سكينة بنت الحسين سيدة جليلة ذات نبل ومقام رفيع، كانت تجالس الأجلة من
قريش ويجتمع إليها الشعراء والأدباء، فيحتكمون إليها فيما أنتجته قرائحهم
فتبين لهم الغث من السمين، وتناقش المخطئ مناقشة علمية فيقنع بخطأه ويقر
لها بالفضل وقوَّة الحجة وسعة الاطلاع.
سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، واسمها: آمنة، وقيل:
أميمة، وقيل: أمينة، وسكينة لقب عُرِفت به، وأمها الرباب بنت امرئ القيس بن
عدي بن أوس الكلبي وقدمت سكينة دمشق مع أهل بيتها بعد قتل أبيها يوم كربلاء
ثم خرجت إلى المدينة، ويقال: إنَّها عادت إلى دمشق بعد ذلك.
حدثت عن أبيها وروى عنها فايد المدني مولى عبيد الله بن أبي رافع، كما روى
عنها أهل الكوفة.
كانت سكينة بنت الحسين بمنزلة عظيمة من الجمال والأدب والفصاحة، كما كانت
سيدة نساء عصرها ومن أجمل النساء أخلاقًا، وأحسنهن شَعرًا، فكانت تُصفِّف
جمَّتها تصفيفًا لم يُرَ أحسن منه والطُّرَّة السَّكينيَّة منسوبة إليها وكانت نبيلة وكريمة
وشاعرة، ومنزلها مألف الأدباء والشعراء، فكانت تجمع إليها الشعراء فيجلسون
بحيث تراهم ولا يرونها، وتسمع كلامهم فتفاضل بينهم وتناقشهم وتجيزهم، قال أحد
معاصريها: أتيتها، وإذا ببابها جرير والفرزدق وجميل وكثير، فأمرت لكلِّ واحدٍ بألف
درهم، كما كانت سكينة من أجلِّ نساء قريش، وكانت شهمة مهيبة تُجالس الأجِلَّة
من قريش، دخلت على هشام بن عبد الملك في قواعد نساء قريش فسلبته منطقته
ومطرفه وعمامته فدعا هشام بثيابٍ غيرها فلبسها.
اختلفت الروايات في عدد زيجات السيدة سكينة بنت الحسين، فبلغت في بعض
الروايات ست مرات، وتضاءلت في رواياتٍ أخرى فلم تتجاوز الواحدة أو الاثنتين.
واختلفت الروايات -أيضًا- في ترتيب أزواجها؛ فقيل: إنَّ أول من تزوجها مصعب
بن الزبير بن العوام وقتل عنها، وقيل -أيضًا-: إنَّ أوَّل أزواجها الحسن بن الحسن
بن علي، ثم مصعب بن الزبير، ثم خلف عليها عبد الله بن عثمان بن عبد الله بن
حكيم بن حزام بن خويلد وهلك عنها، فخلف عليها زيد بن عمرو بن عثمان بن
عفان وهلك عنها أيضًا، فتزوَّجها إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، فأقامت معه
ثلاثة أشهر، وفرَّق بينهما هشام بن عبد الملك، ثم بعد ذلك خلف عليها الأصبغ
بن عبد العزيز بن مروان وكان والي مصر، وطلقها قبل أن يدخل بها، وقيل -
أيضًا-: إنَّ أوَّل من تزوَّجها عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب وقُتِل قبل
أن يدخل بها.
أمضت سكينة بنت الحسين عمرها فى رحاب المدن المقدَّسة، حتى توفيت بالمدينة
فى الخامس من شهر ربيع الأول عام (117هـ= 735م)، وصلى عليها قاضي
المدينة شيبة بن نصاح.