين البشر سواء في الأرزاق أو مصادر الدخل أو الأعمار أو الألوان أو الأعراق إنما يهدف إلى إعمار الكون في إطار من التعايش والتعاون والتكامل، وتتضح هذه الحقائق بلا لبس أو شك عند إلقاء نظرة على بعض الآيات القرانية الكريمة.
- قال تعالى في سورة النساء ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا(1)﴾
- قال تعالى في سورة الحجرات ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(13)﴾
- قال تعالى في سورة الروم ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ(22)﴾
ويؤكد الإسلام على الحرية التامة للعقيدة. ويتضح ذالك في قوله تعالى ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ﴾[41:40]
ومن الواضح أن الأساس الفلسفي الذي قام عليه مفهوم حقوق الإنسان هو تكريم الإنسان بما يمكنه من القيام بدوره في المجتمع وتحقيق تقدم المجتمع من خلال تقدم ورقى الفرد. وهذا الأساس هو نفسه الذي أشار إليه الإسلام في مواضع عديدة. وبصفة عامه تحكم علاقة المسلم مجموعة من الأحكام الإسلامية.
فعن الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله قال"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه. ومن كان في حاجه أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربه فرج الله عنه بها كربه من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة"
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله "إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن أدم مرضت فلم تعدني. قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال: أما علمت أن عبدي فلان مرض فلم تعده. أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟. يا ابن أدم إستطعمتك فلم تطعمني. قال: يارب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه إستطعمك عبدي فلان فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذالك عندي؟ يا ابن أدم أستسقيتك فلم تسقني. قال: يارب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟. قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه.أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذالك عندي"
وتلك الأحاديث بينها رسول الله الكريم وكلها تقوم على مبدأ مراعاه الرفق والسماحة وغيره من المباديء السامية التي حث عليها الإسلام ورغب فيها.
المساواة بين الرجل والمرأة
ويؤكد الإسلام أيضا على مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. الإسلام جعل القاعدة الأساسية هي المساواة مع الاستثناء المحدود وهو وجود فوارق لصالح الرجل وأحيانا المرأة وفقا لاختلاف الطبيعة الجسدية والظروف الاجتماعية ومسؤلية كل منهما في الأسرة. ففكرة القوامة على سبيل المثال الواردة في قوله تعالى ﴿الرجال قوامون على النساء﴾[4:34] لا تعني تمييزا لصالح الرجال وإنما قصد الرحمن في تلك الآية الكريمة مسؤلية الإنفاق. فمسؤلية الأسرة في الأساس قائمة على مبدأ الشوري، ولكن في حالة الاختلاف في الرأي فيكون الرأي السائد هو رأي الرجل لأنه المنفق والقائم على حاجة الأسرة.
حقوق الوالدين
الوالدين من حيث وضعهما الاجتماعي لهما المركز الأول والأرقى، فقد قرنهما الله سبحانه وتعالى بين عبادته وعدم الإشراك به وبين الإحسان بهما فقال ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾[4:36]
وبين الله سبحانه وتعالى أيضا منهج التعامل معهم في قوله ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [17:23]
وفى آيات أخري يقرن شكر العبد بربه وشكر العبد لوالديه وأي رفع شأن أعظم من ذالك، قال تعالى ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [31:14]
حقوق الأبناء
وفى مقابل واجبات الأبناء نحو الوالدين نجد حقوقا لهم وواجبات على الوالدين نحوهم. وتبدأ الحقوق منذ الطفولة بالحضانة والرعاية والنفقة. قال تعالى في سورة البقرة ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(233)﴾
ومن واجب الوالد عدم إنكار إبنه. ويقول في ذالك فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه (الحلال والحرام) "الولد سر أبيه، وحامل خصائصه، وهو في قرة عينه، وهو بعد مماته امتدادا لوجوده، ومظهر لخلوده، يرث من الملامح والسمات والخصائص والمميزات، يرث الحسن منها والقبيح والجيد والردئ. هو بضعة من قلبه وفلذة من كبده. لهذا حرم الله الزنا وفرض الزواج وحلله حتي يصون الإنساب ولا تختلط المياه ويعرف الولد من أبوه ويعرف الوالد من بناته وبنوه. فبالزواج تختص المرأة بزوجها ويحرم عليها أن تخونه أو تسقي زرعه بماء غيره وبذالك يكون كل من تلدهم في فراش الزوجية أولاد زوجها بدون أن يحتاج ذالك إلى اعتراف أو إعلان من الأب أو دعوي من الأم ف
"الولد للفراش" كما قال رسول الإسلام"
حقوق بين الزوجين
حفظ الحقوق بين الزوجين هو الأساس في صيانة وحماية المجتمع من أي انحراف أو انحلال أو زوغ. فقد إهتم بها الإسلام وبين الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين. وبين رسول الله في خطبة الوداع جانبا من تلك الحقوق فيقول "أيها الناس فإن لكم على نسائكم حقا ولهن عليكم حقا،لكم عليهم ألا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهم في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح، فإن إنتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وأستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم وإن لا يملكن لأنفسهم شيئا،وإنكم إنما إتخذتموهم بأمانة الله وإستحللتم فروجهن بكلمات الله.
ومن الحقوق المتبادلة أيضا بين الزوجين أن يحفظ كل منهما سر الأخر ولا يذيعة. فعن أبا سعد الخدري قال: قال رسول الله "من أشر الناس منزلة يوم القيامة الرجل يفضى إلى إمرأته وتفضى إليه ثم ينشر سرها"
حقوق الأقارب واليتامى والمساكين وابن السبيل
يشدد الإسلام على صلة الرحم ويرهب من قطعها فيقول رسول الإسلام في حديثه عن الزهري عن محمد بن جيد بن طعم عن أبيه "لا يدخل الجنة قاطع رحم"
وعن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله قال "من سره أن يبسط رزقه أو ينسا في أثره فليصل رحمه"
وعن أبي هريرة قال: أن رجلا قال "يا رسول الله إن لى قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي أحلم عنهم ويجهلون علي. فقال لإن كنت كما قلت فكأنما تسقهم الملّ ولايزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذالك"
ويقرر الإسلام حق الأقارب ويشير إلى الأولوية في الإحسان والصدقة وقد جمع الإسلام تلك الحقوق في آيات عديدة نذكر بعضها:
قال تعالى ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ﴾[2:177]
قال تعالى ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ﴾[4:36]
قال تعالى ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾[17:26]
قال تعالى ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ﴾[2:220]
فكان هذا بعض من حظ موضوعنا في القرآن الكريم وقد ذكر في تلك الآيات الكريمة من هم أهل للحق علينا. ولمن لم يلاحظ. فقد جائت الآيات الكريمة في صيغة أمر. والحق أحق أن يتبع
ولم تغفل السنة الشريفة عن هذا الموضوع ومما ورد فيها:
قال رسول الله "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله والقائم الليل الصائم بالنهار"
حقوق غير المسلم في الإسلام
ذكر في القرآن الكريم عن حق المساواة بين المسلم وغير المسلم في الحقوق المدنية في الدولة الإسلامية ودعوة للعدل حتي وإن كان الشخص الذي يعامل غير مسلم، فالأساس في التعامل هو معاملة الله وليس خلقه، حيث ورد في الآية قوله تعالى ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾[17:35]
وتأتي آية أخرى تؤكد ما قبلها فيقول تعالى ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[60:8]
وتظهر الآية الكريمة السابقة أن لا ضرر ولا ضرار، فلا يلقون منا إلا إحسانا. ويقول تعالى في كتابه العزيز في آية أخرى للعموم ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾