الشيخ همام الحقيقي فهو بكر الابناء الذكور للشيخ يوسف زعيم قبائل الهوارة ... تلك
القبائل التى هاجرت إلى مصر من المغرب فى عهد الدولة الفاطمية وإستقرت فى صعيد
مصر وتمتعت بقدر هائل من الثروة والنفوذ وسيطر شيوخها على مقاليد الأمور فى الصعيد
حتى عام 1575 م (893 هـ).
والهوارة ينتمون إلى الأمازيغ يقول ابن خلدون: وهوارة هؤلاء من بطون البرانس باتفاق
من نسابة العرب والبربر ولد هوار بن أوريغ بن برنس كانت هوارة على المذهب الأباضي
وناصروا الخوارج ولكن شتت شملهم الفاطميون وقام قراقوش بقتل آخر ملوك بني الخطاب
في ودان(ليبيا) فارتحل جلهم(وخاصة زويلة من هوارة)إلى مصر اجبرهم العثمانيون
للقتال معهم ليكونوا جنودا في الجيش العثماني ثم اقطعوهم البحيرة مكافئة لهم على حسن
بلائهم في القتال ولكنهم تمردوا عليهم لكن العثمانيين هزموهم ففروا إلى الصعيد الذي كان
يعيش فيه العرب المكبين على علوم الدين والذين ابعدهم العثمانيين عن القتال وذلك لأن
العثمانيين كانوا يخشون ان يعود العرب للمطالبة بأحقيتهم في الخلافة التي فقدوها بنهاية
الدولة العباسية لهذا استعمل الهوارة قدراتهم العسكرية فيهم ليستولوا على الامور في الصعيد
حتى ظهور كبيرهم همام بن يوسف أحمد الهوارى .
وكان مولد رجلنا الذى آلت إليه زعامة قبائل الهوارة فى فرشوط محافظة قنا سنة 1709 م
(1121 هـ) وقد لعب همام دورا مهما فى حياة الصعيد فى النصف الأول من القرن الثامن
عشر فقد وصف الجبرتى دواوينه وجيشه وجواريه وثرواته الطائلة وكرمه تجاه الفقراء
والمحتاجين كما تم تقدير جيشه عند الرحالة الأجانب بـ 35 ألف مقاتل .
وبرغم أن شيخ العرب همام وهو اللقب الذى أخذه من خلال تحالفه مع مجموعة من القبائل
العربية لمحاربة المماليك ورث زعامة الصعيد من جده وأبيه ورغم أنه صار الملتزم الأوحد
للصعيد من أسيوط حتى أسوان برضا الدولة العثمانية إلا أن زعامته أقلقت السلطة المملوكية
بقيادة على بك الكبير الذى أراد أن يبسط نفوذه على الصعيد فوجد همام عقبة أمامه .
وقام الامير همام بتأسيس شبه دولة فأنشا الدواوين لإدارة شؤون الاراضى الواقعة تحت
سيطرته ولرعاية العاملين عليها وشكل قوة عسكرية من الهوارة والعرب ومن المماليك
الفارين من حكم علي بك الكبير فدقت أبواق الحرب بين دوله في الجنوب يرأسها همام ولد
يوسف أحمد الهوارى ودوله أخرى في الشمال يراسها على بك الكبير الذي كان حليفا للروس
وكان يعدهم بان يدخلوا مصر على جثه همام (أمير الصعيد) فأمدوه باكثر الأسلحة تطورا
في هذا الوقت فبعث همام(شيخ العرب)جيشا كبيرا جمع فيه عدة جيوش من الصعيد ومن
هواره وعلى راسهم (إسماعيل الهوارى) ابن عم الشيخ همام وزوج اخته وخال أولاده
اختاره همام ليكون قائدا للجيش وبدأت الحرب وكانت الغلبه من نصيب اهل الصعيد وهواره
في البداية ولكن بسبب مكر المماليك استطاعوا ان يخدعوا إسماعيل الهوارى ويجعلوه يخون
ابن عمه وانتصر المماليك بسبب الخيانة ودخلوا فرشوط وجعلوها كوما من الرماد فإتجه
همام إلى النوبة ليبنى جيشا اخر من الصعيد ولكنه لم يستطع بسبب الموت فتوفى في الطريق .
وقد أشار إليه رفاعة رافع الطهطاوى فى كتابه الشهيرتخليص الإبريز فى تلخيص باريس
(1834 م) قائلا:"ولكن لما كانت الرعية لاتصلح ان تكون حاكمة ومحكومة وجب أن
توكل عنها من تختاره منها للحكم وهذا ما حصل فى زمن حكم الهمامية فكانت الصعيد جمهورية
إلتزامية". ومن أشهر العلماء الذين كانوا يعيشون في أرض شيخ العرب همام الشيخ علي بن
صالح الشاوري المالكي مفتي فرشوط والذي تلقى علومه بالأزهر ثم عاد إلى فرشوط وتولى
الإفتاء بها وقد اهتم شيخ العرب همام بالشاوري اهتماما كبيراً وأكرمه إكراماً كبيراً وكان يقبل
وساطته في أي أمر مما أدى إلى إشتهار أمره . وبعد وفاة شيخ العرب همام غادر الشاوري
فرشوط وحضر إلى القاهرة وظل بها حتى وفاته عام 1185 هـ/ 1771 م .
وقد مات الشيخ همام فى إسنا التابعة لمحافظة الأقصر حاليا بعيدا عن قلعته فرشوط التى تم
نهبها من قبل المماليك .. مهموما وحزينا إثر تعرضه للخيانة من أبناء عمومته وهزيمته
على يد المماليك وقد ورث همام من قبيلته كره المماليك لذا دخل معها فى صراع عريض فقد
كان شأنه شأن كل القبائل التى تقطن الصعيد ويغلب عليهم طابع العداء للسلطة المملوكية .
وخربت قصوره وتشتت قبيلته فمنهم من سافر إلى بلاد الشام ومنهم من رحل إلى تركيا أما ابنه
درويش فقد أخذه محمد أبو الدهب وأعطاه العفو وأسكنه جنب منزله ويقال إن درويش حين كان
يتجول فى القاهرة تتبعه الناس لجمال وجهه ولسيرة أبيه حتى تم العفو النهائى إليه وأتى للصعيد
مرة ثانية لُيثبت جذورا لأبيه همام موجودة حتى الآن فى فرشوط .