النهى عن قتل الحــيوان إلاّ لضرورة، والنهى عن التمثيل به:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أي حيوان دون سبب مشروع أو عذر مقبول، فقد روى أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة وله صراخ تحت العرش، يقول: ربّ سل هذا فيم قتلني من غير منفعة). روى النسائي وابن حبان عن عمرو بن الشريد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من قتل عصفورا عبثا عجّ إلى الله عزّ وجلّ يوم القيامة يقول: يا ربّ إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني لمنفعة). وفي رواية أخرى عن عبدالله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها – بغير حقّها – إلاّ يسأله الله يوم القيامة)، قيل: يا رسول الله: وما حقّها؟ قال: ( حقّها أن تذبحها فتأكلها، ولا تقطع رأسها فترمي به). وفي رواية أخرى: ( ما من إنسان قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها إلاّ سأله الله عزّ وجلّ عنها)، قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال: ( يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها ويرمي بها) رواه النسائي والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي.
|
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من قتل عصفورا عبثا جاء يوم القيامة وله صراخ تحت العرش، يقول: ربّ سل هذا فيم قتلني من غير منفعة) ـ الصور فوق تظهر مصارع ثيران يقوم بقتل ضحيته كنوع من الرياضة |
وفي قتل الحيوان بدافع الرحمة، أفتى المجلس الإسلامي للإفتاء بما يلي:
اختلف العلماء في جواز قتل الحيوانات بدافع الرحمة على قولين: الأول: نصّ الشافعية على أنه لا يجوز ذبح ما لا يؤكل، كالحمار الزمن – العجوز – ولو لإراحته عند تضرره من الحياة (حاشية الشرقاوي على التحرير). الثاني: وأجازه المالكية: قال الدردير في شرحه على مختصر خليل: كذكاة ما لا يؤكل لحمه، كحمار أو بغل إن أيس منه، فيجوز تذكيته، بل يُندب لإراحته. وقال الدسوقي في حاشيته: أي أيس في الانتفاع به حـقيقة لمرض أو عمى، أو حُـكما بأن كان في مغارة من الأرض لا علف فيها ولا يُرجى أخذ أحد له...
ويرى المجلس أن تُرسل هذه الحيوانات إلى جمعيات أو مراكز رعاية الحيوان إن وُجدت لتقوم برعايتها والانتفاع بها، فإن تعسّر ذلك فإنه يجوز قتل الحيوان المأكول لحمه عند العجز من القيام بحقه، من إطعامه أو علاجه، أو يصبح الإنفاق عليه ضربا من إضاعة المال، أو انتقال المرض إلى غيره، أو إلى الناس كالطيور التي تصيب بالأنفلونزا، أو صغار الدجاج المرضى أو الضعيفة التي في تربيتها أو الإبقاء عليها ضرر محض. أما الحيوان الذي إذا كسر لا يُجبر، فمثل هذا يُذكى ويُوزع على المحتاجين والفقراء، وينتفع بكل شئ فيه يمكن الانتفاع منه، كحصان كُسرت رجله ولا أمل في شفائه، فلا يُقتل عبثا، بل يُذكى ويوزع لحمه على المحتاجين لأنه مأكول اللحم.
وأما الحيوانات التي لا يؤكل لحمها، فلا حرج في قتلها عند عدم القدرة على المحافظة عليها أو علاجها أو إطعامها وإسقائها، أو رفضها تقبّل العلاج، أو الإنفاق عليها من غير طائل، فلا بأس بقتلها وتوزيعها على الحيوانات التي في حديقة الحيوانات، مثلا... كل هذا بشرط الإحسان في القتل وتجنّب أي لون من ألوان التعذيب والأذى، ولا تلقى في الطرقات فيتأذى الناس برائحتها، ولا تقدم طعاما للحيوانات المفترسة وهى حية، وبذل الجهد في الانتفاع بها ما وُجد إلى ذلك سبيلا، كالانتفاع بجلودها أو عظامها أو غيرها، لأن غير ذلك يُعدّ من تضييع المال الذي نهى عنه الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله حرّم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) رواه البخاري.
وإضافة إلى هذا، فإن قتل الحيوانات بدون دراسة للموقف بعناية قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالإنسان، صحته وماله وممتلكاته، فقد يؤدي سوء التعامل مع بعض الحيوانات إلى الإخلال بالتوازن البيئي، ومثال ذلك أن قتل القطط في بعض المناطق أدى إلى تزايد أعداد الفئران، حتى أصبحت خطرا كبيرا يحدق بالمحاصيل، بالتالي إلى وقوع خسائر اقتصادية كبيرة للإنسان، أو تحمله أعباء مالية في صنع سموم ومبيدات للتخلص من الفئران...
ومما يُذكر في هذا المقام، أن أهل الجاهلية كانوا يأكلون أسنمة الإبل، وهى حيّة، وكذلك إليات ( جمع: إلية ) الغنم، وكان ذلك يسبب ألما شديدا لتلك الحيوانات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما قطع من البهيمة وهى حية فهو ميتة) رواه ابن ماجه، أي ينطبق عليه حُكم الميتة، أي لا يجوز أكله، وفيه نهى عن تعذيب الحيوان أو إيلامه... كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إيذاء الحيوان بقطع أذنه أو عضو من أعضائه وهو حى، فقال: (من مثّـل بحيوان فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) رواه الطبراني.
ولقد عاب القرآن الكريم على أهل الجاهلية ما كانوا يفعلونه من شقّ آذان الأنعام، وجبّ سنام الجمل، وإلية الشاة، وهى حيّـة، فنزل النهي الإلهي عن هذه الأفعال، فقال الله تعالى: (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً{117} لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً{118} وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً{119}) [سورة النساء]. ومعنى قوله تعالى: "فليبتكنّ": فليقطعن أو فليشقنّ آذان الأنعام. وبيّـن القرآن الكريم أن هذا من عمل الشيطان...
كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأضحية التي قُطعت أذنها أو جزء منها، أو المشقوقة، أو المثقوبة، أو مقطوعة الذنب... كما ذهب الإسلام إلى ما هو أبعد من ذلك، فنهى عن قطع أي جزء من الحيوان قد يضرّ به في المستقبل، كأن يُطع ذيله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقصوا نواصي الخيل ولا معارفها ولا أذنابها، فإن أذنابها مذابّها، ومعارفها دفاؤها، ونواصيها معقود فيها الخير) رواه أبو داود.