أولاً: فضل سورة الفاتحة
روى الإمام مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:
(بينما جبريل عليه السلام قاعدٌ عند النّبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من
فوقه، فرفع رأسه فقال: هذا بابٌ من السماء فُتح لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه
ملك
فقال: هذا ملك نزل إلى الارض، لم ينزل قط إلا اليوم فسلّم وقال: أبشر بنورين قد
أوتيتهما لم يؤتهما نبيٌ قبلك (فاتحة الكتاب) و(خواتيم سورة البقرة)....لن تقرأ
بحرف منهما إلا أوتيته). [رواه مسلم والنسائي]
ثانياً: من أسماء الفاتحة
فهي الفاتحة لافتتاح الكتاب العزيز بها، حيث إنها أول القران في الترتيب لا في النزول..
كما يقرأ بها في الصلوات....
ومن أسمائها: أم الكتاب لاشتمالها على المقاصد الأساسية للكتاب العزيز من ثناء على
الله عز وجل، وإثبات الربوبية، والتعبد بأمر الله سبحانه ونهيه، وطلب الهداية والثبات
على الإيمان، وأخبارٌ عن قصص الأمم السابقين.. وفيها الاطلاع على معارج السعداء
ومنازل الأشقياء.....
ومن أسمائها السبع المثاني لأنها سبع آيات تثنى في الصلاة، أي تكرر وتعاد، فالمصلي
يقرأها في كل ركعة من ركعات الصلاة.
ثالثاً: الدعاء في سورة الفاتحة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
قال الله عز وجل:
قُسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل.
فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} قال الله تعالى:حمدني عبدي.
وإذا قال العبد: {الرحمن الرحيم} قال الله تعالى: أثنى علي عبدي.
وإذا قال العبد: {مالك يوم الدين} قال الله تعالى: مجدني عبدي
فأذا قال:{إياك نعبد وإياك نستعين} قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل.
فإذا قال:{اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم
ولا الضالين} قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل.
رابعاً: أصول العقيدة
إن كمال الإنسان وسعادته لا تتم إلا بمعرفة فاطره وبارئه، ومعرفة أسمائه وصفاته
ومعرفة الطريق التي توصل إليه وقد تضمنتها سورة الفاتحة وانتظمتها أكمل انتظام.
فإن قوله:{الحمد لله رب العالمين* الرحمن الرحيم*مالك يوم الدين} يتضمن الأصل
الأول، وهو معرفة الرب تعالى ومعرفة أسمائه وصفاته وأفعاله. والأسماء المذكورة
في هذه السورة هي أصول الأسماء الحسنى، وهي اسم الله المتضمن لصفات الألوهية
واسم الرب المتضمن لصفات الربوبية، واسم الرحمن المتضمن لصفات الإحسان والجود
والبر، ومعاني أسمائه تدور على هذا.
وقوله:{إياك نعبد وإياك نستعين} يتضمن معرفة الطريق الموصلة إليه، وأنها ليست
إلا عبادته وحده بما يحب ويرضاه، واستعانته على عباده.
وقوله:{اهدنا الصراط المستقيم} يتضمن بيان أن العبد لا سبيل له إلى السعادة إلا
باستقامته على الصراط المستقيم، وأنه لا سبيل له إلى الاستقامة إلا بهداية ربه له، كما
لا سبيل له إلى عبادته إلا بمعونته، فلا سبيل له إلى الإستقامة إلا بهدايته.
وقوله:{غير المغضوب عليهم ولا الضالين} يتضمن طرفي الانحراف عن الصراط
المستقيم وأن الانحراف إلى أحد الطرفين انحراف إلى الضلال الذي هو فساد العلم والاعتقاد
والانحراف إلى الطرف الآخر انحراف إلى الغضب الذي سببه فساد القصد والعمل.
فأول السورة رحمة، وأوسطها هداية، وآخرها نعمة، وحظ العبد من النعمة على قدر خظه
من الهداية، وحظه منها على قدر حظه من الرحمة، فعاد الأمر كله إلى نعمته ورحمته.
والنعمة والرحمة من لوازم الربوبية، فلا يكون إلا رحيماً منعماً وذلك من موجبات إلهيته.
فهو الإله الحق وإن جحد الجاحدون وعدل عنه المشركون، فمن تحقق بمعاني الفاتحة
علماً ومعرفة وعملاً وحالاً فقد فاز من كماله بأوفر نصيب، وصارت عبوديته عبودية
الخاصة الذين ارتفعت درجتهم عن عوام المتعبدين، والله المستعان.