تعتبر مدينة بخارى من أعرق بلاد الإسلام في قلب القارة الآسيوية وأم العلوم والفنون
وموئل الكثير من علماء الإسلام ومحط رحال طلبة العلم والمحدثين من كل مكان،وقد
فتحها القائد «قتيبة بن مسلم» سنة 90هـ ومن يومها صارت من أعظم بلاد الإسلام
وتبدأ فصول مأساتها المروعة بإعلان جنكيز خان التتاري الحرب على بلاد الإسلام
وذلك بسبب خطط هو له وافتعله بخلاف بسيط مع علاء الدين خوارزم سنة 615هـ،
ليكون ذريعة للهجوم على بلاد الإسلام وابتلاعها.
وزاد الطين بلة إقدام علاء الدين خوارزم على خطوة طائشة وغير مدروسة بالهجوم
على ديار التتار وهم منشغلون بقتال أحد ملوك الصين، ورغم ضخامة جيش علاء
الدين إلا إنه فشل في هجومه هذا بعد أن عجز عن هزيمة فرقة صغيرة من جيش
جنكيز خان، وكشف هذا الفشل عن كابوس مرعب لعلاء الدين خوارزم، إذ كيف
سيواجه جيوش جنكيز خان مجتمعة بعد أن عجز عن التغلب على جزء صغير منها؟
قام علاء الدين خوارزم بالعودة بسرعة كبيرة إلى بلاده وقد استولى عليه الفزع
وأدرك فداحة ما أقدم عليه وسوء عاقبته، وأمر بتحصين مدينتي بخارى وسمرقند
وكانتا أول مدينتين في طريق التتار، فوضع حامية ببخارى تقدر بعشرين ألفًا وأخرى
بسمرقند تقدر بخمسين ألفًا ثم عاد إلى عاصمته بخراسان لاستنفار الجنود والمسلمين
وترك بخارى وسمرقند للمصير المحتوم.
خرج جنكيز خان بجيوشه الجرارة من بلاده إلى بلاد الإسلام وكانت مدينة بخارى
أول مدينة ينزل عليها، فضرب عليها حصارًا شديدًا ثم أنشب قتالاً عنيفًا مع حاميتها
لم يستمر سوى ثلاثة أيام، ثم فرت الحامية الخوارزمية من المدينة وتركت أهلها فريسة
سهلة للتتار، وأسقط في يد أهل بخارى بعد هذا الفرار المخزي، وطلبوا تسليم المدينة
نظير الأمان لأموالهم ودمائهم، فتظاهر جنكيز خان بالموافقة وهو يضمر الشر وينوي
الغدر،
وفي يوم 4 من ذي الحجة سنة 616هـ الموافق 10 فبراير 1220م دخلت جيوش
التتار مدينة بخارى بالأمان، وما إن صاروا وسط المدينة حتى انقضوا على أهلها قتلاً
وسفكًا وذبحًا وسبيًا وكان يومًا مهولاً، وملحمة فظيعة لأمة الإسلام، وقتل فيه عشرات
الآلاف وأحرقت المساجد والجوامع وهدمت المدارس واغتصبت النساء أمام أزواجهن
وذبح الأطفال في حجورهن، وكانت هذه المذبحة العامة بداية سلسلة مرعبة من المذابح
التي سيرتكبها التتار ببلاد الإسلام.