كثير من الناس تسعده مواقف الفوز، فيطير بها فرحا، فيرى الدنيا بلونها الضاحك،
فينسى كل ما حوله في غمرة الفرح، وربما مع فرحه نسى بعض مبادئه وقيمه.
وآخرون تصدمهم مواقف الخسارة والهزيمة، فتظلم الدنيا أمام أعينهم، فربما ارتفع
ضغط الدم عندهم ارتفاعا قربهم من لحظات الموت، وربما أصيبوا بالأمراض القاتلة
، وربما أقعدهم الموقف فلم يستطيعوا معه حراكا !
فالناس بين إسراف بالغ في الأفراح عند الكسب والفوز وتحقق المرادات، وبين
انتكاس بالغ في الأحزان عند المصيبة والخسارة والنقص.
و حتى لا يصبح المرء عرضة لهزات نفسية متتابعة ومتوالية، متعلقا بتغيرات الزمان
والأحوال، فتتضاءل شخصيته، وتقصر عزيمته، وتتراجع نفسه، لزمه أن يتعامل مع
مواقف الفرح والأحزان بمنهج حكيم..
الاقتصاد في الحزن على مافات، والاقتصاد في الفرح بما أقبل، هو ذلك المنهج الحكيم
الذي اقصده، وهو منهج قرآني علمنا إياه القرآن الكريم في قوله تعالى: (لكيلا تأسوا
على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم..).
فالفرح الشديد يورث الالتهاء عن الشكر، وقد يترك في النفس أثر الإعجاب بالنفس
وبالحال، وقد يورث البطر عند ذهاب بعض النعم، لذلك ففعل الصالحين هو الشكر عند
استحداث النعم.
والحزن الشديد يورث الضجر وعدم الصبر، وعدم الرضا بالقضاء، لذلك ففعل الصالحين
عند الحزن هو التصبر، ورد الأمر لله سبحانه، والرضا بقضائه، والاحتساب.
وبالطبع ليس من بني آدم أحد إلا وهو يحزن ويفرح، لكن ينبغي أن يجعل أحدنا من
الفرح شكرا ومن الحزن صبرا.
وأهل البصيرة ينظرون للأحداث كلها باعتبارها مقدرة في علم الله سبحانه، فيورث في
قلوبهم الرضا بالنتائج، فتصير نفوسهم ثابتة متوازنة كلما تغيرت أحوال الزمان.
فأمر المؤمن كله له خير، سواء أكان في سراء أو ضراء، لكن إنما عليه الصبر
والشكر، فلا أسى يكسر النفس، ولا فرح يستخف بها، ولكن رضا وتسليم، وحمد
واعتراف بالنعمة.
ومن أكثر ما ينفع في محافظة المرء على توازنه عند المسرات أو الملمات إكثاره
من ذكر الله وتعلق قلبه به سبحانه ، وعلمه يقيناً أنَّ الأمر كله بقدر الله، لقوله سبحانه
في الآية التي سبقتها (ما اصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب).
و من عرف الدنيا لم يفرح لرخاء, لأنه مؤقت زائل ، ولم يحزن لشقاء, لأنه مؤقت
متغير ، قد جعلها الله دار ابتلاء وامتحان سواء بالسراء أو الضراء، وجعل الآخرة دار
جزاء، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سببا، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً،
فيأخذ ليعطي, ويبتلي ليجزي، فله الحمد في الأولى والآخرة.